أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحيم العطري - من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 3















المزيد.....

من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 3


عبد الرحيم العطري

الحوار المتمدن-العدد: 1416 - 2005 / 12 / 31 - 07:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من مفكرة دراسة اجتماعية
تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق-3-
عبد الرحيم العطري
على امتداد أربعة شهور من سنة 2001 كان السؤال الشقي يتأجج في الأعماق بحثا عن إجابات ممكنة و مقنعة لكل هذا اليأس المعتق ، و لكل هذا البؤس المجتمعي الذي " يرفل " فيه هذا المغرب غير النافع ، كنا نعانق الألم الباذخ و الجرح الغائر لواقع يرفض الارتفاع ، و نحن نشارك في استشارة وطنية للشباب بجهة عبدة دكالة .
كنا نرتحل عبر الأزمنة و نحن نعاين الفداحة القصوى ، نصل إلى قرى و هوامش خذلها الجميع ، و تركوها تنتحب و تبكي حظوظها التعسة ، و ننتهي بعدئذ إلى أقاصي الرفاه و الثراء ، لنغوص مجددا في رحلة أخرى أكثر عجائبية ، نبحث على طول الطريق عن حبات فهم تجعلنا نهضم هذه المسافات الضوئية بين مغارب اليوم ، لكننا نعجز عن الفهم .
هذه إذن أشياء و أشياء سقطت سهوا و قصدا من مفكرة بحث وطني حول الشباب ندعوكم لمعانقتها بكل امتلاء .
تبا ... لقطران الوطن
كان منطلق البحث بالجديدة من الحي البرتغالي ، و بالضبط من أزقة الملاح التي تفوح منها الرطوبة و الفقر ، دور مهددة بالانهيار و برودة فادحة و روائح نتنة تنكشف بالرغم من كل محاولات التجميل و التلميع ، بعيدا عن المسقاة البرتغالية حيث تشتغل جيدا آلية التلميع ، على اعتبار أن السياح يقصدون المكان ، بعيدا عن الواجهة التي تعطي الانطباع بأننا في مدينة تاريخية مدللة ، كانت الحياة تبدو مختلفة هناك في الأزقة العميقة ، حيث يتعالى صوت الانحراف و الضياع المجتمعي ، سياسة التلميع لا تجدي نفعا في الهامش المنسي ، الكل هنا ينفضح أمره و تتساقط أقنعته ، و الكل هنا منقوع في اليأس و الانهيار ، جدران آيلة للسقوط و إنسان آيل بدوره للسقوط و مقبل على الانقراض ، و وطن لم يعد يؤمن به أحد.
انطلقت عملية ملء الاستمارات مع شباب لا يحمل في أعماقه إلا الهجرة نحو الضفة الأخرى ، هي فعلة البطالة من غير شك ، الكل هنا عاف قطران الوطن ، و صار يحلم بكل امتلاء بعسل الضفة الأخرى ، المثل الشعبي الدارج إياه " قطران بلادي و لا عسل البلدان " ، ما عادت له من جاذبية أو قوة إقناعية . الكثيرون تبرموا من الإجابة عن أسئلة الاستمارة و اختزلوا مجمل القول في الرغبة الجامحة في الحريك .
عدوى الحريك لم تعد حكرا على مدن الشمال و الجنوب ، كل المدن المغربية صارت سواء الكل يهفو إلى التحرر من قطران الوطن بأي الطرق المكنة و المستحيلة ، و ليس الشباب وحدهم الذين يحلمون بذات الأمر ، أطفال في عمر الزهور و كهول في خريف العمر ، جميعهم يداعب حلم الضفة الأخرى صباحهم و مساءهم الحزين .
على السور المطل على البحر أخبرنا شاب لا يحمل من الشباب إلا الاسم و الانتماء الجيلي ، بأنه يحلم بإصلاح عطب السفينة الراسية قبالة الجديدة ، لكي يمخر بها عباب المحيط ، ذات السفينة التي قادها مصيرها الغامض نحو شاطئ الجديدة اغتنى الكثيرون من شحنة الخشب الذي كانت تحمله ، في حين ظل شباب المدينة يدمنون الحلم بإصلاح عطبها ، كي يتركوا وطنا لا يحرض على صناعة الحياة. "فتبا لقطران الوطن و أهلا بعسل الضفاف الأخرى" ، هذا هو لسان حال الكثيرين من الشباب في مدينة يختنق فيها من يود إصلاح العطب .
تطبيع بقوة الفقر
قادنا التسكع العشوائي بين دروب الملاح إلى دار كبيرة يبدو أن لها تاريخا عميقا يفوق بكثير حدود المتوقع ، فناء واسع في البدء و طابق أرضي مكون من عدد من البيوت ، و طابق علوي يحتضن غرفا أخرى كبيرة الحجم ، في كل غرفة تقطن عائلة مكونة من أكثر من ستة أفراد ، هناك البحارة و الباعة المتجولون و باعة المخدرات و العاهرات أيضا ، الكل متعايش هنا في هذا الفضاء ، الكل يقدس الاختلاف و يحترم حرية الآخر ، ربما يقدم هذا البيت الذي أخبرني أحدهم أنه كان يوما مقرا للقنصليات الأجنبية أيام الحضور البرتغالي ، ربما يقدم دليلا قويا على حوار الحضارات و الديانات و الثقافات و ما إلى ذلك من المفاهيم التي غذت مبتذلة من كثرة الاستعمال و التوظيف المجاني ، بل إنه يقدم أيضا نموذجا استثنائيا للتطبيع ، كيف ذلك ؟
في وسط الفناء ما زالت هناك جدارية مكتوبة باللغة العبرية ، لا أحد من آل البيت يعرف حقيقتها ، سألناهم بغير قليل من البراءة عن المكتوب فيها و بأية لغة ، الكثيرون منهم أجابوا بأنها باللغة الإنجليزية و هم بالكاد يعرفون العربية ، بعضهم أمضى طويلا في الشرح ، و قال بأنها دعاء صالح لطرد الأرواح الشريرة و الحماية من العين . ألا لعنة الرب عليك أيها الفقر المقيت ، الناس هنا ينفرض عليهم التطبيع مع من يغتصب الديار و يسومنا سوء التنكيل و الاحتلال ، و كل ذلك بقوة الحاجة لا غير .
أينك يا وزارة الثقافة ؟ ألست وصية على المآثر و المباني التاريخية ؟ألا ينبغي ترميم هذه الدار و البحث في حقيقتها ؟ و أينكم أيها المهرولون وراء التطبيع و حوار الحضارات و الديانات و الثقافات ؟ أينكم يا من لا تملون من إنتاج المفاهيم و الشعارات ؟
ها التطبيع الذي تحلمون به يتم من غير إقناع ديماغوجي و لا تطبيل سياسي ، إنه تطبيع بقوة الفقر ، أفلا يستحق هؤلاء المطبعون الفقراء جانبا من اهتمامكم ، ألا يستحقون دورا غير مهددة بالانهيار و حياة جديرة بالحياة ؟ أم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية لا يستحقون و لو ثانية واحدة من أجندة مواعيدكم الملأى بسهرات عروض الأزياء و حملات التبرعات و بيع التحف و تلميع الأحذية ...؟؟؟؟
تحت الصفر
من غرائب الرحلة أننا نزور جماعات قروية تحت الصفر ، أي أنها من ناحية الموارد و الإمكانيات المادية تصنف في خانة الجماعات الفقيرة ، و بالطبع ففقر هذه الجماعات ينكشف بمجرد وطء ترابها ، لكن عندما نلج مقرات هذه الجماعات لا يلوح أمامنا أي دليل على تصنيفها ضمن خانة الفقر و التهميش .
فالمقر باذخ الثراء و الأرضية رخامية و الأبواب مغلفة بالجلد الحقيقي و مكتب الرئيس أو القائد تحديدا يضاهي مكتب الوزير ، فأين هو هذا الفقر الذي تعلنه الجماعة في كل دوراتها ، لقد زرنا أزيد من عشرين جماعة حضرية و قروية في الجهة ، أغلبها يندرج في زمرة الجماعات الفقيرة ، لكننا كلما ولجنا المقرات إلا و لاح لنا الغنى الفاحش ، زرابي مخملية و مكاتب غالية الثمن و كراسي لا تتوفر إلا للوزراء ، فلماذا كل هذا الإنفاق غير المبرر ؟.و فوق ذلك كله بنايات تبدو معزولة تماما عن فضائها المنقوع في الفقر و الضياع . فما معنى أن يتنافس كل الرؤساء بجماعة تحت الصفر على بناء الباب الخارجي للجماعة؟ ، فكل رئيس جديد يقوم بهدم الواجهة الأمامية لمقر الجماعة و يتفنن في بناء واجهة جديدة ، ليأتي رئيس آخر بعد انصرام ولاية سابقه ليهدم الحصيلة و ينخرط من جديد في بناء باب جديد ، ما هذا العبث ؟
مفارقات عجائبية في المغرب العميق ، أناس تحت الصفر يصطلون بسعير الفاقة و الألم و جماعات قروية أوجدت أساسا لخدمتهم ، تتعملق بعيدا منهم بمعمارها الباذخ و مصاريفها الخيالية .
في إحدى الجماعات المعنية برحلتنا حسبنا أنفسنا في مكتب أحد الوزراء بسبب ما يحويه هذا المكتب من تحف فنية و تجهيزات مكتبية تبدو مكلفة للغاية ، خيل إلينا في البدء أن هذه الجماعة ترفل في النعيم ،و ذلك بالنظر إلى خطاب الارتياح و لغة الخشب التي تقيأها أمامنا حضرة الرئيس ، لكن بمجرد ما برحنا مكتبه المخملي انكشف الزيف و بدا واضحا أن الجماعة بسكانها تعيش تحت عتبة الفقر، و أنها تدمن الحزن على الدوام بسب تخصص كل الرؤساء الذين تعاقبوا عليها في استبدال المكاتب و تغيير واجهة المقر . و اللهم لا عجب في وطن لا يكتمل إلا في أحلامنا الصغيرة التي قدر لها أن تظل موقوفة التنفيذ .
يتبع



#عبد_الرحيم_العطري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 2
- افتتاح وحدة للتكوين و البحث في العلوم الاجتماعية و التنمية ا ...
- من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق
- حوار مفترض مع الشاعر الراحل محمد علي الهواري
- أين الجثة ؟
- كوم . إيكار
- تكريما لروح بول باسكون
- في لقاء حميمي مع المبدع المسرحي العراقي جواد الأسدي
- حوار مع القاص المصري محمد عطية محمود
- التلقيح السوسيو سياسي بالمغرب :عقاقير سياسية لتسكين التوتر ا ...
- سؤال الدعارة الرخيصة..تراجيديا الأجساد المتهدلة!
- سكن هامشي أم سكان مهمشون؟
- هل تصير الأسرة بسبب التوقيت المستمرمجرد مؤسسة بيولوجية للإنج ...
- السوسيولوجيا معرفة تعيش حالة الاستثناء
- من يضع الملح فوق جراح البيضاء؟
- صيف حار بالرباط: تعديل حكومي في الأفق .. لا تعديل في الأفق
- ما بعد 16 ماي: الكتابة بالإبر فوق العيون: هل سيتوقف البحث عن ...
- أحداث 16 ماي من زاوية أخرى : حصاد الهشيم أو صناعة الكاميكاز
- الباحث الاجتماعي عبد الرحيم العطري في حديث للأحداث المغربية: ...
- النخبة المثقفة بالمغرب : من سنوات الجمر إلى التدجين و التبخي ...


المزيد.....




- رئيسة الاتحاد الأوروبي تحذر ترامب من فرض رسوم جمركية على أور ...
- وسط توترات سياسية... الدانمارك تشتري مئات الصواريخ الفرنسية ...
- لافروف: سلمنا واشنطن قائمة بخروق كييف
- الجيش الإسرائيلي يواصل انتهاك اتفاق الهدنة مع لبنان
- ترامب يبحث مع السيسي -الحلول الممكنة- في غزة ويشيد بـ-التقدم ...
- بعد قرارها بحق لوبان... القاضية الفرنسية تحت حراسة مشددة إثر ...
- زلزال ميانمار المدمر: تضاؤل الآمال في العثور على مزيد من الن ...
- ماذا وراء التهدئة الدبلوماسية بين باريس والجزائر؟
- -حماس- تدين مقتل أحد عناصر الشرطة في دير البلح وتشدد على أهم ...
- زيلينسكي يؤكد استلام أوكرانيا 6 أنظمة دفاع جوي من ليتوانيا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الرحيم العطري - من مفكرة دراسة اجتماعية : تفاصيل رحلة نحو المغرب العميق 3