عامون كيشار
الحوار المتمدن-العدد: 5308 - 2016 / 10 / 8 - 00:31
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
رحلة اشتياق إلى بابل الحبيبة لملاقاة أحبتنا اليهود المنسيين
صحيح إنني هاجرت من العراق مع عائلتي إلى تل أبيب في خمسينيات القرن الماضي, إلا إنني لا زلت أحمل شوقاً إلى أرضي .. أرض إسرائيل .. أرض اليهود .. التي اغتصبها منهم العرب الأوباش أتباع محمد نبيهم المزعوم. العراق وخصوصاً الأنبار المنطقة التي عشت فيها تركتها وقلبي موجعاً يشتاق إلى التراب والأهل اليهود المنسيين هناك بين الرعاع وخوفي عليهم بالغ, أنهم أهلي وأقربائي من العانيين المتبقين هناك تحت أسر العرب, وأن كانوا يؤدون صلواتهم ليقوا شرهم عليهم.
فحلمنا نحن اليهود منقسم ما بين الذين يقطنون إسرائيل "أرض الميعاد" والموجودين في أرضنا في العراق, فنحن نرغب بالعودة إلى ديارنا التي ولدنا وترعرعنا فيها, وهم الذين يتمنون القدوم إلى إسرائيل "ارض الأحلام" والتخلص من جحيم المبالغة بالتمثيل بعروبتهم وإسلاميتهم أمامهم. فيهود العراق المتبقين لم يخرجوا من ديارهم وذلك لتلبية أملاءات الصهيونية العالمية بمساعدة الجيش البريطاني, إلا أنهم فقدوا حريتهم ومستقبلهم وسط مجتمع بربري وأن حصلوا على امتيازات التعيينات والعمل والعيش الرغيد بفضل مساعدة الغرب لنا, لكنهم لا يستطيعون ممارسة شعائرهم اليهودية الحقيقية بالعلن بل بالخفاء, ليمارسوا الطقوس الإسلامية الإرهابية رغماً عنهم أمام العرب الرعاع لتكون طقوسهم بسرية تامة وعلى تواصل مع حاخامات دولة إسرائيل الذين يلتقون بهم بين الحين والآخر داخل أو خارج أرض الوطن.
أكيد أنا من العانيين, حيث إنني عشت أغلب سنوات حياتي في إسرائيل الحبيبة, لكن ما أتمناه قبل أن أموت أن يُنصف اليهود العانيين وغيرهم في منطقة الأنبار غرب العراق وأن ينالون حقهم المسلوب من العراق ويحكموا وينالوا حكم أنبيائنا في العراق عموماً والرمادي والفلوجة وهيت وعانة بشكل خاص.
أنا من العانيين اقطن في منطقة عانة أقصى غرب العراق اسمي عامون كيشار هاجرت العراق من عانة في مطلع خمسينيات القرن الماضي ولدي أبناء منهم شاجام وإيلام وابنتي ميناز زرت العراق وتحديداً أربيل والتقيت بعائلة الكحلي العانية اليهودية والتي يعرفها العرب في مدينة الرمادي غرب بغداد بــ (رجب شعبان) وباليهودية نعرفها بــ بعسوسي التي لم أرها لعقود حتى بعد تحرير العراق من نظام صدام وخصوصاً في العام 2016 لألتقي كل من عزرا الآرامي وهو معروف عند العرب بــ (خالد رجب شعبان) وكامار بعسوسي الملقب بالشجلي وهو معروف عند العرب بــ (محمد رجب شعبان), وكذلك بيعام بعسوسي وهو معروف عند العرب (قصي محمد رجب), ولا أنسى ألدرا التي توفيت وهي حفيدة عائلة بعسوسي وهي من جيل التسعينيات والتي ألمني فراقها, وكذلك تيلا بعسوسي وهي معروفة عند العرب بــ (سجى رجب شعبان) بلقاءات عديدة في شقلاوة وأربيل جمعنا بهم الحاخام باردو سوياً رغم أمنيتي زيارة الرمادي وعانة لكن الظروف الأمنية تحول دون ذلك, المهم أدينا الصلوات اليهودية في معابد أربيل وشقلاوة مع استذكار للأيام القديمة مع والدها, مع الأخذ بنظر الاعتبار المعاناة التي يعيشوها وسط مجتمع متطرف إسلامي. أما الكحلي فهي بالأصل مأخوذة من الكحل التي أبرزها اليهود والتي يعود جذورهم إلى المنطقة الواقعة بين الأردن وسوريا, فحفاوة اللقاء والدموع التي تُذرف والأحضان التي لا يشبعها الفراق الطويل في رؤية أبناء بعسوسي وهم يكبرون واقفين أمامي وأخذت أحدثهم أكثر عن تل أبيب واليهود هناك والحياة فيها, مع توقهم الشديد لنزع الرداء الإسلامي المتطرف والمجيء إلى تل أبيب أرض أجدادهم اليهود لنجتمع على مائدة واحدة بحرية غير تلك التي يعيشونها في العراق أمام العرب, هذا الفراق الطويل لا بد له أن يزول ونعود نحن إلى الرمادي وعانة والفلوجة وهيت بعد أن تنضم إلى حلمنا الأكبر من النيل إلى الفرات.
أخبرت تيلا عن بداية حياتي منذ ولادتي في عانة وعن علاقتي بوالدها منذ أن انتقلنا أنا وأبوها من عانة إلى الرمادي مع عوائل عانية يهودية أخرى كثيرة. فزادت علاقتي ببعسوسي في الرمادي أكثر فأكثر ونرتاد مقهى في منطقة العزيزية المعروفة. لكن الفاجعة الكبرى هو عندما ساد الهرج والمرج العراق "الفرهود" لتحين بعدها ساعة الصفر للذهاب إلى إسرائيل لتنقطع الأخبار بيننا سوى عن طريق الأخبار والإذاعات التي كنا نسمعها عن العراق وتحديداً إذاعة العراق لنطمئن عليه وعلى الآخرين لأنهم أصبحوا ضمن إطار العراق محاطين بسور العرب. أخبرت تيلا وكامار أيضاً عن زياراتي المتكررة مع والدهم بعسوسي معابد سرية في عانة نقرأ التلمود والتوراة ونجهز بالبكاء الشديد كون لحظة الفراق قد اقتربت, فكانت مهمة الخروج والبقاء تقع على عاتق المنتحر, فاختار بعسوسي الانتحار ليُخفي يهوديته ويقفل عليها ويأخذ دور المسلم المتفاني كمؤذن مسلم وهي أصعب مهمة أوكلت إليه عندنا اليهود بين العرب. أما أنا فخرجت بآلامي وأحزاني وكبت دموعي إلى ديار إسرائيل حزناً على الفراق الطويل واللقاء البعيد. ولا استطيع تناسي الموقف الذي جعلني أتمسك بيهوديتي عندما كنا في الرمادي أنا وبعسوسي نتسوق الخضروات عندما رجمني البائع العربي بحجارة في ساقي وسقطت حينها على الأرض ليهرع بعسوسي ليحملني ويقف إلى جانبي, ذلك الموقف قد رسخ في داخلي قوة التماسك اليهودي بيننا وقوتنا في وحدتنا. كما إن للرمادي في قلبي أثر كبير اجعلها تمثلني في حياتي وشخصيتي وأطباعي وهويتي حتى في الخطابات الالكترونية الرسمية وفاءاً لها مني.
أما نحن هنا في تل أبيب فإننا نسترجع حلم أرضنا التي هجرناها بتراثها وأهلنا الذين تركناهم هناك, لا بل حتى اللهجة العامية الانبارية التي كنا نتداولها آنذاك فيما بيننا, فلم يتوقع العراقيون وسط ما يعيشونه من أزمات بمختلف جوانب حياتهم، أن لهجتهم العراقية المميزة على مستوى، هي تدرّس الآن في معاهد خاصة في قلب مدينة رمات غان الإسرائيلية، التي تقع في الجنوب الشرقي من تل أبيب. في وقت يشهد العراق عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي والذي دفع الملايين من أبنائه إلى الهجرة إلى بلدان مجاورة أو لأوروبا وأمريكا، حيث بات "حلم الهجرة" يراود أفراد المجتمع صغيرهم وكبيرهم، وما يزال "حلم العودة" يراود بالمقابل يهود العراق؛ الذين سكنوا قديماً في مناطق عراقية وأستقروا فيما بعد في إسرائيل.
لذلك تلقى اللهجة العراقية اهتماماً بالغاً من مجموعة إسرائيلية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، بل وتدعو إلى التسجيل للانضمام إلى دورات تعلم (اللهجة العراقية المحكية) أو ما تسمى باللهجة العراقية بـ(الجلفي) التي تُقام في مدينة رمات غان. وقد أطلقت المجموعة على نفسها اسم "هيا نتعلم اللغة العراقية المحكية"، فمن يأتي إلى تلك الدروس هم ليسوا يهوداً قادمين من العراق بهدف الحفاظ على ثقافتهم، بل يصل شبان يبدون اهتماماً باللغة والحضارة العراقية أو جيل ثالث من القادمين من العراق، والذين يريدون العودة إلى جذور أجدادهم مثلنا. وعليه ومن خلال تواصلنا مع يهود عانة والرمادي والفلوجة نرفد اليهود هنا في تل أبيب باللهجة العراقية اليهودية وبالمفردات الحديثة.
#عامون_كيشار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟