|
قيثارة أور الذهبية وعبق الزمن السومري القديم
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 14:55
المحور:
الادب والفن
لمناسبة إدراج اليونسكو لمدينة "أور" السومرية ضمن قائمة التراث العالمي ضيّف مركز الدراسات الأنكَلوعراقية بلندن عازف الهارب البريطاني أندي لوينغز في أمسية ثقافية تحت عنوان "قيثارة أور الذهبية: أصداء التاريخ، أصوات الموسيقى". وقد ساهم في تقديم المُحاضِر وإدارة الندوة وترجمتها إلى اللغة العربية الباحث نديم العبدالله الذي تدخّل غير مرة مُسلِّطًا الضوء على بعض المواقف والأحداث التاريخية التي تتعلق باكتشاف مدينة "أور" السومرية من قِبل عالِم الآثار البريطاني ليونارد وولي وعثوره على المقبرة الملكية التي تضمّ قبر الملكة "بو- آبي" Pu-Abi وثلاث قيثارات وآلة "هارب" وسواها من اللُقى الثمينة. وقد ذكر "وولي" في رسالته المشهورة إلى جامعة بنسلفانيا بأنه عثر على شيء غير عادي "مقبرة كاملة لم تصلها أيدي السُرّاق". ثم أتاح العبدالله الفرصة لأندي لوينغز كي يتحدث عن "مشروع إحياء قيثارة أور الذهبية" التي دُمرت في أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003. استهل أندي محاضرته بالقول إنه مهندس مدني لكنه مهتمٌ بالموسيقى القديمة، ويعزف على آلة القيثارة التي يحبها. وقد تعرّف على هذه الآلة من خلال لوحة "الحرب والسلم" السومرية غير أن تدمير هذه القيثارة الذهبية خلال الاحتلال الأميركي للعراق هو الذي حرّضه على إعادة تصنيعها بنفس مواصفاتها الأصلية وقد استغرقه العمل قرابة خمس سنوات. سعى "أندي" مذ تبنّى المشروع أن تكون القيثارة الجديدة حقيقية ومماثلة للنسخة الأصلية التي تحطمت. ولعل الدكتور إسماعيل جليلي، العراقي المقيم في ستامفورد، هو أول من نصحهُ في هذا المضمار وطلب منه أن يأتي بالخشب، والحجر، والقير من العراق، ووعده بتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة. لم تدخر الدكتورة لمياء الكَيلاني جهدًا فقد اتصلت بالمُتحف البريطاني وأخذت قياسات القيثارة الذهبية. وبعد بضعة أيام جاءته مكالمة هاتفية من بغداد مفادها: "أهلاً مستر أندي، حصلنا على الخشب الذي تريد، تعال وخذه". وبهذة السهولة تقاطرت المواد والتبرعات الأخرى حيث تكفلت عائلة من دبي بإرسال اللؤلؤ الخليجي، فيما ذهب سائق إلى الصحراء الشمالية الغربية من العراق وجلب الحجر الأحمر. تمّ شراء اللازورد من موطنه الأصلي في أفغانستان، فيما وفرّ المتحف الوطني العراقي كيلوين من قير مدينة "هيت". أما الأوتار فقد تبنّتها شركة "باو براند" وصنعتها من أمعاء الأبقار. فيما تبرعت شركة الذهب الجنوب أفريقية Anglo Gold Ashanti بنحو كيلوغرام من الذهب الخالص وأوصلته إلى أحد البنوك البريطانية. تبنّى الصائغ الشخصي للأمير تشارلس صناعة القطع الذهبية التي تُزيّن القيثارة وقد استغرقه العمل زهاء تسعة أشهر. كما ساهم طلاب من جامعات متعددة نذكر منها جامعة لوفبرا، وساسكس، وليفربول في إعادة إحياء هذه الآلة الموسيقية المُبهِرة حيث أضفى المتطوعون في هذا المشروع اللمسات الفنية الأخيرة على القيثارة الذهبية التي وصلت على أيديهم الماهرة إلى مستوى التحفة الفنية. أشار أندي إلى أن القيثارات السومرية الثلاث قد وُزِّعت من قِبل المستكشفين حيث أُعطيت القيثارة الذهبية لأور "رأس الثور" إلى المتحف الوطني العراقي. أما "قيثارة الملكة" فقد مُنِحت للمتحف البريطاني بلندن. فيما أُعطيت "القيثارة الفضية التي تشبه الزورق" إلى مُتحف الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة بنسلفانيا. تدخل العبدالله مُشيرًا إلى أن المقبرة الملكية برمتها قد وُجدت بعمق ثلاثين مترًا تحت سطح الأرض الأمر الذي جعلها في مأمن من اللصوص وسرّاق الآثار. ثم توقف عند تمثال الملكة بو- آبي أو "شبعاد" وهي تضع غطاء رأس مصنوع من الأوراق الذهبية كما ترتدي كمية كبيرة من القلائد والحلي والأقراط والأساور والخواتم الثمينة. وأضاف بأن هذا التمثال قد تحسّن لاحقًا على أيدي النحاتين العراقيين الذين أظهروه بهذه الصورة النهائية التي شاعت بين الناس. ونظرًا لجمالية هذه الحلي والمجوهرات فقد لبستها العديد من الشخصيات الفنية الهوليوودية في الخمسينات من القرن الماضي وحاولن أن يقتربن من طلّتها السومرية الجميلة. عرّج أندي على القسم الآخر من المشروع مُقدِّمًا إيّاه بصيغة استفهامية مفادها: ماذا نفعل بهذه القيثارة؟ وكيف نعزف بها؟ وأين نحتفظ بها في خاتمة المطاف؟ يمتلك مشروع إحياء القيثارة الذهبية فرقة موسيقية غنائية تتألف من عدد من المغنين والعازفين الذين قدموا بعض العروض الموسيقية والغنائية في البي بي سي بلندن وبعض المدن البريطانية كما قاموا بجولات فنية في عدد من بلدان العالم من بينها أميركا وإيطاليا وألمانيا والسويد والنمسا والإمارات العربية المتحدة والعراق. يشكو أندي من صعوبة فهم الموسيقى السومرية القديمة، فالموسيقى، من وجهة نظره، لغة مجرّدة لا توصف بالكلمات، آخذين بنظر الاعتبار أن عمر قيثارة "أور" الذهبية يصل إلى 4750 في أقل تقدير، ويؤكد المختصون بأن هذه القيثارة قد صُنعت قبل بناء الهرم الكبير في مصر والستونهنج في إنكَلترا فلا غرابة أن يجد فريق العمل صعوبة في فهم الموسيقى السومرية واستيعاب النصوص الشعرية المكتوبة باللغة السومرية من دون الاستعانة بالمختصين في علم السومريات والذين يترجمون منها إلى اللغات الأوروبية الحيّة. وعلى الرغم من وجود عازفين موسيقيين في هذه الفرقة أمثال بيل تايلور، جوناثان ليتشر، وأندي لوينغز نفسه إلاّ أن انضمام المطرب والموسيقي الكيني أيوب آغادا إلى مشروع قيثارة أور الذهبية قد أضفى على الفرقة الموسيقية نكهة خاصة فهو يعزف على القيثارة ويعتقد أن أصوله تعود إلى ميسوبوتيميا وأنهم قد انتقلوا إلى كينيا وعاشوا فيها منذ ألفي سنة لكن جذورهم تمتد إلى "بلاد ما بين النهرين". برقت في ذهن أندي فكرة السفر إلى الشرق الأوسط وأفريقيا للتعرف من كثب على أنواع متعددة من القيثارات فتبرعت له أحد المؤسسات الخيرية بتذاكر السفر وتكاليف الإقامة في مصر والأردن وإثيوبيا وكينيا حيث رأى بأم عينيه قيثاراتهم وسمعها بأذنيه المرهفتين وقال بأنها لا ترتبط بحياة السومريين لكنها تحمل نوعًا من الشبه القريب ربما لأنها تنتمي إلى الإقليم نفسه. تحدث أندي عن أنواع مختلفة من القيثارات التي رأها في رحلته من بينها "الزار" في السودان، و "السمسمية" في العقبة، و"الجبلية" في مصر، والـ Begena في إثيوبيا، والـ Krar في إريتريا والـ Nyatiti في كينيا وثمة شبه كبير بين هذه القيثارات وقيثارة البصرة التي بدت قديمة ومتآكلة بسبب تقادم الأعوام. اختتم أندي محاضرته بالحديث عن الأوتار الثمانية للقيثارة الذهبية السومرية وقال بأنها متساوية في الطول وتُصدر نفس الصوت النقري وليس النغمي لكنه لم يتعمق في هذا الجانب لمحدودية معلوماته في هذا المضمار القديم جدا. ثم عزف أندي على القيثارة الذهبية بينما كان الباحث نديم العبدالله يقرأ بالتزامن مع العزف قصيدة سومرية مترجمة عنوانها "أمي" يقول مطلعها: " دعني أعطيك وصفًا آخر لأمي / أمي تشبه الضوء الساطع في السماء / ظبية على سفوح التلال / هي نجمة الصبح تُشرق حتى في الظهيرة / هي كالعقيق النفيس، كتوباز مارهاسي". وكما هو واضح فإن القصيدة شاعرية وذات مناخ رومانسي حميم جدا. إن ما يثير الاستغراب حقًا أن يفكر مواطن بريطاني بإعادة إحياء قيثارة أور الذهبية بينما لم تخطر هذه الفكرة في ذهن أي مواطن عراقي، بل أن وزارة الثقافة العراقية التي وجهت له الدعوة بتحريض من المركز الثقافي العراقي بلندن لمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2012 لم تفكر بتكريمه أو الإشادة بجهده الأسطوري الذي بذله مع فريق كبير من المتطوعين الذين انهمكوا بالعمل على مدار خمس سنوات كي تكون القيثارة الذهبية الجديدة مطابقة لقيثارة أور الأصلية التي تحمل عبق الزمن السومري القديم.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زرادشت: النجمة الصفراء. . .مغامرة وثائقية بلا أدلّة
-
الأحياء المتوهجة في ممالك العتمة وأعماق البحار
-
الفنان الكوبي ويفريدو لام وشخصياته المهجّنة في التيْت غاليري
-
رصانة القصة في فيلم -على حلّة عيني- لليلى بوزيد
-
ترييف العاصمة المنغولية آلان باتور في فيلم وثائقي
-
حيث تنمو الأعشاب عالياً
-
إشكالية الموت في فيلم -شبابِك الجنّة- لفارس نعناع
-
الدورة الحادية والعشرون لمهرجان بورتوبيللو السينمائي بلندن
-
قبل زحمة الصيف: قصة مفكّكة في بناء بصري رصين
-
أفلام تخترق التابوهات السياسية والاجتماعية في مهرجان سفر الس
...
-
أفلام عربية جريئة في مهرجان سفر السينمائي بلندن
-
تجليات السيرة الذاتية والأسرية في النص الأدبي
-
سلالة باتريك موديانو النقيّة
-
لُغز أُذن فان كَوخ: الحادثة الأشهر في تاريخ الفن المعاصر
-
جورجيا أوكَيف . . .أيقونة الفن التشكيلي الأميركي
-
-وصية لأجل الملك- وتنميط الشخصية العربية المسلمة
-
الفن الأرضي الزائل الذي توثِّقه العين الثالثة
-
أسرار القدّيس يوحنا بولص الثاني وحُبِّه لآنا تيريزا تمنيسكا
-
الحياة ما بعد تشرنوبل
-
أغنية الغروب . . . قوّة المرأة في مواجهة المصائر المُفجعة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|