|
قصة أمريكيين عادوا لفيتنام لغسل عار جرائمهم
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 5280 - 2016 / 9 / 9 - 21:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قصة امريكيين عادوا إلى فيتنام لغسل عار جرائمهم / رضي السمّاك
لعل اليابان وفيتنام هما أكثر بلدين في العالم أرتكبت فيهما الإمبريالية الأمريكية أبشع جرائم حرب وحشيةً وبشاعةً في عصرنا منذ أواخر الحرب العالمية الثانية ، ففي اليابان تم تجريب أول قنبلة نووية بالقائها على مدينة "هيروشيما " سنة 1945 عشية انتهاء الحرب لتصهر عشرات الألوف من سكان المدينة وعمرانها في دقائق معدودة . ولتتبعها بعد ثلاثة أيام بقنبلة ثانية على " ناجازاكي " . أما في فيتنام ، فقد كان من أبشع ما فعلته الامبريالية الامريكية قيامها برش مادة كيماوية حارقة من الجو على مساحات شاسعة من غاباتها الجميلة ومزارعها عُرفت بإسم " العامل البرتقالي " بهدف حت أوراق أشجارها لكشف ثوار "الفايتكونج " المختبئين في الغابات ، لكن هذا السلاح الكيماوي الرهيب لم تتضرر منه أشجار الغابات والمزارع والتربة والمياه فحسب ، بل طالت أضراره المهولة والقاتلة أعداداً هائلة من القرويين الفيتناميين الفقراء . وبالإضافة إلى " العامل البرتقالي " يعترف أحد المحاربين الاميركيين الذين شاركوا في الحرب على فيتنام ذاتها : " لقد أسقطنا أكثر من 8 مليارات رطل من القنابل على فيتنام بما بما يُعادل أربع مرات من القنابل التي أسقطناها خلال الحرب العالمية الثانية وبما يوازي 600 قنبلة من نوع القنبلة التي اُسقطناها على هيروشيما " . دع عنك مختلف الأسلحة الفتّاكة التي اخترعتها أميركا وجعلت من فيتنام ميدان تجارب حي فعلي لاختبار مفعولها الوحشي على الفيتناميين ، وكان من ضمنها كما هو معروف سلاح "النابالم " المحرّم دولياً ، أما الممارسات الإجرامية اليومية على أيدي قوات الاحتلال بحق هذا الشعب على أرضه فحدث ولاحرج ، فلعلها بحاجة إلى مسلسل طويل من الروايات والشهادات الموثقة التي لم يُسجل منها سوى القليل . ويُعد الفيلم الوثائقي الاميركي " شفاء قلب جندي " للمخرج ستيڤن أولسون من الافلام النادرة البالغة الأهمية لتوثيقه جوانب من جرائم الحرب البشعة التي شنتها الامبريالية الامريكية على الشعب الفيتنامي بغية كسر إرادته الجبٌارة في الدفاع عن وطنه وطرد المحتلين الغزاة . وتكمن أهمية الفيلم في ان عملية توثيق تلك الجرائم تُروىٰ هذه المرة على ألسنة مجموعة من المحاربين الاميركيين أنفسهم الذين ارتكبوا بعض تلك الجرائم بعد صحوة ضمير جاءت بعد معاناة طويلة من " إضطرابات مابعد الصدمة " ، فبعد مرور 37 عاماً على تكلل ملحمة كفاح الشعب الفيتنامي الاسطورية والمسلح بأسلحة بسيطة بالانتصار المؤزر على أقوى جيش في العالم مسلح بأحدث الأسلحة الفتّاكة حزم أفراد تلك المجموعة أمرهم وقرروا العودة إلى فيتنام مصطحبين معهم زوجاتهم لعلهم يغسلون عار ما ارتكبوه من جرائم من خلال زيارة بعض الأماكن التي كانت مسرحاً لها والالتقاء مع الناس البسطاء المتضررين وأهالي الضحايا ، وخلال رحلة العودة قدمو توسلات إلى الأهالي الذين التقوا بهم لقبول اعتذاراتهم وهم يبكون بحرقة وألم شديدين لدى استذكارهم عند مرورهم بكل بقعة تشهد على ما اقترفته أيديهم من جرائم بحق أهاليها أو بيئتها وعمرانها ، لكنهم وجدوا الناس الطيبون هناك ليسوا بحاجة لتلك التوسلات فقد تقبلوا اعتذاراتهم بكل بساطة ، رغم كل ما عانوه طويلًا من المحنة والعذابات التي انزلتها قوات الاحتلال الامريكي المتغطرسة بحق شعبهم الطيّب الفقير ، بل مازالت بقايا آثارها ممتدة إلى يومنا . يسأل " بوب " أحد المحاربين ، وهو اكثر أعضاء المجموعة التي عادت إلى فيتنام تأثراً ومعاناةً من "إضطرابات ما بعد الصدمة " حيث بكى في غير مكان بكىٰ فيها بكاءً مريراً حارقاً تخللته صرخات هستيرية مزقت سكون الفضاء صدرت من أعماق روحه بلا وعي ، يسأل المقاتل الفيتنامي المُسن " تايجر " والذي شارك في النضال ضد ثلاثة احتلالات أجنبية متعاقبة لبلاده ، الياباني والفرنسي والاميركي ، ماذا بوسعه ليتطهر من آثام الجرائم التي اقترفها بحق الفيتناميين ويشفى من عذاب الضمير المُزمن الذي يمزقه مُغبطاً في نفس الوقت المناضلين الفيتناميين الذين لم يعانوا تلك الإضطرابات، فيرد عليه المناضل الفيتنامي المُسن : " ان معاناتك سببها انك حاربت خارج وطنك بلا قضية نبيلة " ، و في مكان آخر يذّكره أحد الفيتناميين البسطاء بمبدأ السببية ، والتي تعنى لدى البوذيين انك إذا ارتكبت بحق شخص ما اساءة وشعرت بالندم من ذلك فعليك أن تصلي من أجل نفسك بنية صافية وتفتح قلبك لمحبة الناس . ولطالما قصفت قوات الاحتلال الامريكي مناطق وقرى فيما كانوا أهاليها يؤدون صلاواتهم في المعابد . وفي منطقة ثالثةيحاول فيتنامي ثالث ان يخفّف عنه من روع صدمة الندم والاحساس بالخُزي والعار لما ارتكبه من جرائم الحرب في المكان ، فيقول له : " المجرمون الحقيقيون لستم انتم الجنود المنفذين بل قادتكم السياسيون الاميركيون أصحاب صنع قرار احتلال وطننا " . وكانت أقل جريمة ارتكبها بوب وعدد من رفاقه بحق الفيتناميين ممارستهم التسلية اليومية بقتل "أعداد لا تحصى " ، حسب تعبيره ، من جواميس الفلاحين حينما كانوا على إحدى السفن الحربية التي كانوا يستقلونها . مقدماً اعتذاره للفلاحين الذين تضرروا من تلك الجريمة فيماأنامله تداعب رؤوس قطيع من الجواميس في إحدى زرائبها بإحدى القرى وهو يستذكر تلك الجريمة بتأثر بالغ وكأنها للتو وقعت. وإذ تكللت رحلة هؤلاء المحاربين الاميركيين إلى فيتنام بالنجاح ، وحيث عادوا إلى بلادهم منها شبه متعافين وسرعان ما شُفيوا من "اضطرابات ما بعد الصدمة " ، وتمكنوا من ان يبنخرطوا في حياة طبيعية جديدة لتمضية بقية أعمارهم بعد الدروس والعِبر التي استخلصوها من تلك التجربة المريرة التي ورطتهم فيها حكومة بلادهم ، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ، متى نسمع دولة من الدول العربية ، وبخاصة الأكثر دكتاتوريةً ، بتجارب لضباط تحقيق وجلادين عانوا من "اضطرابات ما بعد الصدمة " وحاولوا كالاميركيين أن يتطهروا من آثامهم بجرائمهم الوحشية ضد السجناء المعذبين ؟ ومتى نسمع بزيارة إلى مجموعة من جنود وضباط الجيش الامريكي ممن ارتكبوا جرائم حرب بحق ابناء الشعب العراقي خلال فترة الاحتلال ( 2003 - 2011 ) يقررون العودة للعراق بغية تطهير آثامهم ؟ ولا غرو في ذلك فلم يُحدّثنا التاريخ قط إن صنّاع قرارات شن الحروب الظالمة وما يتخللها من جرائم حرب بشعة قد عانوا من اضطرابات مابعد الصدمة ، أو اعتذروا للبلدان التي شُنت عليها تلك الحروب أو تعرضت لاحتلالاتهم ، دع عنك اقرارهم بحقها في التعويضات المادية والمعنوية . وكذلك الحال في الغالب بالنسبة إلى الجلادين في أقبية مختلف سجون الأنظمة الفاشية والدكتاتورية ؟
#رضي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معوّقات تطور العلمانية في تركيا
-
الطبقات الفقيرة حينما تُسمم بالوعي الطائفي
-
التمييز العنصري وصناعة الفقر
-
يوم الأرض ودور الشيوعيين في نضالات عرب 48
-
التعذيب في «السي آي أيه» للتحقيق الجاد أم للانتقام؟
-
نحو تأبين يليق بمقام عبدالله خليفة
-
-وطار- المثقف الذي أحب كل فئات شعبه
-
مناقشة هادئة في المسألة التخريبية
-
هل بمقدور أوباما اجتثاث العنصرية في بلاده؟
-
ساحة محمود درويش في باريس
-
الرأسمالية تتعرى في مياه خليج المكسيك
-
أسطول الحرية والأشكال النضالية المغيّبة
-
التلوث بين خليج المكسيك وخليجنا
-
والذين يزدرون حضارتهم
-
دروس أسطول الحرية (2-2)
-
دروس أسطول الحرية (1-2)
-
جياع العالم.. والمقتدرون المقترون (2-2)
-
حال أول بلد اشتراكي في العالم اليوم (1)
-
التعددية في الأسرة الواحدة.. عبدالقدوس نموذجا
-
مغزى الاحتفال الروسي بالانتصار على النازية (1)
المزيد.....
-
رغم الحذر السائد قبيل قرار ترامب مؤشر أسهم أوروبا يقفز لمستو
...
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|