|
السيّد إبراهيم و زهور القرآن
وليد الأسطل
الحوار المتمدن-العدد: 5309 - 2016 / 10 / 9 - 04:51
المحور:
الادب والفن
(السيّد إبراهيم و زهور القرآن)، فيلمٌ شاهدته و روايةٌ قرأتها، للرّوائي الفرنسي (إيريك إيمانويل شميت)، الّذي أراد من وراء كتابتها توجيه دعوة للتعايش، دعوة للسّلام الّذي هو أعظم قضيّة في العالم، كما يصرِّح بذلك (هارولد بيرجهاوس) في مسرحيّته(ستار دخان). مَرَّ زمنٌ غير قليل على اِطِّلَاعي على هذا العمل في شكله الرّوائي و في مُعادِلِهِ البَصَرِيّ، لكنّني لا أذكر أنّني قد وقفتُ على اِختِلافٍ ذي بال بينهما، على الرّغم من مبايَنَة المَنطِق السّنيمائي للمنطِق الرّوائي. لقد أعادت هذه الرّواية تذكيري بجملةٍ، كثيراً ما طَرَقَت سمعي أثناء طفولتي، بل لازالت تطرقه إلى اليوم بين الفَينَةِ و الأخرى في وسائل الإعلام الفرنسيّة، إذا حضرَت مناسبةٌ ما تقتضي الحديثَ عن الشَّرق و حَضَارَتِه، هذه الجملة هي(سِحر الشَّرق). يريد المؤلّف أن يقول لنا مِنْ حَيثُ يدرِي أو لا يَدرِي أَنَّهُ، إذا كان العِلمُ و المعرِفَةُ مصدرهما الغَرب في عالَمِ اليوم، فإنَّ الحكمةَ كانَت و لا زالَت شَرقِيَّةَ المَولِدِ و الدّار، فهو يعرِضُ لنا الشارع الأزرق في حَيّ فوبورج مونتمارت الباريسِيّ في ستّينات القرن الماضي، و هو ممتَلِئٌ بِبَائِعَات الهوى، كاِنعِكَاسٍ لِمَوتِ الإنسان الغَربِيّ روحيّاً، كما سيقرِّر ذلك فيما بعد الفيلسوف الفرنسي الشهير(ميشيل فوكو) في آخر محاضرةٍ له في كلية فرنسا. وللتّأكيد على هذا المعنى، يُبرِز لنا المؤلِّف أيضا الرّجل اليهوديّ الغربِيّ والد الطفل موسى، كإنسانٍ سَوداوِيّ المِزاج، الّذي لم تستَطِع ذاكرتُه تجاوز هَول الفظائع الّتي عاشَهَا في معتقلات النّازيّين خلال الحرب العالَمِيّة الثانية، فينتهي به الحال إلى الإنتحار، بالرّغم مِن اِمتلاكِهِ مكتبة هائلة في مَنزِلِه، و حرصهِ الشديد على النّهل مِن ذخائِرِها، في جوٍّ منَ الصّمت المُقَدَّس. في الجهةِ الأخرى يُسلِّط(إيريك إيمانويل شميت) الضّوء و بإلحاح على حكمة السيّد إبراهيم البقّال التركيّ، و المسلم الصّوفي المُتَسَامِح، فهو لا يُظهِرُهُ إلّا متهَلِّل الوجه، دائم البِشر حتّى في لحظاتِ احتضارِه، رغم تواضع معلوماتِه، هذا الوصف يُجَسِّدُ أمام ناظِرَيّ تعبيراً كنت قد قرأته، لأحد النقّاد الأدبيّين الأمريكان عندما تطرّق بالنّقد لجبران خليل جبران(إنّ جبران حَدَثٌ في السنّ و لكنّه شيخٌ في الحياة، و لا عجبَ في ذلك، لأنّ معلّمي الإنسانيّة يجيئون دائماً منَ الشّرق). لكنّ السيّد إبراهيم يعيش في الغرب، فهو بحاجةٍ إلى الغرب في منجزاته الماديّة، فلماذا إذن لا يتكامل الشرق و الغرب لمصلحة الأسرة المسمّاة البشريّة في داخل بيتها المسمّى كوكب الأرض؟ لا يغيب عن عين كل قارئٍ و مشاهدٍ نبيه، الإنحياز الواضح الّذي يُبدِيه(إيريك إيمانويل شميت) لروحانيّة الشّرق على حساب ماديّة الغرب، حتّى أنّني وجدتُ قاسماً مشترَكاً بينه و بين ناقد أدبيٍّ إنجليزيّ، انبَرَى مدافِعاً عن الأديب الإنجليزيّ الكبير(كبلِنغ)، عندما قال أحدهم إنّ (كِبلِنغ) كان لَحَّانَة(إنّ سطراً واحداً ممّا كَتَبَهُ كبلنغ، يعادل كل الجراماتيك(النّحو) الإنجليزي). أَلَيسَ الأدبُ في شاعريّته يُعادِلُ الحكمةَ في سماويّتِها؟ أَلَيسَ النّحو في جفافِه أشبه بالعلم و التّقانة في صرامتِهِما؟ أَلَم يقُل (ميلان كونديرا) في كتاب (فنّ الرّواية)(إنّ مؤسِّسَ الأزمنة الحديثة في نظرِي ليس (ديكارت) فحسب بل كذلك (سيرفانتيس))؟ مع العلم أنّ الشرق خدم الرّواية أيضاً و لكن ليس بالمعايير المتعارَف عليها اليوم (ألف ليلة و ليلة)، إنّ أوّل رواية كُتِبَت في التاريخ وهي(الحمار الذّهبي) كتبها أديبٌ أمازيغيّ(لوكيوس أبوليوس)، و لم يسبقه إلى ذلك أديب غربيّ. و لكن أَلَا يَحِقُّ لي القول أيضاً إذا أردتُ أن أتشبّهَ ب(إيريك إيمانويل شميت) في إنصافه للشرق (إن كانت حِكمةُ الشرقِ في المُطلَقِ فإنّ حكمةَ الغَربِ في اللّامُطلَق)؟ أَلَيسَت مُطلَقَاتُ الشّرق قد أحالتهُ جحيماً أرضيّاً؟ و لكن بالمقابل أَلَمْ تنجب فلسفات الغرب الماديّة أكبر القتلة في التاريخ(هتلر، موسيليني، ستالين، ماو، و بن غورين الذي لم يكن مؤمناً، و جولدا مائير أيضاً، ميناحم بيجن الحائز على نوبل للسّلام هههه؟) (ميناحم بيجين) القائل في كتابه(الثورة)(إنّ مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي، إلى أن يقول(لولا النّصر في دير ياسين لما قامت دولة إسرائيل). قولٌ أخير إنّ المغالاة ضارّةٌ دائماً، فالمغالاة في المطلَق تنتج حروباً صليبيّة و داعشيّة، و بالتالي إهمال الجانب العياني للإنسان، و المغالاة في الماديّة، تؤدّي إلى تشييء الإنسان و تحويله إلى سلعة و إلى كائن إستهلاكي، حسب تعبير الرّاحل الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري.
#وليد_الأسطل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لِأَنّهُ ماذا ينتَفِعُ الإنسان لَوْ رَبِحَ العَالَم و خَسِرَ
...
-
حكاية البرونكس
-
أيّام الرّعب(الظّلاميّة و التنوير)
-
جسور مقاطعة ماديسون
-
الشّموع
-
نَدَى كفِّك
-
لماذا نكتب الشعر؟
-
سينما باراديزو
-
الأَوْلَى بِقَلبِك
-
لا رجوع
-
العَصَا السِّحرِيَّة
-
لا يُرِي النَّاسَ وَجهَه
-
أين الحقيقة؟
-
مَنْ أَكُون؟
-
حَظُّ شَاعِر
-
الشِّعر
-
فِتنة الشّعر
-
نِهاية عذاب
-
أَلَمْ
-
منير الأسطل هَمسَةُ مُحِبّ
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|