|
موت المبدع
هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)
الحوار المتمدن-العدد: 5344 - 2016 / 11 / 15 - 16:30
المحور:
الادب والفن
موت المبدع ! الى وضّاح محسن الجنابي هادي الحسيني لم يكٌ صديقي ، لكنه كان صديقاً لاخي (ستار) منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ، قصير القامة ، وجهه المستدير يضج بالإبتسامات الجميلة ، شعره المنثور بطريقة بيكاسوية ، أناقته المتميزة ، ربطة عنقه ذات الألوان الزاهية ، كتب الصف الرابع العام ، تخطيطاته ورسومه التي تملأ كتبه وهو يذهب الى اعدادية الأمين الواقعة في منطقة القادسية المقابلة لمدينة البياع . كان وضاح محسن يعشق الرسم ويرسم بطريقة بارعة ، وذات يوم من عام 1979وهو في بيتنا شدته تقاطيع وجهي وأنا صبي كنت أفتح قميصي الجديد من علبته ، فقال لي : لا تتحرك أبق على جلوسك في هذا الكرسي ! وأخذ قطعة كارتونة القميص البيضاء وبدأ برسم بورتريه لي ، كنت أحتفظ به في بيتنا لسنوات طويلة ، ثم ضاع كما ضاعت أحلام وتطلعات العراقيين في بلادهم الجميلة بعد أن بدأت حرب العراق وايران عام 1980 . وضاح محسن الفنان المبدع الذي كانت رسوماته تنتشر داخل اعدادية الأمين التي يدرس فيها بتفوق في فرعها العلمي وينتظر النجاح لكي ينتقل الى أكاديمية الفنون الجميلة في قسم الرسم كان يقرأ كل كتب الفن في اوروبا وامريكا ويقرأ الروايات العالمية وكان والده ( محسن ) يحاول أن يهين وضاح بطرق كثيرة ! ولطالما أفتعل معه المشاكل بسبب الرسم والكتب التي يقرأها وبخاصة كتب اليسار ! وأحيانا كان يأتي بيتنا مثقلا بالحزن ، والجيوب الخاوية التي يتعمد والده ان يضعه في ضيقة مالية دوما بالرغم من إمكانية عائلته الجيدة ذلك الوقت ، كان اخي ستار عونا له وأمي تبكي عليه عندما تجده في تلك الحالة البائسة ، لقد كان وضاح مبدعا وشجاعا وعصاميا وكريما وطيبا ومحبا ورحوما ودمثا باخلاقه التي لا يمكن لي أن أصف عفتها وطهارتها . وبينما بدأ يلتقي بمقهى البرلمان ونقابة التشكيليين واتحاد الادباء حتى بدأت الحرب ! الحرب العراقية الايرانية التي أكلت أحلامنا ودمرت بلادنا وهدمت كل ما هو جميل في حياة الانسان العراقي وبدأت قوافل الشهداء في دفعاتها الأولى تأتي الى أهلها لتحيلهم الى اغصان ذابلة من شدة الحزن ! في تلك الاثناء كان وضاح قد انقطع عن زيارتنا بسبب رسوبه في الصف السادس اعدادي جراء مشاكله المستمرة مع والده وكان أول الذين تم سوقهم الى الخدمة الإلزامية بعد شهور من بداية الحرب ، كان اخي ستار قد سافر الى بيروت ،وفي تلك الايام ألتقيت بوضاح في شارع الجمعيات المحاذي لمنطقتنا وهو يرتدي الزي العسكري وكان شكله قد تغير بسبب حلاقة شعره الذي كان جميلا ، ثم سألته ، وضاح هل أنت في الخطوط الأمامية للحرب ؟ قال : لا في مخازن عتاد بعيدة عن المعركة ، كان الشهداء في توابيتهم يتقاطرون على مناطق بغداد فوق سيارات التكسي الواحد بعد الآخر وبمشهد مخيف في شوارع بغداد ! بعد فترة قصيرة جداً وأنا أقف عند الشارع الرئيسي المطل على شارع بيتنا حتى شاهدت جموع غفيرة من الناس تهتف وتطلق عيارات نارية ويحملون جنازة شهيد جاءوا بها من شارع الجمعيات الرئيسي وهم يتجهون الى شارع المطار الدولي حيث تقف السيارات التي ستنقل جثمان الشهيد ! تقف السيارات في نفس المكان الذي نجتمع فيه كل صباح عندما كنا نذهب شباب وشابات المنطقة الذين يدرسون في مناطق بعيدة ويستقلون الباص رقم 80 او سيارات الفورد التي تشبه سيارات الكية اليوم ، كانوا يذهبون الى الجامعات والمعاهد والاعداديات والوحيد الذي بينهم كنت مازلت في المرحلة الاولى للمتوسطة لكني كنت أرافق أخي ستار وصديقه وضاح في الذهاب والمجيء فمتوسطتي واسمها (الفداء) كانت قرب اعداديتهم . أتذكر من بين الذين يذهبون معنا كان أكرم ياسر عبيد وهو في امريكا الآن ونجاح ، وأسامة ابو صابرين الذي هاجر في تلك الفترة قبل الحرب بسنوات الى المانيا ومازال فيها . وجزائر الذي يعمل اليوم في اللجنة الاولمبية وأسماء اخرى ، وصلت بالقرب من المشيعين وهم يطلقون رصاصات التحية للشهيد ، لكني لم أرَ احدا أعرفه من ذويه او الذين يتباكون على الشهيد ويطلقون النار ، قلت في قرارة نفسي رحمه الله . عدت الى بيتنا وانا احدث أمي وأبي عن جنازة الشهيد حتى بكت أمي بحرقة وهي تقول إن الشهيد الذي جاءوا به في منطقة الجمعيات هو ( وضاح )! يا الله يا وضاح ، هكذا جعلني القدر أمشي في جنازتك وأحييك دون أن أدري بأنك الشهيد ! وضاح أيها الصديق الطيب والفنان المبدع لقد تذكرتك اليوم بعد أن مضى على إستشهادتك في تلك الحرب اللعينة قرابة الخمسة وثلاثين عاما ! لو كان الموت تأخر بك الى يومنا هذا لكنت واحدا من اعلام الفن ، سلاما لروحك ولذكراك يا وضاح ...
15/11/2016
#هادي_الحسيني (هاشتاغ)
Hadi_-_Alhussaini#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آخر الليل
-
قصائد الدم / قراءة في مجموعة ( شريط صامت ) للشاعر العراقي عب
...
-
حوار مع الشاعر العراقي عدنان محسن
-
روح الشعر
-
حميد العقابي ،الاصغاء الى الرماد بتأن
-
حوار مع الشاعر العراقي هاشم شفيق
-
المايكروفون الذهبي
-
الاخوة الاعداء
-
حوار مع الدكتور علي عباس علوان
-
حوار في السماء مع الشاعر العراقي جليل حيدر
-
درس القمة
-
نزار قباني الشاعر الذي رأى
-
حوار مع الشاعر العراقي شوقي عبد الامير
-
حوار مع الشاعر العراقي اديب كمال الدين
-
اعدام طير !
-
هذا حطامكِ فأحمله !
-
كيف لي / الى امير الدراجي
-
شاعر وقصيدة /4 عبد الامير جرص وقصائد ضد الريح
-
الانفلات الامني الجديد!
-
كلاب البرلمان تنهش لحم الآلوسي !
المزيد.....
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
-
أحلام سورية على أجنحة الفن والكلمة
-
-أنا مش عايز عزاء-.. فنان مصري يفاجئ متابعيه بإعلان وصيته
-
ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ-بنت الأجيال-؟
...
-
دور غير متوقع للموسيقى في نمو الجنين!
-
الممثلة السعودية ميلا الزهراني بمسلسل -فضة- في رمضان
-
منظمة -الرواية اليهودية الجديدة- تندد بشكل لا لبس فيه خطة تر
...
-
أفراد يحتجون.. إطلالة على علم النفس الاجتماعي للاحتجاج
-
الشرطة تناشد الشهود لتزويدها بأفلام وصور إطلاق النار في المد
...
-
المشهور الغامض.. وفاة الفنان المصري صالح العويل
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|