سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 5330 - 2016 / 11 / 1 - 03:24
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- نحو فهم الحياة والإنسان والوجود ( 55) .
- حقيقة الأشياء – جزء ثانى .
- تأملات وخواطر إلحادية – جزء رابع عشر .
كان حرى بهذا المقال أن يتصدر سلسلة "نحو فهم للوجود والحياة والإنسان بعيدا عن الخرافة" الذى إفتتحناه بإشكالية المادة والوعى , فمن الأهمية بمكان تأسيس وترسيخ مفاهيم فلسفية ومنطقية تكون بمثابة الأساس الذى نبنى عليه رؤية متماسكة تبحث فى الحياة والوجود , لتبدد فى ذات الوقت المفاهيم المنطقية المغلوطة السائدة إذا صح توصيفها بالمنطقية والتى تشوه بوصلة العقل والفكر لتبعده عن الوصول لأعتاب فهم حقيقى وموضوعى لماهية الإنسان والوجود والحياة.
دعونا نرسم خطوط عامة تؤسس للفهم العقلانى والمنطقى وما يجب عليه أن يكون مع تناول مفاهيمنا المنطقية المغلوطة السائدة وما فيها من خلل وإضطراب .
- لكى تكون هناك فكرة صحيحة تثبت وجودها يجب أن يكون فى مقابلها أفكار أخرى تعتنى بنفس الإشكالية التى تطرحها وتفسرها ومن ينجو من الدحض والتفنيد يتوج كفكرة جديرة بالإعتماد فى ظل الظرف الزمانى المحكوم بموضوعيته ومعطياته .
لذا يجب طرح أكثر من فرضية لتفسير أي ظاهرة تحت الدراسة ، فيجب التفكير في جميع الاحتمالات التي يمكن أن تفسر هذه الظاهرة ثم التفكير بطرق يمكن بواسطتها دحض هذه الفرضيات , والفرضية التي تصمد وتنجو من كل محاولات الدحض تكون هي الصحيحة .. وعندما يتكلم العلم فليصمت الجميع .
- نتصور أن تكرار المشاهد الذهنية لتصل إلى التعود أن هذا يثبت صحتها ولكن هذا إلتباس , فإذا كانت المشاهد حقيقة وجودية ثم يأتى تقييمنا لها فلا يُعنى هذا صحة قراءتنا بالضرورة , فنحن نرى الشمس تشرق وتغرب ونرى حركتها فى الأفق فهنا نرى صور ومشاهد متكررة صحيحة كوجود ولكن غير صحيحة فى قراءتنا لها , فالشمس لا تتحرك حول الأرض , كذلك عندما نرى مشهد أجمع الكثيرون على رؤيته فلا يعنى هذا صحة قراءته وتفسيره كإعتقاد القدماء أن الأرض مسطحة فهل يعنى هذا صحة تفسيرهم , كذا لو رأينا إنسان فى حالة صرع فهل يعنى هذا أن الجن يتلبسه .
- لا يمكن إعتبار العادة الذهنية أو القراءة المعتادة للمشهد الحياتى دليل حقيقة , فسببية الليل والنهار كانت قراءة معتادة أخذت العادة وتم قراءتها أنها دوران الشمس حول الأرض لنعتاد هذه القراءة .
لا توجد سببية مطلقة , ومانراه حقيقة هو قراءتنا نحن للمشهد الوجودى الذى من الممكن أن يكون قراءة خاطئة .. لا توجد حقيقة مطلقة ولا توجد حقيقة كشئ جلى غير موضوعى , فالحقيقة هو تقييمنا وتقديرنا وإنطباعاتنا نحن .. كما لا توجد حقيقة خارج فكر الإنسان فنحن من نمنح الأشياء الحقيقة .
- الإنسان القديم نظر إلى الأرض وتصورها مسطحة .. نظر إلى الأفق ورأى الشمس كقرص يغطس فيه .. نظر إلى السراب وتصوره كبركة ماء وله العذر فى كل تصوراته هذه فنحن نرى الأشياء بحواسنا ولكن لا يعنى هذا أنها حقيقية .. تتكون الأفكار من مشاهدات ورؤى وفق ما يتوفر لها من معطيات لتتكون إنطباعات وتسقط معانى خاصة بها .
إذا كنا نكون أفكار خاطئة عن أشياء مادية ماثلة لعيوننا لتكون قراءتنا خاطئة للواقع المادى , فبالحرى عدم إعتماد من يفترض ويتخيل كيانات ميتافزيقية ويبنى عليها أفكار ومشاهد .!
- عدم العلم بالإجابة لا يعني أن أي إجابة صحيحة, فالقول بما أنك لا تعلم الإجابة فلا يعني هذا أن جوابي صحيح , فهذا القول باطل منطقيا ولا يستدل عليه لإثبات صحة أي فكرة , فلو أحضرت طفلين وسألتهما ما حاصل جمع 5+5 فجاء جواب أحدهما 8 بينما الآخر قال لايعلم فهل يعنى جهل الثانى أن إجابة الأول صحيحة .. هكذا الإيمان بقصة الخلق والوجود تجد من يرددها كثيراً بحماس غريب وهناك من يقول لا يعلم .
إذا قلت لك أننى لا أعلم لغز الحياة والوجود فليس معنى ذلك أن تكون إجابتك المطروحة صحيحة فلتثبت صحتها وتقدم أنت التفسير العلمى للوجود ولا تختبئ خلف جهل الآخر .. فإن كنت لا تعلم فيصبح إدعاءك بالحقيقة خاطئ .
- إذن الأفكار الخاطئة تكون خاطئة وفق تناقضاتها وتخبطها مع مُحددات العقل والمنطق والعلم والظرف الموضوعى , فليس المطلوب لإثبات صحة فكرة هو وجود فكرة أخرى خاطئة بديلة أو عدم وجود فكرة أمامها .. فقصة الخلق الطينية لن تكون صحيحة فى عدم وجود رؤية أخرى بديلة كالتطور وستظل خاطئة أيضا حتى فى عدم وجود فكرة على الإطلاق فلا يعنى هذا أنها ستكتسب الصحة .
فقدان الطريق الصحيح لا يبرر السير فى الطريق الخاطئ , ففقدان الإنسان الحجة والمنطق لما يعتقده لا يتطلب بالضرورة تقديم بديل آخر وإلا دعنا نسير فى الطريق الخاطئ .. هذا حال من يتفهمون أن حفاظهم على أفكارهم وتراثهم وثوابتهم كما هى فلا يعنيهم تهافت مفاهيمهم وأوهامهم .
- الأفكار لا تكتسب قوتها وصحتها من كثرة المرددين لها , فمليارت البشر عبر العصور كانوا يعتقدون بأن الأرض مسطحة , فهل معنى ذلك أن فكرتهم صحيحة , ومن هنا لا يجب أن يرتكن الإنسان لفكرة وفقا لمعتقداته وإيمانه وإرثه بالقول بأن هناك الملايين والمليارات الذين يؤمنون بذات الفكرة .. الأفكار الحمقاء تظل حمقاء .
- ليس من المنطق فى شئ أن تنصرف عن الإشكاليات المنطقية التى تواجهك لتطلق قنابل دخان بالتطرق لإشكاليات منطقية تواجه الآخرين فأنت لم تحل إشكالياتك بغض النظر أن إشكالية الآخرين أكثر تهافتا منك أم لا .. نتلمس هذا فى الجدالات بين أصحاب الأديان المختلفة أو بين أصحاب الفكر الدينى والإلحادى فتجد المسلم عندما يواجه نقد فى معتقده تجده يثير تهافت المسيحية , وكذلك المسيحى ينقد الإسلام , وعندما ينقد اللادينى والملحد تهافت الأديان تجد أسئلة توجه لهما على شاكلة هل جاء الكون من الصدفة وماشابه .
- من الخطأ نقد فكرة بناء على تصورك الشخصى لها مخالفاً رؤية صاحب الفكرة ذاتها أو أن تخلق لها معنى مغاير لصاحب الفكرة , كمثال نقد فكرة الصدفة فلا توجد صدفة فى ذهنية الملحد وفق مايفهمه المؤمن , بل الصدفة تم إستخدامها لتعنى مفهوم اللاغائية واللاترتيب واللاقصد فهكذا يفهمها الملحد .
- الفكر الذى يحتمى فى خلق معارك دونكشوتية لن نقول عنه فكرغير منطقى بل فكر هش غير جدير بالإحترام , فعندما تثار قضايا فكرية لتجد الإجابة إحذر من حروب الشيطان فهو ما يقودك للتعاطى مع تلك الأفكار الشاكة , إحذر من مؤامرات صليبية ماسونية صهيونية اسلامية , ومن ليس معنا فهو علينا , فهى تبغى تجييش مشاعر وتغييب الوعى بخلق معارك وهمية .
- المنطق الدائرى هو ذاك المنطق المتهافت الذى يسعى لإثبات شئ فتجده يدخل فى فرضية أخرى تحتاج لإثبات لينسب هذه الفرضية للشئ الذى يسعى لإثباته . كمثال عندما تسأل من هو الله فيقال لك أنه الخالق ليضع فرضية الخلق فى سؤال الماهية , ولو سايرته وقلت له من أين أدركت انه الخالق فسيقول لك من القرآن والكتاب المقدس , لتسأل ومن قال أن القرآن والكتاب المقدس هى كتبه فسيقول لك إن الله ذكر أن القرآن والكتاب المقدس أنها كتبه .!
-لا تكتسب الأفكار صحتها من تبنى بعض الشخصيات الشهيرة لها , فلا يعنى وجود عالم لامع يصرح بإلحاده أن الإلحاد صحيح , ولا ذاك العالم الذى يلمح بإيمانه بالإله أن الإله صحيح ولا تلك الفنانة التى رجعت للإسلام أو المسيحية أن الإسلام والمسيحية على صحة , فالقناعات فردية لا تعنى شئ ولا تقدم شئ سوى منح أصحاب الخواء الفكرى والنفسى بعض الدعم المعنوى .
- بئس الأفكار التى تمتزج بالعاطفة كمحرك وباعث ودافع للتشبث بها وإعتبارها ذات منطقية , فالعقل البشرى يمتلك قدرة رائعة على النصب والتزييف والمناورة والإلتفاف ليجعل من الخيال واقعاً لذا تكون العاطفة إستنهاض قدرات الإنسان التحايلية لتمرير الفكرة .
- أكثر الوسائل المحاججة تهافتاً وهشاشة ودونية هو مهاجمة شخص المحاور بديلاً عن حجته بغية التنفير والتحقير وتجاوز الإشكاليات فهذا المحاور ملحد كافر , مسيحى صليبى مبشر , إسلامى متطرف اصولى , ماسونى , صهيونى الهوى , وهكذا من تصنيفات قد تكون صحيحة أو خاطئة لكنها فى كل الأحوال أهملت ما يطرحه المحاور من أفكار وحجج لتطلق حوله قنابل دخان تُلهى عن قوة حجته .
- الفكرة التى تصل للإقناع مستخدمة أقصر الطرق وأقلها هى الفكرة الأكثر منطقية وهذا ما يعرف بنصل أوكام أى أن الطرق القصيرة والسهلة لتفسير مشهد تكون أكثر منطقية وصحة فهى تعنى وضوحها وجلاء بيانها وحجتها بوصولها للهدف بأقصر الطرق , فمثلا عندما نرى إنسان فى حالة صرع فإما نقول أن هناك خلل كيميائى كهربى فى الدماغ لنخضعه للفحص والتدقيق , إما القول أن هناك جن يلتبسه فهنا سندخل فى طرق وأزقة كثيرة وعويصة عن ماهية الجن وكيف نعرفه ومانوعه وما شكل تدخله فى الجسد وهكذا من أسئلة تطلب الإجابة , كما تنطبق نفس القاعدة على مناقشة وجود الله كتفسير للكون ووجود الروح كشيء منفصل عن الجسد مستقل عنه حيث كلتاهما فرضيتان تزيدان من تعقيد الشرح عوضاً أن تبسطه عن فكرة أن الحياة ما هى إلا كيمياء .
- من تهافت الفكر الدينى عندما يتناول قضية فكرية فكل حلقات السلسلة غير مُثبته بل تبنى كل حلقة على فرضية تسبقها لتمنح فرضية تليها وهذا ليس منطق على الإطلاق , فالمُفترض أن كل حلقات السلسلة تم إثباتها لتكون القضية الفكرية ذات إثبات لكل حلقاتها ثم بعد ذلك يحق أن تبنى منها علاقات .
- يجب لأي نظرية أن تكون قابلة للاختبار والنقض من حيث المبدأ على الأقل , فكل ما لا يمكن إختباره ونقضه لن يكون له قيمة , والمثال على ذلك هو وجود الله نفسه , فلن يستطيع أحد إبتكار اختبار علمي أو وسيلة تجريبية تثبت وجود الله وهذا بالذات ما يجعل فكرة وجود الله مجرد نظرية وحالة من الظن والإستنتاج وليست بالحقيقة , أى ليس لها أي قيمة لأنك عندما تريد تفحص وإختبار مكونات الإله فلن تجد شئ يسعفك تتحرى منه لذا لا قيمة لها على الإطلاق .
- سؤال : هل للكون خالق ؟. إذا جاوب أحدهم بنعم , فيجب عليه الإجابة بمنطق ذو شقين لكي يوفي السؤال حقه , الشق الاول عليه أن يثبت أن الكون أصلاً بحاجة إلى خالق أو أن يثبت أنه من المستحيل أن يكون الكون موجوداً بلا خالق وقبل كل هذا وذاك عليه أن يثبت أن هناك خلق من الأساس ، لأنه اذا فشل في إثبات إمكانية الخلق واثبات وجوب وجود الخالق , فلا حاجة لنا بعد للبحث في صفات ما هو غير موجود . أما الشق الثانى فيجب إثبات أن هذا الخالق الذي وجب وجوده هو كائن عاقل وليس مجرد قوة طبيعية أو ظاهرة كونية وإلا فسيحق تسمية شئ مثل الانفجار العظيم خالق .
- من خلق الكون سؤال خاطئ ومناور ومُغالط فهو شبيه بسؤال : مِن حق مَن بيضة الديك ؟ فعندما تستدعى تلك الفزورة عن ديكنا الذى قفز على سطح الجيران ليبيض بيضة , فيكون الجدال هل البيضة من حقنا كوننا نملكه أم من حق الجيران كون التبييض حدث فى حيازتهم أم نقتسم البيضة ؟ ولكن سنجد من يفطن أن الديك لا يبيض ليسقط سؤال من خلق الكون فصاحب هذا السؤال مرر أن هناك خلق ليسأل بعدها عن ماهية الخالق ! ولتتوه المناقشات فيمن يحق له بيضة الديك , هل هو فاعل طبيعى أم شخصانى بينما الديك لا يبيض فالدجاجة تبيض , كما لا تستطيع أن تقول أيهما أولا بيضة الدجاجة أم الدجاجة .. فالوجود مادة متحولة فى السرمدية لا تفنى مادتها إلى العدم ولاتخلق مادتها من عدم وعلى من يسأل من خلق الكون إثبات أن الديك يبيض .
- هناك حجة تقول بأن كل ما لا يمكن إثبات وجوده وكل ما لا نعرفه ليس بالضرورة غير موجود , ليعتمد هذا المنطق على الجهل والتجهيل والغموض وإنقاذ المواقف الواقعة تحت الحرج والجهل , كما هو قول مناور وحق يراد به باطل فهو يفتح المجال للأدعياء أن يَدعون .. فالمنطق لا يرفض شئ لمجرد عدم معرفتنا الحسية به فإذا كان شئ محسوس ومادى غير مُدرك فلا يعنى عدم وجوده لذا يمكن أن نمرر ذلك المنطق فقط عندما تكون لدينا بوادر ومشاهد صغيرة وجودية خاضعة للمقاييس المادية العقلية لتشير لتلك الإحتمالية مثل العناصر التى إستنتجنا وجودها قبل إكتشافها وفق جدول ماندليف .
لذا فلنكف عن خلط الأوراق فلا يوجد شئ ميتافزيقى لا مادى ذو دلالة وجودية حتى يعرفه العقل والمنطق سواء غداً او بعد مليون سنه لأنه ببساطة خارج نطاق الإستدلال وعلى من يرفع قول : "ما لا نعرفه ليس بالضرورة غير موجود" أن يمنحنا تعريف الميتافزيقى اللامادى وبعض دلائله .
- شرط العلم أن يكون المعلوم قضية منطقية صحيحة مُثبتة يمكن الاعتقاد بها , وطالما إدعاء وجود إله غير مثبت فإن التصديق بوجوده ليس علماً وإنما هو نمط من الايمان والتخيل والوهم الشخصي الغير قائم على أدلة لذا ما يُقدم بلا دليل يمكن رفضه بلا دليل .
- منطق الفراغات الذى يعتمد على حشر فرضيات فى المناطق المجهولة هو ليس منطق بل تهافت وخداع وإفلاس , فهو لا يقدم شئ سوى إدعاء أن الفرضية متواجدة فى داخل علبة الفراغ المعرفى .. من زيف فكرة الفراغات المعرفية ظهر أصحاب فكرة الإله والتصميم الذكى .
- من الخطأ المنطقى بناء نتيجة على فرضية تحتاج إلى إثبات أو البدء فى افتراض ما تحاول إثباته , أو بناء نتيجة على فرضية بحاجة إلى إثبات , فمثلا قولنا أن الله موجود لأن تصميم الكون بديع وأن لكل تصميم لابد أن يكون له مُصمم فهنا إعتبرنا فرضية أن للكون مصمم كحقيقة للإستدلال على وجود إله , وكقول البعض أيضا عند اثبات وجود إله أن الله خالق فهو إعتبر الوجود مخلوق كفرضية لم يثبتها ليقفز منها إلى نتيجة , كذا القول بأن الكون رائع وبديع قول خاطئ فنحن لم نرى أكوان أخرى لنُقيم كوننا أنه رائع .
- يوجد خلط خاطئ بين العلاقة والسببية , فهناك علاقات نراها لنضع لها سببية وفق رؤيتنا لنعتبرها الشكل الحقيقى للعلاقة بينما هى قراءتنا الذاتية , فعلى سبيل المثال نحن نرى حركة الشمس فى السماء مُحدثة النهار فكانت سببيتنا فى الماضى أن الشمس تتحرك حول الأرض وبالطبع هى رؤية خاطئة وفقا لمعارفنا حالياً . هذا يعنى ان ليس أى علاقة تعنى صحة السببية .
- لكل حادث من مُحدث ولكل سبب من مُسبب ولكل مفعول من فَاعل .. هذا الكلام صحيح ومنطقى وإن كانت فيزياء الكم تنفيه , ولكن إذا كنت ستعتمده فلابد أن تبحث فى أن هذا السَبب جاء من ذاك المُسبب , وذاك الحادث من هذا المُحدث , وتلك العِلة من هذا المَعلول حصراً .. هذا هو الفرق بين الإيمان والإلحاد , فالإيمان يعطى المُسبب لغير السبب بصلف شديد وبدون إثبات مُعتمداً على ظنونه وإستنتاجاته وفرضياته وتأويلات وأوهام القدماء .
جيد ان نبسط أى فكرة ولكن من الخطأ الإفراط فى تبسيطها , فمن هنا جاءت فكرة الآلهة والعالم الخرافى .
- كلما بدت فرضية ذات شيوع وغير واضحة ولا متحققة وغير معقولة حسب خبرات حياتنا العادية , كلما تطلب هذا أدلة قوية للبرهنة على هذه الفرضية ,ومن هنا يتوجب على الأدلة التي تثبت وجود إله وقدراته أن تكون قوية جداً مُتعددة مُتحققة بقوة فهى فرضية عظيمة وليست فرضية تافهة غير جديرة أن تدفع إستحقاقات إثباتها .. كلما كانت الفرضية عظيمة فى إدعائها مع ميديا هائلة تروج لها فلا يجب أن تكون متهافته لا تقدم شيئا كأى فرضية تافهة بل لتصرخ بأدلتها.
- تفسر الأديان الوجود والحياة بوجود كائن ذو تكوين مُعقد متقدم ذكي ذو إرادة واعية خلقت الوجود والكائنات , وهذا تفسير باطل منطقياً لأنه يفسر الوجود بتسلسل من المُعقد بالتكوين إلى الأعلى بالتعقيد بالتكوين وبهذه الطريقة لن تصل لنهاية , فخالق له خالق له خالق إلى مالا نهاية ! .. أما التفسير العلمي المنطقى لوجود كائنات ذات تكوين معقد نشأت من عناصر بدائية غير ذكية وغير واعية , فهذا التفسير صحيح منطقياً لأنه يبدأ بالتسلسل من البسيط إلى المعقد , وبهذا لو نرجع بالتسلسل سنصل لمكونات لن تناقض ذاتها لأنها أساساً بدأت من عناصر بدائية .
- الإنتقائية والفرز والتجنيب هو منهج شائع فى فكر الإنسان الدينى فهو يبرز الأمور الإيجابية ويتجاهل السلبيات لنجد هذا النهج سائد كآفة فكرية فعلى سبيل المثال الإسلاميون يبرزون تماسك مجتمعاتهم ويتجاهلون الإستبداد والقهر والتخلف الذي نتج من هذا التماسك , يلعنون إنحلال الغرب الأخلاقى ولا يفطنون لحجم الكبت والهوس الجنسى لديهم .
- من المنطق أن تكون الرؤية التحليلية والنقدية واحدة لذات الإشكالية موضع البحث فلا يجب إبرازها حيناً وإستثنائها حيناً , والمثال على ذلك دجل الإعجاز العلمى فهو تارة يجد هوى لدى المؤمنين بعد لوي النص وتفسيره كما يحلو لهم وفى مواضع أخرى عندما تكون المشاهد شديدة الوضوح والحرج مغموسة بالخرافة لا تجد آلية الإعجاز العلمى فاعلة .
- وعينا المغلوط والغير منطقى فى تناول حل إشكاليات فكرية أننا نستخدم نفس معطيات المشكلة ونتحرك منها وبها بحثاً عن حل فندور فى دائرة لنرجع لنفس النقطة , فسؤال من خلقنا يتحرك فى فرضية ومعطية أن هناك خلق وسؤال من صنع السيارة يتحرك فى فرضية ان هناك صانع عاقل لنسقط تلك الفرضيات والمعطيات على سؤال من خلق الإنسان ..حرياً بنا أن نثبت الفرضيات الأولى قبل إسقاطها على مشاهد أخرى وعلينا إدراك أن المشاهد الثانية ليست بالضرورة تتبع للمشاهد الأولى , فمصدر النيران ليست دوماً من عود كبريت .
- عندما نفكر بمنهجية تفكير خاطئة فسننال نتائج خاطئة بالضرورة كرؤيتنا المغلوطة أن هناك شئ تواجد من أجل شئ بينما الواقع والحياة والوجود لا يقترب من هذا الظن , فلا يوجد شئ تواجد من أجل شئ بل كلها علاقات تكاملية إحتمالية وحركة وصيرورة لانهائية .
- من الأهمية بمكان أن نعتمد منطقية أن غياب الدليل هو دليل الغياب , وما يقال بغير دليل يُنقض بغير دليل , لأن إهمال هذا المبدأ سيفتح الباب على مصراعية لكل صاحب إدعاء أن يَدعى , لنجد العالم يموج بالخرافات والخزعبلات والأدعياء .
- أشكالية الفكر الدينى أنه يجعل النتيجة هى المنطلق فأنت تبحث عن سر الوجود لتجد السؤال عمن خلقنا ومن نظم الكون .. الطريف فى الفكرالدينى لكى يسوق نظريته مازال يبنى منطقه على السؤال الذى من المُفترض أنه أجاب عليه وهذا يرجع لأنه قدم إدعاء ولم يطرح نظرية متماسكة موثقة كاملة الأركان .
- عندما نقرأ الوجود سواء بطريقة صحيحة أو خاطئة لنحرص على وضع غاية ومعنى فيه فحينئذ تكون قرائتنا ذاتية بعيدة عن حقيقة الوجود .. فالغاية والمعنى نتاج أحاسيسنا ومشاعرنا وإنطباعاتنا العاطفية ونوازعنا الداخلية التى نسقطها على الوجود المادى لنتصوره كما نريد لنخلق فى داخلنا إرتياحية خاصة ومعنى وقيمة لوجود مادى صارم غير مُعتنى وبلا مَعنى .. لمن يريد المعرفة فالإلحاد يعتنى بقضية واحدة هى اللاغائية ونفى وجود غاية خارج الإنسان ومنها يتم نفى وجود إله .
- كل الوجود والكائنات الحية التى تعيش على ظهر الأرض من حيوانات ونباتات تعيش تحت حقيقة الوجود كوجود بلا معنى ولا غاية .. بينما الإنسان الكائن الوحيد الذى يناور ويدور حول الحقيقة ليخلق حقيقة من تقييمه مغايرة عن طبيعة الوجود .
- إشكالية منهجنا فى التفكير أننا نضع العربة أمام الحصان .. بل يعتقد البعض برؤية فى منتهى الغباء أن الحصان جاء خصيصاً من أجل إثبات وجود العربة . (الحصان = العقل , والعربة = الفكرة )
دمتم بخير.
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟