أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال الشريف - ِِِِِِعندما اكتشفت البروفسورة( .... ) أن المتر يساوي ثمانين سنتيمتراً !!!














المزيد.....

ِِِِِِعندما اكتشفت البروفسورة( .... ) أن المتر يساوي ثمانين سنتيمتراً !!!


طلال الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 1409 - 2005 / 12 / 24 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


بعد عشرين عام من الفراق التقينا, ولم يكن بريق عينيها لامعاً مثلما تركتها فقد أصابتها عوامل التعرية الزمنية, وما إن اقتربت مني, وفي لهفة الحكمة, وليست لهفة المشتاق, مدت يدها للتسليم علي, فإذا بها تطبق علي يدي بكلتا يديها, وأخذت تهوي علي ركبتيها في مشهد درامي لم أتوقعه, قائلة لقد كنت مصيباً حين حاولت أن تعطيني الحكمة قبل عشرين عام, وأنا كنت المخطئة ولم أدرك ما تقول.

فأخذت أوقفها, وجلسنا في ركن هادئ, وبدأت أسألها, عن ماذا تتحدثين؟ فقد تحدثنا قبل عشرين عام عن أشياء, وأحلام كثيرة, فما هو الشيء الذي كنت أنا فيه مصيباً وكنت أنت فيه مخطئة؟

فقالت مازلت أذكر حكمتك التي كنت تؤكد عليها دائماً بأن " المتر في حياتنا يساوي ثمانين سنتيمتر " وقد ثبت لي بعد هذه السنوات الطويلة, أنك علي حق. فقلت كيف؟

فقالت، يبدو أننا نبني حياتنا منذ البداية علي مقاييس, ومفاهيم, ومناظير نعتقد أنها كاملة وصحيحة القياس, والرؤية مما يدخلنا في إشكاليات جمة, نأخذ وقتاً طويلاً من عمرنا, وحياتنا, ونحن نجري وراءها ونقيس عليها, ولكنها لا تكتمل, ولا ترضينا, وتبقي ناقصة. فقلت لها فسري لي أكثر, فإن ما تقولينه يزيد الحكاية أكثر غموضاً.

فقالت، إن كل ما يواجه الإنسان من مشاكل, وتعقيدات, وجريمة, وانتهاكات, وكبت, واكتئاب, وفشل, وهجران, ونكران, وكذب, وافتراء, وانحدار, وحزن, ومداراة, وتدليس, واستقواء, ونصب, واحتيال, وغيرة, وحسد, ومعاداة, وانشقاق, وهروب, وتزوير, وتبرير, وتصغير, أو تكبير هي بسبب الاختلاف في المقاييس, والمفاهيم, والمناظير التي ننظر بها للأشياء, ونقيس عليها الصح والخطأ, ونفهم بها الأمور.
فنظل نجري وراء ما يجري عليه الآخرون دون توقف, أو تفكير, فإذا رأينا الناس يتعلمون, أو يتزوجون وينجبون, ويعيدون الكرة مع أبناءهم, نفعل مثلهم, وندور في تلك الحلقة المفرغة, وتنتهي بنا الأمور إلي ما انتهت بالأولين.

لا أحد يفكر لماذا؟ وكيف نعيش؟ وكيف تحدث المشاكل بين الناس؟
إنها تحدث لأن بعضهم مقتنع بأن ما يفهمه هو الصحيح, وأن المنظار( الرؤية) الذي ينظر به إلي الأشياء هو الصحيح, و يفترض الكثيرون أن المقياس الذي يقيسون عليه هو المقياس الصحيح, وهنا تحدث الإشكاليات وهنا يرتكب المجرمون جرائمهم, وهنا يزور المزورون تزويرا تهم, وهنا يكذب الكذابون كذباتهم, وهنا يحدث الكره, والنصب, والتدليس, والافتراء, والتصغير, والتكبير, والحسد, والغيرة, والمعاداة بين الناس .


في هذه المنطقة المقطوشة, أي العشرون سنتيمتر الضائعة من المتر الذي نقيس به, يحدث الاختلاف ويحدث الخطأ في التقدير, وتنتج المآسي كلها .

فعندما نسعى إلي عمل شيء, ونكتشف أنه ليس هو كل الشيء الذي أردناه فنغضب ونحزن, وعندما نتزوج فننجب, وتصبح متطلبات حياتنا أكثر, ونتدبر أمرنا, ونكتشف أيضاً أن هذا ليس كل شيء , وأن هناك أشياء مهمة أكثر, فنجري وراءها, وعندما نحب إنسانا, أو نكره إنسان, ونظن أن الدنيا توقفت عند هذا الحب أو الكره, فنكتشف بأننا نستطيع أن نحب, أو نكره أناس آخرين, ونكتشف أن ذلك ليس هو كل شيء, وعلينا أن نواصل, و ماذا بعد؟
وعندما نجمع مالاً فنكتشف أن هناك شيء آخر مطلوب, وأحياناً نكتشف أننا مربوطين في جذع شجرة, بحبل ولا نستطيع الابتعاد (حسب مقاييسنا) أكثر من طول هذا الحبل القصير, فنحاول أن نطيل هذا الحبل, لنأخذ حرية أكثر حتى يكاد ينقطع هذا الحبل, ونبقي نحاول, وقد ينقطع هذا الحبل, ونكتشف أننا ما زلنا نحاول تلمس أشياء آخري, ونضحك علي أنفسنا, كيف كنا نتوهم بالسقوط, أو الضياع ولا يحدث هذا السقوط.

المتر الذي نقيس عليه في حياتنا من الأساس, مقطوع منه عشرون سنتيمتر, أي أن أداة قياسنا هي ثمانون سنتيمتراً, أي أن مترنا الأصلي يساوي أقل مما نحسب, ومما نتوقع, وفي هذا النقص تكمن كل مشاكلنا, ولتصحيح ذلك, نحتاج لثورة علي المتر, الذي خذلنا, وسبب لنا كل إرباك في حياتنا.

إذا عايرنا مترنا (مقياسنا) باستمرار, فسوف نتقبل الحياة أكثر, ونسعد أكثر, وسوف نحب أكثر مما نكره, وقد نحب من كرهناه, ونكتشف أن كثيراً من الناس هم بحاجة إلينا, لنقول لهم كلمة طيبة, أو نسلم عليهم, أو نرد علي رسائلهم التي بثوها أشواقهم لنا, وقد أمضينا وقتاً طويلا, لا نعيرهم اهتماماً, أو كرهناهم من النظرة أو الكلمة أو المقابلة الأولي.



#طلال_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن في حاجة لمن يولد غداً .......... وبعد غد !!!
- من يوقف التراجع.... ويبدأ النهوض في مواجهة المشروعين ؟ !!!
- يا فقراء العالم اتحدوا ... وثوروا !!!
- زمن العويدة
- عويمز والسنطريز ..... في العصر الطزيز !!!
- جراح سياسي..... للفلتان !!!
- عندما أصاب الدهشان أطيب الشهرمان!!
- المبادرة الوطنية الفلسطينية..محطةإجماع
- غداً بداية جديدة!!!
- العوانس ولصوص التشريعي القادم!!!
- مذبحة الأحزاب والانتخابات!!!
- فدعوس والدبكة الديمقراطية والانتخابات!!!
- الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة وحقوق الطفل
- مخاطر تشكيل هيئة وطنية لادارة قطاع غزة
- عندما يضيق الممر الوطني الفلسطيني!!!
- !!!عند الاختبار.........تحدث الصحوة
- المبادرة الوطنية الفلسطينية- أحدث حركات النضال الفلسطيني


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال الشريف - ِِِِِِعندما اكتشفت البروفسورة( .... ) أن المتر يساوي ثمانين سنتيمتراً !!!