|
انتصار ساحق لايفو موراليس في بوليفيا.
خورخي مارتان
الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 09:25
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
رغم ان النتائج الرسمية لانتخابات يوم الأحد الماضي لم ُتعرف بعد، تأكد ان ايفو موراليس Evo Morales سيصبح رئيسا لبوليفيا. إذ سيصبح بحصوله على اكثر من 50% من الأصوات، رئيسا للبلد على نحو آلي ، وهذا ما لم يتوقعه أي استطلاع للرأي. لم يتجاوز أفضل ما منحته الاستطلاعات نسبة 34% من الأصوات.
ولم ينجح توتو كيراغو Tuto Quirago ، مرشح الاوليغارشية والسفارة الأمريكية، في الحصول على اكثر من 31% من الأصوات. لكن الأمور ليست بهذا القدر من الوضوح في البرلمان. اذ يبدو ان حزب موراليس، الحركة نحو الاشتراكية MAS، لن يحصل على الأغلبية، لكنه سيشكل اكبر فريق برلماني.
فاز موراليس بجلاء في كل المحافظات الانديزية andains :لاباز (63.9%)، كوشابامبا(60.1%)، اورورو(61.6%)، بوتوزي(53.2%) و شوكيزاكا(46.6%) . كانت هذه المناطق مركز الحركة الثورية التي أطاحت الرئيسين السابقين (سانتشيز دو لوزادا و كارلوس ميزا). وفي إل آلتو- المدينة العمالية، فوق لاباز، التي اعتبرتها منظمات العمال والفلاحين"هيئة أركانهم الثورية"، حصلت الحركة نحو الاشتراكية على انتصار ساحق. وفي الدائرة 15 حصل مرشح الحركة نحو الاشتراكية، توني كوندوري، الذي كان حتى فترة قريبة عضوا بالهيئة التنفيذية لفدرالية لجان الأحياء القوية، على 70.9 % وهي نسبة غير مسبوقة.
يبرز هذا على نحو جلي ان النصر الانتخابي امتداد للنضال الثوري الذي خاضه العمال والفلاحون البوليفيون خلال السنتين او الثلاث الاخيرة. وبقدر ما لم يستولوا على السلطة لما كان الأمر متاحا، في اكتوبر 2003، ثم في يونيو 2005، بفعل افتقاد قيادتهم لخطة واضحة وترددها في لحظات حاسمة، انزاحت الحركة إلى المستوى الانتخابي. والنتيجة هذا الفوز الساحق للحركة نحو الاشتراكية.
و أحدثت نتائج الحركة نحو الاشتراكية المفاجأة حتى في المقاطعات المحافظة عادة. فقد حصلت في سانتا كروز، قلعة الاوليغارشية، على 30% من الأصوات و زهاء 30% في تاريخا. تبرز هذه النتائج ان الانقسام الفعلي طبقي رغم محاولة الطبقة السائدة تقسيم البلد حسب المناطق. وفي سانتا كروز خاض كل من المنظمة الإقليمية للاتحاد العمالي البوليفي COB وحركة معدومي الارض MST الحملة الانتخابية بنشاط لفائدة الحركة نحو الاشتراكية .
وفي الآن ذاته ُكنست الأحزاب التقليدية للطبقة السائدة البوليفية من الساحة الانتخابية. فالحركة الوطنية الثورية MNR ، التي بدأت كحزب برجوازي قومي إبان ثورة 1952، لتصبح لاحقا إحدى الأحزاب الرئيسة للاوليغارشية والإمبريالية، لم تحصل سوى على 6.7 % من الأصوات. اما حركة اليسار الثوري MIR و l’AND ، الحزبان البرجوازيان الآخران، فقد اصبحا حزبين خارج البرلمان. سيكون هذا النصر اكبر لولا قيام المجلس الوطني الانتخابي بإزالة زهاء مليون شخص، اغلبهم في أقاليم فقيرة وعمالية، من القوائم الانتخابية. جاء فوز الحركة نحو الاشتراكية اثر حملة بالغة التقاطب، أطلقت خلالها شركات الغاز والنفط متعددة الجنسية، والسفارة الأمريكية، والطبقات السائدة البوليفية، شتى ألوان الاتهامات ضد موراليس :"عميل الإمبريالية الفنزويلية و صديق"الدكتاتور الشيوعي كاسترو" ، الخ.
جلي ان جماهير العمال والفلاحين صوتت ضد الإمبريالية الأمريكية وضد سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على موارد البلد. كما ان هذا التصويت موجه ضد الاضطهاد القديم التي يتعرض له السكان الأهالي. فحتى حدود سنوات 50 لم يكن بإمكان السكان الأهالي السير في ساحة موريو حيث يوجد الكونغرس.
لقد سدد العمال والفلاحين والفقراء بوجه عام ، بتصويتهم على الحركة نحو الاشتراكية، ضربة لمضطهديهم. بعد قول هذا، سيتعرض ايفو موراليس لضغوط قوية. فمن جهة باتت شركات الغاز متعددة الجنسيات، والسفارة الأمريكية والطبقة السائدة المحلية، تطالب باحترام حق الملكية الخاصة وباتفاق "تبادل حر" مع الولايات المتحدة وباستئصال مزارع الكوكا.
ومن جهة أخرى، صوت مئات آلاف العمال والفلاحين لصالح الحركة نحو الاشتراكية بناء على اعتقاد ان موراليس سيطبق" اجندة أكتوبر"، أي مجموع المطالب التي أدت إلى انتفاضة أكتوبر 2003: تأميم الغاز، والإصلاح الزراعي، وإلغاء الإصلاحات الليبرالية، وبالنسبة للبعض دعوة جمعية تأسيسية.
أبان عمال بوليفيا وفلاحوها في السنوات الاخيرة أن الأمر بالنسبة إليهم مسألة كفاح حتى الموت. إذا لم تستجب حكومة الحركة نحو الاشتراكية لمطالبهم، سيحاولون مرة أخرى بلوغ غاياتهم بالنضال الجماهيري المباشر. الحركة الثورية واثقة بالنفس، وقد حققت جملة انتصارات ( لاسيما النضال ضد خصخصة الماء في كوشابامبا و إل آلتو). ورغم أنها ضيعت فرصا للاستيلاء على السلطة، فقد أطاحت رئيسين خلال السنتين الأخيرتين. وقد يبدي الوضع اوجه شبة مع الايكوادور . فبهذا البلد كذلك عبرت حركة الجماهير، بعد ثورة 2000 المجهضة، عن نفسها انتخابيا مع فوز لوسيو غوتييرز. لكن عندما طبق هذا الأخير السياسة المملاة من الإمبريالية اسقطته حركة جديدة بعد اشهر. و إذا سار موراليس على هدى لوسيو غوتييرز، فسيلقى نفس العاقبة: ستطيحه نفس القوى التي رفعته إلى سدة الحكم.
تدرك اذكي أقسام الطبقة السائدة العالمية أن موراليس قد يكون آخر فرصة لابقاء بوليفيا "تحت التحكم" بقدر ما ان أي محاولة لفرض ديكتاتورية عسكرية، ستؤدي لا محالة، في هذا الطور، الى حرب أهلية. هكذا تنصح فايننشال تايمز واشنطن بـ" ألا ترد على خطابة موراليس حول خططه عن إلغاء تجريم الكوكا والتقارب مع كوبا وفنزويلا"، وتضيف" يجب الا تخضع الإدارة الأمريكية لضغوط العناصر اليمينية التي ستطالب بوقف برنامج المساعدات". انهم يعولون على وضع تدفع فيه واشنطن موراليس ببطء نحو اليمين، كما احسنوا فعله مع لوسيو غوتييرز:"تمثل تلك البرامج الفرصة المثلى لمواصلة نفوذ الولايات المتحدة في بوليفيا. فقد يدفع وقف المساعدات موراليس نحو اليسار ويسرع التقاطب السياسي لتلك المنطقة ".
يبدو هذا كله جيدا على الورق، لكن في الواقع سيتعرض موراليس كذلك لضغط الحركة الثورية.علاوة على ان الجماعة بالغة الرجعية التي تقود سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بأمريكا اللاتينية لا تتشكل من أفراد أذكياء على نحو خاص.
قدم موراليس خلال الحملة الانتخابية وعودا كثيرة لأنصاره. لكنه حرص أيضا على طمأنة الشركات متعددة الجنسية. قبيل الانتخابات قال موراليس للاغاسيتا:" اذا انتخبُت رئيسا سيكون من واجبي، مع الأسف، ان احترم تلك القوانين النيوليبرالية. سيكون بوسعي ان أقوم بتغييرات بمراسيم وأخرى بالبرلمان- لكن لن يكون ثمة تغييرات كبيرة فورا،لأنه يتعذر كنس 20 سنة من القوانين النيوليبرالية دفعة واحدة". وفور ظهور أولى نتائج الانتخاب التي أعلنت فوزه أشار إلى المطلب الرئيس لحركة العمال والفلاحين، مطلب تأميم الغاز قائلا:" ستمارس الحكومة حقها على نحو يجعل المحروقات ملكية للدولة. لكن هذا لا يعني مصادرة او نزع ملكية أصول الشركات متعددة الجنسية".
كما شهدنا خلال حكومة ميزا( التي حظيت بدعم الحركة نحو الاشتراكية)، يستحيل في سياق كسياق بوليفيا، حيث موارد طبيعية هائلة و سكان مفقرين جدا، إرضاء الشركات متعددة الجنسية والجماهير في الآن ذاته. سيتعين على موراليس ان يختار. جاء تشافيز إلى السلطة في فنزويلا ومعه برنامج واسع للإصلاحات الديمقراطية، لكنه بات الآن يفسر ان هكذا برنامج غير ممكن التطبيق في نطاق الرأسمالية. والحال انه مستحيل اكثر في بوليفيا.
فيما مضى لم يدفع موراليس، وباقي قادة الحركة نحو الاشتراكية، أبدا نضال العمال والفلاحين حتى نهايته، لأنهم كانوا يضعون كامل ثقتهم في النظام البرلماني البرجوازي. و لحد الساعة، نتيجة عجز قادة العمال عن الاستيلاء على السلطة، فاز قادة الحركة نحو الاشتراكية بانتخابات برلمانية. و سيواجهون امتحانا، وتلك مرحلة لا غنى عنها في تطور وعي الجماهير.
تقدم غارسي لينرا، المرشح إلى نيابة الرئيس، بفكرة إمكان بناء نوع من الرأسمالية الوطنية الانديزية، تتيح تطوير اقتصاد البلد. لكن ذلك أسوأ اليوطوبيات. ان الطبقة السائدة ببوليفيا اكثر تبعية وخضوعا إزاء الولايات المتحدة الأمريكية من نظيرها في فنزويلا. ويمد هذا الخضوع جذوره في تقاليد عريقة منذ بارونات القصدير المستقرين في لندن وسويسرا والذين يتحكمون بالبلد في القرن 19 الى سانتشيز دو لوزادا الرئيس الذي تلقى تكوينه بالولايات المتحدة ويتحدث الأسبانية بنبرة إنجليزية.
كلما حاولت الحركة العمالية البوليفية دعم قطاع" تقدمي" من الطبقة السائدة الوطنية او البرجوازية الصغيرة، انتهى الأمر بكارثة وديكتاتورية عسكرية. انتهت دوما القطاعات "التقدمية" أو "الثورية" من الطبقة السائدة إلى التحول إلى وكيل رئيسي للسيطرة الإمبريالية( كما كان شأن الحركة الوطنية الثورية MNRوحركة اليسار الثوري MIR).
لن تتمكن بوليفيا من التطور فعلا سوى عندما توضع مواردها الطبيعية تحت تحكم العمال والفلاحين. تمثل سنوات النضال الاخيرة مدرسة تعلمت خلالها قطاعات متزايدة من الجماهير ان لا مخرج في إطار الرأسمالية. يجب فصاعدا على المناضلين الأكثر وعيا بالمنظمات العمالية ان يستعدوا للموجة الثورية القادمة حتما.
20 ديسمبر 2005
خورخي مارتان نشر يوم 24 ديسمبر 2005
حاشية : منذ كتابة هذا المقال أعلنت النتائج الرسمية نجاحا أكبر لموراليس الذي حصل على 53.7 % من الأصوات، بينما لم يحصل توتو كيراغو سوى على 28.5% .
عن موقع www.lariposte.com
تعريب المناضل-ة
#خورخي_مارتان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|