وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 09:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وقعت المراة العراقية في ادب الخمسينات ضحية للمجتمع الجديد الذي يسحق الفقراءوالمهمشين, بين تحركها بين عالم قديم تضطهدها فيه القيم الابوية الذكورية وبين العالم الجديد الذي يقصيها عن حداثته.
تبقى المراة نموذجا لحداثة مشوهة تعيشها العاصمة الجديدة التي ترحل اليها النساء الهاربات من الفقر وظلم الاهل فيتحولن الى مومسات (بائعات جسد , عاملات جنس ) يلهبن خيال الفنانين والادباء .
تظهر المراة المومس في عدد كبير من الر وايات والقصص , ومن بينها قصص عبد الملك نوري .في قصة( مجرى الدم )تهاجم الشرطة تظاهرة لطلبة الجامعة وتبدا باطلاق الرصاص عليهم ,فيهربون الى الازقة المجاورة وبينها زقاق تعيش فيه بائعات الجسد ,فيفتحن بيوتهن لهم ويضمدون جراحهم , وعندما تكتشف احدى الطالبات المصابات انها في بيت من هذه البيوت , تصاب بصدمة ,فتخاطب زميلها :
(لو تاركني بالشارع جان احسن ).ورغم محاولة زميلها وحبيبها ان يقنعها بنبل المراة وانسانيتها وكرمها, ولكن تلك الحادثة تحدث شرخا في علاقة الحبيبين.فالطالبة الجامعية وهي من عائلة غنية , ورغم انخراطها في النضال ,تبقى غير قادر ةعلى فهم امكانيةان تساوي بين نضالها ونضال تلك النسوة اللاتي يعشن في قاع المدينة.
كما يكتب عبد الملك نوري قصة اخرى في عام 1941 عن احدى بائعات الجسد الاخريات .
في حي الميدان في بغداد هنالك محلة لبائعات الجسد ,عملت السلطة الملكية على تحويله الى مكان يخضع لمراقبة الشرطة وبعض الوزارات لفحص بائعات الجسد والتاكد من خلوهن من الامراض الجنسية .
كان المكان ملهما للفنانين والادباء . يقول عنه الشاعر حسين مردان :
(كانت منطقة الميدان سنة 1948 اشبه بحو (سوهو )في لندن )
,وحيث يصفها, يصف زمن بغداد المنبثق عن حداثة تجمع كل الالوان . وسيعشق الادباء والسياسيون الكبار في الاربعينات والخمسينات المغنيات والراقصات في الملاهي (الكباريهات )وستكون لكل واحدة منهن قصة في حياة المدينة الجديدة .
وقد برزت في الثلاثينات المطربة العراقية سليمة مراد , وكانت ملهمة الجواهري في قصيدته الشهيرة ( جربيني ).وقد تمتعت سليمة مراد بسلطة وسطوة عند كباروزراء وضباط ورجالات العهد الملكي , ولقبت ب (سليمة باشا)ولقب (باشا )هو لقب سامي ورثه العراقيون من العثمانيين وهو يشير الى كل من يتمتع بمكانة متقدمة في الدولة .
كانت سليمة مراد من بين الرائدات في الغناء العراقي مع مجموعة من المطربات الاخريات والموسيقيين والملحنين ومؤلفي كلمات الاغاني الذين صاغوا الاغنية البغداديةالحديثة.ويعتبر الموسيقار العراقي صالح الكويتي , وهو يهودي عراقي ولا ينتسب الى الكويت هو المؤسس الحقيقي للاغنية البغدادية والعراقية الحديثة .
لحن الاغاني المكتوبة بالمحكية البغدادية وباللغة الفصحى كما لحن المربع العراقي وهو قالب غنائي عراقي ومن اشهر المربعات التي لحنها مربع ( المايزور العزير عمره خسارة ). والعزير احد اضرحة اليهود في العراق . وبعد عشرات السنين تم تعديل النص وتحول الى (المايزور السلمان عمرة خسارة ) .
ترك صالح الكويتي بصمته على الاغنية البغدادية الحديثة .فقد كان ملحنا من طراز رفيع ويملك صوتا رخيما رغم انه نادرا مايقوم بالغناء.وعازف لالة الكمان . حيث كان في وقته عازف الكمان الاول في العراق .التقى صالح الكويتي بالموسيقار محمد عبدالوهاب في بغداد كتب عنه ابنه سليمان بعد وفاة صالح بسنوات طويلة. الكتاب يحتوي على مجموعة كبيرة من اغاني صالح الكويتي وهو متوفر في مكتبات بغداد وفي شارع المتنبي.
كما شارك في صياغة الاغنية البغدادية الحديثة اخوه داود الكويتي .كانت الاغنية البغدادية تستند الى المقام العراقي . جمع صالح الكويتي في اغانية بين المحكية البغدادية والفصحى .تاسست الاذاعة العراقية في عام 1936 واصبح للراديو دور كبير في توسيع دائرة تلقي فكرة الحداثة .حيث يستطيع اعداد كبيرة من الناس سماع الاخبار السياسية العراقية والعربية والعالمية والاصغاء الى مختلف البرامج الاذاعية.
لقد حاز المغنون والمغنيات في العراق على شهرة واسعة وجمهورا كبيرا .كانت حياة المدينة تعج بالنشاط وباسباب المرح واللهو . وظهرت في هذه الفترة الطبقى الوسطى وصعودها في الحاضرات العراقية حيث خلقت الاسترخاء في حياة المدن العراقية الرئيسية ,وخاصة بغداد والبصرة .
مثلما غدت حياة الصخب والسهر الليلي وانتشار البارات والملاهي من بين معالم انتهاء الفترة المحافظة. وانعكست تلك الحياة في اعمال الادباءوالفنانين .
مع افتتاح الاذاعة العراقية برزت الكثيرمن المطربات ومنهن عفيفة اسكندر ,فغدت بجمالها وثقافتها ملهمة لكثير من الكتاب . ورغم انها تغني الاغاني الخفيفة الا انها بالمقابل غنت (40) قصيدة من عيون الشعر العربي .
وقد اصدر القاص عبد المجيد لطفي كتابا عن عفيفة اسكندر اسماه (عفيفة ).وتحولت في شعر وخواطر حسين مردان مثال العاشقة والمعشوقة, بل الصديقة والحبيبة.
وكانت عفيفة تملك صالونا ثقافيا اسبوعيا يحضره كبار الشخصيات ومنهم رئيس الوزراء نوري السعيد ووزراء في الحكومة الملكية اضافة الى الشعراء والادباء .
كانت عفيفة اسكندر على طراز سليمة مراد مغنية جماهيرية عشقها العراقيون , ولكنها ايضا تندرج ضمن نشاط الفئات العليا من المجتمع , اي رجالات السلطة السياسية والثقافية,كتعبير عن تخطيهم حدود عالمهم القديم .
عفيفة اسكندر لم تكن تملك صوتا كصوت ام كلثوم او فيروز , لكنها جمعت بين المرح والانوثة الناعمة المتحكمة بشبكة علاقات واسعة في المجتمع .فضلا عن جمالها واناقتها. تميزت اغاني عفيفة اسكندر بخلوها من الحس الميلودرامي واتجاهها الى نوع من الغناء الذي لايحتمل الايقاع الحزين وقامت بمزج اغانيها الخفيفة بالقصائد المدونة بالعربية الفصحى من عيون الشعر العربي .
انها مزجت بين فن الملاهي وفن النخبة .كانت الاذاعة في الاربعينات والخمسينات مكانا لانتشار الاغاني العاطفية وفي بعث الوعي السياسي المعارض حيث اشتهر المونولوجست عزيز علي . ومن اغانيه في نهايات الثلاثينات اغنية – الراديو – والتي تحدثت عن اثر الراديو في بعث الوعي بين الناس .
وكانت مونولوجات عزيز علي التي تبثها الاذاعة العراقية الرسمية تسخر من البرلمان والفساد والتخلف الاجتماعي .مونولوجات عزيز علي كانت موضع اهتمام المثقفين وربات البيوت والباعة والاميين الذين كانوا ينتظرون اغانيه بشغف .
الشاعرة نازك الملائكة رمز للحداثة
ان دخول نازك الملائكة عالم الحداثة في ابتكار الشعر الحديث , الشعر الحر, او مايسمى بصيدة التفعيلة رمزية كبيرة في نهوض المدينة الحديثة . ولدت نازك الملائكة في بغداد ودرست في جامعاتها وذهبت الى الولايات المتحدة الامريكيةلاستكمال دراستها .
ان ظهور شاعرة وناقدة ومهتمة بالموسيقى والمسرح مثل نازك الملائكة يشير الى زمن انتهاء او افول المدينة القديمة , حيث كانت المراة سجينة عصر الحريم والحجاب .
تكتب الناقدة فاطمة المحسن في كتابها (تمثلات الحداثة في ثقافة العراق ) :
( صحيح ان الكثيرمن الكاتبات والشاعرات العربيات ظهرن قبل الملائكة , ولكن الشعر بقي ملعب الرجال العرب , والمراة مهما حاولت ,لن تكون منافسة لشعريتهم . في حين غدت نازك الملائكة بثقافتها التي فاقت ثقافة زملائها من رواد الحداثة , وصوغها البيان الاول للشعرية الجديدة في مقدمة ديوانها (شظايا ورماد )عام 1949 , اشبه بالاعلان عن مجتمع مديني تنافس المراة فيه ثقافة الرجل , بل تتفوق عليها ).
نلتقيكم على مدارات ثقافية جديدة ..
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟