|
حنظلة : القضية ... الإنسان
عبد الغاني عارف
الحوار المتمدن-العدد: 1411 - 2005 / 12 / 26 - 10:43
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
إلى ناجي العلي : الريشة التي هزمت الرصاصة..... منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن – وبالضبط يوم 23 يوليوز/ تموز 1980 – وقف "حنظلة" أمام قبر الأستاذ رياض طه نقيب الصحفيين اللبنانيين، يتأمل عبر مساحة قبره الذي يلف جسده المثقوب برصاص الردة والارتزاق الرخيص، والذي كتب على شاهد قبره كوجيتو: " أنا أفكر ... إذا أنا موجود " ... وقف حنظلة يتأمل وطنا يمتد من الجاهلية إلى الجاهلية ، في الزمان ، ومن القتل إلى القتل في المكان ، حيث لا يتقن "أهله " والمتربعون على رقاب العباد فيه ، ومن يواليهم من أدوات التنفيذ القزمية، سوى لغة حفر القبور و" التبشير " بقذارة الموت ... يوم ذاك لم يدر بخلد حنظلة بأن له - ولو بعد سنوات – موعدا في نفس اليوم ( هل هي مجرد صدفة ؟ ‼ ) مع نفس الرصاصة الجبانة التي اغتالت رياض طه، باعتباره واحدا من الذين جعلوا من العمل الصحفي، ليس مهنة للتسول والاستجداء، بل مؤسسة للتضحية والدفاع عن الديمقراطية الحقيقية ، وعن حريات الأفراد في التعبير عن آرائهم ومنبرا للنضال ضد شريعة الإبادة العشائرية ... واليوم يقف حنظلة ، يفك يديه اللتين طالما اشتبكتا وراء ظهره تدمرا واحتجاجا على بشاعة الموت التي تغتال روعة الحياة.. يقرأ كوجيتو آخر: " أنا أرسم ... إذا أنا مطارد حتى الموت." . وبين تاريخ اغتيال رياض طه ( 23 يوليوز – تموز 1980 ) وتاريخ اغتيال ناجي العلي ( 23 يوليوز – تموز 1987 ) تحتفظ ذاكرتنا الجماعية بعشرات الأسماء التي اغتالتها عصابات الجهل والبؤس والتردي، ليتأكد أن هناك جهات تضايقها الصحافة غير المدجنة والملتزمة بهموم الإنسان المقهور في وطنه، فتسعى – تحت ضغط البارانويا التي تعاني منها – إلى تفجير رصيدها المكبوت من الإثم ، بالاعتداء على حياة الآخرين ومضايقة حرياتهم، كوسيلة يائسة ويتيمة لإيقاف ما تشعر به من خصاء في ذاتها... فهل ، إزاء هذه الصورة ، ما نزال فعلا في حاجة لمعرفة نتائج تحريات " سكوتتلانديارد " لمعرفة من مول مسيرة الرصاصة التي استهدفت حياة ناجي العلي ؟ ... أليس بلادة منا ألا نعرف، منذ الوهلة الأولى، حقيقة الجاني الذي لا شك أنه من عصابات المرتزقة المقنعين طمعا في ثراء أو مصلحة ملطخين بدم الأبرياء ؟ ‼ .. نعم يمكن أن نختلف في تعيين الأشخاص المخططين بجبنهم والمنفذين ب"بطولتهم" المزيفة لوقائع اغتيال ناجي العلي، لكن من المؤكد أننا لن نخطئ إذا قلنا إنهم من طابور المتآمرين ضد كل القيم الجميلة في حياة الإنسان العربي النظيف الذي يرفض الركوع لحاخامات البيت الأبيض ووكلائهم الفرعين المتناثرين على هذا الكرسي أو ذاك ... في تلك العاصمة العربية أو هاته ... أليس أمرا له أكثر من دلالة ، أن يفاجئنا نبأ اغتيال ناجي العلي بلندن ليلة ذكرى ثورة 23 يوليوز- تموز الناصرية...؟ ألا يعني هذا التوافق في التواريخ أن كل ما هو مشرق في جسدنا العربي المتورم بالنكسات وسيناريوهات الخيانة والتراجعات ، معرض ، في كل لحظة للخنق والإبادة .. بل يجب أن ينمحي ، حسب منطق الذين لا يبصرون إلا في وبالظلام ، ولا يعيشون إلا بموسيقى المسدسات كاتمة الصوت ، وبآلام الأجساد الممدة في أعماق رطوبة الزنازين، ولا يستقر لهم رأي إلا بمصادرة أراء الآخرين .... ؟؟ .. إن تصنيف جريمة اغتيال الشهيد ناجي العلي ضمن هذا الإطار ، يعطيها بعدها الحقيقي باعتبارها واحدة من اللحظات المكونة لتاريخ المواجهة بين الامبريالية وأزلامها الرجعيين المنتشرين في كل عواصم العالم العربي ، من جهة ، وحركة التحرر العربي، بمختلف مشاربها وتفاوت مستوياتها من جهة ثانية . ومن هنا ، وبالنظر إلى الإيقاع المتواتر والسريع الذي تميزت به ، طوال العقود الماضية ، عمليات اغتيال رموز الفكر العربي التقدمي المناضل، يطرح سؤال جذري ضمن أسئلة تمس مروحتها جوانب متعددة من اللحظة الراهنة : إلى أين بهذه الحمامات من الدم التي أصبحت تتعمد بها الساحة العربية – ولو على أرض غير أرض العرب – في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إلى كل الإمكانات العلمية والفكرية ، مهم كانت طبيعتها ، لمواجهة الكيان الصهيوني السرطاني الرابض أمام بوابات وطننا الكبير عاصمة عاصمة ؟ ‼ .. ألا يفكر هؤلاء العصابيون، الشواذ حضاريا، الذين يمتهنون – تخطيطيا وتنفيذا – حرفة / مذلة اغتيال الأصوات الشريفة، في مجانية وعدمية " بطولتهم " في القتل ؟... ألم يتأكد لهم بعد أنهم يحرثون في البحر حين يحاولون إيقاف المد التحرري للشعوب بالرصاص ، وبأن استشهاد مناضل لا يؤدي – أو على الأقل يجب ألا يؤدي – إلا إلى ولادة لقناعات جديدة بالدرب الذي استشهد فيه ومن اجله ... هذا بالطبع ما لا تعرفه الكراكيز التي تسيرها الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، لأنها أولا ليست مؤهلة لمعرفة ذلك، وثانيا لأن هذه المعرفة تعني إلغاء لدورها الممقوت، أي عمليا، إلغاء مباشرا لوجودها. ولذلك فهي تنكفئ على مذلتها وتفاهتها ، بعد كل جريمة لتغيب وتتلاشى في ركام مزبلة التاريخ، بينما تسطع أسماء الشهداء منارات تنير الآفاق والدروب.... إن ناجي العلي كان يدرك أن لكل عشق ضريبة، وأن رأس حنظلة مطلوبة من طرف شبكات المخابرات المختلفة الألوان والمتشابهة النوايا والموحدة الأهداف، ومع ذلك أصر، طوال سنوات إبداعه الفني، على أن تكون رسوماته / مواقفه تحديا للموت وصلاة دائمة في محراب معشوقة اسمها : فلسطين ... ولذلك يخطئ من يتوهم أنه قادر على قتل ناجي العلي وإسكات صوته، فهو يحتل منا شغاف القلب، ومن الوطن امتداداته المسكونة بوجع المرحلة ومخاضها، وأيضا بإشراق غدها وانبجاس ربيعها. ونحن حين نحبه، فليس فقط لأنه كان رسام كاريكاتور ماهر وساخر إلى درجة البكاء، وذكيا في اختزال أعقد القضايا السياسية وأكثرها تشابكا، من خلال لمحات أثبتت نضجه الفني واستيعابه المتميز لما يدور حوله من أحداث، ولكن قبل ذلك وبعده أيضا، لأنه كان مؤمنا بقضية ناضل من أجلها بكل نقاء، أي دون ولاء صنمي لأي جهة كانت ، إلا جهة الحقيقة التي كان دوما يسعى إلى الجهر بها، مهما كانت ردود الفعل. إن تميز مواقف ناجي العلي من الأحداث هو ما يفسر بلا شك كيف أننا لأم نر أبدا في رسوماته تفاصيل ملامح وجه حنظلة، فهو دوما ينظر نحو المجهول ، نحو العراء الممتد ... ينظر نحو أعماق الذي يأتي ... فهل خجلا يرفض حنظلة أن يرينا ملامحه وجهه ، أم أنه احتجاجا على جبال الصمت التي تتعالى في دواخلنا، يرفض أن تلتقي عيناه بعيوننا التي ترى يوميا أبشع الجرائم فتكتفي بالانسدال حزنا ، وفي أحسن الأحوال ، بكاء... وأكيد انه - غدا - عندما ترسم الجماهير العربية إيقاع صرختها للتصدي لصناع الموت العلني والسري ، ولإيقاف مهزلة النمور الورقية، عندما تفتح طريق العودة نحو عيون فاطمة المزروعة بالليمون والزيتون .. أكيد أن حنظلة سيولي وجهه نحونا وسينسج برموش عينيه اللتين لم نرهما أبدا أنشودة للأرض والحب والأمل ...... وسيؤكد لنا يوما ما أن القضية التي ناضل من أجلها ناجي العلي بريشته وبحياته لن تصادر عدالتها ويقينية انتصارها رصاصة مرتزقة غادرة ..... والمجد للشهداء الذين عمدوا بدمائهم دروب الحرية والكرامة والتحرر...
#عبد_الغاني_عارف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نزيف الشعراء
-
أغنيات للدمع والعرق ---- إلى الشهيد محمد كرينة..............
...
-
إمارة الصمت
-
فاتحة لعشق مستحيل
-
مهدي عامل : معجزة العطاء والاستمرارية
-
رقصة المشتهى
-
الكتابة وملكية البياض
-
العالم العربي ومأزق الهزيمة
-
جدلية الأرض والشهادة
-
الكتابة : نداء الألم والفرح
-
طقوس المداد الآتي
-
الدول النامية وآثار الدين الخارجي- برنامج التقويم الهيكلي -
...
-
البحث عن النصف الآخر للحقيقة - قراءة في رواية- إعدام ميت - -
...
-
بنية القلق والموث في رواية - غرف الموت - للروائي حميد المصبا
...
-
التربية على حقوق الإنسان وإشكالية المرجعية
-
قصائد تبحث عن هوية - شعر
-
عبير الذكرى - شعر
-
الكتابة السجنية – قراءة في رواية - ملح وإبزار- للكاتب عزيز ا
...
-
الشهيد عمر بنجلون : سيرة الذات والوطن
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|