أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الطيب بدور - الزقاق / قصة قصيرة














المزيد.....


الزقاق / قصة قصيرة


محمد الطيب بدور

الحوار المتمدن-العدد: 5351 - 2016 / 11 / 24 - 22:23
المحور: الادب والفن
    


كنت حديث العهد بالسكن في هذا الزقاق البعيد عن هرج الشوارع المزدحمة ...شقتي بالطابق الثاني
تطل على مقهى صغير ...تستقبل خيوط الشمس المتسللة بين أغصان شجرة عالية تسابق علو العمارة و تعانق أجواء سماء تهطل بالعصافير و الحمام ...
هالني صمت المكان ...و استقبلت يوما جديدا بالنزول الى المقهى ...و صادف ذلك يوم عطلتي ...
أمام المقهى طاولات قصيرة و كراس من سعف النخيل ...أرضية مبللة ... بعض العيون رصدتني
جديدا ...صباح الخير ..أأنت الساكن الجديد ؟ قلت نعم ...ولم أعلم الى أي درجة يهتم المتساكنون هناك بكل جديد في زقاقهم...أردت دفع الحساب و التمشي قليلا لأكتشف محيطي الجديد...قال النادل ان الحساب مدفوع...مرحبا بك ...قلت من ؟ قال...لا يهم...
وقفت وسط الزقاق الطويل ...لا يمكن الخروج من جهة اليسار...هناك جدار عال بعرض الزقاق يسد الأفق ...و تمشيت يمينا ...بدت لي الأرضية مزركشة بمربعات كبيرة فسيفسائية ...لماعة ...على طول الزقاق ...و على الجانبين و تحت الشقق المعدة للسكن ...دكاكين مقوسة الأبواب و النوافذ..
تتسلقها أغصان نباتات و أزهار و ورود ...تبعث بعطر يلج الى شرايين القلب ...تزيدها ابتسامة
التجار و هم يردون تحية الصباح سحرا لا مثيل له ...قلت لاشك أنني أحلم ...فمتى أستفيق ؟
رجعت الى شقتي ...استندت الى سياج حديدي بالنافذة المطلة على الزقاق ...و دبت حركة ...أذهلتني
امتلأ المقهى ...و على الأرصفة الضيقة اصطف باعة ...بعرباتهم الصغيرة ...أغلبهم من كبار السن رجالا و نساء ...يرشون بالماء الغلال و الخضر المعروضة ...و نساء تطل من شرفات الشقق العالية...يدلين بحبال مشدودة الى قفاف و أوعية ...يتلقفها الباعة ...يقرؤون ورقة و يملؤونها ببضاعتهم ...حركة تتكرر كل يوم تقريبا ...فأستهوي الجلوس مساء و ملاحظة الحياة كما هي أمامي...و أشعر بأنني أصبحت جزءا من هذا النسيج المتحرك في مكان ما لا علاقة له بالصخب و الازدحام و وجع الرأس ...
في الطابق الثاني المقابل لشقتي ...أنزل رجل حبلا ...تدلت منه قفة صغيرة ...تلقفها نادل المقهى..
وضع بها الطلب و قال ...اجذب يا عم سعيد ...ستصلك الجريدة أيضا ...لم أسمع هذا الصوت فقط..
سمفونية نداءات الباعة و موزع البريد على دراجته و بمنبه مميز يوزع التحيات و ينادي أسماء بعينها ...لتنزل ...فتتسلم الرسائل و سلاما من وراء البحار...يمر على الأم مبروكه...يقول ..صباح الخير...آسف ...صندوقي لم يتعطر برسالة ابنك ...و يمضي ملوحا متمايلا ...يلتقي بطفل صغير...تعال يا سامي...يركبه أمامه ...و يجط به أمام منزل في آخر الزقاق..
عم سعيد ...تصله كل طلباته و هو لا يغادر شقته ...رجل مقعد يتنقل في شقته على كرسي متحرك ...يعرفه الجميع و يلبون طلبه حسب أوقات نزول حبله و قفته الصغيرة ...صنع لنفسه حديقة صغيرة
بنافذته التي يطل منها على العالم ..أوحى لجيرانه بأن يفعلوا مثله ..فاكتست النوافذ و الأبواب حللا من النبات و الورود ..بدأت أفكر في حديقتي ...و كانت لي جلسات مع عم سعيد ...في المساء خاصة و نحن نستعرض مستجدات اليوم ...
و ذات يوم ...قدمت جرافة كبيرة...هز هديرها الزقاق ...توجهت الى ذلك الجدار العالي ...هدمته...فتعالى الغبار و غطى الشرفات ...تلوثت أرضية الزقاق بالأتربة ...و فتحت فوهة أطلت على شارع كبير...أرسل بالدراجات النارية و السيارات ...و مارة لم يمروا من هنا ...و باعة آخرون...لم يعد أحد يكترث لحديقته ...حتى موزع البريد اختفى ...
أنزل العم سعيد حبله و قفته الصغيرة ...أراد جذبها ...كانت مملوءة بالخضر و الغلال... شعر و هو
يجذبها بأنها تستعصي ...أعاد الجذب ...كان خفيفا ...اختفت القفة ...و رجع الحبل فارغا ...بينما أحد الأصوات ينادي...عم سعيد ...اختطفوا قفتك ...
و منذ ذلك اليوم أغلق عم سعيد نافذته ...و لم يعد حبله يتدلى من الشرفة...



#محمد_الطيب_بدور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل لي بزهرة ؟
- قولي للربيع لا تأت / قصيد
- حنين / خاطره
- نبض الروح / خواطر شعرية
- نهاية السفر / قصة قصيرة
- ليس اختياري
- ابتسامة و انهيار / قصة قصيرة
- المصير / قصة قصيرة
- رصيد معطلة عن العمل
- قبل النهاية / قصة قصيرة
- أجنحة لا تطير / قصة قصيرة
- أين أنت ؟
- المدرسة : قاطرة أم مقطورة ؟ أداة للرقي الاجتماعي أم عامل مسا ...
- الأماكن
- الاصلاح التربوي بين الفشل و رهانات النجاح
- أماه
- واحدة بواحدة قصة قصيرة
- الأمل


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الطيب بدور - الزقاق / قصة قصيرة