أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب خوجه - حين آخر المدن (كانَ عيداً)














المزيد.....

حين آخر المدن (كانَ عيداً)


زينب خوجه

الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 11 - 21:43
المحور: الادب والفن
    


بعض مما كتبته في أحد فصول رواية:
حين آخر المدن
التي انا بصدد كتابتها
أحيانا كثيرة تتوه في مرثيّة جافّة، تتوق لأمسٍ كانتْ فيه حافية، تستجدي عطف متسوّلٍ مثلها، تركن الى العتمة عندما يسكن الليل، وتهرب الأصوات الى ماوراء انتظار النهار، وتبدأ نواحها الهادئ.
على سجادة قبالة الجنوب، تركع لمعبود تتيقّنه الوحيد الذي يسمعها فتبدأ تشكو اليه ضعف قوّتها وقلّة حيلتها وهوانها على الناس، في تلك اللحظات كانت تشعر بأنّ غدها سيكون أفضل، لأنّها سكبت دمعها صادقا بين يدي من يرحم دون أنْ يسهو عنها هي اللائذة به اليه، هو من عاند الوسن أن ينال من ربوبيته، فيترك الخلائق في طيّ نسيان، أو يرتضي بوجع يمتحنهم به في حياة كلها شقاء.
كانت تتلو سورا من القرآن، ترهبها آيات العقاب حين غضب الرب، ويرغبها مضيّا في سبيل كل مامن شأنه أن يقرّبها الى البارئ عزّ وجل، وهي تعود بذاكرتها الى أمسيات الفقر الذي عانته، وتلك القصص التي أمتحنتها كثيرا.
كانت تعي تماما أنها فقدت حياتها هناك، تركتها بجانب تلك المدفأة في زاوية بيت مهمل، يتداعى حين جلل فتسنده بزندها في معركة يتساوى فيها الخصمان، هي .. والدنيا بمخالبها، بيت ٌ أبدا لم يكن لها، بيتٌ احتفظ بكلّ خطاياها، وبكلّ ماكان من تعب، هنا في الجانب الآخر من حياتها عرفت بأن دعاء تلك الأمسيات لم يذهب سدى، فكلّ ماطلبته من الرب قد جاد لها به، مع أنه جاء متأخرا كما اعتادت هي، فكل ماطلبته كان يخطئ الطريق اليها، يضيع عناوينها، ياله من ساعٍ لايجيد اهداءها الفرح، وكان ما انْ يأتي حتى تكون هي قد فقدت لذة الحصول عليه، فما من مرّة حصلت على مبتغاها الا وأُخِذ منها شيئ آخر فثمن أمنياتها حياة في كل مرة يستجاب فيها لدعائها، ولسعيها الحثيث وراء هدفها، هي التي طلبت طفلا فكان لها ولكن! جاء وهو مسجّى بالف حسرة، هي التي طلبت أن يكون لها كوخ صغير فكان لها ولكن! عاثتْ فيه أنفاس هي لا تهواها، هي التي هربت فكان لها، ولكن لحق بها كل شيئ تعافه نفسها، هي من التقتْ بروحها ولكن بعدما كان قد تقاسمه معها آخرون.
روح تعبت كثيرا في بحثه عنها في سكرة استغرقت عمرا، روحا بنبض عاشق، ولكن ألف من القيود تكبّله تشلّ عنفوان بقائه، رغم رباطة جأشه، رغم مقدرته على التماهي من أجلها.
واليوم شيئا فشيئا هاهي تفقد معنى أن يكون لوجودها معنى، لم تعد تعرف كيف تستلذ بطعم كل الجمال من حولها، فكل شيء ميت في داخلها، لاتبهرها السماء هنا، كل البهرج من حولها مثل خدعة ولعبة من ألعاب الخفّة لاتملك الوقت لتتبّع آخرها، لم تعد تعرف كيف تتنفس والناس من حولها يعيشون فرحا مزيّفا، حتى الألوان فقدت ألوانها.
حتى العيد سيأتي بعد يومين باهتا فأول ساعة له في الفجر يكون فوق أضرحة المقابر، والدموع تتصفّح حكايا وقصصا دثّرتها المنيّة وموت أغلبه أحمر، قدّره الاله ويسّره الأنام، أمّا الطرقات فهي حبلى بالهلع، فخلف تلك السيارة ربما يقبع مارد اسمه تفجير، وعلى المآذن تكبيرات كم تذكّر الناس هناك بآخر كلمة لحامل خنجر وظيفته فصل الأعناق عن أجساد ليس يحق لأحد محاسبتها سوى بارئها، أمّا من ركن ذاكرته برهة في خانة النسيان فيتجوّل على استحياء عند الباعة يشري حلوى لصغير ينتظر خلف الباب، ليملأ كيسه بوهم السعادة التي تقاس في عمره بحسب قدرته على ملئ ذاك الكيس الذي ربما يخونه ويتطاير متحوّلا الى مطر مالح، حاملا بقايا جسده الصغير مدثّرا بالحلوى تاركا فردة حذائه شاهدا على أنه كان هنا ثمة حياة قبل قليل، وثمة مارد يتلقّف كلمات لا يعرفها ليبرّر لنفسه نهمه في ارتكاب الفجيعة، وهي تستنهض عزيمتها لتنسى كل ذاك الافك الذي يعتصر فكرها، تعلم تماما أنها عاجزة عن فكّ لغز معنى أن يكون البشر وحوشا، مع أنهم من نطاف آدمية ، جاؤوا من بين الصلب والترائب، ترى هل كانت لحظة اللذة تغتصب انسانية ما لتلد في ساعة مسغبة وحيرة كل هذا الفجور؟ تبّا لكم أيّها الآباء، ماذا لو كنتم وحوشا هامدة وإشتقتم لتنفثّوا عتوّ براكينكم الضغينة، وتحيلوا الحياة الى وقود لنيران بغضكم.
تبّا لنا نحن من رضخنا لقناعات لا تمثّلنا.
في المزار..
حيث المقابر...
وأدوا ابتسامات كثيرة
وكلمات على شفا شفاه
لم تقبّل الفرح..
ولم تشرب من الأسى..
كانوا هناك لوحدهم
في مدينة الموتى..
قفر في ذاكرة ما
في مدينة الأحياء..
أضاعوا عناويننا فيها..
وزرعوا السبيل بالألغام..
من خدعونا بلحن وقيثارة وأربعون نغما..
في جهات الرب الأربعة ...
ادّعوا أنّ لنا فيها قضيّة..
وتركوا في سقف السماء
مشجبا ومقاصل
وأعواد مشانق...
انْ سرتَ حافيا
البس ثوب عبودية..
وانْ أبيتَ الّا التمرّد
فكل الوطن أبوابه تفضي بك
الى زنازين وأقبية
في عصر اخوة الديمقراطية .
كفاك تطلب كسرة خبز يتيم
ومن يطحن الجماجم
عتلّ زنيم
لاتهرب
لاتغادر
لاترحل
لاتهاجر
قف كما المسيح
مصلوبا ..
بدمك..
ودمعك..
وجوعك..
وليكن جلّادك
من بني جلدتك
ليكن غرابا من قوم آخرين
فالأمر وان ليس سيانا
يا اخوتي لن نستقيم..
فالموت أحمر أصفر
أسود
والرصاص كثير كثير كثير



#زينب_خوجه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين آخر المدن (لأنك كوردي)
- حين آخر المدن (قامشلو ..)


المزيد.....




- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب خوجه - حين آخر المدن (كانَ عيداً)