|
الوطنية و الأمة في المغرب: بين النظرية السياسية و أخبار التاريخ
حمزة أيت إيشوا
الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 09:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الوطنية و الأمة في المغرب، بين النظرية السياسية و أخبار التاريخ:
تمارس المفاهيم عنفا بقوة بداهتها.
من المحرج أن يكون طرح الموضوع، زمن إنتظار نتائج الإنتخابات و كأن الديمقراطية التمثيلية لا تستحق التفكير، كلا، بل من غير المعقول أن يطرح سؤال الوطنية و الأمة من منظور المساءلة و التدقيق، خصوصا و أنه محاط بنزعة أمنية-أكاديمية تلخص في الإجماع السياسي إلى مداه المرتبط بجماعة المؤمنين، تقول الأولى بالتجريم طبقا لثوابت الأمة، و الثانية تعيد صياغة نزعتين من خلال الجامعة: كولونيالية، بهدم أسس المسلمات القائلة بالتعدد و التنوع، سيمتها اليعقوبية، و أخرى تسمي نفسها بالمدرسة الوطنية مابعد 1956، يندرج داخلها مؤرخون و متعاطين للعلوم السياسية بالدرجة الأولى، يعملون وفق تموقعاتهم السياسية و مهنتهم العلمية برسم خطوط ما يميز الأمة المغربية و فرادتها بين الأمم، طبقا لشرطهم التاريخي و الإجتماعي. لفهم طبيعة أزمة ما يجب العودة للأسس. ما هي الأمة؟ في الحالة الأوروبية ، تعرف الأمة حينما أصبحت واقعا تاريخيا على أنها:" هي مجموعة بشرية تستوطن مجالا ترابيا محدد، تكون كيانا سياسيا، يتميز بالوحدة و إرادة العيش المشترك" ( ڤولتير، حول الأخلاق و روح الأمم..). في أوروبا و بالأخص في فرنسا ، الأمة ولدت مع الثورة 1789، كنتيجة لقطيعة قادتها البورجوازية الرأسمالية مع المنظومة التاريخية للفيودالية و الملكية.
في حرب ألمانيا و فرنسا 1870، و بالظبط حينما إستولت ألمانيا على اللورين و الألزاس، ستتهيأ الظروف لظهور تصورات حول مفهوم الأمة بغية تحديد معايير شرعية الإنتماء، ما جعل إرنست رينان، يقول: " بأن الأمة هي تجدر تظامنها المبني على روح التضحيات الجماعية، تستوجب ماضيا مشتركا و لكن أيظا إحساسا بالرغبة في البقاء" ( ألان فلانكنخوت، تشاؤم الفكر..)، كموقف فرنسي إزاء وضع الإقليمين سياسيا.
و في الحالة المغربية كان الوعي الوطني جزءا من سياق ملتبس، تميز بإندحار العمل الثوري للمقاومة ضد للمستعمر الفرنسي و الإسباني، و بداية العمل السياسي للتفاوض ما بعد 1930. فالتمييز بين المغرب كفكرة و بين المغرب كمجال، يجعلنا نعتبر،" أن الأمة المغربية في التاريخ ليست دائما هي الأمة المغربية في السياسة" و هو مأزق يحمل أثار كل تعثرات البناء لأكثر من 60 سنة بعد معاهدة إكس ليبان. يقول العروي" و حاصل القول إن الوطنية المغربية ولدت من رحم المخزن نفسه و أخدت توجها سلفيا.." ( ع.ا.العروي، الأصول الإجتماعية و الثقافية للوطنية المغربية..). و غالبا ما يثم النظر إلى إلى الحواضر ، بمعزل عن صراعات أطيافها الإديولوجية، من غرست بدرة الوعي الوطني للأمة، فيما بقيت البوادي تمارس العنف لإثارة الإنتباه إلى تغييبها عن مشاريع الدولة، وهدا ما حدى بمتتبعين للإنتخابات الفارطة بالقول، إن فوز العدالة و التنمية بكبريات المدن هو نتيجة سيادة نوع من الوعي السياسي بها، في مقابل تركز التقليدانية المخزنية في البوادي ، لتصوت على الأصالة و المعاصرة. يتعلق الأمر بخطاطات مبسترة تنظر بمنظار خلاصات " ريمي لوڤو" و هو يحلل البنية العامة للدولة مابعد الإستعمار، في وقت يستعصي عدالواقع على هده الإختزالات الهشة. فما يسمى على المستوى الصوري " عالم قروي" أو " البادية"، هي مناطق دات خصوصية ثقافية خاضت معارك الإستقلال و معارك الهوية و معارك الحق في الثروة، في وقت إكتسح فيه تيار الإسلام الأرتودوكسي مجال المدينة، حيث ركيزة الولاء للأمة هو التخلي عن الإرتباط الثقافي" ليس هناك أمازيغي جيد بالنسبة للإسلام الأرتدوكسي إلا حينما يتخلى عن إنتمائه". لم يكن إستحداث البنيات الجديدة للمخزن العتيق، غير زيادة تنظيم إدارة الإستعمار بشكل يتناسب و منظومة الحكم، هكدا كان نظام التعليم قناة لتصريف الثقافة الرسمية طبقا لدستور 1963( التعميم، التعريب ، المغربة، المجانية) و تخريج الجماعات و فق جغرافيا العائلة و الإنتماء، في توزيع هرمي للمناصب و الثروة، ما لم يساعد البثة على وضع أسس مدرسة موحدة توازي شعار وحدة الأمة. تمارس المفاهيم عنفا بقوة بداهتها.
تعود أسس الأزمة البنيوية لنظام التعليم بالمغرب إلى مرحلة الحماية/الإستعمار، ففي يوليوز 1916،سيثم إنشاء المجلس الأعلى للتعليم الإسلامي، و عين فيه وجوه أبناء عائلات تقليدية، لازال ثقلها يرمي على ظلال المغرب المعاصر( ع.الرحمان بنيس، محمد الحجوي،التهامي بناني، عبد الهادي زنيبر، محمد بن أحمد بنشقرون...)، و سيليها مخططات متعددة مند سنة 1920، طبقا لسياسات الإقامة العامة و أهدافها البعيدة المدى، و لن تعرف المدارس الحرة إنتعاشها إلا بعد 1930، لأسباب سياسية. وتبقى مقاربة جورج هاردي الموكل من طرف ليوطي لإصلاح التعليم، أكثر تعبيرا عن مبدأ" الحفاض على كل واحد في مكانه" بغية خلق توازنات إجتماعية متماسكة، فقام بتوزيع أنواع العروض التعليمية على خمسة فئات يختلف موقعها الإجتماعي و السياسي عن الأخرى. فبالنسبة إليه ليس الهدف تكوين علماء بل حتى ليس حرفيين كما في النمودج المتقدم، بل فقط أن يكون التعليم أداة فتوحات أخلاقية و ثقافية!من جهة بتعويد الشباب على الإنسلاخ من مرجعياتهم الأصلية، و من جهة أخرى توفير يد عاملة رخيصة مؤهلة لملئ الضيعة و المعمل( سخرية يقول أهل الجنوب الشرقي أن علامات المرور تلك التي يوجد فيها شخص يحمل الفأس هو من " تمازيرت"). كان هدا هو حال السياسة التعليمية ما بعد الإستقلال، تمييز إثني جغرافي و إجتماعي يوازي جينالوجيا الأمة/المخزن من حيث السلطة و الثروة، هل الواقع يزكي هده النتيجة؟ نعم، بشكل أكبر.
هل نستطيع عقد مقارنة بعد الأن بين مفهوم الأمة هناك و مفهومها هنا؟ لقد كانت المدرسة بنت عصر الأنوار في أروبا، لتعميم المعرفة ووضع حد للجهل، في الحالة المغربية، فنحن إزاء إرثين، أحدهما مشرقي ينظر إلى جغرافيا المغرب كمجال إستيعاب إديولوجي و إلحاق ثقافي، عبر عنه السلطان محمد بن عبد الله(1790-1757)، بإصدار ظهير رسمي يحدد فيه ما يجب تدريسه: كتاب الله تعالى و تفسيره، السيرة و الحديث، و كتاب دلائل الخيرات، و ما يمنع تدريسه من علوم الفلسفة و علم الكلام و كتب المنطق و التصوف! و إرث كولونيالي إستدمجته البنية اليعقوبية لدولة المخزن مند 1959 بعد تمرد عدي أبيهي بتافيلالت و تمرد أمزيان بالريف، من خلال مبادئ( التعميم، التعريب، التوحيد و المغربة)تماشيا مع خطاب بناء دولة يعقوبية عربية، هي كالثالي من حيث سياستها التعليمية" وسط أمازيغي، و تفكير عربي" . المدرسة بنت الإستيلاب و الإستعمار و العائلات المحمية، فهي مند البدئ محافظة و ليست تحررية! و هو ما يفسر في جزء منه ركود فكر التعددية السياسية في مقابل سيادة فكر التنوع الثقافي في ظل وحدة الأمة!
ما يقلق العقل النقدي و هو ينفتح على التعالقات القائمة ما بين البنى و حقل القوى، عدم قدرته على و ضع خطاطة ميسرة للفهم، في مجال متراكب المرجعية، فالمخزن ناتج و منتوج للأمة، فهو : " يتولى القيادة القبلية و سياستها القمعية، كما يتولى الزوايا و سياياتها التأليفية، كما يستمد شرعيته من وظيفة الإمامة" ( ع.ا.العروي، ديوان السياسة..). هي معطيات تاريخية و أخري نظرية، تحاجج من موقع إرادة المعرفة ضد إرادة النسيان، قد نعيد الماضي في حلة جديدة، و يخيل إلينا أن الزمن يتحرك، غير أنه زمن نفسي طموح و لاينظر لكم الخسائر، فالوعي التاريخي الأمازيغي آنيا هو وعي بالمستقبل و ليس فقط و عي بالدات. جدل الهوية و الشخصية، يستدعي التموقع في اللحظة و القدرة على التجاوز. لا يتعلق الأمر بتبرئة الفاعلين الأخرين، و إزاحة عنصر الشرط الموضوعي، لقد نجح التاريخ في إيهام الكل أن الإصطفاف جهة قيم الحداثة عمل سياسي لمواجهة قيم التخلف، و هدا تصور عالمي يعكس صراع الخير و الشر، فهو تصور أخلاقي، لا يزال وفيا للثقافة المشرقية، تصور يريد إحلال الصراع الحزبي و الإثني ( في مقابل أمة موحدة عربية أو إسلامية: دينية و إثنية معا) محل صراع الشرعية و التعددية ،في الوقت الدي على الوعي أن يمهد لقلقه بوضع السؤال في قلب الإجابة، و تحويل كل الأطراف إلى متهمين و ليس شهودا على النهاية المؤلمة للدكاء الجماعي.
#حمزة_أيت_إيشوا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
-
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي
...
-
ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد
...
-
إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
-
شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
-
السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل
...
-
الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين
...
-
الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
-
-حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|