رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5286 - 2016 / 9 / 16 - 11:44
المحور:
الادب والفن
الانسجام في ديوان
"نوبات شعرية"
مالك فايز المصري
من أهم ما جاء في الديوان أنه يضم قصائد كتبت في ريعان الشباب، وأخرى كتب بعد أن "وهن العظم مني" وهذا الأمر انعكس على ما كتبه "مالك المصري" ففي حالة الشباب كان جموحا، شبقا، متمردا، لكنه في حالة الهرم أصبح تقيا ورعا، فقد أخذ حاجته من الحياة وما فيها من نعيم، ولهذا أخذ يعمل لينال رضا الله.
من يقارن بين ما كتبه الشاعر في مرحلة الشباب وما كتبه في مرحلة الشيخوخة، يجد الهوة السحيقة التي تفصل بينهما، لكن هذا الأمر ينطبق على النصوص المكتوبة، لا على وضع/زمن/حالة/ظرف الشاعر، ولهذا نقول بأن هناك انسجام بين ما كتبه الشاعر وبين مضمون النصوص، إذا حكمانا عليها حسب الزمن والحالة التي كتبت فيها القصائد.
نأخذ "قصيدة فاجرة" كنموذج عما كتب في مرحلة الشباب، التي تمثل حالة النشوة والجموح التي يمر بها الشاب:
"وعينك فاضحة سره علام التكتم والإحتشام
هلمي إلى خلوة في الفلا على غفلة من عيون الأنام
تراخي هناك كما تشتهين وحلي عن الخصر هذا الحزام
تعالي أعانق فيك الدلال شهيا مثيرا بلون الشفق
أوسد رأسك فوق ذراعي وأحنو بثغري نحو العنق
أدغدغه لاثما هائما وأشتم فيه أريج الحبق
وأدنو بكفي لرمان صدرك مهد الهوى ومعين الشبق
أصعد فيك دفتين الرغاب وأضرم نارا بها نحترق
وإذ بأنينك يعلو ويهبط في نغم متسق
وتجتاحني شهوة للوصال تأجج كالنيزك المؤتلق
وتصهرنا جسدا واحد ونغفو إلى أن يلوح الفلق" ص25، في هذه القصيدة نجد الجموح والشبق والثورة على التقليد/الأفكار/ والاحتشام، فالشاعر يتجاوز الرمز ويتجه نحو واقعية الحدث، فيصفه لنا بتفاصيله الفاضحة والصريحة، مبتعدا عن الوصف من وراء الستار، بالتورية والتي بالتأكيد ستكون أجمل من الوصف الواقعي، لكنه أرد أن يكون بهذا الشكل الجموح.
والصورة الأخرى لما كتب في مرحلة الشيخوخة، كانت قصيدة "أترانا قد قنعنا":
" يا جليسي، يا أنيسي، حان وقت الافتراق
ها هو النجم أفل، لا تسلني ما العمل
سوف نمضي ونخلي، فسحة للقادمين
من سلالات البشر، ولدا إثر ولد
بهمو نحيا على مر العصور، مثلما يحيا بنا آباؤنا
هكذا الدنيا تدور
ما لنا في الأمر من حيلة
فاتجه نحو السماء
بخشوع الأنبياء
وتذرع بالدعاء
للعلى المقتدر، صاحب السلطان رحمان رحيم" ص66و67، بهذا الاستسلام للواقع، للزمن، للحالة، للظرف يكون الشاعر قد تماثل لما هو كائن، وسلم ـ حتى بلغته، بشعره ـ وأبدى لنا كيف تكون مواجهة ما هو حق/قادم، الذي لا مهرب منه ـ الموت ـ
هذا التماثل مع الزمن أهم ما جاء في الديوان، وهو يؤكد على ضرورة الحكم على النص ـ أي نص ـ على الزمن/الظرف/الحالة الذي كتب به وليس على ما نحن فيه، فلكل حالة ولكل ظرف وزمن كتابته ولغته وأفكاره.
الديوان من منشورات دار الكرمل، عمان، الأردن الطبعة الأولى 1985.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟