أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - إكرام يوسف - الجدعان..أهالي الجدعان















المزيد.....


الجدعان..أهالي الجدعان


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 5310 - 2016 / 10 / 10 - 02:35
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


داهمتني رغبة عارمة في معاودة قراءة رواية "الأم" لمكسيم جوركي، بعد مرور نحو أربعين عاما من آخر مرة قرأتها فيها!!
ولا شك أن أغلب المهتمين بالقراءات الأدبية، والمتابعين للأدب الروسي بالذات، يعرفون رواية "الأم" لمكسيم جوركي.. ولعلي، لا أعرف شخصيا أحدا من جيل الحركة الطلابية في السبعينيات، يجهلها!! وباختصار ـ بالنسبة لمن لم تتح له فرصة قراءته .. تدور الرواية حول أم بسيطة، أمية، تفتح وعي ابنها العامل على الأفكار الاشتراكية، وانخرط في صفوف المناضلين ضد الظلم والاستغلال، مدافعا عن حقوق العمال والعدالة الاجتماعية.. وكان الشاب حريصا على أن يهيئ والدته لتقبل فكرة، أنه إن عاجلا أو أجلا ـ سوف يدفع ثمن اختياره خندق الأحرار، الذين توكل إليهم الأقدار مهمة تغيير مجتمعاتهم إلى الأفضل!! ثم جاء اليوم الذي كان متوقعا، وألقي القبض عليه ليحاكم، ويصدر الحكم بإدانته ونفيه إلى سيبيريا ـ كما هو متوقع وفق قانون ظالم، وقضاة يدافعون عن امتيازات، منحتها لهم سلطة ظالمة مقابل قمع معارضيها ـ واثناء المحاكمة، يقف الفتى امام قضاته، ليلقي خطابا رائعا، يشرح فيه موقفه وأفكاره، ويؤكد أنه يتوقع الإدانة لأنه يعلم جيدا أنه يمثل مصالح تتعارض مع مصالح الظالمين! ويقرر رفاقه طباعة خطابه، في منشور يتم توزيعه سرا، لتوعية الجماهير. وهنا تقرر الأم ان تشارك في توزيع المنشورات بنفسها! وفي محطة القطار يلمحها أحد المخبرين ومعها حقيبة المنشورات، ويشي بها لحارس المحطة، الذي يتقدم منها قائلا: "أيتها اللصة!! أتمتهنين السرقة وأنت في هذا السن"؟ فإذا بها تصيح بأعلى صوتها "لست لصة! أنت كاذب" وتفتح حقيبة المنشورات، لتنثرها على الجمهور، ويتلقفونها منها، وهي تواصل صياحها " هل تعلمون لماذا قدموا ابني والذين معه إلى المحكمة؟.... لأنهم ببساطة، يحملون الحقيقة إليكم جميعا... وتواصل: "الفقر، والجوع، والمرض، كل ما يجنيه الناس من عملهم! .. نحن نموت مكدودين في العمل طوال حياتنا، مخدوعين دائما، بينما يمتص الآخرون كل الفرح والمكاسب حتى التخمة. ويقيدوننا في الجهل إلى الأبد، حتى لا نعرف شيئا على الإطلاق؛ وفي الخوف، حتى نخاف من كل شيء دون تمييز!" وتستمر الأم في توعية الناس، الذين يحاول بعضهم إنقاذها من أيدي الحرس.. بعدما تراءى لها أنهم ـ كما كتب جوركي ـ "على استعداد لأن يفهموا ويصدقوها، فأرادت أن تعجل، وتقول لهم كل ما تعرفه".. وكانت أخر كلماتها "أيها الناس!! وحدوا قواكم في قوة واحدة عاتية!!لن يغرقوا الحقيقة، ولو في محيط من الدماء"!! وفي النهاية ماتت، كما سنموت جميعا!!. وكما سيموت الظالمون وكلابهم المتوحشة؛ وحتى من يلوذون بالجبن ويسيرون بحذاء الحائط! لكنها عاشت حياة ليست كأي حياة!! حياة تليق بالأحرار حقا!!
لا شك أن هذا التلخيص ـ المخل، أعترف! ـ للرواية ليس كافيا، فهي تستحق القراءة مرات ومرات، لمن يريد أن يفهم، لماذا يختار أشخاص معينون، أن يعرضوا أنفسهم للخطر، ويتخلوا عما يعتبره البعض حياة مستقرة، أو أمنة، ليكونوا في صدارة المضحين من أجل العدل والحرية!! الرواية تستعرض جانبا من حياة المناضلين، الإنسانية والاجتماعية، وسماتهم النفسية؛ باعتبارهم بشرا، تنتابهم عيوب شخصية، وتمر بهم لحظات الخوف ـ كبقية البشر ـ على أنفسهم وأحبابهم؛ لكنهم اختاروا أن يكون لحياتهم معنى، وأن ينفقوا أعمارهم في سبيل ما هو أغلى من الحياة!
أتذكر هذه "الأم" كلما لمحتها في صور أمهات، وأباء، وزوجات وشقيقات، واخوة.. لمناضلات ومناضلين، اختاروا أن يعيشوا حياة ليست كأية حياة! ولا شك أنهم عاشوا فترات عصيبة من القلق وربما الهلع واعتصار القلوب حزنا، وخشية على مصير الأحباب! وربما كان بعضهم يختلف مع افكار أحبابهم، وربما غضبوا منهم أحيانا!! ولكن، عندما تكشفت أمامهم الحقيقة ـ مثلما تكشفت أمام عيني "الأم" ـ أدركوا أن أحبابهم، خلقوا لرسالة أجل وأسمى، مما يعيش من أجله الآخرين، وتأكدوا أيضا، كما تأكدت "الأم" من صحة اختيارهم، ومواقفهم، ولعلهم قالوا مثلها " إن كلمات ابني، هي كلمات شريفة لعامل لم يبع نفسه"!! ولا شك أنهم جميعا، تمزقوا في لحظات كثيرة، بين مشاعر القلق والخوف والحزن، ومشاعر الفخر والإكبار!
شهدت هذه "الأم" في ملامح معتقل التي شيرت، شقيق طارق تيتو، ونور شقيق إسلام خليل، وشقيقتي محمود السقا وشقيقه، وزوجة أحمد سالم، وأهالي عمال المحلة، و النقل العامة، والترسانة البحرية، وغيرهم الآلاف، ممن لم يكن لديهم أي اهتمام، بما يتجاوز حدود الأسرة؛ فإذا بأقدامهم تعرف فجأة طريق الأقسام والنيابات والمحاكم والسجون والمحامين! وأصبح التحقيق، وتصريح الزيارة، وتكاليف الإعاشة، وجلسة النظر في التجديد، والاستئناف، وإخلاء السبيل، والإجراءات الاحترازية...وغيرها، من مفردات أحاديثهم اليومية!! وتبدلت حياتهم من مجرد الجري وراء لقمة العيش، والإغراق في الطموحات الفردية والأحلام الشخصية، والبعد عن الهم العام، لتصبح السياسة خبزهم اليومي؛ بعدما أدركوا أن مستقبلهم الشخصي، ومستقبل احبابهم، يرتبط ارتباطا وثيقا بكيفية إدارة سياسة البلاد!
وبسبب "متلازمة الغباء المصاحب للكرسي"؛ لا يدرك المستبدون أن السجن والتعذيب الوحشي، وحتى الخطف والقتل، ليست وسائل رادعة لأحلام المناضلين؛ الذين يؤكدون يوميا صحة الشعار "عمر السجن ما غير فكرة.. عمر القهر ما أخر بكره".. من تصريح ماهينور المصري، وهي تعلم انها مهددة بالسجن:"مش بنحب السجن، لكن ما بنخافش منه"! ومن تصريحها؛ بعد سنة وثلاثة أشهر بين قضبان السجن:"احنا مش حنخاف ومش حنفقد الأمل.. علشان لسه في ناس تستاهل حياتهم تبقى أحسن، وفي ثمن ناس دفعته ولازم يتسدّ"!! ومن حديث مالك عدلي بعد خروجه من سجن غير أدمي، عانى فيه المرض والحرمان من العلاج، عندما سئل عما إذا كان سيكمل نضاله من أجل اثبات مصرية جزيرتي تيران وصنافير، فقال بتصميم وببساطة: "طبعا، أمال الحبسة دي كانت ببلاش"!! ومن هتاف محمود السقا بمجرد خروجه من باب السجن: "عيش، حرية، تيران وصنافير مصرية"!، ومن إصرار إسلام خليل، بعد خروجه من سجن ظالم تعرض فيه لتعذيب وحشي، على أن يواصل فضح ما يتعرض له السجناء ـ ومنهم أطفال ـ من تعذيب حشي وظروف غير أدمية!! وغيرها من المواقف التي لا تعد ولا تحصى، لأحرار دخلوا سجون الظلم رافعي الرأس، وخرجوا منها رافعي الرأس، مصممين على استكمال ما بدأوه!! لأنهم لم يفعلوا إلا ما يرفع الرأس ويملأ القلب فخارا.
والأهم من ذلك، أن المستبدين لا يستطيعون إدراك، أنهم يخلقون العديد من المناضلين، في مقابل كل مناضل يحاولون قمعه، مهما بلغت وحشية التنكيل! تخيلوا عشرات الألاف من المساجين في ظروف غير إنسانية، وبعضهم تمر عليه سنوات من تقييد الحرية، وضياع المستقبل الدراسي او الوظيفي، بما فيها من تعذيب، وظروف تصيب بالأمراض، ثم الحرمان من العلاج، من دون أن توجه لهم تهمة، أو يحالوا للمحاكمة!!كم من المناضلين سيخرج من بين أهاليهم وجيرانهم وأصدقائهم! وهل يدرك المستبدون الفاسدون، أنهم يحفرون قبورهم بأيديهم؟ وأنهم يخلقون أعداء لهم، في كل لحظة تمر على سجين رأي، أو طالب حق، أو ضحية ظلم؟
الأمر المؤكد أن من تفتحت اعينهم على الحقيقة، ومن لمسوا الظلم بأنفسهم وكانوا شهودا عليه، لن يستطيعوا تجاهلها مرة أخرى؛ ولن يستطيعوا الاستمرار في الحياة كأن شيئا لم يكن. وتؤكد التجارب التاريخية، أن كل من اختبر بنفسه حلم التحرر، ورفع صوته مطالبا بالعدل والحرية، ودفع الثمن، لن يمكنه أن يتوقف عن مواصلة النضال؛ وإلا خسر نفسه، وفقد روحه!! ولعل في قول مصطفى كامل " من يفرط في حقوق بلاده ولو مرة واحدة، يعش أبد الدهر مزعزع العقيدة، سقيم الوجدان" الكثير من الصحة! وإذا مددنا القول على استقامته، فكل من فرط في قضية العدل والحرية ـ بعد أن ذاق حلاوة الوعي ـ لن يمكنه أن يحيا مفرطا في حق أو ساكتا على ظلم!! ولا شك أن ذاكرة كل منا حافلة بأمثلة لأناس، قلبوا ظهر المجن، لمبادئ ـ تبنوها يوماـ فصاروا مسوخا مشوهة، يعيثون أذى وفسادا في حياة أقرب الناس إليهم!! ولعلي هنا أتذكر تلك السيدة الصعيدية الأمية البسيطة، التي اعتقل شقيقها الاشتراكي مع رفاقه، في الستينيات، وخرج ممن المعتقل وحده، بعدما وقع على "استنكار" للمبادئ الاشتراكية، ولرفاقه!! فطردته من بيتها لأنها اعتبرته ـ بفطرتها الصعيدية الحرة ـ ألحق بنفسه "العار" ولم يعد "رجلا" تفخر به كشقيق!!





#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بأي ذنب قتلوا؟
- الفتى محمود، والذين معه
- صناع الغد
- -الصهينة-.. صنعة!
- اختيارات!
- لا تصالح!
- درس المعارضة التركية
- الصورة الكاملة
- آسفين يا رمضان
- لا إفراط ولا تفريط
- المواطن بالغ الأهمية
- أصل الحكاية
- العمل حياة.. بجد!
- مجتمع -يلمع أُكر-
- أكان لا بد يا -لي لي- أن تزوري الفيل؟
- لمصر..لا من أجل ليليان
- آآآآآه.. يا رفاقة
- بنتك يا مصر!
- رفقا بجيشنا!
- دفاعا عن شرطتنا


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - إكرام يوسف - الجدعان..أهالي الجدعان