أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - إختلاجات الموت في موسم الحياة _قصة قصيرة














المزيد.....

إختلاجات الموت في موسم الحياة _قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5332 - 2016 / 11 / 3 - 05:26
المحور: الادب والفن
    


إختلاجات الموت في موسم الحياة

لم يكن النهر قريبا بهذا القدر المر من بيت شنداخ كما هو الآن، الجرف يتحرك كأنما يريد الأختباء من غضبة الماء المنحدر بقوة من الشمال، المطر أيضا كان من غير المعتاد أن يسقط بقوة في أواسط أذار من كل عام، ما يخشاه الجميع هنا أن تهب عواصف ورعد فالوعد هو الوعد (أذار أبو الهزاهز والأمطار)، كل شيء يوحي بليلة من ليالي الجحيم لكنها باردة جدا ومملة، وشنداخ ومن معه يحاولون بكل قوة لمواجهة النهر المتمرد والمطر الذي يحاصر الجميع، كل الخطوات التي فعلها المحاصرون بالماء لم تعمل... ولم تزرع بارقة أمل من أنهم سيتغلبون على المحنة..... عند هذه اللحظات أدرك كبيرهم أن لا ملجأ ولا منجى من هذا الحال إلا ترك الدار لقمة سائغة للنهر الغاضب، واللجوء سريعا بما يحمل أو يقاد إلى قبر السيد عبد الله أو رايات.
كان أول من عبر الوحل المحيط بحذر الصغار على ظهر الدابة التي تنوء بثقل ما حملت، النساء كانت الأكثر ثقلا وخاصة زوجة شنداخ الموعودة بمولود قريب جدا، البقرة وعجلها وبعض مما يحمل كان مربوطا أيضا على ظهرها، أصوات الدجاج وبعض صراخ متقطع هو ما يسود جو الرحلة القصيرة نحو المرقد المقدس، الأمل كل الأمل سيكون عندما يصل الجميع مع ما يحملون إلى سيد عبد الله، المسافة غير بعيدة بمقياس القرويين فهي كالعادة (شمرة عصا)، لكن في مثل هذا الحال تكون أبعد من كل أفق يرى، كانت الخطوات الثقيلة والمغموسة بالوحل والطين ضاعفت عليهم المسافة وكأن مكة ببعدها الخرافي في عقول البسطاء أقرب من سيد عبد الله إليهم.
شنداخ الرجل الطويل الذي أكتسب أسمه من جسمه يحاول أن يكون حارس النجاة الذي يتعقف القافلة الصغيرة من المنكوبين من الماء، ماء الأرض وماء السماء... بخطواته الطويلة يحاول الإمساك بكل طارئ عسى أن يبتعد الجميع عن زمجرة النهر الذي لم يتوقف عن الزحف والتمدد مهددا الجميع بليلة لن تشبها ليلة، هناك على مرمى البصر والظلام المحيط ومع ومضات البرق الخاطفة نهاية قريبة أو قد تكون، إنها أطلال قبر السيد المبنية بالطابوق والمرتفعة عن الأرض قليلا، لعل أحد ما لم يتنبه لهذا المكان فيزاحمهم على المكان، إنها الجنة الموعودة لهم بعد العذاب.
من بين طيات الظلام الحالك وصوت المطر وحفيف الريح شاهد المرتحلون بعض الأنارة الخافتة تبرق من بين أغصان الأشجار التي تقطع الطريق بينهم وبين السيد عبد الله، كان المكان شبه مشغول بالكامل كلما أقتربت قافلة شنداخ يتلاشى الأمل بفرصة للنجاة، فرصة كانت هي كل الحلم وعمود أملهم بالنجاة من هذه الليلة الملحمية... أحيانا يكون الذهاب للموت وحيدا أفضل الخيارات بدل البقاء بالجحيم مع الزحام .....
يا الله كيف حصل هذا ومن أين جاءت هذه الجموع؟، الم يعلموا أننا من هزمنا الرب بمائه؟، يا سيد ... يا سيد لماذا تسمح لهم أن يسرقوا منا مكانك؟ ....
شح ببصره للسماء مخاطبا الرب ولم يكمل، كان الماء النازل أسرع منه فقد أغلق عينه وأختلط الماء بالدمع، لهاث متقطع وأنفاس تتراكض وهم أقرب إلى المكان المقدس وكأنهم كائنات طينية تخرج من وحل الأرض لتثير الجالسين حول المرقد، محتشدون دون حراك يستدفئون بزحامهم، كأنهم أعجاز نخل تركها أعصار .....
من بين السكون والصمت المتبادل بين الجالسين والقادمين شق صوت حسنه المكان إنها تعاني من ألم، الآن تحرك الجميع ونهض المستدفئون ببعضهم كأنما صوت نبي حل بينهم، تراكض الجميع نحو حسنه، النساء تشق الوحل وتغوص فيه لتحمل صاحبة الصوت، شنداخ لم يعد ذلك الطويل الذي يرى من بين حشر، ركع كاملا حتى كأنه سلم بعجزه وأناخ بالطين وهو يتابع ما يجري، لا يفهم لماذا يجري الذي يجري وفي هذا الحين من غير أن يكون قادرا لفعل شيء ما.
بأنتظار ما بخرج به الداخلون إلى حجرة السيد وتوقف المطر الأنفاس تتلاحق والعيون تبحث عن أي حركة تنبئهم بشيء ما، الماء القادم من صوب النهر ما زال يزحف ببطء نحو الجميع، عاد البعض كما كان يستدفئ ببعض، الحيوانات التي تركت على حافة المكان هي الأخرى تمارس لعبة الهرب من البرد تتزاحم بينها فيما الذيول تتحرك بقوة، قد تريد أن تخبر الجميع أنها لا تهتم للبرد أو أنها تعاني أيضا من البرد والمطر.... الصباح قرر هذه المرة أن يتأخر كثيرا فقد مضى وقت طويل منذ أن غابت الشمس الخجولة مبكرة من السماء، حتى الديك المربوط مع دجاجاته في حزمة قرر أن يضرب هو الأخر عن العمل..... الوحيد الذي يحرص على البقاء في المشهد... حبات المطر التي تنهمر بين لحظة وأخرى ولا شيء يبدو أنه سيتغير حتى مطلع الشمس.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غناء للموت والحياة والمطر
- الفكر الإسلامي وعقلية الأحتواء
- اليسار العربي والمدنية الديمقراطية ... أختلاف وأتفاق
- فضاءات العقل الإنساني بين المتخيل والواقعي
- المدنية وصراع الهيمنة الثقافية والأجتماعية _ ح2
- المدنية وصراع الهيمنة الثقافية والأجتماعية _ ح1
- التجربة البشرية ومهمة الدين.
- الطريق إلى الوعي الطريق إلى الديمقراطية والمدنية.
- وأنا المجنون زماني
- صراع الماضي على أطلال الحاضر(تركيا الحاضر والعصملية المتجذرة ...
- تأزيم المأزوم وسياسة تشتيت الوعي
- ليس بالخمر وحده يموت الإنسان.
- وهم الظل المتعافي
- المشرع العراقي بين وهم ثوابت الإسلام ومبدأ الحرية الشخصية وح ...
- شبهة الردة وحكم النص القرآني في إبطالها
- جواد الشلال .... شاعر يركب صهوة الحب بهدوء
- القضية الأخلاقية في النظرية الفلسفية المثالية
- غدا........................
- الحزن دراسة في فهم المعنى وكشف الدلالة _ ح3
- الحزن دراسة في فهم المعنى وكشف الدلالة _ ح2


المزيد.....




- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...
- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - إختلاجات الموت في موسم الحياة _قصة قصيرة