مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5320 - 2016 / 10 / 21 - 15:13
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
نشر هذا المقال أول مرة في جريدة الحرية الأناركية البريطانية في 21 فبراير 1970 و أعيد نشره مرارا بعد ذلك
من حيث الشكل الأناركية هي حركة يسارية لكن ليس بالمعنى الحرفي للكلمة , إذا نظرنا إليها كجزء من الطيف السياسي الواسع . لكن الأناركيين يرفضون ذلك و يؤكدون أن هناك أشياء كثيرة مشتركة بين الأحزاب السياسية اليمينية و اليسارية ( مثل السعي للوصول إلى السلطة ) أكثر مما يوجد بين الأناركيين و مجموعات أقصى اليسار الأخرى . أظهر لنا التاريخ مرارا أنه مهما كان الحزب "يساريا" عند نشوئه فإنه يندفع أكثر نحو اليمين كلما اقترب من السلطة , لأن هدف أية حكومة هو المحافظة على الأمر الواقع و توسيع سيطرتها على المزيد من الناس , أليس هذا هو تعريف اليمين السياسي ؟ ترفض الأحزاب اليسارية بعض المواقف اليمينية خاصة - حتى تصبح مفيدة لها في لعبة السلطة . لعبة "فرق تسد" مثلا يمكن أداؤها بأشكال مختلفة , من اللعب على تفاوت الأجور إلى الأحكام المسبقة الدينية و تلك المرتبطة بلون البشرة . و هكذا فرغم أن اليسار السياسي يرفض القومية فكريا لكنه كثيرا ما استخدم , دون أي خجل , ما تسمى على نحو كوميدي "بحركات التحرر الوطني" عندما كان ذلك يتوافق مع أغراضه السياسية - إن أي حزب "يساري" حاكم يعرف جيدا فائدة الوطنية و حتى القومية كسلاح بيد الحكومة . حتى لو لم يكن ذلك خداعا مقصودا من جانب من تسمي نفسها "بالحكومة الثورية" , فإن منطق النزعة السلطوية سينتهي بالضرورة إلى ممارسة الديماغوجيا . حتى عند السماح بوجود سوفييتات أو مجالس عمالية , فإن الممارسة اليومية لسلطة الدولة لا يمكن أن يقوم بها جميع السكان ( "الشعب" ) . هذا يعني أن يجلس حزب "العمال" الثوري على القمة ليكون هو الحاكم الفعلي , و يقوم بقمع كل معارضة باسم الثورة و "ضمان الأمن الداخلي" من خلال مراقبة الشرطة المستمرة للناس لحساب الحكومة لكي تكتشف فورا أية عناصر "منحرفة" ( مندسة ) . و في نفس الوقت , مع الاستمرار بهذا الشكل من "الدفاع عن الثورة" بكل قسوة ضرورية , يجب أيضا إبقاء الناس بمأمن من الغزو الخارجي , لذلك يتم تشكيل جيش و بحرية و قوى جوية و إبقائها في حالة تأهب و بما أن "الدولة العمالية" هي أكثر "الدول ديمقراطية" يتم اللجوء إلى التجنيد ليقوم كل واحد "بدوره" . هذه ليست تضحية شخصية بما أن "الدولة" هي ملك "لكل شخص" , و بما أن كل شخص ينتمي إلى الدولة , لكن لكي يبقى الناس متحمسين لخدمة الدولة يتقدم قائد إلى الأمام ليمنح كل مواطن شيئا يعرف به نفسه على الصعيد الشخصي . و لتحقيق الشعور المريح بالأمان الجماعي , و بالانتماء إلى الجسم العام الذي يحيط بالفرد , يتم تشجيع فكرة الأمة و تصبح الوطنية فضيلة مرة أخرى - هذا إذا كانت قد مست أو انتقدت أساسا . هكذا فإن خدمة الثورة من خلال الوسائل السلطوية تدفع العجلة لتدور دورة كاملة لتعود إلى حيث كانت . إيديولوجيات و تبريرات غياب الحرية - السيطرة الشمولية الصارمة على المجتمع بأكمله - ستختلف طبعا عن إيديولوجيات و مبررات النظام القديم , أما المؤسسات و حقائق الحياة ستبقى كما هي , هذا إذا لم تصبح أسوأ . لهذا السبب لا يتحمس الأناركيون للثورات التي تهدف إلى المجيء بزمرة جديدة من الحكام إلى السلطة . تحليلنا السابق يصح أيضا على ما يسمى بالتغيير الثوري للمجتمع , كيف يمكننا أن نتحمس "لتغيير اجتماعي" لا يحاول حتى أن يبدو ثوريا منذ البداية ؟ تقع في هذا الإطار كل حركات التحرر الوطني التي هي قومية في حقيقتها و تدعو لمعارضة السلطة الحاكمة أو المحتلة فقط على أساس كره الأجانب . رغم أنه قد تستخدم وسائل ثورية في هذا الصراع , لكن ليس لهذا أية علاقة بالثورة الاجتماعية كما يراها الأناركيون , بل فقط بكره الأجانب الهتلري أو على طريقة النائب البريطاني المحافظ إينوخ باول . يوجد الكثير من الأمثلة المزرية عن هذا في ويلز و اسكتلندا . في الواقع - و هنا يبدو أن الوضع يصبح مشوشا - فإن "حركات التحرر الوطني" في الأماكن المضطربة من العالم اليوم تحاول أن تدعي أنها تمتلك مظهرا اجتماعيا ثوريا لكي تحصل على دعم الدول الشيوعية . المثال الكلاسيكي لهذا هو مصر , حيث أدى الصراع المعادي للكولونيالية الناجح إلى إقامة نظام قومي عسكري ( يشبه نظام العقداء اليونانيين ! ) ( نظام العقداء اليونانيين نظام فاشي عسكري حكم اليونان بين عامي 1967 - 1974 - المترجم ) بمساعدة السلاح و التكنولوجيا الروسية . باستخدام أدوات مثل التأميم و الإصلاح الزراعي , أضاف هذا النظام مسحة من الاشتراكية - لكن على الرغم من "صداقته" مع السوفييت , حظر النظام الحزب الشيوعي و زج الشيوعيين المصريين في السجون . جرى تشجيع نزعة قومية متعصبة , و أبقيت شعلة الوطنية متقدة من خلال مزاعم إمبراطورية , لكن ما انتعش حقا كانت الدولة و تجار الأسلحة الدوليون . لكن يساركم السلطوي - التروتسكيون و الحزب الشيوعي - دعم الدولة المصرية الجديدة أيضا ! لا يمارس الأناركيون هذه اللعبة السياسية . نحن لا نناور بحثا عن السلطة أو المناصب في كل زمان و لا ندعم معسكرا من القوى السلطوية ضد آخر لاقتسام العالم و تقسيم العمال . إننا أمميون حقيقيون و نعارض كل القوى ( السلطوية ) التي تقسم البشر . لذلك من المنطقي جدا أن يعارض الأناركيون القوى الإمبريالية و أيضا السياسيين المحليين الذين "يقودون المقاومة القومية" . مثلا , عند إدانة الاحتلال العسكري الروسي لتشيكوسلوفاكيا فإننا لا ندعم دولة دوبيتشك "الشيوعية" المتنازعة مع دولة كوسيغين الشيوعية , و لا يعني رفض ذلك الاحتلال أننا نرغب باستمرار دوبيتشيك على رأس السلطة . إننا ندعم الشعب التشيكوسوفاكي و حقه في الاختيار - رغم أنه اختار دوبيتشك على أنه "أهون الشرين" - لأن هذا حق يجب أن تملكه كل الشعوب , و لأنهم باستخدامهم للأساليب الثورية ( و لو كان ذلك فقط لأنه لم يكن أمامهم خيارات أخرى ) سيتعلمون كيف يديرون شؤونهم بأنفسهم . في هذه الحالة , تصدر كل معارضة من الشعب لا من دوبيتشيك . و هذا هو نفس موقفنا من فييتنام أيضا ( ضد الإمبريالية الأمريكية , لكن ليس مع الفيتكونغ ) , و في كوبا ( ضد باتيستا , لكن ليس لصالح كاسترو ) , و حركة السود ( الجواب على العنصرية البيضاء لا يكون بالعنصرية السمراء ) , و ثورة 1776 الأمريكية ( ليذهب إلى الجحيم جورج الثالث و الدولة الأمريكية التي جاءت بعده ! ) , و كل القوميات العربية و اليهودية و الهندية و الأفريقية . الرد على الإمبريالية لا يكون بالقومية وبالأنظمة الرجعية , بل بالثورة الاجتماعية العالمية , بتدمير كل الحواجز القومية و الدينية و الأثنية . هذا ما علمنا إياه التاريخ .
نقلا عن
https://theanarchistlibrary.org/library/anonymous-anarchism-and-nationalism
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟