أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسعد عبدالله عبدعلي - البصقة البريئة














المزيد.....

البصقة البريئة


اسعد عبدالله عبدعلي

الحوار المتمدن-العدد: 5293 - 2016 / 9 / 23 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


البصقة البريئة

اسعد عبدالله عبدعلي

إحدى الليالي التموزية الساحرة في بغداد, كان خلف الموظف الجديد في تشريفات القصر, وحده في جناح مكتب الرئيس, فالساعة الحادية عشر ليلا, غادر اغلب الموظفين المكان بعد عشاء دسم, كانت اعز أمنياته تلك الليلة أن يرى كرسي الرئيس, استغل مغادرة الكل فدخل غرفة مكتب الرئيس وأغلق الباب, كان مكتب الرئيس جميلاً, جلس خلف على كرسي الرئيس, تداخلت أحاسيسه بين الفرح والخوف, أحس انه جلس على جبل عال, أو حصان بري هائج, تخيل نفسه انه الرئيس, حاول أن يقلد نبرة صوته وحركاته, فوقف كأنه يخطب وصاح: ( أيها الشعب, سوف أجوعكم واسرق أحلامكم, وأبدد أموالكم, بل سأضحك عليكم كثيرا, وستنتخبونني مرة أخرى, هاهاهاها ), هكذا دوما هم رؤساء العراق, يتقنون بيع الوهم لشعب يصدق كل ما يقال.
اخرج موبايله من جيبه والتقط صورة "سيلفي" وهو جالس على كرسي الرئاسة, ثم بدا يتصفح موبايله, شغل أغنية كي يرقص على أنغامها, فهو يحس بالنشوة, وجد أغنية عمرو دياب " هو الحب أيه" الراقصة, بدأ يتمايل مع انسياب كلماتها وموسيقاها الصاخبة, وقال بعلو صوته (أنا الرئيس, الرئيس يرقص هاهاهاها), امسك بتفاحة موجودة في سلة الفواكه في مكتب الرئيس, عض التفاحة لكن كان طعم التفاحة كالعلقم, فصاح خلف ( تباً للرئيس وتفاحته العفنة), فانفعل وبدا يبصق في كل مكان من المكتب, على الكرسي, على الكتب, ثم توجه للباب فامتلئ فمه بلعاب كثيف, فقرر أن يطلق بصقته الأخيرة على الباب, وأطلق بصقة كبيرة نحو الباب, ولكن, وإذا بالباب يفتح ويظهر الرئيس, وتستقر البصقة على وجه الريس.
صاح الريس:
- أيها الأحمق ماذا فعلت, سأعدمك.
ارتد خلف للوراء وتصاغر أمام الرئيس, اهتز كل كيانه فبصقته التصقت بوجه الرئيس, أي كلمة يمكن أن تمحو عار ما حصل, طأطأ رئسه كأنه احد عبيد قصور العباسيين, محاولاً استعطاف الرئيس كي يعفو عنه, وقال:
- سيدي, لم اقصد, كان طعم التفاحة مراً فبصقت, أرجوك اعذرني.
- اخرج أيها الأحمق.
خرج خلف وهو يشعر بخوف شديد, جلس في الممر المؤدي الى القاعة الكبرى, يفكر فيما حصل, ( هل سيقوم بإعدامي, هل سيسجنني, بل أن فكرة انه سمع جملتي الأخيرة تخيفني, لقد تسبب بها علو صوتي, من المؤكد انه سمعني, وألان يكتب أمر سجني المؤبد, أو يكون اتصل بقائد العمليات الأمنية ليعتقلني, علي أن اطلب عفوه, يجب أن أحاول).
بعد ساعة خرج الرئيس من غرفته, فلحقه خلف يطلب العفو والصفح عن جريمته:
- سيدي أرجوك اعف عني,
- لا عليك, قد نسيت القصة.
ارتاح خلف وتبدد بعض الخوف, لكن القلق بقي جاثياً على صدره, لم يغادر خلف للبيت, بل بقي في القصر يفكر في الاعتذار مرة أخرى, فالأكيد ألان أن السيد الرئيس سيعيد التفكير فيما حصل الليلة وبصقتي بوجه, حتما سيأمر بإعدامي في الغد, إذن الاعتذار مرة أخرى أمر واجب.
في صباح اليوم التالي كان الرئيس لديه ضيف مهم, قيل انه وزير جزر القمر وجاء لغرق توثيق العلاقات, وتزويد البلد بأسلحة متطورة, وتم الاتفاق,وغادر الضيف المهم, وكانت علامات الرضا واضحة على وجه الرئيس, وألان يتناول وحده فطوره, في غرفة الطعام, خلف وزميل له كانا في باب الغرفة, تحرك خلف ودخل الغرفة والرئيس مشغول في تقطيع الدجاجة المشوية, فاقترب خلف وهمس تأدباً:
- سيدي, أرجو أن تعفو عني عن ما حصل, لم أكن اقصد أن ابصق بوجهك, كان الأمر.
- قلت لك نسيت, هيا اخرج أيها الأحمق.
خرج خلف مسرعا وتعثر وكاد يسقط على الأرض, لولا ذراع زميله التي تلقفته, أحس بتعب وتصاغر نفسه, مع رعب كبير, تعرق جبينه من القلق والتفكير بمصيره مقابل تلك البصقة البريئة, غرق في تساؤلات عن موقف الرئيس, ( ترى هل سيقرر إعدامي, هل سيعتبرني خائن لأني تجاوزت على مقام الرئاسة, لماذا رفض توسلاتي, يا لحظي العاثر سأموت قبل إن ابلغ الثلاثين, يجب أن أحاول مرة أخرى قبول عطفه).
عند الظهيرة كان الرئيس جالسا يوقع عقود بناء مدن سكنية عملاقة للشعب, مع شركة صومالية, وقع الرئيس وتبسم بوجه نائبه, كان خلف واقف خلف كرسي الرئيس, تصافح الرئيس مع مدير الشركة الصومالية بعد الاتفاق, وغادر المسئول الصومالي, فقرر خلف أن يستغل سعادة الرئيس ويطلب عفوه, فاقترب من الرئيس وهمس في أذنه.
- سيدي أرجوك اصفح عني لم أكن أقصدك بالبصقة.
- اخرج أيها الأحمق, اخرج, لم أجد اغبي منك, سأعاقب من جلبك للقصر.
خرج خلف مرتعدا خائفا يتلفت يمين وشمال, ووقع على الأرض, كان الكل ينظر له نظرت تعجب, عاد لبيته, لم يتناول شيئاً, لم يكلم أحدا من إفراد أسرته, جلس في غرفته من دون أن يبدل ملابسه, مرت ساعات وهو يفكر.
تساؤلات عديد تكاد تخنقه, ( يا ترى هل سيضعونني غدا في حوض التيزاب, أم سيرسلونني للسجن لأعذب, أم سيرمونني للكلاب لتأكلني, كانت مجرد بصقة بريئة, إنا لم اخطط لاغتيال الرئيس ببصقة, هل سيرن جرس الباب ويدخل ملثمون يقطعوني بسكانيين عسكرية).
اقترب من النافذة وهو ذابل القوى شاحب الوجه, ينظر للبنايات المقابلة ويفكر, ( يا ترى هل ستأتي طلقة من قناص يرصدني ألان, انه الموت الذي قرره لي الرئيس, لأفتح صدري للرصاص وأموت شجاعا, كانت البصقة جريمة لا تغتفر).
.
في الصباح, مات خلف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسعد عبد الله عبد علي
كاتب وأعلامي عراقي




#اسعد_عبدالله_عبدعلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لصوص صندوق تنمية العراق (DFI ), متى يحاكمون؟
- الباص, صراع وإزعاج وتدخين وتحرش
- المصارف الأهلية بوابة للفساد
- الدوري العراقي ومصيبة التشفير
- من علامات العشق السعودي – الإسرائيلي
- لماذا يفتتح مرتين مستشفى الأمام الصادق في الحلة؟!
- التحالف الوطني وانتظار الانطلاقة الجديدة
- مشروع مترو بغداد بين الحلم والوهم
- جمعة الصواريخ في بغداد... شكرا لكم
- أفكار امرأة أنانية
- يا وزارة التربية, نريد مدارس لصعوبات التعلم
- إياك والمرور بشارع التعذيب ( شارع نهاية الداخل)
- يوم الثلاثاء الملعون
- عوائل شهداء الحشد الشعبي تحت الضغط
- لماذا دعم صدام انتشار الفكر الوهابي؟
- تحالف القوى وأربع خطوات للعودة من الموت
- كاميرات سرية لابتزاز الفتيات
- تصوير العري يتحول إلى فن
- الضفدع -كيرمت- وصخب البرلمان , وصناعة البطل
- كوابيس كاتب مغمور


المزيد.....




- فنانون لبنانيون ردا على جرائم الاحتلال..‏إما أن نَنتَصر أو ن ...
- مخرج يعلن مقاضاة مصر للطيران بسبب فيلم سينمائي
- خبيرة صناعة الأرشيف الرقمي كارولين كارويل: أرشيف اليوتيوب و( ...
- -من أمن العقوبة أساء الأدب-.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجا ...
- إعلان أول مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 166 مترجمة على قص ...
- رحال عماني في موسكو
- الجزائر: مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي يستقبل ضيوفه من ج ...
- أحلام تتفاعل مع تأثر ماجد المهندس بالغناء لعبدالله الرويشد
- شاهد/رسالة الفنان اللبناني معين شريف من فوق أنقاض منزله بعدم ...
- عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسعد عبدالله عبدعلي - البصقة البريئة