|
أمة المال والاقتصاد ، نقص في البشر وفائض في المال
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 5331 - 2016 / 11 / 2 - 04:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمة المال والاقتصاد ، نقص في البشر وفائض في المال
مروان صباح / بهذه العبارة المختصرة كان رسول الله صَل الله عليه وسلم قد اطلق على قومه ، بالأّمة ، أنا حظكم من الأنبياء وأنتم حظي من الأمم ، وكما هو معلوم ، أن الأمة هي عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغةً أو التاريخ أو الجنس أو الدين أو كما هو حاصل ، في العصر الحديث ، مصالح فردية تلتقي في صوامع نقدية ، لكن ، الغاية ليست واحدة ، عانى اليهود على مدار القرون ، أزمات كبيرة ، أهمهما ، الاستمرار في الوجود ، وثانياً ، تحويل المنتميّن لليهودية إلى أمة ، وطالما ، واجهت اليهودية عبر التاريخ تعثرات من نوع الامتداد بين الأجيال ، المتعاقبة ، ودوام الثبات في جغرافيا الواحدة ، الذي شكل لأبنائها لاحقاً ، هاجس الابتكار وسد النواقص المزمنة ، فكان الراجح لديهم دائماً ، عدم الاقتراب من فكرة القومية أو حتى الاكتفاء بظاهرة الشعب ، بمعناه التقليدي ، البعيد عن المشاكسات ، لهذا ، كان لا بد من السيطرة على أمرين ، طريقة تفكير الإنسان وأيضاً معدته ، بالطبع ، مع معرفة حجم وثقل ، الأمم وحضاراتها ، منها قد غابت وتركت إرث متمدد أو آخرى فاعلة بقوة أو أخريات تصارع من أجل العودة .
مازال إلى يومنا هذا ، الغموض يلتف حول الانطلاقة الأولى ، التى أدت إلى كل هذا الانتشار الاقتصادي والمالي على امتداد العالم والبشرية ، لكن ما تحقق حتى الآن ، يشكل قوة بحجم أمة ، من الممكن أن يطلق المرء عليها ، أمة اليهود للمال والاقتصاد ، لا تعترف بالدِّين ولا بالجنس ولا باللغة أو بالتاريخ ، كل ما هو مطلوب ممن ينطوي تحتها ، التجرد من التاريخ والعمل من أجل جمع النقود ، وهذا ، تطلب مكبراً ، إلى إحداث انشقاقات في مجمل المركبات الكبيرة ، الراسخة والقادرة على ربط الاختلافات والتنوعات تحت الأمم ، فكانت المذاهب والقوميات ، وأيضاً ، إطلاق بعض النظريات الاقتصادية وأخرى وجودية ، عوامل حاسمة في التغير ، طبعاً ، بعد زمن من الاستبداد الديني والنظامي ، كان التغير بمثاب ، خلاص مؤقت ، لأن ، سرعان ما تورطت الشعوب في عبودية جديدة ، إيقاعها أقرب للجنون ، لم يكن عنوانها الفقر فقط ، بل ، القهر أولاً وثانياً وعاشراً .
دائماً ، احتاج التغير إلى حروب كونية ، دموية بطابعها ، مثل تلك التى حدثت في القرنيين السادس عشر والسابع من الميلاد ، في أوروبا والتى سميت بالحروب الدينية ، كان المذهب البروتستانتي يقود حركة الإصلاح ، بالطبع ، هذا الإصلاح غيّر من رؤية الإنسان الأوروبي على وجه الخصوص والغربي عامةً ، فأصبح مرتهن بالكامل إلى ما ينتجه الفكر الصناعي والاقتصادي وأُدخل عليه مفاهيم أدت إلى إلغاء الهوية ، وتلاها ، حربين العالميتين ، الأولى والثانية ، وأخيراً حرب احتلال العراق وأفغانستان ، وفي واقع الحال ، قد يختلط على المرء ، ما هو قائم من مدارس جديدة أو دين جديد ، تحت أسم الإنسانية ، وهذا ، قد يكون وبشكل محدود في مناطق مختلفة أو مربعات ، بالفعل موجود ، لكن ، في المحصلة العامة ، ليس أكثر من غطاء من أجل الوصول للغاية ، التى تتجاوز مصالح الشعوب لصالح أّمة المال والاقتصاد العالمية التى بدورها تقوم بتمويل مشاريع الحروب ودعمت الانشقاقات التاريخية .
ما يجري اليوم في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي ، ليس إلا إعادة ، انتاج ماضي أوروبا بطبعة مشرقية ، طبعاً ، بريجنسكي ، وهو واحد من أهم مهندسين الطبعة المشرقية وراسم حدود التشابك السني الشيعي في المنطقة ، قد شارك في وضع هذه الخطوط ، وهو أيضاً مغذي فكرة الإصلاح الديني في المربع السني وفي ذات الوقت ، مشجع التمرد الجهادي السني في حمل السلاح ، وهو أيضاً من أهم داعمين التمدد الإيراني الشيعي ، في المنطقة العربية ، وليس أبداً الشاهي ، تنطلق فكرته ، وهي التى أصبحت فاعلة بجدارة ، إلى ضرورة إصلاح المذهب السني ، فكرياً وسلوكياً ، الجانب ، الذي يقود الجهاد العالمي ، دون التطرق لأي اصلاح في المذهب الشيعي ، بل ، هو متروك دون تصنيف أو بالأحرى ، يشهد تقلبات تصنيفيه تلتصق بالمزاج الدولي والضغوط ، حسب الأجندات ، لكن ، في حقيقة الواقع ، إن ما يجري ليس سوى ، شطب الأمة العربية ، كفكرة وجغرافيا ، وهذا ، كله يحصل بدعم من أمة المال والاقتصاد العالمي ، التى تعتقد أن قيادة الكون لا تكون بقيادة الولايات المتحدة ، متفردة ، بقدر ، أن من مصلحة هذه الأمة ، أن تشارك دول أخرى كبرى في قيادة الكون ، وهنا تقع دول مثل إيران ، إقليمية ، أو دول محلية ، وأخرى دولية مثل روسيا والصين ، في خندق الالتباس التاريخي ، يعتقدون أنهما يقودون مشاريع إمبراطورية أو قومية أو مذهبية ، بل ، سيكتشفون في المستقبل القريب ، أنهم ليسوا سوى أدوات تنفيذ لمصلحة أمة المال والاقتصاد ، كما كان حال ، أوروبا مع بدء ما سميا بالإصلاح البروتستانتي وانتهاءً بالحرب على الإرهاب الهتلري ، حيث تحولت أوروبا إلى ملحق صغير في الحلف الأطلسي ، مهمتها الأساسية دفع تعويضات لأمة المال والاقتصاد اليهودية ، وهذا ما تسعى إليه اليوم ، فرضه من تعويضات ، مطالب دفعها ، باسم الإرهاب العربي ، ابتدأت بعراق صدام وليبيا القذافي وليس انتهاءً بالمملكة العربية السعودية ، بل ، القائمة طويلة وتاريخ المنطقة لديهم محفوظ .
بالطبع ، مفكرون أمة المال والاقتصاد على معرفة كبيرة ، بأن إيران وروسيا وأوروبا والهند والصين ، نتيجة الحروب الدموية والاستعمار والتفكيك للهوية الأصلية وتعويمهم بالمخدرات ، لم يعد متاح لهم الارتقاء إلى درجة الأمم ، بل ، هم في أفضل حال ، تجمعات فوضوية السلوك والنهج ، من الممكن أن يكونوا موظفين بدرجة ، متوسط ، وفي أحسن حال ، في وظيفة عالية ، لأن باختصار ، غارقون في التقليد الفاشل والتحريفات الدينية أو نظريات ، متعثرة الطريق ، الذي لا يمكن لحالهم ، أن يرتقي للاصطفاف مع القوى الجبارة ، بل ، ما يفعلونه ، فقط ، يتوسلون الماضي وهم غير قادرين على امتصاص الحاضر ، كما أيضاً ، مفكرون هذا الأمة ، يعلمون علم اليقين ، بأن الفكرة الأصلية الخالية من الشوائب ، موجودة في الفكر العربي ، وهي كأمة ، الوحيدة المهيأة ، وفي أي لحظة ، إلى الارتقاء لمركز اشتغال قيادة العالم كما فعلت في الماضي وحاولت من خلال مشاريع حديثة ، أن تعيد موقعها مع من يقود الكون ، طبعاً ، إن تمكنت الخلاص من الفساد .
خلاصة القول ، أدركت أمة المال والاقتصاد ، أن تعدادها البشري لا يسمح لها الانتشار في العالم ، لكنني سأضرب مثال بسيط ، هو بالغ التوصيف ، الإنسان بدأ بزراعة القهوة منذ آلاف السنين ، كما هو ظاهر ، تعود مع مرور الوقت على شربها ، الأماكن التى تستهوي تربتها ومناخها ، اليمن وغينيا وشرق أفريقيا واندونيسيا وأمريكي الوسطى وهاواي ، وللعرب الحصة الأكبر في زراعتها ، يصل إنتاج العرب للبُن ، 60 % من صادرات العالم ، ويُعد البُن اليمين ارقاهم ، لكن في نهاية المطاف ، الجميع في المحصلة ، يشتغل في زراعة البُن من أجل تزويد مقاهي شركة ستار بكس ، بالبُن ، التى بدورها تقدم لزبائنها ، قهوة جاهزة ، بمواصفات عالية الجودة ، تمتلك شركة ستار بكس في العالم حوالي 17 الف فرع ولديها أكثر من 200 الف موظف ، ويعدّ مدير تنفيذها هوارد شولتز من أكبر داعمين الجيش الإسرائيلي في مجال التطوير العسكري . من هنا ، ما على المرء ، سوى أن يقيس على ذلك ، من شربت الماء مروراً بالقهوة وأيضاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية والمواصلات ولقمة الغذاء والأكسجين الذي يتنفسه المرء في المشفى والسلاح والبنوك والمخدرات والنفط إلى الخ ، سيجد أن الأغلبية الساحقة في العالم تشتغل ونتاجها يصب في صالح ، أمة المال والاقتصاد ، شئنا ذلك أم أبينا . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة بوتين من برلين للثأر من واشنطن
-
مصير الرأسمالية والليبراليين مقابل اشباه الرأسمالية ومصائرهم
...
-
روسيا تقف على عتبة إعادة المشروع النهضوي ، دون بطاقة مرور .
-
ثنائية عرفات ودرويش
-
الدولة الوطنية ، أمام تحديات المشاريع الإقليمية والدولية
-
تحديات الدولة الوطنية أمام مشاريع إقليمية ودولية
-
محمد علي كلاي ، من رياضي القرن إلى تلميذ في المدرسة الأشعرية
...
-
حرب حزيران 1967 م كانت فاصلة وتعتبر بمثابة معركة اجنادين ..
-
الملك عبدالله الثاني يطرق باب البيروقراطية الأردنية ..
-
القاسم المشترك بين المسلمين الموريكسيين واليهود السيفارديم ،
...
-
غزو فكري مكمل للغزو العسكري والانتصار للتكنولوجيا ، مقابل ،
...
-
لم يعد النفط صالح للتهديد ، لكن هناك أسلحة آخرى بديلة
-
احذروا من اتحاد مصالح العرب ...
-
مرحلة تمكين إسرائيل إقليمياً ،، وفلسطين انتقلت من المقدس الي
...
-
هجرتان سببهم الفقر والقتل ،، تشابه في العقلية واختلاف في الأ
...
-
الأمير محمد بن سلمان ، كيف يمكن ، قطع الشك باليقين ، أن يكون
...
-
اجتثاث وإحلال ، فراغ لا يوجد قوى وطنية قادرة على ملئه
-
علاقة الصهيونية بالإمبراطوريات وعلاقة الإمبراطورية الأميركية
...
-
في ذكر رحيل ابو محمود الصباح ، تاريخ محتشد بالمواقف الأخلاقي
...
-
رحمك الله يا من مثل أحمد العربي في القطر التونسي ، شاعر الثو
...
المزيد.....
-
إسقاط عشرات الطائرات المسيرة الأوكرانية على مختلف الأقاليم ا
...
-
الرئيس الروسي يعلن استعداد بلاده للتفاوض حول النزاع في أوكرا
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تحديث لمتحف اللوفر تستغرق سنوات لاتمامه
...
-
فلسطينيون يواجهون أسوأ مخاوفهم في شمال غزة
-
مسيرات أوكرانية تستهدف منشأة للطاقة الذرية في مقاطعة سمولينس
...
-
-هآرتس-: ارتفاع مبيعات الأسلحة من صربيا لإسرائيل بنسبة 3000%
...
-
سوريا.. تنظيم -حراس الدين- يعلن حلّ نفسه
-
المبعوث الأمريكي يبحث اتفاقا شاملا للشرق الأوسط يشمل إعمار غ
...
-
القيادة العامة السورية تصدر بيانا عن لقاء الشرع وبوغدانوف في
...
-
المغرب.. توقيف مشتبه به لتورطه بالاحتيال منتحلا صفة مسؤول بم
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|