وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 5281 - 2016 / 9 / 10 - 10:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(1 ) :(اصبح شعور المثقف بالاغتراب من بين علامات حداثته .فالثقافة العالمية الحديثة ,تضمر في كل انواعها فكرة الاغتراب , ولكن هذا المفهوم في البلدان الطرفية يحمل قدرا من الاختلاف عند تحري اسبابه وصيغه , فهو ينطوي على مشكلة تتعلق بالبيئة الطاردة للثقافة والمتقاطعة مع فكرة الحداثة لاسباب معروفة .بيد ان تاثيرات الاغتراب كنزعة فكرية غربية ,وتعبيراتها في الفن والادب , كانت بمثابة اعلان المثقف عن هوية جديدة لنتاجاته في البلدان الطرفية ).
الباحثة العراقية فاطمة المحسن من كتابها( تمثلات الحداثة في ثقافة العراق ) – ط 1 – 2015 – الناشر: الجمل – بغداد – بيروت .
(2 ) :نشات حركة التمدين والحداثة في العراق بعد تاسيس الدولة العراقيةعام 1921 وظهور المدارس والجامعات ومؤسسات الدولة , وعودة الطلاب من اوربا وتاثرهم بالبيئة الغربية محاولين تطبيق افكارهم الجديدة . وكان عقدي الاربعينات والخمسينات في العراق قد شهدا نضوج مشروع الدولة العراقية .
( 3 ): ظاهرة حسون الامريكي
وهي ظاهرة شعبية عراقية حاولت تقليد السينما الامريكية وتطبيق الحداثة الشكلانية في الملبس والتصرفات الشخصية والحركة بعد انتشار التلفزيون في العراق في ستينات الفرن الماضي .
حسون الامريكي كما تقول عنه فاطمة المحسن كان نتاجا لتاثيرات هوليوود في حياة المدمنين على السينما في العراق :
(فهو يتجول في شوارع بغداد الرئيسة مرتديا قبعة كاوبوي وملابس لافتة وربطات عنق ملونة وقمصان غرائبية وجواريب مخططة , ويرطن ببعض الجمل الانكليزية .انه( الداندي )الجديد الذي يعلن عن حداثة المدينة على نحو لايخلو من التصنع , ولكنه يحمل علامة على فسحة من الاسترخاء السياسي والاجتماعي ).
وهو يشبه في بعض ملامحه المغني المصري الشعبي شعبان عبد الرحيم (شعبولا ).لقد ظهر حسون الامريكي بمظهره الغرائبي في نهاية الخمسينات , بحسب احد التقارير الامنية ,واستمر في الستينات ,( حيث كان يقود كلبه كل يوم تقريبا ,او يركب دراجة السباق , ويسير في الشوارع ويتبعه الناس , او يقفون لمتابعته ويطلقون التعليقات .
انه مزيج من الكوميديا والاعلان عن ملل من التقاليد . فهو لم يكن منعزلا او مغتربا عن متابعيه , بل يدمن رؤيتهم كل يوم , ويصبر على تعليقاتهم القاسية وفجاجتهم , دون ان يشتبك معهم في معركة او نقاش ).
وهو شاب بغدادي من عائلة فقيرة تسكن الصليخ . واسمه الكامل حسون كاظم عيسى العبيدي , ويشتغل ممرضا في مستشفى .وكان يرتدي الجينز القصير الذي يظهر ساقيه مع جوارب ملونة ويضع قبعة على راسه , ويعلق كاميرا على صدره ,ويقود كلبا عند التنزه في الشوارع . وهو لايؤمن بدين او عقيدة ولكنه لايشرب المسكرات او يتعاطى المخدرات .
وبحسب فاطمة المحسن كان يمثل الحلم الهوليوودي بالحرية , لكنها حرية مشروطة بالتواطؤ مع الناس , وبقانون الفرجة المجاني . في نهاية الستينات استضافه تلفزيون بغداد , وبدا بوادعته ووده كانه يؤدي دورا في مسرحية تقع بين الحقيقة والخيال .ثم اشترك في تمثيلية تلفزيونية كان هو بطلها الحقيقي .لقد عشق دور الامريكي كنموذج على فكرة الفرادة والتميز , فهو يخلق بدعة الملابس والتصرفات الغرائبية دون ان يفكر في تعميمها .
(4 ): ظاهرة الهام المدفعي وراقصات الغجر
على عكس حسون الامريكي , ظهر وفي الجاز العراقي الهام المدفعي سليل العائلة الثرية من بقايا السلطة الملكية , واخ اثنان من كبار المعماريين في العراق وهما : قحطان المدفعي وهشام المدفعي .وكان الهام المدفعي ظاهرة ملفتة للانظار في ستينات وسبعينات القرن الماضي .حيث كان يرطن بالعربية بلكنة انكليزية .درس الهندسة في اوربا ولكنه عاد الى العراق مغنيا من طراز خاص , حيث يمتزج الجاز والموسيقى الغربية بالتراث الموسيقي العراقي الاصيل .وبعد الانقلاب الثاني للبعث في عام 1968قام التلفزيون العراقي بتعميم ظاهرة غناء ورقص الغجر ( الكاولية ) والتي اطلق عليها تعبير( بنات الريف)حيث كان قادة الانقلاب البعثي يحضرون حفلات الغجر والتي كان ينقلها التلفزيون مباشرة.
لقد كان كبار قادة الجيش وقادة البعث يقيمون حفلات غناء ورقص خاصة لهؤلاء الغجر في البساتين حيث يتناول الجميع المشروبات الكحولية ويتم غالبا تسجيل الحفلات بالفيديو ويتم نثر النقود الهائلة على اجساد الغجريات , ولعل من اشهرهن المطربة صبيحة ابراهيم والراقصة ملايين .والتي تحولت الى التمثيل لاحقا .
ان انتشار غناء ورقص الغجر على نطاق واسع يشير الى تراجع الثقافة العراقية وانتكاستها والى فجاجة فكر قادة البعث والانقلاب البعثي في العراق حيث لم يعرفوا سوى المتعة الحسية والجسدية فقط .
ظاهرة الميني جوب
ظهرت موضة تنورة الميني جوب في اوساط الطبقة الوسطى والعائلات الثرية في المدن ,خصوصا في بغداد , في ستينات وسبعينات القرن الماضي .كما لبست الميني جوب الفتيات الفقيرات القادمات من القرى الفلاحية حيث مارسن في بغداد اعمال الخدمة في المنازل وفي الفنادق , لكن كن يحرصن اشد الحرص على الظهور بارقى مظاهر التمدن والتحرر في الملبس وفي الماكياج , رغم انهن يسكن مع العائلة في غرفة واحدة ويعلقن ملابسهن على مسامير مثبتة على الحائط .
في كراس لدوائر الامن في بغداد والمعنون ( الغزو الثقافي للشباب وصراع الاجيال ) يقدم المؤلف نصائحه الى الجهات الامنية بتفتيش البضائع ومنع الملابس الغريبة وخاصة سراويل الجينز والقمصان الملونة وادوات الزينة كي لاتغوي الشباب .وجاء في التقرير:
(ان حالة حسون الامريكي التي ظهرت في بغداد لم يقتد بها او بحسون الامريكي اي شاب بغدادي او عراقي .
وقد وفد الى المجتمع العراقي اعصار اجتماعي جديد بعد رحيل دور حسون , تجسد ذلك الاعصار بظهور مودة ( الميني حوب )اي السيقان نصف العارية عند النساء , فضلا عن مودة البنطلون – الجارلس – عند الرجال , وشيوع رقصة ( الهيلاهوب ) آنذاك .
في ختام حركات الشباب العابرة الى العراق في الستينات وعلى انغام رقصة (الهيلا هوب )ظهرت في السبعينات مودة او بدعة (الخنافس)اي الشعر الطويل للرجال . كما ظهرت بهذه الفترة بدعة (الهيبيز )ذات الملابس القذرة التي اقتدى بها الجنسين .
اما بدعة الثمانينات فقد كانت بدعة ( البريكية). والبريكية اخذوا هذه التسمية من رقصة ( البريك دانس )التي يؤديهاالمطرب مايكل جاكسون ).
تقول فاطمة المحسن ان موضة الميني جوب هي التوقيت التزامني لثورة داخلية مع شيء يجري في الخارج , في العالم المحيط . مصمم الميني جوب اراد ان تكون المراة حرة , طليقة, رياضية , نشيطة على هواها .والظاهرة ظهرت في العراق على الاغلب عند الطبقة الوسطى . والهدف منها خلق اماكن رومانسية يرحل اليها الجيل الجديد بعيدا عن قباحات المكان الاصلي حيث الفقر والتخلف ولكنها تصبح جزء من الاغتراب الذي يستشعره الشباب والصبايا في المجتمع . انه اغتراب الحداثة.
رسخت الستينات تقاليد في الثقافة العراقية كما عبرت عنها فاطمة المحسن , تربط المثقفين وخاصة الشعراء بظاهرة الافراط في الشرب والسكر .فالشاعر يتحول الى صعلوك بسبب ادمانه للكحول وعيشه كشحاذ ونومه على الارصفة . ويميز بحرية نسبية تجنبه المراقبة السياسية وهو بوهيمي ووجودي ويشبه الهيبيز وكل الصفات التي يطمح اليها مثقف خاسر.
لذا كثر في الجيل الستيني هذا النوع من المدمنين على الخمور والمخدرات والحشيشة والهيرويين وغيرها من المخدرات .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟