|
متغيرات السياسة الحتمية في الحرب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5275 - 2016 / 9 / 4 - 14:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تؤكد العلوم السياسية , والوقائع التاريخية ، أن السياسة في الحرب تتغير .. وينبغي أن تتغير .. وتمارس بأشكال أخرى ، حسب متطلبات الحرب ، وبالمقابل إن الحرب هي أداة تحقيق الأهداف التي تصبو إليها السياسة . بيد أنه لابد من معرفة أية سياسة هي قيد النقاش الآن . هل هي السياسة الداخلية أم الخارجية .. الرسمية .. أم المعارضة ,وفي أية ظروف تجري ، في زمن السلم ، أم في زمن الحرب ، وأية حرب هي التي تفرض متطلباتها حتمية المتغيرات السياسية ، هل هي حرب تقليدية مع الجوار ، أم هي حرب دفاعية وطنية ، ضد غاز طامع في استباحة الوطن ونهب ثرواته واستعباد شعبه ؟ ..
في موضوعنا هذا ، لن نتجه إلى النظريات والمفاهيم الأكاديمية السياسية ، بل نتجه إلى ما هو أهم بالنسبة لنا ، تجنباً للجدل الورقي والعبثي ، نتجه إلى وقائع الحرب التي تجري في بلادنا ، وأثرها على السياسة ، وعلى المصير السياسي . وفي ظروف هذه الحرب يتقدم السؤال : ما هي السياسة الوطنية الناجعة المطلوبة .. لتتكامل مع الجهود الوطنية الميدانية ، ضد العدوان الأجنبي ؟ ..
لابد من التوقف بإمعان ، عند التمايز النوعي للحرب على سوريا ، وفي أي مضمار يضعها هذا التمايز ، بين الحروب في بلدان أخرى . كما لابد من التنويه ، إلى أن السياسة في سوريا ، كانت سياستان متنابذتان . سياسة من هم في الحكم .. وسياسة من هم خارج الحكم . وكانت في مراحل عدة ، صدامية ، عنيفة ، وقهرية .وحدثت خلالها محاولات انقلابية مسلحة ، من قبل أطراف معارضة ، للاستيلاء على الحكم ، أدت إلى نتائج شديدة السوء على البنية السياسية بعامة في البلاد . فيما قوى معارضة أخرى سلكت الأسلوب السياسي ، والمسار الديمقراطي .
عموماً يمكن القول ، أن السياسة المعارضة .. والسياسة بعامة في سوريا ، استقرت منذ ثلاثة عقود ونيف ، على التجاذب السياسي السلمي ، بين أطراف الطبقة السياسية ، داخل الحكم وخارجه . وفي نهاية هذه الحقبة السياسية ، لم يكن يبدو أن هناك حرباً بين السوريين قد تقع . وإنما كان هناك أفقاً لتفاهمات حول إجراء إصلاحات في البلاد ، لطي صفحات المراحل البائسة السابقة . ولم يكن هناك من خلاف بشأنها بين طرفي السياسة ، سوى حول ، أي إصلاح يشكل الأولوية بالأهمية .. الإصلاح السياسي .. أم الإداري .. أم الاقتصادي .
ولذلك يمكن الجزم ، أن الحرب ، بمحفزاتها ، ومفاعيلها ، وأهدافها ، لم تكن سورية . لقد قدمت من الخارج . وضخمت ، ووظفت عناصر التجاذب بين السوريين .. بين المعارضة ونظام الحكم . ولما توسعت الصدامات المسلحة .. وتحولت إلى حريق كبير .. وحرب . اتضح أكثر ، أن الحرب ، بالمطلق ، ليست سورية ـ سورية ، تخص السوريين وحدهم . وإنما هي حرب فرضت على سوريا ، من قبل قوى إقليمية ودولية ، لغايات استراتيجية ، وجغرافية ـ سياسية ، ونفطية وغازية . بدلالة أن الحرب خلال أشهر فقط ، توسعت ، وانتشرت في كل أرجاء البلاد بسرعة قياسية . وكشفت مصادر رفدها بالجماعات الإرهابية الدولية ، من نحو مئة دولة ، عبر الحدود التركية والأردنية ولبنان . وكشفت كذلك مصادر دعمها المالي والسياسي والإعلامي والمسلح . وارتفع منسوب هذا الدعم إلى المستوى الكوني . وقد تأتى عن ذلك سقوط مئات آلاف الضحايا السوريين ، وتشريد أكثر من ربع الشعب السوري ، وتدمير كارثي دموي قل نظيره في تاريخ الشعوب . ودخلت سوريا مرحلة التدويل .. وأصبحت كلمة القوى الدولية الكبرى ، في الشأن السوري ، والمصير السوري ، هي الكلمة العليا .
وهنا يمكن أن نضع الساسة السوريين أمام سؤال : ماذا فعلتم .. وتفعلون .. إزاء ما تعرضت وتتعرض له سوريا ؟ .. من أسف لم يلب كل الساسة السوريين استحقاقات مسؤولياتهم النوعية .. الوطنية .. والإنسانية .. والأخلاقية .. وظلوا متمسكين بحالة الانقسام والتناحر .
فمن جهة أن أهل الحكم يتحملون مسؤولية عدم اتخاذ ، المبادرة المرنة ، والقرار المسؤول ، في إجراء التغيير المطلوب في أسلوب الحكم ، وفي التقاطع مع الآخر ، في عدد من المطالب المعلقة سنوات طويل ، ومن جهة أخرى إن معظم المعارضين ، يتعاون ، بشكل أو آخر ، مع أعداء البلاد ، في مختلف المجالات ، بما فيها العدوان المسلح على الوطن ، ويتحملون المسؤولية الأسوأ والأخطر بما لا يقاس .
وفي ذروة الحرب ، كانت هناك مجموعات معارضة تطالب ، تكراراً لطلبات الدول المعادية ، رأس الحكم ، وهو في الوقت ذاته ، القائد الأعلى للجيش الذي يتصدى للعدوان ، بالتنحي . وهناك مجموعات أخرى ، تصر على حل سياسي يؤدي إلى إسقاط النظام ، وزعزعة الدولة . وهناك مجموعات أخرى تراهن على تراجع الجيش الميداني ، لتربح أوراقاً جديدة عند تقاسم السلطة . وهنا يكمن أحد مصادر ضعف القدرات السورية في مواجهة العدوان .
وهنا نقول ، ليس من باب الإحراج ، أو المزاودة ، أن المعارضة السورية ، لم تقم بواجبها الوطني المطلوب منها ، وتابعت حضورها إزاء مجريات الحرب ، في خندق الخصومة العتيقة فكراً .. وأفقاً . وفي أحسن الأحوال ، اعتمدت الجري نحو حل سياسي لا تملك أوراقه الرابحة ، الضامنة لوقف الحرب .. والأمان .. والأهداف الوطنية والشعبية . ليس في تجارب الشعوب الحية تجربة مؤلمة مثل التجربة السورية ، التي ’سخرت فيها الخصومات ، بين أطراف الطبقة السياسية ، تحت قصف العدو المدمر القاتل . بل والبعض يقاتل في صفوف العدو .. ويسميها " ثورة " . إن السياسة كنمط عقلاني في إدارة شؤون البلاد ، ومؤسسات الدولة ، وأداة ناظمة بناءة في حركة المجتمع ، في الحاضر والمستقبل في زمن السلم ، تنتقل في ظروف الحرب الوطنية ، إلى ممارسة مهام نوعية جديدة .. تتكامل مع آليات الحرب .. تبدأ بوحدة صفوفها .. لتوفر حشد القوى الوطنية ، وتأمين مؤسسات الدولة ، الدفاعية ، والخدمية .. ودعم الجبهة النفسية والأخلاقية .
إن سوريا في حربها الراهنة ضد الإرهاب الدولي ، تصنع ملحمة جديدة في تاريخها العسكري . وتصنع وطناً جديداً بقدراته وآفاقه . وتصنع نمطاً جديداً للسياسة الوطنية . . من خلال فهم مضامين وأهداف العدوان ، وكيفية التصدي له . وتصنع طبقة سياسية جديدة ، سوف تتجاوز " ديناصورات " .. و" ذئاب " المعارضات الفاشلة ، الذين رهنوا أمجادهم السياسية الشخصية بسقوط الوطن . وتصنع أيضاً إضافة في تعريف مفهوم السياسة . ربما هي : الحرب ليست ممارسة للسياسة بأشكال أخرى ، وإنما هي أيضاً ، حين تطول وتستفحل تصنع السياسة .. وتصبح السياسة ممارسة للحرب بأشكال أخرى .
بمعنى ، أنه من الوهم انتظار نتائج تحركات ما تبقى من السياسة في غمرة الحرب ، للحصول على لم يستطع الحصول عليه في الحرب ، بالفصاحة السياسية ، التي فقدت صلاحيتها منذ أن بدأت الحرب . ففي الحرب تتحد آليات السياسة وآليات الحرب ، لتحقيق هدف مشترك واحد ،، هو سياسي وعسكري في آن .. وهو انتصار الوطن .
إن هذه المعارضة أو تلك .. إن لم تكن بهذا الشكل أو ذاك ، في خط النار دفاعاً عن الوطن ..فإنها لن تكون في خط السياسة والاحترام الوطني .. اليوم وغداً .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا واللعبة الدولية المتجددة
-
سوريا بين لعبة دولية انتهت وأخرى قادمة
-
رمز طائفي قاتل لهجوم إرهابي فاشل
-
آن أوان تجديد رؤى القوى الوطنية
-
حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم
-
افتضاح الهوى الإسرائيلي القاتل عند آل سعود
-
- بواية النبي - المجهول
-
ما بعد المعارضة
-
من أجل عالم بلا إرهاب
-
العيد في الحرب .. تحد وكرامة
-
الرفيق ..
-
حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
-
الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
-
الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
-
جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية
-
ما بين حزيران 67 .. وحزيران 2016
-
حين يستعيد الشعب دوره
-
المعارضات الزاحفة إلى الرياض .. ماذا بعد ؟
-
المحاصرون
-
الحل السياسي سؤال ملتبس بين الداخل والخارج
المزيد.....
-
بايدن يوضح سبب -تردده- بشأن اتخاذ قرار الانسحاب من السباق ال
...
-
ماهو جهاز الحرس الرئاسي -الخدمة السرية- الذي حاول أفراده حما
...
-
مقتل 6 أشخاص في الاحتجاجات على نظام حصص في الوظائف الحكومية
...
-
مصدران عسكريان: طائرتان مسيرتان تستهدفان قاعدة عين الأسد الج
...
-
الخارجية الأمريكية لـ-رووداو-: لا نؤيد تطبيع العلاقات بين سو
...
-
-فوربس-: روسيا الأولى عالميا بعدد الأنظمة المدفعية
-
بعد محاولة اغتيال ترامب.. بايدن يدعو لحظر الأسلحة النارية ال
...
-
ترامب يتوعد الاتحاد الأوروبي والصين في حالة وصوله إلى البيت
...
-
نظام غذائي يساعد على تحسين نوعية النوم
-
مسقط.. انتهاء إجراءات التعامل مع حادثة إطلاق النار في الوادي
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|