|
السيدة الغامضة ..!
ميشيل زهرة
الحوار المتمدن-العدد: 5283 - 2016 / 9 / 12 - 18:41
المحور:
الادب والفن
غريب أمر تلك السيدة الغامضة ..! تأت مثل طيف ..تمر مثل سراب ..! كأنها تريد أن تشغلني بها ..أكره حضورها حتى لو كان شبحيا ..و يشدني غموضها الجميل ..! تأسرني الأبواب المغلقة حتى تفتح ..و أتوق إلى تلك الجزر البعيدة التي لم تصلها قدم ابن امرأة بعد ..و عندما أصلها أتوق إلى الغامض البعيد ..! فهل لهذه السيدة أن يتكشف لغزها في القريب العاجل ..؟؟ إذا ما سر تلك الرسالة التي أتتني على هاتفي الجوال : ( أريد أن أراك في كافتيريا " س " في شارع الحضارة في حمص ..! المرسل : س ) ما سر السنين ..اسمها ..و اسم الكافتيريا ..؟؟ تبدو السيدة واثقة جدا ..هذا أمر منها لي ، كما هو واضح ..! و لكن من أين أتتها تلك الثقة ، أني سأنفذ أمرها ..؟؟ ألم تقل لي إنها ستتواصل معي من خلال صفحات وهمية على الفيس ..؟؟ ما بالها ترسل رسالة من هاتف غير هاتفها ..! ذلك السيد الذي يبدو عجوزا من وهن عباراته ، رد علي ..كأن صوته يأتي من العالم الآخر : يا ابني أنا موظف على أبواب تقاعد ، في شركة فيها أكثر من مئة عامل . أترك هاتفي على الطاولة و أذهب إلى شغلي ..! كثيرا ما يتصل بي أمثالك ليسألوني عن رسالة أو اتصال ..! لم أر سيدة استخدمت هاتفي ..! و بعد أن اعتذر ذلك العجوز شعرت بأن تلك السيدة ، إضافة إلى أنها مثقفة ، هي لصة أيضا..! و بعد لحظة غضب منها ، و قرار أن أقطع أي تواصل معها ، و جدتني : أبتسم برضى عن فعلها اللصوصي هذا ، و أبررها لها شيطنتها .. لا بل ، إضافة إلى ذلك ، اشتغل خيالي في نحت مجسم لها ، كانها فينوس ..! يا إلهي ..!! ما سرّ هذه السيدة اللغز ..؟؟ ما الذي تريده مني ..؟؟ لقد دونت رسالتها بحرف ( سين ) و حددت المكان و الزمان ..! أشعر أن خيطا متينا يربطني بهذه الحالة الشبحية ، و لكني بقرار صغير أستطيع قطعه ..! لا لن أستطيع ..أشعر أني أكذب على نفسي ..لن أقطع ذلك الخيط الذي يشدني رغما عني ، ليس خلف السيدة ، بل خلف روحي المجنونة بالكشف ..! اين تقع كافتيريا " سين " في شارع الحضارة ..؟؟ هل من صديق أو صديقة حمصية أن تدلني إليها ..؟؟ بينما أنا أكتب هذا النص ، جاءت رسالة غامضة على الفيس من صفحة باسم : ( س _ س _ ع . ) تأمرني : خذ معك جهازك الذي تتواصل بواسطته بالفيس ..لأني ساتواصل معك قبل مجيئي ..لربما حدث طاريء ما ..!! مودتي لك . ) حاولت أن استفز تلك الغامضة برسالة تقول : لن تريني ..اغربي عن و جهي ..لكن التواصل مع صفحتها غير مسموح ..هكذا قال الفيس ..! و تمسكت بقراري : سوف أذهب إلى الموعد ..!!!
**** الرسالة التي أتت في الساعة الثانية عشرة ، في الدقيقة الفاصلة بين يوم مضى ، و يوم19 / 11 / 2015/.حددت بدقة زمن التلاقي مع السيدة الغامضة ، و التي حددت المكان ، أيضا ، لأنها قرأت ، كما قالت ، منشوري السابق ، و الذي أتساءل فيه عن مكان الكافتيريا المنشودة . لم أنم طوال ذلك الليل الذي انفتحت كوّة نوره على يوم غائم ، و حذر ، و مترقب . و لست أدري لماذا وجدتني مدفوعا بقوة غريبة ، أن أذهب لأقوم بما يقوم به عريس في ليلة عرسه ..سخنت الحمام ..و دلكت جسدي بالشامبو ..حلقت ذقني مرتين متتاليتين ، رغم أني لا أقوم عادة بذلك إلا مرة واحدة ..تعطّرت ، و بالغت برش الكثير من العطر على ثيابي و جسدي ..جهزت اللاب توب بعد شحنه بكهرباء تأتينا ، مثل شبح تلك السيدة الغامضة . ألم تقل لي : خذ جهازك الذي تستخدمه ، في تواصلك بالفيس ، معك ..؟؟ و ضعت الجهاز في محفظته الخاصة السوداء .. وكلما قمت بفعل من أجل ذلك اللقاء الغامض ، أقف أمام المرآة و أسأل نفسي : لماذا تقوم بهذا الفعل يا رجل ..؟؟ هل أنت ذاهب إلى لقاء غرامي .؟ إذا كان الجواب : لا ..فلماذا هذه المبالغة في تحضير نفسك ..؟ و تذكرت حوارا لفتاتين أختين كانت إحداهن ذاهبة لمقابلة رئيسها في العمل ، و قد قامت بتجهيز جسدها ، كأنها تجهزه لعريس ..! و عندما مازحتها أختها : هل أنت ذاهبة لمقابلة ، أم لمضاجعة ..؟؟ ردت عليها مداعبة : من يدري ..ربما يحاول اغتصابي ..أليس من المعيب ألا أكون جاهزة كأنثى .. ههههههههههه ..؟؟ الكافتيريا مطلة على شارع العشاق ..لها جدران زجاجية من كل الجهات ..طاولاتها أنيقة و نظيفة ، و مرقّمة ..! الندل أنيقون ، و يتصنعون التهذّب ، و الكياسة ..! و الزبن يتوزعون أزواجا ، أو جماعات ، على الطاولات .. و لم ألاحظ سيدة تجلس لوحدها لأقول في سري : إها هي ..!! لم أنتظر حتى يسألني النادل : أين ترغب بالجلوس ..؟؟ حتى اخترت زاوية قصية من الكافتيريا ، مدفوعا برغبة عمياء ، و غامضة كغموض السيدة ..! كان قلبي قد بدأ يخفق مسرعا ، عندما جلست على الطاولة ، و فتحت جهازي على صفحتي في الفيس ..! أخرجت مرآة صغير ، جلبتها معي خصيصا من البيت ، لأراقب تبدلات شكلي الذي أُصرّ ( روحيا ) أن يليق بمقابلة أنثى ..حتى لو كانت غامضة ..! ما أن وضعت المرآة في جيب محفظة الكمبيوتر ، المعلقة خلفي على الكرسي ، حتى صدر الطنين المعهود الذي يدل على تعليق أو رسالة ..لم يكن الصادر رسالة ..لقد كان مكتوب في ذلك المستطيل الذي ظهر على يمين الشاشة : ( أعجب س _ س _ ع = M بمنشورك ..! ) إنها هي إذا ..! بدأت تطل من خلف الشاشة ..! لا أخفيكم : لقد تسارعت دقات قلبي ..! و ركزت بصري على الشاشة ناسيا كل ما يحيط بي..! أطلق الجهاز إشارة استقبال جديد : ( علق : س _ س _ ع = M على منشورك سعدى ....) فتحت على المنشور بكبسة على مستطيل التعليق ..و قد تجابت الشبكة معي بسرعة ، و كانت المفاجأة ..!! الصادر لم يكن تعليقا ..لقد كان رسالة ، في صيغة أمر ، في حقل التعليقات : اجلس ، من فضلك ، على الطاولة رقم ( 4 ) المقابلة للباب الشمالي للكافتيريا ..لأني سأدخل منه إليك ..!! ) و لأنني كنت تحت سيطرة مغناطيسية عميقة التأثير ، فقد نفذت بلا تررد ..وضعت جهازي على الطاولة رقم "4" ، و علقت المحفظة على الكرسي خلفي ، و لم يخطر ببالي أن السيدة تراني ، أو تراقبني من مكان قريب جدا ..كل الأحاسيس التي سيطرت علي في هذه اللحظة ، أن أركز على انتظاري لوجه رسمته في مخيلتي ، سيدخل بكل بهائه من هذا الباب الذي أمامي ..! و كيف سأتصرف لمقابلته أول لحظة ..هل أتصنع عدم الاهتمام ، و أفتعل مكالمة هاتفية موهومة ، أم أقرأ في جريدة ، أم أنشغل في حديث مع النادل الذي جاء ليسألني : ماذا تريد أن تشرب ..؟؟ و لكن شعورا غامضا آخر كان يعطيني إحساسا بالفوقية ، و التفوق ، لأني ، على حد فهمي و شعوري ، رجل مختلف عن جميع من في الكافتيريا ، لأني أقوم بفعل سرّي ، و أنتظر سيدة غامضة ، لا كمن يجلس ليثرثر ، و يشرب المتة ، أو المشروبات الساخنة أو الباردة ، دون هدف ..! و عندما كرر النادل الذي يتصنع لطفا ، و تهذبا ليس من طبعه العميق : ( ماذا تشرب ..؟؟ ) انتزعني من شرودي طنينا ينبيء برسلة ..أشرت للنادل بيدي أن ينصرف بعد أن أخبرته بأني أنتظر أحدا ..! انصرف النادل مع ابتسامة خبيثة ..فيما رحت أبحث عن الصادر : ( علق : س _ س _ ع = M على منشورك سعدى ....) فتحت على التعليق ، و كانت الصدمة التي زلزلت كياني : ( لقد تم اللقاء الأول ..أشكرك لاهتمامك بشكلك ، و تأنقك لاستقبالي ..لن أنسى هذا الفعل الجميل لك ..ينتابني شعور غريب تجاهك ..! و لكن قبل أن أنسى ..و ضعت لك رسالة في جيب محفظة اللاب توب المعلقة على كرسيك التي تجلس عليه ..عذرا منك ..لم أستطع أن أكشف لك نفسي الآن .. و لكن سنتواصل ..!! مودتي ..! ) ( التوقيع : سعدى ..! )
#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصورة ..!
-
قراءة في رواية الشرنقة و الفراشة للروائي محمد زهرة ، للدكتور
...
-
عبدو على تخوم المستحيل ..!
-
داعش ، ربيع العرب ..!
-
مذكرات جنرال عربي ..!
-
العقم الفكري ..!
-
الوحش ..!!
-
قطب واحد ..!
-
الكذب المقدس ..!
-
الكذب المقدس ..!!
-
الحمير تفكر .. و تعشق أيضا ..!
-
الملفّ ..!
-
الأميران : السياسي و الديني ، و خصوصية الحكم العربي ..!
-
قبل الفيس بوك ..!
-
السقوط ..!
-
قصة قصيرة
-
عندما تضيق أمة بسؤال بريء ..!
-
تساقط الرموز ..سقوط الأمة ..!
-
الرموز ...و تساقط الأمة ..!!
المزيد.....
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|