|
ان قلت اعلم ، فأنت فعلا لا تعلم
عبد الرزاق عوده الغالبي
الحوار المتمدن-العدد: 5333 - 2016 / 11 / 4 - 22:57
المحور:
الادب والفن
إن قلت أعلم فأنت فعلاً لا تعلم
عبد الرزاق عوده الغالبي
من لا يعرف جيري ، إنه فأر، بطل مغوار ، وقح مشاغب ، متحرش بكل عابر وسابل ، غادٍ و قادم ، عدوه اللدود ، توم ، ذاك القط المدلل المتراخي ، وعداوتهما تملأ تلفزيونات العالم ، غاب توم يوماً لسبب غير معروف ، شعر جيري بفراغ قاتل ،فَخَرَج إلى طريق القوافل ، يتفرج على المارة ، شاهد بالصدفة ، قافلة من الجمال ، يقودها جمل كبير ، أراد جيري كالعادة أن يتحرش بهذا الجمل المتغطرس ، فركض وتقدم القافلة ليقودها بدلاً منه ، ابتسم الجمل ولم يغضب أو يمنع جيري من مأربه الخبيث ، وسارت القافلة بقيادة جيري المشاغب ، والجمل يتبع خطواته باحترام وتقدير ،حتى جعله يصدق أنه القائد فعلاً ، اندمج جيري بالدور تماماً .....
مرت غويمات صغيرة ، بيضاء تعرف مهاترات جيري المشاغب ، وأرادت أن تلاطفه ، وهي تتضاحك وتتمازح فيما بينها ، شدها منظر جيري الغريب ، فرشقته بتيار خفيف بارد من مزنة ربيعية ، هبّت بعدها نسيمات ناعمة خفيفة ، شعر بعدها بلسعة برد ، فارتجف جسده ، ولم يتحرك الجمل أو حتى يتأثر من تلك النسيمات ، فهي نسيمات منعشة لا تزعج أحداً، إلا الخبثاء فقط ، تغير مزاج جيري نحو الأسوأ بعد أن شاهد الجمل ، يضحك خلفه ، فصاح عليه بلهجة آمرة :
-" لماذا تضحك أيها الغبي ، أنتم الجمال سفهاء جداً تضحكون لأي سبب، حتى وإن كان سخيفاً...!؟"
رد الجمل بحنكة وعدم اكتراث قائلاً:
-" لاتنزعج يا قائدي ، أنا لا أضحك عليك مطلقاً ، فأنا احترمتك وسمحت لك أن تقود القافلة بدلاً مني....!"
انتفخت أوداج جيري بالكبرياء ورد بخيلاء :
- " كنت أظن أنك تضحك على حجمي ، فنحن الفئران حجومنا صغيرة وعقولنا كبيرة، عكسكم تماماً أيها الجمال الأغبياء ...!"
لم ينزعج الجمل من كلام جيري مطلقاً ورد عليه باحترام قائلاً :
-" أنا لا أضحك عليك أنت بالذات ، يا قائدي العظيم ، بل أضحك على الزمن العاثر الذي جعل فأراً يقود جمالاً...!!"
سار جيري بخيلاء وتكبر، يتقلب أمام قافلة الجمال متصوراً نفسه عظيماً في الشأن بعد أن سمع رد الجمل الذكي ، فالكثير من المخلوقات الفارغة ، خصوصاً الإنسان ، وكطبيعة لا تقبل النقاش ، يتصور نفسه أفضل المخلوقات ، و للحكماء رأيهم في ذلك ، الأغبى من تصور نفسه أذكى الآخرين ، فقد أوصله غباؤه إلى قول ذلك ، فلو كان يدرك شيئاً ، لعرف ، إن الإنسان لو عاش عشرين عمراً كعمره ، يستعصي عليه قول أعلم ، فكلما زاد علماً ، أدرك فعلاً أنه لا يعلم ، وتلك حقيقة ، حين ينصحنا العقلاء وأصحاب التجربة ، ألّا نورّط أنفسنا بمناقشة متخلف أو جاهل ، لأنّنا سنفشل بالنقاش حتماً ً، لسبب بسيط ، هو أننا لا نحسن التخلف ، ولا نحسن أن نقول على أنفسنا أننا نعلم ، فلو قلنا ذلك ، سينحسر الفرق بيننا وبينه ، أحياناً أرجّح السكوت على الكلام في موقف كهذا، و أجزم أن السكوت أمام المتخلف أبلغ من الكلام ....
شدني قول ممثل أمريكي مشهور ، في بلد مثل أمريكا ، راعية التحضر والتكنولوجيا في العالم : قل لهم أنك فاشل لتأمن شرهم ، وتمتع بنجاحك وحدك ، فالفاشلون لا يتحملون نجاحك ، كيف و مجتمعنا مهرجاناً للفاشلين وهو مترع بالأنانية والأفك والحسد والتخلف ....وأنا في هذا السجال الداخلي مع نفسي وصلت إلى قناعة أدركتها من هذا التوصيف الجاثم فوق صدر قلمي ، فحين وصلت القافلة نهراً صغيراً ، وقف ، القائد جيري متحيرا أمام تلك المعضلة ، فهو صغير جداً ، و عبور هذا النهر يعد انتحاراً ، و الجمل واقف يتفرج على الفأر ويضحك بقرارة نفسه ، وبعد برهة من الزمن قال :
- " لماذا وقفت أيها القائد الهمام ، نحن بانتظار أوامرك ، لماذا لا تعبر أمامنا فهو نهر صغير ، هل أنت خائف علينا من الغرق ...!....؟ لا تخف نحن نتخطاه بخطوة واحدة ، وإذا طلبت منا أن ندخل فيه فهو لا يصل حتى كعوب أرجلنا ، فماذا تودنا أن نفعل....!؟"
بقي الفأر صامتاً ، بماذا يرد ، إن الله خلق المخلوقات باختلاف ، ووزع الواجبات عليها، وجعل الحاجة هي الرابط الوثيق فيما بينها ، فلا تتصور مخلوقاً في الدنيا خلق عبثاً ، من الفايروس إلى الفيل ، إلّا وله دور وواجب في الأرض ، ولو انقرض مخلوق من تلك المخلوقات ، سيخلف حتماً نقصاً و شرخاً ملحوظاً في الحياة ، أظن أن الفأر أدرك قدراته ، فأحنى رأسه خجلاً وانكساراً أمام الجمل، وقال باحترام :
-" شكرا لك أيها الجمل ، فقد أعطيتني اليوم درساً لن أنساه ما حييت ، إن قدرات المخلوق يحددها العقل قبل الحجم ، فلكل حجم حيز وقدرات بمقداره ، علينا أن ندركها مسبقاً بالعقل ، فلو فهمت أنا ذلك مسبقاً ، لما وضعت نفسي في هذا الموقف المحرج ...!!؟"
ضحك الجمل بتعقل واتزان وقال :
-" لا عليك يا صاحبي فالإنسان ، سيد المخلوقات ، والذي وضعه الله قيماً علينا ، وتراه سيد الخطائين ، فهو أكثر منّا تخلفاً وعنجهية ، وهو يدعي الفهم والإدراك والعلمية ، حتى وصل الأمر بغبائه أن يثقب مكانه في سفينته، وسط البحر ليغرق غيره ، غيلة وحقداً ، ولا يدري أنه سيغرق معهم أيضاً...!"
هز جيري رأسه الصغير بالإيجاب ورحل ....!....هل يا ترى ، سيستفيد جيري من هذا الدرس وسيتعقل بالقادمات...!؟
#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زمن الانتهاك
-
الكارثة الموقوتة
-
تسواهن
-
الحنين إلى الناصرية والوطن في شعر الشاعر العراقي الشفاف
-
lمقتل سلحفاة
-
هل الغربة وطن....؟
-
انتحار قلم
-
انكسار
-
ندم
-
امبراطورية الصفيح
-
غفوة
-
كارثة
-
ادب الحرب عند الاديب السوري الكبير عماد الشيخ حسن
-
سكن
-
قراءة نقدية لنص الاديبة السورية الدكتورة عبير خالد يحيى
-
العبور الى الضفة الاخرى
-
العيش بين شفاه امراة
-
وهل العفوية جنون؟
-
الاقتضاب والتدوير والعمق الرمزي
-
رحلة المصير
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|