أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1















المزيد.....


الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5307 - 2016 / 10 / 7 - 10:39
المحور: الادب والفن
    


قال شمشون لأعدائه، بعدما سملوا عينيه وسخروا منه:
لولا أنكم حرثتم على بقرتي، لم تكونوا لتعرفوا حل أحجيتي.
( سفر القضاة ـ العهد القديم )

*
الصدفة، هيَ من قادَ خطواتي نحوَ " فرهاد " لكي نمضي معاً في طريقٍ قصير.
قبل كل شيء، عليّ القول بأنني سبقَ أن تعرفتُ على آخرين من الأجانب المقيمين في السويد، والقادمين من الشرق الأسطوريّ. كان منهم بطبيعة الحال محقق هذه السيرة، التي أنجز كتابتها صديقي " فرهاد " قبيل رحيله المأساويّ. المحقق، هوَ من طلبَ مني كتابة مقدمة للكتاب طالما أنّ مؤلفه كان مجهولاً كأديب. ولن أخفيكم بأنها كانت دوماً رغبة دفينة في داخلي، الكتابةُ عن انسانٍ بقيَ الأقرب إلى روحي مذ أن تعرفتُ عليه قبل نحو عقدين من الأعوام، وعلى الرغم من موته المبكر. ثمة حقيقة لا تقل أهمية عندي، وأرغب أن يتأكّد منها القاريء، وهيَ أنني لم يكن في نيتي قط أن يُقرن اسمي بمقدمة السيرة بوصفي كاتبة. أجل، لقد جمعني مع صديقي الراحل الهوسُ بالأدب، والفن بشكل عام. فلئن رافق كلماتي شيءٌ من الوشي والزخارف، فإنها حتماً بحكم التأثر بقراءاتي الأدبية لا أكثر. أمرٌ آخر، لعله يستدعي الإشارة إليه فيما يخصّ رغبتي بالكتابة؛ وهوَ علمي من المؤلف شخصياً بكون سيرته هذه منذورة فقط لفترة إقامته في مراكش. من ناحيته، فالمحقق حثني على إيراد بعض التفاصيل عن علاقتي بالمؤلف، بما في ذلك حادثة انتحاره المفجعة. وكان نبأً سعيداً ( بغض الطرف عن المناسبة الحزينة )، أن أعلم مؤخراً بأنّ شقيقة المؤلف الراحلة، " شيرين "، كانت قد تركت أيضاً سيرة مكتوبة عن نفس الفترة المراكشية. لن أستبق تسلسل الأحداث، لأتكلم عن مبلغ تأثر " فرهاد " بمأساة شقيقته؛ والتي يبدو لي أنها قدَرٌ على أسرته ككل.. أو ( مكتوب*)، مثلما ينعتها أهالي الشرق المسلم!

***
لنعُد إذاً إلى واقعة تعرفي براوي السيرة. ذلك جرى في أحد أيام ربيع 1994.
رأيتني يومذاك أغشى بناء أثرياً من دورَيْن، تمّ تحويله إلى صالة رقص.. صالة، تتبدى ليلاً بأنوارها الملونة ـ كإبنة حسناء، وحيدة، للقصر الملكيّ المتجهّم، المتربّع على أعلى روابي مدينة أوبسالا. الصالة تقوم أسفل الرابية، مشرفة على حديقة المدينة؛ ثمة، أين تنفتح القناة المائية مشكّلةً مرسى للسفن السياحية، المنطلقة إلى العاصمة ستوكهولم. تلك الصالة، كانت أصلاً فيللا عاشت فيها جيلاً بعد الآخر أسرةُ نبلاء معروفة، ثم ما لبث اسمُ الأسرة أن أندثرَ. ولا يختفي أثرُ الأسر العريقة في السويد سوى بسبب عزوف أخلافها عن الإنجاب، أو نتيجة هجرتهم إلى القارتين الجديدتين أمريكا وأستراليا. وكانت الفيللا بدَورها قد بدأت بالإندثار، حينَ تعهد ترميمها مهاجرٌ يونانيّ ليستثمرها كمطعم / ديسكو.
آنذاك، وأعني في ليلة تعرّفي بمن سيُصبح صديقي، كنتُ قد لحظتُ تجمّعاً لطلبة أجانب مع معلّميهم السويديين، وهم يحتلون رواقاً داخلياً في الدور الأرضيّ. كانوا متحلقين حول مائدة واحدة، تشغل صدر الرواق، يتناولون العشاء ويقارعون الشراب. كانوا يحتفلون بانتهاء دراسة اللغة السويدية؛ وهوَ أيضاً تقليدٌ سنويّ في المعاهد والكليات الجامعية. كنتُ حينئذٍ قد لجأتُ إلى الرواق، متبوعةً من شابّ أفريقيّ كان يلحّ عليّ بمواصلة الرقص. كان شاباً لطيفاً، فيما لو صرفنا النظر عن قامته العملاقة، ولقد سبقَ أن راقصته أكثر من مرة واستعملنا الإنكليزية كوسيلة للحديث. بهذه اللغة، ما لبثتُ أن تكلّمتُ مع زميله في الفصل الدراسيّ، المنقضي: ذاك، كان شاباً توحي ملامحه بإنتمانه للبحيرة المتوسطية؛ كأن يكون يونانياً مثلاً. كان ما يفتأ يتناول العشاء مع كأس نبيذ أحمر، فيما عيناه العسليتان ترقبان حلقة الرقص الصغيرة على طرف القاعة. وقد شاركتُ ثمة في الرقص، مُتعمّدة الدوران السريع المرة تلو الأخرى لكي أظهر مثيرةً بثوبي الخفيف، القصير، ذي اللون الأصفر البرّاق. كنت ثملة، ولكن بالعسل المُسكر المندلق قطرة قطرة من تينك العينين.
هواء الربيع، المندفع من نوافذ وأبواب الصالة الأرضية، كان يُضافر في فضيحة فستاني المكشوف والرهيف. ولم أتوقف عن الرقص، إلا عندما لحظتُ أنّ مكان الشاب وراء مائدة العشاء أضحى فارغاً. قلبي، أنقبضَ من فكرة مغادرته المكان إلى غير رجعة. نحّيتُ الفكرة جانباً، بما أنّ الوقتَ غير متأخر بعدُ، ثم هُرعت إلى صالة الرقص الأساسية. كوني أعتدتُ على ارتياد الملاهي في تلك الآونة، وأضحيتُ على معرفة نوعاً بطبع روادها الشباب ( وخصوصاً الأجانب منهم )، فإنني رجّحتُ أن يكون صاحبُ العينين العسليتين قد انتقل إلى مائدة الروليت. وكان هوَ هناك بالفعل، وبدا لي كأنما أرتاح لرؤيتي مجدداً. مغناطيسُ عينيه، حقّ له أن يجذبي في الوهلة التالية إلى طاولة الروليت، المشمولة بضوءٍ قويّ. وقفت إلى جانبه أتفرج على اللعب، حينما شعرت على الأثر بيده الناعمة تمسّ كتفي العاري. تلك، كانت دعوة صامتة إلى صخب الرقص والموسيقى. ترددتُ قليلاً. لعلني أردت أولاً معرفة أيّ رقعة محظوظة ستستقرّ فيها كرة الروليت، وكما لو كنت قد راهنت في ذهني على أحد الأرقام: بيْدَ أنه الحظ، في آخر المطاف، من جعل يد " فرهاد " تستقرّ على كتفي كي يقودنا كلانا إلى عالمٍ غير واقعيّ.

***
ألمحتُ آنفاً إلى معرفتي ببعض الأشخاص الشرقيين، وذلك قبل أن ألتقي " فرهاد ". أحدهم، ولنقل أنّ اسمه " لوركا "، كان مواطنه. أو بالأصح، كان كردياً أيضاً. عن طريق هذا الأخير، أقتربتُ من دائرة أدباء أجانب يستعملون لغتهم القومية في الكتابة؛ وهيَ لغة كانت مقموعة بشدة في تركيا. على أنّ أغلب أولئك الأدباء، في المقابل، كانوا يتكلمون التركية في منازلهم مبررين الأمرَ بكونها لغة دراستهم الأولى وأنهم كوّنوا ثقافتهم من خلالها. رويداً أدركتُ بأن هؤلاء الأشخاص، المتّسمين غالباً بسذاجة نشأتهم الريفية ( بالمكر والجشع فوق ذلك! )، كانوا يصطنعون لغة أدبية ولا يتمثلونها ـ كمن يؤدي دوراً على المسرح، ولا يلبث بعد انتهائه أن يعود لشخصيته الحقة.
مع " فرهاد "، فإنني ولجتُ عالماً جديداً. ولا أقصد دائرة أخرى من الكتّاب؛ فإنّ صديقي هذا كان يؤثر العزلة عموماً. لقد بقيَ بمنأى عن جماعة الأدباء، إلا في مناسبات نادرة، مع كونه شاعراً ورساماً. إذ حرمني جهلي للعربية من قراءة سيرة حياته هذه، فإنني حظوتُ في حياته بمعرفة العديد من قصائده القصيرة والتي قام هوَ على ترجمتها من الأنكليزية وتعهّدتُ بنفسي مهمّة تنقيحها ومن ثم نقلها للسويدية. إحدى تلك القصائد، وكانت طويلة نوعاً، قرئت في مكتبة أوبسالا من لَدُن أحد فناني مسرح المدينة المركزي. تلك، كانت أمسية فريدة حقاً. أمينة المكتبة، وكانت قد أعجبت جداً بالقصيدة، ما عتمت أن حجزت لصاحبها دوراً كي يعرض لوحاته المائية في صالة المعارض ثمة. وينبغي عليّ القول، بأنني شعرتُ بالغيرة على صديقي، حينَ تحلّقت حوله يومئذٍ بعض الفتيات وإحداهن كانت تدرس الأدب العربي في جامعة المدينة. في ذلك الوقت، كانت القناة التلفزيونية الأولى قد أنهت عرضَ الفيلم الهوليوودي، " الحريم "، على أربع حلقات. وقد عاد النجم الشرقيّ عمر الشريف ( كان هوَ بطل الفيلم بدَور السلطان العثمانيّ ) ليفتن جيلنا النسائيّ، مثلما فعله مع الأجيال الثلاثة السابقة. " فرهاد "، كونه ساحر الهيئة كأميرٍ شرقيّ، فلم يكن غريباً أن يجذب أولئك الفتيات وعلى الرغم من أنه لم يكن من ذلك النوع المستثمر لجاذبيته.
على أنّ صديقي، العازف عن الحياة الإجتماعية بله العاطفية، كان ينتمي بشكلٍ ما إلى عائلة أمراء. ما كان هوَ بنفسه على يقينٍ من الأمر، بل ويمكن القول بأنه كان يأخذه أحياناً على سبيل التندّر. كان يكفي، باعتقادي، الإعتماد على مظهره الخارجيّ لكي يحكم المرءُ فوراً بنبالة محتدّه. كذلك الأمر بخصوص مسلكه، الغالب عليه الرغبة بالاسترخاء والكسل وإمعان الفكر بعيداً. إلا تلك ليست سوى جزءاً هيناً من شخصيته. على أيّ حال، فلم يتطرق " فرهاد " لهذا الشأن المتعلّق بمنبته الإجتماعيّ إلا بصورة عابرة حينَ كان يتعيّن عليه الحديث عن أسرته في الوطن. وبالتالي، فإنّ توقفي عند ذلك الشأن قد يبدو بلا طائل. ولكنني وددتُ حَسْب الإشارة لما يُميّز " فرهاد " عن تلك الدائرة الأدبية، والتي كان أفرادها يُظهرون عموماً مشاعر العظمة الزائفة. في هذا المقام، يَحضرني مثلٌ كرديّ طريف تُرجم لي ذات مرة قبل زمنٍ بعيد: " ليتني كنتُ عروساً للغرباء، لكي أمتدح لهم حالَ أهلي! ".
.....................................................

* وردت الكلمة في النصّ السويديّ بلفظها العربيّ







#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرناطة الثانية
- الرواية: ملحق
- خاتمة بقلم المحقق: 6
- خاتمة بقلم المحقق: 5
- خاتمة بقلم المحقق: 4
- خاتمة بقلم المحقق: 3
- خاتمة بقلم المحقق: 2
- خاتمة بقلم المحقق: 1
- سيرَة أُخرى 41
- الفصل السادس من الرواية: 7
- الفصل السادس من الرواية: 6
- الفصل السادس من الرواية: 5
- الفصل السادس من الرواية: 4
- الفصل السادس من الرواية: 3
- سبتة
- الفصل السادس من الرواية: 2
- تخلَّ عن الأمل: الفصل السادس
- سيرَة أُخرى 40
- الفصل الخامس من الرواية: 7
- الفصل الخامس من الرواية: 6


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: تقديم 1