أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - من وحي أيام عاشوراء في مدينة الناصرية















المزيد.....

من وحي أيام عاشوراء في مدينة الناصرية


أمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 5306 - 2016 / 10 / 6 - 18:00
المحور: الادب والفن
    



حينما كنّا صغاراً كثيراً ما كانت تفرحنا أيام عاشوراء أكثر مما نحزن فيها على مصاب الحسين وإستشهاده هو وأخيه العباس وعشرات من أنصارهما في معركة الطف المعروفة ,فقبيل أن يأتي شهر محرم تبدأ الاستعدادات لتهيئة الأمكنة والأجواء لها من قبل عدد من الميسورين في المدينة وعلى الرغم من أننا نعيش في صوب الشامية الصغير إلاّ أننا كثيراً ما تبهرنا مناظر الأضوية وهي تتلألأ معلقة بالحبال ناشرة أضوائها الساطعة لمسافات بعيدة في أماكن متفرقة من مركز المدينة الذي نسميه الولاية , وكنّا نتجمع قرب الحصران التي تصنع من سعف النخيل أو البواري والتي يتم نسجها من القصب والتي نلعب فوقها قبل أن يتناولها عدد من الرجال ويقومون بتسفيطها تحت النشرة الضوئية وكثيراً ما يبهرنا منبر القاري البحراني الذي يتقدم بالصعود عليه وكان يعتمر عمامة بيضاء تناسب شكل وجهه الذي يميل للبياض ويضع نظارة طبية خفيفة فوق عينيه ثم يبدأ بترخيم صوته وكثيراً ما كنّا نتمنى عليه أن يعيد على مسامعنا عبارة ..يا ليتنا كنا معكم سادتي فسنفوز فوزاً عظيما..لأنه حينما يقولها كأنه يطرب بها أسماعنا وحينما ينتهي من كلامه الذي يختمه بالبكاء الظاهري على الحسين وأصحابه ينتقل الى مكان آخر وكثيراً ما نتتبع خطواته أو نعود الى صوب الشامية لحضور المجالس الحسينية في جامع حجي عباس رحمه الله وفي بعض الأحيان نخلع قمصاننا ونقوم باللطم مع الكبار ولكي نثبت أننا تألمنا على مصاب الحسين نضع قليلاً من الثوم المطحون فوق صدورنا لكي تبدو حمراء أو تنزف دماً حينما نضرب عليها ونتباهى مع الآخرين لكي يروها محمرة بشدة من كثرة الضرب ولكن تفوح رائحة الثوم أحياناً من أجسادنا بسببها..ولا أدري لماذا كان الأهالي يحددون يوم السابع من محرم بأنه جرى فيه قتل العباس بن علي ويسمونه كتلة العباس فتقوم النساء في هذا اليوم بقلي المئات من أفخاذ الدجاج وتحميصها وتضع كل واحد منها فوق صحن كبير غالباً ما يسمى البلم يكون مليء بالرز العنبر الذي تفوح منه رائحة زكية ويقومون بتوزيعه على الجيران كل بيت لهم ماعون رز فوقه فخذ محمص وفي هذا اليوم يكون أغلب الفقراء قد تذوقوا الدجاج وترحموا على الشهيد العباس..في إحدى السنوات وكنّا أطفالاً بعمر 11 أو 12 سنة نتضور جوعاً والنساء يوزعن صواني الدجاج والرز على بيوت جيران المنطقة المجاورة والبعيدة ..كنّا واقفين نتناقش لتحديد وجهتنا خلال الساعة القادمة والى أين سنذهب وفي هذه الأثناء مرت من أمامنا امرأة قصيرة جداً وسمينة تحمل صينية فوق رأسها شممنا من خلالها رائحة الدجاج والرز الشهي فما كان من قائد مجموعتنا نوري محمود الذي كان يكبرنا بحوالي ثلاثة سنوات إلاّ أن قال لنا وبسرعة ..يا جماعة جوعانين فقلنا له دون تردد ميتين جوع وبلحظة وبسرعة البرق الخاطفة ترك نعليه وركض وراء المرأة ورفع ثلاثة أفخاذ من فوق ثلاثة صحون وعاد مسرعاً ولاهثاً ليقول لنا كل واحد ياكل فخذ وكنّا حينها ثلاثة ما عداه ثم عاد ليركض مرة ثانية خلفها ويرفع ما تبقى من دجاج فوق الصحون وكان إثنان عاد بهما قائلاً ..هذني حصتي ثم نظر الينا بإشفاق وقال لكن إذا محد شبع ممكن أعطيه من حصتي..شكرناه كثيراً ونحن نمضغ الدجاج الذي لم نتذوق أشهى والذ منه طيلة حياتنا الماضية وحينما إنتهينا من الأكل سألناه بإستغراب كيف لم تلاحظك المرأة ولم تسمع بخطواتك ..قال كانت شبه ظلمة وبهدوء تناولت الدجاج لكنه حرق يدي حيث كان لا زال حار ..ضحكنا كثيراً وصارت سالفة المرأة من أمتع ما يكون تلك الليلة حيث أنها ذهبت لتوزيع الدجاج مع الرز ولم يبقى لها سوى الرز فماذا ستقول للجيران وهل سيقتنعون بأية حجة ستسوقها لهم..حتماً ستقول ان العباس طيره من فوق الصحون لسبب تجهله هي حتماً ..ّ
ثم تتواصل الأيام تباعاً لحين ليلة العاشر من محرم حيث ينهمك الناس بالتحضير الجيد لها فتراهم يسلخون الخرفان لعمل الهريسة التي يسمونها هريسة الحسين ويبقون يطهونها طيلة الليلة الى أن ينبلج خيط الصباح وتكون اللحوم قد إنهرست تماماً مع المكونات الأخرى والتي تشكل مادة الهريسة ثم يوزعونها على الجيران بصحون كبيرة وعميقة واضعين فوقها الدارسين والسكر القليل والدهن الحر فتصبح طيبة المذاق وفي هذه الليلة التي تسمى ليلة الحجة حيث أننا لا ننام فيها بل نقوم بالتطويف في ازقة المدينة ونرى أصحاب المواكب ينتشرون فيها بمجاميع حاملين العصي وهي من سعف النخيل يضربون بها على رؤوسهم المحلوقة بشكل كامل ويصرخون مع عزف الموسيقا وقرع الطبول كلمة حيدر ..حيدر الى أن تخدر فروة رأسهم ولا يحسون بعدها بالألم فتنتفخ وتمتلأ بالدماء وحينما يحل الصباح الباكر يقومون بالضرب عليها بالقامات الحادة فتنشق وتنزل الدماء منها كالأمطار وتسيل على ملابسهم البيضاء مما يولد بعض الرعب لدينا نحن الأطفال لكننا كنّا نميل لمشاهدة ضرب الزنجيل فوق المتون وفي إحدى المرات ذكرت لي والدتي بأنها أعطت نذر للعباس أو لأخيه الحسين بأنني إن شفيت من مرضي عند الطفولة فسوف أضرب زنجيل وأخذتني الى رجل من كبار رجال الموكب الحسيني وقالت له عن نذرها فأخذني وضرب على متني عدة ضربات وقال لها إنك أوفيتي الآن بنذرك ولما يكبر إبنك إجلبيه معنا للمشاركة بضرب الزنجيل لكني رفضت ذلك ولم أذهب أبداً حتى أن والدتي كانت قد إقتنعت بأنها أوفت نذرها ولم ترسلني اليهم.. كان عندنا مواكب حسينية كثيرة في الناصرية أتذكر منها موكب الكسبة وموكب المجارية وكانت تضم الطبقة الفقيرة من المجتمع بالإضافة الى طلبة الجامعات من أبناء الناصرية الذين يتوافدون على مدينتهم لغرض المشاركة باللطم وضرب الزنجيل أحياناً والتباهي أمام الفتيات بعرض أجسادهم المشعرة . , وبعد انقلاب 17 تموز عام 1968 صارت المواكب تطلق شعارات وطنية وسياسية تدين بها نهج النظام وعنفه فمثلاً كانت إحدى الردات تقول ..إنظر طالع التاريخ منظوم ..إبن زياد وأخذ الخبر معلوم ..إبن زياد طالعناه ..جم ريس إجة وشفناه ..ومن أجل العدالة تسفك دموم .. لكن كانت المواكب لا تسلم من الملاحقة من قبل الشرطة وازلام الأمن حيث غالباً ما يتعرض الرادود وعدد من المشاركين للاعتقال والإستجواب والتهديد..ثم ما لبثت السلطة أن أوقفتها جميعاً وخاصة ضرب القامة والزنجيل واللطم وأبقت فقط القرايات على الحسين والتي كان الحضور فيها ملغوم بأزلام الأمن والمخابرات ...وحينما نقارن أيام عاشوراء في طفولتنا وما نشاهده الآن نستطيع أن نشخص أن الماضي كان أجمل وأصدق من الحاضر حيث كثرة الأطفال الآن في المواكب وعدم فهمهم لمغزى عملهم والوساخة التي ترافق المشاركين حيث يقوم عدد منهم بوضع الأوساخ والأطيان على شعر رأسه ووجهه وجسده وينام ويتمدد بالوحل لغرض إستعراضي واضح ونرى العشوائية في ترتيب المواكب وعدم حرصها على سلامة المشاركين فيها وعلى صحتهم وعدد كبير منها تفكر وتعمل لأسباب مادية صرفة حتى أنهم يعطون بعض النقود للمشاركين ويوزعون عليهم الشاي والبسكويت والحلوى والمشروبات الغازية لغرض جرهم للعمل معهم وزيادة كميتهم على حساب نوعية الناس التي كانت تشارك فيها أيام زمان..نتمنى من حكومتنا ومن البرلمان إيقاف ضرب القامة والزنجيل في السنوات القادمة وخصوصاً بالنسبة للأطفال حفاضاً على صحتهم وإبعاد الفضائيات عن تصوير مشاهد الدم والعنف التي ترافق مجريات هذه الأحداث التي مضى عليها قرون والتي يحاول عدد من المستفيدين إحيائها خدمة لمصالحهم وتوجهاتهم في تضليل الشباب وتجهيلهم .


.
...



#أمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى رحيل المطرب والملحن المصري الشيخ إمام
- عن القائد الانصاري الشيوعي علي خليل أبو ماجد
- رسالة الحزب الشيوعي العراقي عن إستشهاد النصيرة البطلة أنسام
- رد الى موقع الحوار المتمدن المحترم..على مقال نشر لديكم عن مق ...
- مفرزة بهدينان الكبرى والشهيد الأول النصير أبو إيفان
- بذور الشيوعية في سنوات الطفولة الأولى
- في ذكرى رحيل ملك الصعاليك الشاعر عبد الأمير الحصيري
- مرحى لمؤتمر حزبنا الشيوعي التاسع ..!
- رحيل الصديق هاني ناجي و 166 شهيد يدخل عامه الثلاثين!
- أيها العراقيون : إرسوا على بر قبل فوات الأوان !
- وجهة نظر حيادية لأحداث الربيع العربي .
- الوقوف أمام ضريح لينين !
- ستار كناوي ..خمسون عام على ميلاده..ربع قرن على الرحيل..!
- إنصاف الأكراد الفيلية مهمة وطنية عظمى !
- في ذكرى إستشهاد سكرتير محلية الناصرية مزهر هول راشد
- الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم باني مدينة الثورة ببغداد !
- الشهيدة موناليزا- ستون عام على ميلادها..ربع قرن على الرحيل !
- نقاط متفرقة لمؤتمر الشيوعيين العراقيين التاسع ٠٠ ...
- في ذكرى إستشهاد النصير الشيوعي جبّار...
- الربع دينار ..أقبّل جبينك !


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - من وحي أيام عاشوراء في مدينة الناصرية