أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - شجرة الحرية














المزيد.....

شجرة الحرية


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1412 - 2005 / 12 / 27 - 15:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


شبّه أحد علماء الآثار سورية بأنها متحف مفتوح في الهواء الطلق لكثرة ما فيها من آثار، وما تعاقب عليها من حضارات، وما سكنتها من أقوام، وما شهدته من مجتمعات ترك كل منها شيئا منه، وبصمة على أرضها الخصبة المعطاء أفضت إلى تلك الصورة الزاهية الناصعة البياض التي بدت فيها بلاد الشام في عيون التاريخ على مر الأيام. ففي كل مدينة، وقرية، وتحت كل حجر هناك قصة لزمن ساد، وهناك عبق طالع من تاريخ سالف، وأثر طيب لحضارة رأت الحياة، وبقايا لمدنية نمت في هذه البلاد.

وتعزيزا لهذه الصورة، وتكريسا لذاك التراث الخالد المتجدد، فقد انتصبت، أمساً، وفي قلب دمشق الفيحاء، عروس التاريخ، ومركز الإشعاع، ومنبع الأصالة، والحضارة العريقة شجرة ميلاد مميزة وخاصة، للاحتفال بالكريسماس، أو عيد ميلاد السيد المسيح. واعتبرت هذه الشجرة واحدة من أكبر شجرات الميلاد في العالم، المرشحة للدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وليس ذلك بمستغرب ، على دمشق أبدا ، أن تدخل كل الموسوعات، لتفردها في الكثير من الخصائص والصفات. ولهذا الحدث دلالات بالغة عميقة، ورسائل قوية ذات مؤشرات، قلما نجد لها نظيرا في مناطق مجاورة، وقريبة جدا، ربما حملت نفس السمات الديموغرافية، والتاريخية المشابهة، وهذا إذا علمنا أن دمشق كانت يوما ما، عاصمة لأول دولة عربية إسلامية انتقلت من قلب الصحراء لتجد ضالتها المنشودة في دمشق الخصب، والطبيعة، والجمال.

واستمرت عبر تاريخها ترفد "موسوعة" المنطقة بالكثير من الأحداث الحافلة ذات العمق التاريخي، والحضاري، والاستراتيجي الذي ترك بصماته في كل مناحي الحياة حتى يومنا هذا. وكان أهل الشام، وبالمفهوم الأوسع للشام، عنوانا للسلم، والتآخي، والمحبة، وحسن الجوار، ونموذجا يحتذى به، في كل مكان، في تقبل الآخر، وتفهمه، والتعايش معه. ولذا استمر تدفق الكثير من الإثنيات، والأقليات، والأطياف المتنوعة إلى بلاد الشام كلما شعرت بأي نوع من الخطر، والتهديد. ونجم عن هذا مانراه اليوم من تنوع فسيفسائي هائل وجميل قلّ ما نراه في كثير من دول العالم التي تتبجح بالتسامح، والتنوع، وحقوق الإنسان. وكان جميع المضطهدون، والمبعدون، والهربون من جحيم الحروب، وهول الكوارث يجدون في الشام ذاك الموئل الحميم، والحضن الدافئ الآمن الذي يحميهم من الشرور، ويقيهم من غدر الزمان.

هكذا كانت الشام على مر التاريخ، وهكذا ستبقى صاحبة رسالة, ودور حضاري، ومركز إشعاع إنساني يحمل في طياته كل معاني التسامح، والألفة، والتعايش بين الناس. وبعيدا عن بعض التحفظات، والغمزات، واللمزات، والتلميحات، وتلك الأصوات الخجولة والخافتة هنا، وهناك، فإن هكذا مناسبات، كانت ولاتزال، وفي قلب الشام تعتبر سلوكا، وتراثا عاديا مألوفا، وليس غريبا أبدا عن تقاليد وعادات هذه البلاد التي ما انفكت تولد الحضارات، وترفد الإنسانية جمعاء بكل القيم الجميلة، ومكارم الأخلاق السمحاء.

وقد ترافقت تلك الاحتفالات بتلك المسحة الرسمية المعتادة، واستغلال أي نشاط ومناسبة للإدلاء بالدلو المترهل في نفس البئر الجاف، وإطلاق تلك التصريحات المعلبة في ذات الكليشيهات التي لا تفقد صلاحيتها، ولا تتغير أبدا مع الزمان، والحمد لله، إلا أنها كفيلة، وبجدارة لافتة، أن تفسد أية أية لحظة، أو مناسبة، ومهما كانت شعبية وغالية، وجليلة زخمها، وخصوصيتها، وجماليتها عند الناس، وتفقدها الكثير من عفويتها وتلقائيتها عند تدخل أصحاب الشأن.

ومع تلبد الأجواء، وانسداد الآفاق، وتكالب الغزاة، يتطلع الجميع، الآن، وفي هذه المرحلة المصيرية بالذات، إلى أن تتضافر جميع الجهود، وتتآلف القلوب، وتبذل كل الجهود، وتخلص النيات، لتشمخ في قلب الفيحاء، ومن صحراء القحط، وبيداء الاستبداد، وغابة الفساد شجرة عملاقة للحرية والانعتاق من كل أشكال التعسف، والقهر، والعذاب، ولا شك ستدخل قلب كل مواطن ويحرسها برمش العين، قبل أن تجد طريقها لأية موسوعات، فذاكرة الشعوب وقلوبها أوسع، وأعمق، وأكثر أهمية من كل الموسوعات. شجرة للحرية تعيد للشام ألقها، ودورها الحضاري والإنساني المعهود على مر الأيام، وتكون رمزا للتجدد وكسر الأغلال التي كبلت الإنسان، ووأدت الإبداع، وقتلت الحياة وتخلص البلاد من آفة القمع والاستبداد التي خيمت بظلالها الكالحة السوداء عقودا كاملة كأداء. شجرة الحرية هذه أهم، وقبل كل الأشجار، وعلى جنباتها، وتحت ظلالها الوارفة ستنبت كل البراعم الأخرى، والشجيرات.

لنجرب أن نزرع، ولو لمرة واحدة في هذا العمر الشاحب الذابل، غرسة يتيمة للحرية، وسنرى كيف سيعم الخير، وسيمتلئ الروض عندها رياحينا، وعطرا، وغار. وبدون شجرة الحرية هذه سيبقى المشهد فاقدا لأي رونق وبهاء، يابسا، وكئيبا، وباعثا على الإحباط، ومهما حقنته ماكينات الإعلام بفيتامينات ومساحيق التجميل، ولو ارتفعت فيه الأشجار الأخريات آلاف الأمتار في عنان السماء. فنحن بجاجة لشجرة الحرية الموعودة قبل حاجتنا للماء والهواء.

شجرة الحرية، هي شجرة الحياة.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجاج نويل
- الأجندة العربية والأجندة الأمريكية
- صلوات لاستسقاء الديمقراطية
- نقطة نظام
- عندما تطفئ الشموع
- لِمَ الإحراج يا سيادة الرئيس نجاد؟
- نبوءة علي الديك
- مدرسة الحوار المتمدن
- نهاية رجل شجاع
- مُصحف سيادة الرئيس
- عودة الوعي للسوريين
- قناة الشام الفضائية
- الحوار المتمدن ومحنة الأمل الكبير
- فرصة الأخوان التاريخية
- الاستبداد هو الاستبداد
- نجوم خلف القضبان
- شدّوا الحزام
- كلاب أمريكا
- جنازة وطن
- الرسالة


المزيد.....




- السعودية تعلن عن إجمالي عدد الوفيات خلال الحج هذا العام.. غا ...
- لحظة بلحظة.. تفاصيل وتداعيات هجوم قوات كييف على سيفاستوبول. ...
- جرحى إسرائيليون بهجوم صاروخي لحزب الله على موقع المطلة
- رسميا.. السعودية تعلن ارتفاع عدد الوفيات بموسم الحج
- شاهد: سفن محملة بالمعونات الإنسانية ترسو على الرصيف العائم ق ...
- سيلفي مع رونالدو- تشديد إجراءات الأمن ضد مقتحمي الملاعب بأمم ...
- ردع حزب الله لإسرائيل.. معادلة منع الحرب
- ضجة في إسرائيل بعد انتشار مشاهد -صادمة- لنقل جريح فلسطيني عل ...
- قديروف عن الهجمات الإرهابية في داغستان: ما حدث استفزاز حقير ...
- ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإرهابي الأوكراني على سيفاستوبول إل ...


المزيد.....

- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - نضال نعيسة - شجرة الحرية