|
المهجور
السيد عبد الله سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5277 - 2016 / 9 / 6 - 15:15
المحور:
الادب والفن
المهجور
(1) بَيْتٌ خَلْفَ الشَّوَارِعِ المَلِيْئةِ بالدخانِ وَ المْطْلِيَّةِ بالإسفلت قَدْ غَفَا بَيْنَ أَوْرَاقٍ صفْرَاء لا يَطْلُبُهَا إِلا عَجُوزٌ قَد فَارَقَ السَّبْعِيْنَ وخَلْفَ نَافذةِ البيْتِ لا زَال الفَأرُ المحبُوسُ يُحاولُ أَنْ يَقْرضَ الخَيْطَ المَشْدُودَ مِنْ أعلى الحائطِ حتى الوَرْدة التي نسَاهَا صَاحبُ البيتِ من كَذَا ألف عامٍ فَانْدَلَقتْ مِن بين أسنانهِ حَبَّاتٌ من عنبٍ قدْ عَطَنَ وحَبَّاتٌ من زبرجدٍ غَدتْ كَلَيْمُونةٍ صفراء بلا طعمٍ وَأمام المرآةِ المهجورةِ فِي البيْتِ المهجُورِ بِنتٌ تَمْسَحُ عَنْ شَفَتَيْهَا عَبِيْرَ التُّوتِ وَتَشد عَلَى الخِصْرِ فُسْتَانًا قُرْمُزِيًّا كَقلْبِ البُسْتَانِي.
(2) الشَّجَرَةُ فِي آخرِ اللَّيْلِ البَعِيْدِ قَدْ أَلْقَتْ أَورَاقهَا فوق نَافذةِ الحَيَاةِ واسْتَلْقَتْ كَظلٍّ بِلا مَأْوَى يَشْرَبُ الطَّمْيَ مِنْ عَكَارةِ الوَادِي هَكذَا كُنَّا أَنْتِ وأَنَا والرِّيْحُ وعصَافيرُ الجنَّةِ تحت الشَّجَرَةِ نَكْتُبُ أشْعَارًا لَنْ يَفْهمهَا النَّاسُ ولا الشعراءُ عِنْد نِهَايةِ الكلماتِ نَضَعُ فاصلةً أو علامةَ اسْتِفْهامٍ فَلِمَاذَا تلك الشجرةْ؟ لازَالتْ فِي وحدتهَا تَمْضُغُ تَبْغَ اللَّذةِ وَتُواصلُ دُونَ الأَوْرَاقِ تَبْدِيْلَ ثاني أوكسيد الكربونِ؟ ولِمَاذَا حِيْنَ وَضَعْتُ اسمَ المولودةِ فوق الجِذْعِ؟ مَالتْ نَحْوِي وتغنَّتْ بِقَصِيْدٍ مَشْقُوقٍ عند الفَرْجِ.
(3) نَهْرٌ قَدْ أَفْرَغَ مَاءَهُ فِي جوْفِ المَاعزِ وتَمَطَّى إذْ ظَنَّ أَنَّ الواجِبَ نَحْوَ بَنَاتِ اللَّيْلِ أَنْ يَضَعَ تحت وِسَادتِهنَّ كَأْسًا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ واسْتَلْقَى فوق العُشْبِ الأخْضرِ جَنْبَ سريرِ امْرأةٍ مَا زَالتْ لحظةَ مِيْلادِ الطِّفْلِ تَسْكُبُ زَيْتًا فِي قِنْدِيْلِ البيْتِ كَي يَجْمَعَ رَجُلٌ مِنْ زيْتُونِ الغَابةِ أَوْرَاقَ الكِتَّانِ كَيْ يَسْتُرَ كُلَّ بَنَاتِ اللَّيْلِ وأَنْتَ خَلْفَ المَاعِزِ تَسْتَتِرُ تَبْصُقُ فوق الأرضِ أَطْفَلاً زُرق اللَّوْنِ وَتُغَادِرُ أَرْضَ اللهِ نحو فضاءِ الكوْنِ تَبْحَثُ عَنْ نَهْرٍ تَنْزِلُهُ فِي العَامِ يَوْمَيْنِ.
(4) كِتَابٌ فِي فِقْهِ الوَرْدةِ والعِشْقِ كَانَ بَيْنَ رُفُوفِ المَكْتَبَةِ كَحَبَّةِ عقدٍ وَقَعتْ فوقَ الزَّلَطِ فِي شمسِ الصَّيْفِ لا العينُ تَرَاهُ ولا قلبٌ قدْ ولاّهُ على العرشِ فَالْتَفَتَ نحوَ الجَالسِ خلف المنضدةِ كَسَرَابٍ بَرِّيٍّ، أَغْلَقَ مِنْخَارَ البَهْجةِ وتَوَسَّدَ غِوَايَتِهِ فَمَا مَالتْ رَأْسُ الجالسِ نَحْوَ البَحْرِ ولا عَدَّلَ نَظَّارتهُ فوق جبِيْنِ اللَّيْلِ بَلْ ظَلَّ فِي تَابُوتِ المَوْتَى مَصْقُولاً بالرَّهْبةِ والعُنْفِ ونِسَاءٌ فِي ثِيَابِ السَّهْرةِ يَغْسِلْنَ وَجْهَ الطِّفْلَةِ بِالقَرْمِيْدِ وَيَكْتُبْنَ فَوقَ كِتَابٍ فِي فقْهِ الوردةِ والعِشْقِ ممْنُوع اللَّمْسِ ممْنُوع اللَّمْسِ.
(5) وَرْدةٌ كَانتْ فِي زُرْقتِهَا تَنْكُشُ أَرْضَ الشَّارِعِ فِي مَرَحٍ وَتُبَعْثِرُ كُلَّ تُرَابِ النَّعْشِ فوق كُفُوفِ المَّارةِ مِنْ فَتَيَاتِ الحيِّ وتُخَبِّأُ تحت السُتْيَانِ أَشْوَاكًا مِنْ جلدِ القُنفُذِ كَيْ تَجْرَحَ شَحَاذَ الحيِّ لَوْ مَرَّ وَحِيْدًا بينَ النَّهْدِ ورصِيْفِ البَيْتِ.
(6) سَاقِيَةٌ عَبَّتْ مِنْ عِطْرِ الجِنِّ أَرْطَالاً وتَمَلَّتْ فِي الوَاقِفِ وسطَ الحَقْلِ يَهْمِسُ لِلطَّيْرِ ويَحِلُّ أَحَاجِيَ بنتٍ مِن عسلِ النَّحْلِ فَخَلَّتْ سَرْسُوبَ الماءِ يَمُرُّ فِي شُرْيَانِ الأَرْضِ سَيْلاً مِن قيحٍ وزَنَابير فَتَعَلَّقَ بالنَّافِ أُسْطُولٌ مِنْ شَغَفِ الغزْلانِ وغَرَامِ المَجْذُومِيْنَ عَلَى التَّلِّ فَكَأَنَّ الرِّيْح إِذْ جَاءَتْ مِنْ رِئَةِ الجِنِّ قَدْ طَالَتْ صَدْرَ المَحْبُوسَةِ فِي البِئْرِ فَتَأَوَّهَ ذَاكَ الوَاقِفُ فِي حقلِ الرَّمْلِ وتَمَنَّى لَوْ أَحْصَى مَا كَانَ بَعِيْدًا لَوْ أَفْرَغَ مَا عَبَّتْهُ سَاقِيَةٌ مِنْ عِطْرِ الجِنِّ.
(7) عُشُّ العَصْفُورةِ عُودٌ مِنْ قَشٍّ لَوْ شَمَّ تُرَابَ العَاصِفَةِ تَصَدَّعَ وَانْسَابَ عَلَى الجِسْرِ كَبُرْكَانٍ أَزَفَتْ لَحْظَتُهُ فَتَثَاءَبَ فَانْهَدَلَ الجِسْرُ وَتَوَرَّمَ سَاقُ الشُّرْطِيِّ حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يَقْفِزَ فوقَ المَوْجِ وَيَزمَّ مَاءًا تَحْتَ القَنْطَرَةِ تِلْكَ مَآثِرُ خَصَّصَهَا الفَاتِحُ لِلوَالِي فَتَخَاصَرْنَا فِي رَقْصَةِ عِيْدِ المِيْلادِ وَتَنَاغَمْنَا كَثَعَابِيْنِ البحْرِ تَرْكُضُ بين طَحَالِبِ شَطِّ قد أغفى وَحِيْدًا مهْجُورًا كَزَمَانِي.
(8) بُنْدُقَةٌ طَقَّتْ فِي لحْظَةِ عُرْيٍّ وَتَمَنَّتْ صَيْفًا غَيْرَ الصَّيْفِ فَأَتَاهَا السَّيْفُ كَبَطَّةِ جَدِّي عَلَى اسْتحْيَاءٍ تَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيْصِي وَتَكُبُّ المَاءَ البَارِدَ فِي عِبِّي فَاُطَقْطِقُ كَنَعَامٍ مَازَالَ خَلْفَ حَظِيْرةِ جدِّي يَنْكُشُ أَرْضَ الجُرْنِ كَيْ يَعْرَفَ طَعْمَ الحَبِّ طَعْمَ الحُبِّ.
(9) مَهْجُورٌ ثَدْيُكِ يَا امْرَأَةً حَامَتْ حَوْلَ حِمَايَ وَانْتَهَزَتْ فِي لِيْلِ الصَّبْوةِ صَفْوِي وَتَعَرَّتْ خَلْفَ الرَّبْوةِ لِلرِّيْحِ تَغْسِلُ تَارِيْخَ خِيَانَتِها وَتَمُوءُ كَالقططِ الهَرْبَانةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِذْ أَنَّ الوَقْتَ المَطْلُوبَ لِقَضَاءِ إِجَازةِ عيدِ الفِطْرِ قَدْ أَلْغَتْهُ الأَنْبَاءُ المُوغِلَةُ فِي السُّوءِ فَتَرَبَّصْنَا أَنْبَاءَ الفُلِّ وَتَنَاسَيْنَا أَبْنَاءَ العمِّ فَالرِّيْحُ بَهَاءُ المَجْنُونةِ واللَّيْلُ يَرُدُّ الهَيْمَانَةَ لِلْهَيِمَانِ.
(10) وَتَرٌ فِي العُودِ مَهْجُورٌ مِنْ زَمَنِ الغِيْدِ فَتَدَلَّى فَوقَ المقْصلَةِ كَخَيَالِ الظلِّ هَلْ وَتَرُ العِشْقِ؟ فَسَألْتُ العَوَّادَ عَنْ عُمْرِ الوَرْدِ وَبَقَاءِ الحَرْفِ على الشَّفَةِ المَضْمُومةِ لا يتَقَدَّمْ لا يَتَأَخرْ يَبْقَى مَهْزُومًا بَينَ اللَّثَةِ ولِسَانِ البِنْتِ هَلْ وَتَرُ الوَطَنِ؟ فَسَأَلْتُ اللهَ هَلْ شَرَفُ الوَطَنِ كَعُودِ الكَبْرِيْتِ.
(11) فِي المَشْفَى قِسْمُ العَزْلِ مَهْجُورٌ وَبَنَاتٌ فِي الزى الأبيض يَأْكُلْنَ طَبَقَ الفُولِ وَيُبَاغِتْنَ حَكَةَ جِلْدِي بِأَنَامِلَ كَالسَّكِيْنِ وخَلْفَ سِتَارِ الكَشْفِ طِفْلٌ مَهْزُومٌ بالفَيْرُوسِ قَدْ شَدَّ حِزَامَ الجُوعِ فَتَوَضَّأَ قَلْبُ العصْفُورةِ بالنُّورِ وَتَسَرْبَلَ فوق ملاءةِ كَبِدِي صَوْتُ الأَنَّاتِ وحَشْرَجَةٌ كالضُّفْدَعِ فِي صُبْحِ الأَعْشَى فَكَتَبْتُ عَلَى الدَّفْتَرِ مَهْزُومٌ بُرْعُمُ أزْهَارِي وكَتَبْتُ عَلَى الدَّفْتَرِ اسمي سَاعةَ مِيلادي ساعةَ موتِ القندِيْلِ عَلَى الشُّرْفةِ وَرِثَائِي.
(12) فِي آخرِ فَصْلِي كُنْتَ وَجِيْهًا كَعَبِيْرِ النَّبْقِ تَحْفُرُ فِي خَشَبِ الدُّرْجِ بِسْنِ البَرْجَلِ حَرْفَ الشِيْنِ والبِنْتُ عَلَى السُّبَّورةِ تَغْمِزُ لِي وتُغَازِلُ جَمَالَ الحَرْفِ وتَحْزَنُ حِيْنَ تفاجئها للمرِّةِ الأولى أَعْرَاضُ أُنُوثَتِها على سلالِم مدرستِي فانزوت جنب السُّورِ تَبْحثُ عن دارٍ تَخْفِي فِيها وَرْطَتَهَا فِي آخرِ شَارِعِنا كُنْتَ وَحِيْدًا كبَاقةِ ياسمينٍ وشريْدًا كَطَلْعَةِ بَدْرٍ تَسْكُبُ مَاءَ شَبَابكِ فوق مَرَايا السَّحْرِ لا تحْكِي كُلَّ تفَاصِيلِ الشَّمْسِ وتَحْمِلُ تحت الإبطِ أعْشَابًا لِلحُورِ وفوق الجذعِ تَحْفُرُ حَرْفَ الشِّيْنِ والبِنُتُ قَدْ بَالتْ فِي جذْعِ النَّخْلةِ كَي يَنْبُتَ أَلْفُ رَبِيعٍ في البَيْتِ وَتَمَادَتْ فِي الغِيِّ فَرَمَاهَا صَيّادُ البِكْرِ بالخَاتمِ وكَلامِ الشَّيْخِ فِي آخِرِ مَشْفَايَ كُنْتَ بَلِيْدًا كَالشَّجَرِ المَحْرُوقِ عَلَى الأَرْضِ والكَبْدُ المُتَلَيِّفُ قد ملأَ خلاياكَ بالماءِ وكُنْتَ تُطَاردُني تَسْألُنِي عَنْ أمَلٍ فَأُفتشُ فِي قائمة السوفَالدي عن حرف الشينِ كُنتَ فِي آخر سطرٍ وعلى الحرفِ دوائرُ سودُ والبنْتُ خَلْفَ سِتَارِ الكشْفِ تَعْزَفُ أَزْمَةَ رَبوٍ وَتَنُوحُ عند البوَّابةِ كُنّا ثلاثتُنَا نَشْرَحُ فَيْضَ الغُرْبةِ نَنْظُرُ نَحْوَ المشْرَحةِ وَنَرُوْحُ.
#السيد_عبد_الله_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دقت الأوتار
-
يا أم - شعر
-
الوردة والسلطان
-
أشياء على الهامش - قصة قصيرة
-
اليوم عشب
-
سقتني الوصل - شعر
-
فركت سنبلة القمح - شعر
-
يوم أن مات أبي
-
سبع ليال
-
أقنعة الأشباح في آخر الممر
-
تلك قصيدة ماريانا
-
ناحت اليمامات
-
الحرف مشكاة
-
وحدنا كنا
-
حدثتني بالذي كانت
-
هون عليك
-
تخدير
-
فرَّتْ أرقامُ الصفحاتِ
-
معجم الفروق اللغوية
-
سهل الطينة
المزيد.....
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|