|
للتعريب بالقوة نعم ، ولرفضه ولو بالكلام لا .
صالح حمّاية
الحوار المتمدن-العدد: 5285 - 2016 / 9 / 14 - 20:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من المقولات التي طالما كررتها على مسامع أصدقائي في نقاشاتنا حول مسالة الإسلام والقانون في منطقتنا ، هو أن الإسلام في هذه البقعة فوق القانون و الدستور وكل الأعراف ، فالحكومات و القضاء و أجهزة الأمن صارمة في كل شيء إلا إذا تعلق الأمر بجريمة ترتكب بإسم الدين الإسلامي، حيث معها سيتم اختلاق الأعذار و الحجج ، وحتى يتم تغيير القوانين و التلاعب بها لمنح المجرم عذرا للتملص من سلطة العدالة ، ولدينا نماذج لا تعد ولا تحصى من قصص إعلاء الدين فوق القانون و العدالة في منطقتنا على غرار مكافئة السفاحين في قضايا الشرف في الأردن مثلا ، أو المغتصبين إذا قرروا الزواج من انتهكوا أعراضهم في العراق ، أو العفو عن الإرهابيين و سافكي الدماء بإسم المصالحة و الوئام المدني كما في الجزائر ، الخ من الفواجع التي تشهدها منطقتنا إتجاه هذه المسألة ؛ ولكني ورغم يقيني السابق بتلك الفكرة فيبدو أني كنت مخطئ في هذا الأمر ، فليس الإسلام وحده هو الذي فوق القانون فقط كما كنت أرى ، بل وكذلك لغته العربية أيضا ، فهي أيضا فوق القانون و فوق المنطق حتى ، بدليل أنك مثلا حين تحتج عن الإرهاب الذي يعشش في هذا اللغة ، والبؤس الذي تعاني منه كلغة ميتة لا تقدم للعالم أي شيء مفيد حاليا ( راجع مقالنا " محاربة اللغة العربية كآلية لمكافحة الإرهاب و التخلف " ) فأنت تجد مع هذا من يدافع عنها ، و يبجلها ، ويعتبر كلامك عن التخلي عنها كلاما عبثيا؛ هذا في الوقت الذي لم نرى فيه مثلا أن من يؤيدون فرضها بسطوة الحديد و النار يقولون هذا الكلام حين أبادوا لغات الآخرين بالقوة ، فحين تم انتهاج سياسات التعريب القسري مثلا في سنين سابقة ، لم يقل أحد من أنصار العربية "أن هذا عبثي" ، أو" أنه من المستحيل تغيير لغة أمة بالقوة والإكراه " و لكن طبعا كل هذا لا يهم، فالمهم هو أنه و حين يتعلق الأمر باللغة العربية فكل هذا يجب نسيانه ، لأنها لغة يحميها الإرهاب والعنف و قرون من التقديس الأعمى الذي ألغى المنطق و العقل لدى كثيرين ، فكذلك حين نتكلم عن أنها لغة موبوءة بالجهل والتخلف و الإرهاب ، ونطرح أدلة على أنه لا يوجد أي أبداع في تلك اللغة يجعلنا ننحاز لها أو نؤيدها ، فتجد من يحاول اختراع مبررات واهية لك لمعارضتك، من قبيل أن دولا غير ناطقة بالعربية مثلا هي كذلك تعاني من الإرهاب و التخلف ، مع أنه هذا الصديق قد تناسى ان تلك الأمم لم تعاني ما عانت ، الا بسبب الضخ الرهيب من الدعاية الدينية القائمة على الموروث المكتوب باللغة العربية لها ، فحين نتحدث عن الجهل في أفغانستان وباكستان و الصومال وغيرها ، فلا يمكن لعاقل له ذرة وعي تجاهل أن تلك الدول غارقة في الموروث الديني العربي ، فنعم تلك الأمم لا تنطق العربية ، ولكنها ضحية لعملية ترجمة رهيبة نقلت لها أوبئة اللغة العربية ، و هو ما يعني في النهاية أن أس البلاء هو اللغة العربية في الأساس ، فتلك الشعوب مؤكد أنها لم تكن لتعاني تلك الحالة لولا الترجمة والضخ الذي تعرضت له من اللغة العربية ، والذي وكما نعلم فقد دفعت أتعابه الدولة التي تعرف نفسها بأنها الدولة العربية ( وهي المملكة العربية السعودية ) أي الأمر في النهاية كلها راجع للعربية ، و طبعا الكلام نفسه يقال عن الدول الأوربية التي اليوم تعاني من تفشي الفكر الإرهابي بين مواطنيها ، فهذا الإرهاب لم يكن سوى نتيجة لترجمة التراث الديني الإسلامي المدون باللغة العربية للغات تلك الدول ، و الذي تم نشره بمباركة الدولة العربية الحامية للعربية ، وهو طبعا ما يجعلنا نقول بالبداهة ، أنه اذا كانت تلك الدول وقعت ضحايا للجنون و الشر الذي تصدره اللغة العربية لهم عن طريق الترجمة ، فكيف سيكون حال الناطقين بها ، فبديهي هنا أن الحال سيكون أسوء لأنهم الأكثر عرضة للإرهاب لأنه لا حتاج أن يترجم لهم ؟.
ولكن عموما وما الحاجة لهذا الكلام ، فكل هذا الكلام الذي نقول يتم تجاهله ، و يتم التعامي عنه عمدا ، ويصبح المنادي بمقاطعة اللغة العربية و محاربتها متطرفا وإرهابيا خائنا لمبادئ التنوير و التسامح ، بينما من يعمل على السماح بتغلغل ذلك الوباء كميكروبات الايدز التي تدعي أنها خلية طبيعية لكي لا يهاجمها جهاز المناعة ، بينما هي جرثومة فتاكة تفتك بالجسم ، هو الذي على صواب و على حق ، فبقوة التجهيل يغدو الدين الإسلامي ولغته فوق القانون ، وعلينا جميعا أن نبارك له نشر الإرهاب والتطرف والإجرام بدون أي رد فعل ، لأنه علينا أن نكون علمانيين وان نسمح بالإجرام ونشر الإجرام بإسم قيمنا العلمانية ، هذا مع أنه في الواقع ، أن الأصل في العلمانية هو أنها تضمن حرية الاعتقاد ، ولكن ليس حرية نشر الكراهية و التطرف والإرهاب ، فالدين الذي يحق له حرية الاعتقاد في النظام العلماني ، هو الدين المتعايش مع جميع الأديان الأخرى ، والذي لا يستغل مساحة الحرية الممنوحة له لهدم هذا النظام الذي يتيح الحرية ، وطبعا فاللغة العربية هي الأخرى صارت فوق المنطق ولا يجب التعرض لها ، هذا مع أن من أسس العلمانية المركزية أن تكافح التمييز على أساس اللغة والعرق ، وهو الأمر الذي يمارسه دعاة التعريب و الحفاظ على اللغة العربية ، ولكن كله هذا لا يهم قوله بالنسبة لمن يحملون هذا الراي ، لأنه في اللحظة التي يتخلى فيها الإنسان على قدرته في النظر للحقيقة بسبب حالة غسيل الدماغ والتقديس الأعمى المغروس في لاوعيه منذ نعومة أظفاره ، فطبعا هذا الإنسان سيصبح خاضعا خضوعا كليا ، ولن يتمكن من التحرر.. لا لأن هناك قوة إرهابية تفرض عليه تقبل تلك الأفكار ، ولكن لأنها حالة من الإستكانة لقيود ذهنية مزروعة عبر السنين ، ونحن نعلم كيف أن الفرد لدينا يتم إنتهاك لاوعيه من نعومة أظفاره ، حيث يؤذنون في أذنه الأذان العربي لنخر عقله منذ الولادة ، ولا ينتهي غسل الدماغ طبعا حتى الممات ، وهكذا فأنت قد ترى هؤلاء يلبسون لبوس المنطق و العقلانية و الإنصاف في كلامهم مع المخالفين ، ولكنهم في الصميم مجرد مكررين لما تم غسيل أدمغتهم عليه ، وعليه وبالنسبة لهؤلاء فمن يريد موقف حصيف منهم، ومن أرائهم ، فالأجدى هو التجاهل و الشفقة على افتراض حسن النية ، فمهما يكن يجب عذر الحالة التي وصل لها هؤلاء بسبب حجم الإرهاب الفكري وغسيل الدماغ الذي تعرضوا له ، والذي لا ندري أيمكن التخلص منه أو لا حتى ولو عن طريق هؤلاء الذي يسمون متطرفين و اقصائيين كما يدعونهم ، لأنه في النهاية كما تعتبر الأورام الخبيثة مشرط الجراح إستئصاليا و إجراميا بحقها ، فكذلك تعتقد العقليات الواقعة ضحية الدجل و الخرافة وغسيل الدماغ ، الأفكار التنويرية الصادقة تطرفا و تشددا ، ولكن طبعا متى كانت العقلانية تنحاز لرأيي الورم الخبيث ، او العضو المريض في الجسم و الذي يحتاج للاستئصال ، بدلا عن رأي الطبيب المبني على العقلانية والحجة المبرهن عليها بالدليل ؟ .
ملاحظة : الاطلاع على المقالين هنا ضروري ، لارتباط المقال الحالي بهما .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530788
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=530788
#صالح_حمّاية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاربة اللغة العربية كآلية لمكافحة الإرهاب و التخلف 2.
-
محاربة اللغة العربية كآلية لمكافحة الإرهاب و التخلف 1.
-
البوركيني لإغاظة الفرنسيين لا أكثر .
-
إزدراء الأديان و الاستقلال عن دولة الإسلام .
-
التحرش كإفراز طبيعي للقيم المجتمعية الإسلامية .
-
الإسلام كمشكلة للعالم .
-
خرافة إسمها الشريعة الإسلامية .
-
عنصرية أوربية أم همجية إسلامية .
-
تربية المسلمين قبل تربية اللاجئين سيدة ميركل .
-
عن براءة الأزهر من سجن إسلام بحيري .
-
دولة بها مساجد، دولة في خطر.
-
تحويل المساجد لخمارات لحل مشكل الإرهاب .
-
رزيقة شريف ضحيتك يا وطني .
-
قلنا من البداية -لا تصالح- .
-
كيف يشيع الحجاب -البيدوفيليا- .
-
أوروبا و جزاء النجاشي .
-
المساجد كثكنات ، لا ك دور عبادة .
-
المفتي الذي سيغتال الجمهورية الجزائرية .
-
أردوغان: الإرهاب كسياسة للنهضة الاقتصادية .
-
الجزائر بين خياري الدولة الحديثة، أو الإمارة الإسلامية .
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|