أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد الجبوري - الديكتاتور















المزيد.....

الديكتاتور


أسعد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 389 - 2003 / 2 / 6 - 03:25
المحور: الادب والفن
    


 

                                                                             
              

شبحٌ يُثقلهُ اضطرابهُ ويمتخلبُ / تمثالٌ يرتدي زمناً مُستعاراً من كهوف /
وصُبّ من رصاص / نقوش لبقايا طُللِ على الوجهِ / وقملٌ من سلالةِ الأمن
والمهجع
/ فمٌ عسير / حيطانهُ بعظامٍ تضخمت بأناشيد من كوليرا وصديدٍ
وجحيم / ظلامٌ مُثلجٌ بالقسوةِ / يخرج من الجماجم مختمراً / ساعة أن
يحرثَنا
النهارُ بمشارطهِ

أهو ظلامنا  الصراطُ ممتداً / لخطوةٍ في الوجهِ تتقدم / ولأخرى تسيلُ على
الأرض
/ أهو المدفنُ / يتنفس الوردَ غروباً / ويخرجُ من أديمهِ التيه شجراً /
يا لمستعمراتنا العائمة َفي فجوةِ التاريخ / كل قامةٍ تشّعُ بذبولٍ / وعلى
سطح
الدماغ / مصباحٌ أعمى / تتقدمُ فيه الأحياءُ نصوصَ التلف / حتى تصير
المدنُ
رئات يختظ فيها الزفير ُ المعدني /
إلى الموتِ والبحرِ والحقوق
على سكك الحديد /
إلى المستقبل والحمى والحدود
على سكك الحديد /
إلى الفردوس والكتابة والمطار
على سكك الحديد /
إلى النصرِ والشهادةِ وتخوت النساء
على سكك الحديد /
إلى الثاليوم والوظائف والثكنات
على سكك الحديد /
يقول ُ سَميّتُ باسم الحديد نفسي /
وأثقلتُ الأنهارَ والإبلَ والحقولَ والأرواحَ والتأليف والسعادة والألسن
والمخافر
والحانات / كي لا تهرب نفسٌ مني / أو يرتخي جنينٌ في رحم / أنا الحديدُ
وبلادكم
ظلي / وشمتكم بصليبي المعقوف / وحركتُ أقدامكم عدماً .

نخرج من بلاد الرقاب المُعلقة
جنازاتٍ عائمةٍ فينا .
نفكّ اللحامَ بين الجفنين ،
لنراه في وكرّهِ .
يعلقُ النياشينَ والأحذيةَ والظلامَ
والرؤوسَ والبنادقَ .
هو الذي تطاردهُ أشباحهُ على الدوام ،
وصفاتهُ تجهشُ بالخراب .
يُجربُ الكتابةَ بالسيوف ،
الوطاويطُ ورقُ سلخاناتهِ .
وكل مفردةٍ لديه دريئةٌ خلفها قتيلٌ .
هو الأراجوز يهرسُ اللغةَ اجتراراً ،
وليس من نسل الكلمات .
ديكتاتور
عسكر العراق طبقات من سيوف .
وفضل أن نكون أولى ماشية في مراعي
الموت .
ديكتاتور
يجلسُ في برميله الذاتي وحيداً ..
يتأملُ النهرَ تمساحاً ..
فيقصّ له ذيلِه  .
يسبّ الطفولةَ والهواء والعشبَ والنخيلَ .
ويفرطُ بالشراب من معادن الأجساد
كحولاً .
وجههُ عويلٌ منتفخ ٌ.
ومن ظهرهِ ،
تتناسلُ المقاصلُ .
وتحتها أثاثُ الموتى والسجونُ وجراثيمُ
الكيمياء .
زمنهُ تابوتٌ عيونهُ لا تنام .
هو الهودجُ العالي للرماد .
ويصعدُ على نجيعٍ ،
يستخلص من أكباد الطواطم .
يصبغُ الأفقَ بفرشاة الغبار ،
متموضعاً بالراديو .
يربي قروداً من الحواشي ..
وفئراناَ من الأحلام ..
ليأكلها بجلودها على الريق .
يضعُ على الدريئة حمامةً ..
ويصطادها بالمدفعِ العملاق .
يكتبُ أسماء الأحزاب والنمل والفصول ..
ويرسلها ببريدهِ الدبلوماسي للجحيم .
ماذا قبلك أيها الموتُ ..
ليس إلا تماثيلهُ .
ماذا بعدك أيها الوطن ..
ليس إلا  الحزب والانتظار والتحقيق .
كلّ عينٍ
مسلّةٌ لجندٍ يتناسلون من الحمى .
وما أقرب ما نحن فيه إلى الوداع .

سريرهُ زنزانةٌ ..
يشقها بدبابة T52
ويسقطُ في غيبوبةٍ تحت اللحاف  .
يسمعُ رجع كلابٍ تهتفُ له
من بين شقوقه .
يشعر بحراس يحملون له الحروبَ
في أضابير .
يرى قملاً وجنداً بأكياس من تواريخ .
وأفاعٍ تنصبُ له هياكلها أقواس نصرٍ
على طريقه.
يدخلُ ملهاةً ..
فتكشفُ له الوطاويطُ عن أفخاذها .
هو الذي يسقطُ في غواية أنثى الجرذ ،
ذراعَ طاحونٍ فاحش .
ديكتاتور
يضطجعُ في دولة القيلولة ..
ويسبحُ في قسوة الماء الثقيل .
ديكتاتور
يتقوت النهارَ والليلَ
وما بينهما من أراضٍ ومستنقعات .
هو الجذامُ نباتاً على القمم ..
يسأل ُعن هوية الضوء .
عن مسقطِ رأس طبيبه النفسي .
وعن باعة الخناجر والطبول التوابيت
في المدينة .
هو الذي جعل الدولةَ بغلاً يتجشأ
الأطلالَ على الشاشات .
ديكتاتور
يشكّ في كل شيء .
بالنار أن لا تطيعهُ ذات يوم .
بالمسدس أن يخونه في موعد الصفر .
بالمرآةِ أن تبتلع وجههُ ،
فلا من خرافة ٍ تبقى على المسلات .
بالهواء أن يقف حجراً في قصباته .
بالمرآةِ أن تخدعهُ بقبلةِ العنكبوت .
هو الذي لا يُبوس إلا فم المسدس ..
ولا يمارس إلا في ماسورة رشاش .
فراشهُ مزرعةٌ للأسلحة ،
وكل شهوةٍ لديه عقربٌ هاربٌ للتو
من فرن .
ديكتاتور
يُصممُ كتلوجاً  لريّ نسلهِ ببخار
الرصاص .
ظافراً بذنوبهِ ..
وماشياً كغراب ٍ في جثامين العائلة  .
ديكتاتور
يمشط شعرَ أبناءه بشفرات الحلاقة .
وبالكبريت ،
يغسلُ بنات آوى جيناته المسخ .
يعلم الصبي الطريقةَ الفضلى لطحن
العظام ..
وكيف يستخرجُ الآلام من آبار البدن .
يُلقن البنتَ فضائل العشرةِ بالتدريج ..
وكيف يطهو لها الصهرَ والمخدةَ  والسرير .
هو الذي يطوّي الكبدَ والقميصَ والذهبَ
وساعةَ الجدار .
ويجعل الحبّ أعظمَ الموظفين الأيتام
في القصور .
هو الذي على المائدةِ خنزيرٌ ناطق ٌ ..
يلتهمُ النصرَ فضلاتٍ .
والنوطَ سكرّاباً آدمياً .
وأرضٍ بثقل جنازةٍ تفسخت
وعليها الطغاةُ أعاشُ للطاعون .
ديكتاتور
يحفر بالمعول رأسهُ كل صباح ،
ويُصرّفُ أفكارهُ صرفاً صحياً
في كتبٍ يؤلفها له الجرادُ .
في خطاباتٍ يرشح عنها صدأ الفم .
هو الذي لبس الموتَ الأمي ثوباً ،
وصار في خزانة البيت الفأر
الوحيد .
ديكتاتور
ينصبُ في قبو الإذاعة خيمةً ويستضيفَ :
الوحدةَ والمقص والمهرجَ ..
الحريةَ والأقفاص والمباضع ..
الدينَ والنفطَ وعقدة الأب الملتبس ..
الحضارة والدبابة والسراب ..
البنوك والثقافة والخراف ..
ديكتاتور
هو القومي الصامدُ حتى القيامة .
هو الوثني المتمركس بدم البلاشفة .
هو الجنتلمان رمزُ الأمة وزمورها .
هو الحفيدُ المُعممُ من شجرة الأسياد .
هو المديرُ الأنسكلوبيدي لقاموس الإغتيال .
هو الجنرال المولود في كل الخنادق .
هو العشائري الشيخُ وارثُ القبائل .
هو الراديكالي المرسل للأرض بسلة
الثورات .
هو  مدخنةُ الرموز والفرسان في براري
الكتب  .
عَسكرَ الورقَ ليكون كاكياً .
وجعل الأساطيرَ  مسرحاً للعرائس .
هو دارُ الآخرةِ للطباعةِ والنشر والتوزيع
والأرشفة .
ديكتاتور
خطف الوطنَ واخترعَ الطواطمَ والأطلالَ
والدستورَ المسلول .
ديكتاتور
الظلامُ قبائلٌ فوق رأسهِ
وفي يدهِ ختمٌ المحو وخاتمُ الجنون .
هو الخرابُ كورالاً على سكك الحديد .
ويعزفنا
لوحةً
بأصواتٍ
مقفرة ،
تتدلى رمالها من الأفواه .

 

 

 

                                                     دنمرك/ 1998

 

 

 

 



#أسعد_الجبوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإميراطور
- تحت سماء نصف مُكتملة


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد الجبوري - الديكتاتور