|
ما الإسلام؟
لحسن الحميدي
الحوار المتمدن-العدد: 5267 - 2016 / 8 / 27 - 01:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد يكون هذا السؤال مستفزا،وما قيمة السؤال إن لم يكن كذلك.سيكون علينا مواجهة أسئلة من هذا القبيل، لأن السياق الذي نعيشه اليوم بصدد التأسيس لمرحلة جديدة سيعرفها العالم الإسلامي والعربي، والتأسيس عملية تحتاج لكثير من التوافق على مسألة الهوية بما هي جهاز مفاهيمي يشكل الدين إحدى أهم تفصيلاته. السؤال اليوم مهم ومهيمن على الشأن العام، خاصة مع الجيل الجديد من ممثلي الدين أو الإسلاميون الجدد والذين يقدمون دلالة للدين والتدين أو للإسلام والإسلام السياسي بنفس جديد...هذه الدلالة الجديدة يتم تلقفها بشغف ما في كل بنى المجتمع ولدى العقل العربي الإسلامي من طرف البعض وبكثير من التوجس من طرف البعض الآخر.لكن في المقابل يستقبلها العقل الغربي بكثير من القلق والاستغراب.هل هناك ما يجعل التلقي يختلف لدلالة الإسلام؟ يعتبر الغرب أن الإسلام المسوق مخيف إلى درجة الحديث عن الإسلاموفوبيا وجزء منه يفضل الحديث عن صدام الحضارات.فأن تكون مسلما هو أن تتحول إلى كائن مخيف أو كائن عدواني لا يقبل الاختلاف.خيط ناظم يمر عبر تمثلات الغرب حول الإسلام هو فكرة التخلّص. والإسلام لدينا هو الحل لكل الآفات الاجتماعية والاقتصادية بل إنه الحل لسقوط المطر وفوز المنتخب الوطني،ومحاربة الفساد والاستبداد.وخيط ناظم يجمع هذه التمثلات عندنا هو فكرة الخلاص. الإسلام بين التخلّص والخلاص،بين النسقين الغربي من جهة والشرقي من جهة أخرى، هو هاجس حاضر في السياسة الدولية ومؤثر في طبيعة التحالفات الجيوسياسية...يصعب إنكار ذلك بنفس الدرجة التي يصعب معها القول أن هناك فهم أو دلالة واحدة للإسلام لدى جميع الأطراف.من هنا تظهر الحاجة للحفر في مفهوم الإسلام بما هو معطى أكسيولوجي نظري وبما هو معطى وظيفي عملي. يبدو أن تناول هذا السؤال ينبغي تأطيره بثلاث ملاحظات: أولا:ارتباك الغرب لا يمكن تناول هذا السؤال خارج سياقه الجيوسياسي والاقتصادي الذي يعرفه العالم اليوم.فالعولمة والنيوليبيرالية فرضت على الغرب المتعطش للحفاظ على مصالحه بكل الوسائل، أن يجاور المسلمين ويفصل بين خطّين في عمله. فهو من جهة في حاجة للموارد الطاقية، وفي نفس الوقت يرفض كل النسق الفكري الذاتي للشرق ويعتبره مهددا لهذه المصالح. هذا ما يفسر مثلا بعض المظاهر الغريبة التي رافقت توقيع الاتفاقيات الاقتصادية بين إيران وفرنسا حيث يقف "فرنسوا هولاند" إلى جانب روحاني، وأمامهما وزيرة إيرانية محجبة توقع اتفاقا مع وزير فرنسي يأخذ حذره الشديد، مذكرا نفسه باستمرار بعدم مصافحتها. بدأت القوى العالمية تتجاوز الغطاء الأخلاقي والقيمي لتدخلها في الشرق من أجل تحقيق أكبر قدر من النفع، بغض النظر عن مبادئ الحداثة التي عادة ما يتأبطها الغربي وهو يشد الرحال إلى الشرق ليذكره بتخلفه. في مقابل ذلك فإن البنية الذاتية الإسلامية ترفض التفكك وهي لا تفصل -بقوة الضرورة- بين الإسلام والإسلام السياسي.إن سوء الفهم هذا هو ما يجعل التوتر قائما. ثانيا: الوصل بين الدين والتّدين ينبغي تناول سؤال الإسلام من خلال التناول الأكسيولوجي وليس المعياري وإلا حدنا عن التفكير في التفكير إلى التفكير في ما ينبغي التفكير فيه. سيظهر الدين هنا كمعطى أنطولوجي يهم البعد الأخلاقي في الإنسان، وهذه رؤية تم تكريسها مع فلاديمير يانكليفيتش" V.Jankélévitch في كتابه "مفارقة الأخلاق" حيث يعتبر أن الأخلاق مسألة متجذرة في الطبيعة الإنسانية ،وهذا ما قد يفسر فشل عمليات الفصل التي حاول التيار الحداثي القيام بها من الداخل بين الدين والدنيا... لكن هذا لا ينسينا أيضا، أن الفصل كان ردة فعل طبيعية لحجم المعاناة التي يعرفها العقل الإسلامي وهو بصدد مهمته ليؤسس رؤية عقلانية حول العالم.هذه الرؤية لم تنتبه أن هذا الفصل لا ينسجم مع المعطى الوجودي نفسه والذي لا يجد معنى حقيقيا إلا مع استحضار الآخر تماما كما نبه إلى ذلك "إيمانويل ليفيناس" E. Lévinas والذي يرى أن الأخلاق لا تتحدد كمعطى ذاتي بل أيضا كمعطى غيري. ثالثا: الدولة-العالم بديل للدولة-الأمة هناك توتر ما في كيفية النظر للمسألة الأخلاقية.فلدى العقل الغربي هي مسألة تتأسس على بعد ذاتي، مما لا يمكّنه من فهم ارتباط الدين مثلا عند المتأسلمين الجدد بمعاداة غير الإسلامي الغربي الغريب.في حين أن المعسكر المقابل يدرك الدين بوصفه تفاعل وانتزاع للاعتراف من طرف الغير، مما سيفسر كثيرا من التوتر الناجم عن اختلاف الرؤى. الفعل الديني عندنا هو فعل بالأساس يذهب في اتجاه الآخر،إنه فعل متخارج بطبعه لا يكتفي بنفسه. لماذا يذهب العقل الإسلامي إلى الغير لانتزاع هذا الاعتراف؟ الجواب قد يكون سريعا. إن ذاتنا هي ذات مهزوزة لا تعكس إلا الضعف على جميع المستويات. ضعف في الإنتاج المعرفي وغياب لتماسك المعنى وحالة من التعفن في بنى الدولة وغياب للحقوق الفردية الأساسية...فإذا كان الإسلام هو الحل هذا الشعار التاريخي للإسلام السياسي فلماذا فشلت كل المحاولات في هذا الاتجاه؟ كان يسوق للمسلمين أن النجاح قد يحدث فقط عندما نتجه لمواجهة قوى الاستكبار العالمي وجعل القدس قضية مركزية...هذه الشعارات تجعل الذهن العام متشبث بفكرة المطلق التي يمثلها الإسلام والخوارق التي يحققها المتأسلمون... بالعودة إلى سؤال ما لإسلام؟
الإسلام دين، والدين اعتقاد، والاعتقاد مخلص للنفس، لكنه في نفس الوقت تعاليم وتقديم لرؤية ما، هذه الرؤية تحتاج لوسيط بين المنزّل والتّنزيل، والنتيجة الحتمية التعدد في الإدراك والمعرفة والتأويل بل والتعارض أحيانا. أما الإسلامي أو تبني التصور الديني هو امتداد طبيعي للإسلام .هذا الوصل هو ضرورة للفهم ذلك أن الإسلامي هو شخص يجعل من الإسلام وسيلة لتحقيق الحاجة وتعبير عن وعي ذاتي، وعي تشكّل من خلال حالة الواحدية التي يعرفها العقل الإسلامي بالضرورة، مما يجعل التصور انعكاس لانحراف معين،يسعى صاحبه من أجل ترسيخه وفرضه على أنه الحل الوحيد.ويستدعي هذا الأمر الحاجة إلى التبرير.وله أن يستحضر ما يراه هو ملائما لما يعتقد أنه إسلاما ولو كانت وسيلته هي العنف. يتحول أحيانا الإسلام بهذا المعنى إلى إسلام عنيف وهو عنف مشروع بقوة المطلق .الكل في خدمة الله أو في خدمة القتل المقدس وهذا ما تقوم به الدولة الإسلامية في العراق والشام وقامت به قبل ذلك القاعدة... لكن هذا التصور هو تصور لا يتعالى عن السياق فهو متفاعل باستمرار مع التغيّرات وهذا السياق هو ما يجعل مهمة الفهم ممكنة. العنف الكبير هو انعكاس لبؤس كبير في بنية العقل الإسلامي أو بصيغة أخرى للإسلام السياسي ومحاولات تأسيس المدينة الإسلامية الطهرانية. إن استمرار المطلق داخل الوظيفي هو ما يجني من وراءه الإنسان المسلم الإحباطات.لهذا فالانتقال إلى تنسيب الفعل بما هو فعل إنساني معرض للخطأ، هو ما يجعل الفاعلين الجدد في العالم الإسلامي يفصلون بين الدين والتدين بين الإسلام والإسلام السياسي. بمعنى أنه كلما طرحنا السؤال التالي: هل يعني فشل الإسلام السياسي فشل للمنظومة الأخلاقية التي يمثلها الدين؟ سيكون الجواب دائما بالنفي. لكن إذا طرح السؤال : هل يعني فشل الإسلام السياسي فشل الرجالات التي تمثله؟ سيكون الجواب بالإيجاب
#لحسن_الحميدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعاقد الاجتماعي المغربي وفائض المعنى
-
الدولة في خدمة الدولة
المزيد.....
-
السعودية.. مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في تصادم 20 مركبة والمرو
...
-
شاهد.. مروحية عسكرية تشتعل بعد هبوط اضطراري في كاليفورنيا
-
هل الطقوس التي نتشاركها سر العلاقات الدائمة؟
-
السعودية: حذرنا ألمانيا من المشتبه به في هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. البرادعي يعلق على زيارة الوفد الأمريكي لسوريا
-
اعتراض ثلاث طائرات أوكرانية مسيرة فوق شبه جزيرة القرم
-
RT تعلن نتائج -جائزة خالد الخطيب- الدولية لعام 2024
-
الدفاع الصينية: الولايات المتحدة تشجع على الثورات الملونة وت
...
-
البابا بعد انتقادات وزير إسرائيلي: الغارات الجوية على غزة وح
...
-
-اشتكي لوالدك جو-.. مستخدمو منصة -إكس- يهاجمون زيلينسكي بعد
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|