أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - قصة قصيرة رجلٌ .. ونصف جسد














المزيد.....


قصة قصيرة رجلٌ .. ونصف جسد


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 1413 - 2005 / 12 / 28 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


الجدران تتثاءب من الملل والضجر , السقف مليء بالشيب , الشيخوخة تعم المكان , على نفس السرير تمدد منذ عشرين عاماً حتى أصبح عالمه عبارة عن بضعة أمتار مربعة لم يخرج منها قط .. فانبرت ذاكرته تعيد له صباح ذلك اليوم عندما فاز ببطولة المدارس الابتدائية للساحة والميدان وقطع مسافة المائة متر كفهد صغير .. نظر إلى رجليه المشلولتين وهو لا يصدق انه مشى عليهما في يوم من الأيام .
لن ينسى إحراجه – وزهوه بعد ذلك - عندما جاء ( المطهرجي ) لختانه مع إخوته وأولاد عمه , وكيف تفاجئ بحجم ( ذكره ) مقارنة مع أقرانه الآخرين الذين كانوا بنفس عمره , فطلب ( المطهرجي ) حينها قدحاً اكبر من قدح الشاي الذي كان يعقم فيه أعضاء الأطفال الصغار .. يكاد يبكي دماً كلما نظر إلى عجزه كرجل , بعدما كان يفخر برجولته ويمشي كديك مغرور في أروقة الجامعة , يتباهى بشبابه وأناقته أمام أنظار الطالبات والمعجبات منهن .
تذكر مشاغباته أيام الدراسة الابتدائية ومقالبه التي لا تحصى في السفرات المدرسية وكذلك في المعسكرات الصيفية المزعجة التي كانت تفرضها عليهم السلطة بعد عناء عام دراسي لتحرمهم من الراحة التي كانوا يحلمون بها وهم يمرّغون بالتراب تحت سياط أشعة الشمس التموزية اللاهبة .. لم يتخلى عن مشاكساته حتى أمام الضباط في مركز التدريب العسكري القاسي الذي زُجّ فيه بعد تخرجه من الجامعة مباشرة ! ليتعلم فنون القتال بدلاً من تصميم نماذج للمباني التي كان يعشقها ويبدع في تخطيطها في المرسم التابع لكلية الهندسة المعمارية مع صديقته وجارته ( سلمى ) .. هناك قضى أحلى خمسة أعوام من حياته .
أكثر ما كان يرعبه ويقضّ مضجعه هو خوفه من أن يقتل ببندقيته إنسان في معركة لا يعرف فيها الخاسر من المنتصر .. لأنه آمن بغريزة الفنان الكامنة فيه بعبثية الحرب وعدم جدواها , واستمر في كرهه لها رغم انه كان جزءاً من تلك الآلة الجهنمية للموت والتي أقحم فيها عنوة .. فإما الحرب أو الإعدام رميا بالرصاص في الشارع المقابل للدار التي تسكنها وما أصعب الاختيار ! لم يعرف بأن نجاته من تلك الحرب ستكلفه كل ذلك الألم الرهيب .. وان عدم إيذاءه أي إنسان لن يشفع له في حرب ضروس لا تمّيز الأخضر من اليابس ولا الشاب من العجوز أو المرأة من الطفل .. كانت كلمات الطبيب في المستشفى العسكري ترن في ذاكرته دون أن يدرك معنى لأن تكون هناك شظية بحجم (حبة العدس) تضغط على الحبل الشوكي لعموده الفقري . فأصبحت تلك الشظية اللعينة الحد الفاصل بين مرحلتين من مراحل حياته , بين الإنسان ونصف الإنسان , بين العنفوان والحيوية والعطاء من جهة وبين السكون والعجز والذبول الذي يقطع أوصاله الآن من جهة أخرى .
لقد استطاع رغم كل شئ أن يحوّل رسوماته وتصاميمه الرائعة التي أرسلها لكبرى الشركات الهندسية إلى عمارات مذهلة , وحوّل ولعه بالأطفال الذين حرم منهم للأبد .. إلى مدن العاب مدهشة تزّين عواصم ومدن خارج حدود وطنه الذي أحبه لدرجة الجنون.



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم وفراشات
- ثقافة العناوين..!
- قصتان قصيرتان
- الوطن المقتول
- حفلة تنكرية
- قصة قصيرة - وراء الحياد ..بقليل-
- قصص قصيرة جدا /3 ً
- قصة قصيرة - مواسم -
- الى ولدي
- 2 / قصص قصيرة جداً
- قصص قصيرة جدا
- تقييم الحوار المتمدن
- قصة قصيرة العرّاف
- صدى وسكون
- قصاصات من دفتر قديم
- الرجل الغريب


المزيد.....




- هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر ...
- شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
- لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
- وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض ...
- الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس ...
- رابطة المؤلفين الأميركية تطلق مبادرة لحماية الأصالة الأدبية ...
- توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية ...
- السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
- ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
- مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - قصة قصيرة رجلٌ .. ونصف جسد