أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نعيم إيليا - ديالكتيك الدين والدَّيِّن














المزيد.....

ديالكتيك الدين والدَّيِّن


نعيم إيليا

الحوار المتمدن-العدد: 5266 - 2016 / 8 / 26 - 15:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


دأب نفر من المفكرين على التفريق بين العقيدة والمعتقِد بها. والحال أن التفريق بينهما، ضرب من الشذوذ عن القاعدة؛ بل هو ضرب من المحال. وما ذلك إلا لأن القاعدة الثابتة هي أن العلاقة بين الطرفين مبرمة إلى حد أن مجرد التفكير في التفريق بينهما فيها؛ قد لا يضحي أمراً مقبولاً.
ولسائل أن يسأل: وأيُّ شيء جعل العلاقة بينهما مبرمة على هذا النحو المحكم من الإبرام، حتى لكأنها دابة غير ذلول قد استصعب على الفكر أن يمتطيها؟ وحينئذ لا محَدَّ عن إجابة طلبه بالقول: ليس هذا الشيء شيئاً آخر غير القانون الذي يربط بين الفكر وحامله بعلاقة موشَّجة لا على سبيل التضاد. وهذا قول يوجب الاستفهام عن حقيقة هذا القانون بما هو، وكيف هو إذ يعمل في القضايا التي ترزح تحت وطأته.
ولكن قبل أن يجاب عن هذا، لا غنى في بادئ الرأي عن التذكير بالمبدأ العام الذي تذلُّ له كل أشياء الطبيعة – وما المبدأ العام إلا الأصل الذي تُستنبط منه المبادئ الفرعية، والأصل مقدَّم على الفرع - علّ المستفهم يقف على جليَّة هذا القانون وكيفية عمله دون عسر ومشقة. إنه المبدأ العام الذي يقول: لا شيء يوجد في الطبيعة معزولاً عما يحيط به مما هو موجود فيها، والذي يشتمل على الحقيقة التي عبر عنها الرواقيون بقولهم: إن كل شيء في الوجود، مرتبط بكل شيء.
فهذا هو المبدأ العام الواجب تذكره. ومن مظنّة هذا المبدأ يجتبى أنّ الأشياء في الطبيعة إذ يرتبط بعضها ببعض؛ فما لها حُمٌّ ولا رُمّ عن أن يؤثر بعضها ببعض: فالهواء إذا تحرك تحركت معه أغصان الشجرة وحفحفت أوراقها، والحقل إذا الغيث فوقه انهمر أكلأ، والقمر إذا طلع بهر ضوءَ النجوم بلمعانه وأذهب فحمة الليل، والمشرِب الظمآن إذا سقي في يومٍ ذي شرَبَة ارتوى وردت إليه الروح، والكواسر إذا كلّ منها البصر ونبا قل تحصيلها أو عدم من طرائدها، والأفعى الجائعة تزحف بحثاً عن الفأر فإذا حصرته في ركن لا منجاة له منه نهشته، والبهيرة الهركولة من النساء إذا مشت نهجت...
إذن فإنه بإيجاز قانون (التأثير والتأثر) مستنبَطاً من مبدأ الترابط العام بين الموجودات.. إنه قانون الأشياء المترابطة التي لا يضاد بعضها بعضاً، إنه القانون الذي يحتم على الأشياء أن يؤثر بعضها في بعض، وأن يتأثر بعضها ببعض في الوقت نفسه على وجه التبادل.
فإذا عدنا إلى الأمثلة السابقة، وجدنا الهواء يؤثر في الشجرة فيميل جذعها ويلين وتهتز أفرعها وتصطخب كالأمواج أوراقها وتتناثر، ووجدنا الهواء يتأثر بها فإنه يتكثف من صدها له وتثقل حركته ويخرج له صوت من احتكاكه بساقها وأغصانها وأوراقها. ووجدنا الغيث يؤثر في الحقل فينبت نبته، ووجدناه يتأثر بنبت الحقل، فيدخل في تركيبه وما فضل منه ولم يدخل في تركيب النبت، اختلط بمعادن الأرض أو امتزج فتغير لونه وطعمه. ووجدنا القمر يؤثر في ضوء النجوم فيغلب ضوءُه ضوءها، ووجدناه يتأثر فيزيد ضياء بخفوت ضياء النجوم ورأيناه إذا احلولكت ليلته أذهب حلكتها فذهبت. ووجدنا الظمآن وقد أشفى على الهلاك من الظمأ، يؤثِّر في الماء تأثيرَ النبات فيه، ووجدنا الماء يؤثر فيه فيحييه. ووجدنا الأفعى تلتهم الفأر فيغنيها الفأر من جوع، ورأينا الفأر هامداً وقد استحال بين فكي الأفعى إلى لقمة أشهى لديها من لقمة القاضي. ووجدنا كلال البصر في الكواسر يكاد أن يكون مدعاة لنفوقها، ووجدناه يكاد أن يكون مدعاة لنجاة الطرائد من براثنها. ووجدنا البهيرة إذا مشت أثر فيها ثقلُها فتأوّدت في سيرها ونهجت، ووجدنا ثقلها يتأثر من نهيجها ومن تأودها.
ولا يقصر قانونُ التأثير والتأثر عمله على أشياء الطبيعة المادية، بل يجاوزها إلى الفكر؛ فكرِ الإنسان. فربَّ فكر أثر وتأثر بفكر آخر. ورب فكر أثر في موضوعه وتأثر بموضوعه. ورب فكر أثر في واقعه الاجتماعي وتأثر به.
فلما كانت العقيدة الدينية فكراً، فإنها - لا محالة - تؤثر فيمن يتشيَّع بها، وإن من يتشيع بها -لا محالة - يؤثر فيها. ومن هنا فإن السؤال الذي يطرحه المفكرون على أنفسهم: أتستمد العقيدة الدينية قوتها من ذاتها أم من أتباعها؟ ليس له إلا جواب واحد، هو: من الأمرين معاً دون تفريق. فالعقيدة بمعزل عن أشياعها، لا قوة لها ولا سلطان. فإن أساطير السومريين، على سبيل المثال، كانت عقائد دينية، وإنما فقدت قوتها وسلطتها إذ عزف عن الإيمان بها البشرُ وزهدوا. ولو عاد البشر إليها فتشيعوا بها كما تشيَّع النار بالحطب، لتأججت قوتها لهباً.
إذن فلا بد من معالجة قضية الدين والمتدين بمراعاة الترابط الوثيق بينهما.



#نعيم_إيليا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خابية الكنز المفقود 9
- خابية الكنز المفقود 8
- خابية الكنز المفقود 7
- خابية الكنز المفقود 6
- خابية الكنز المفقود 5
- خابية الكنز المفقود 4
- خابية الكنز المفقود 3
- خابية الكنز المفقود 2
- خابية الكنز المفقود 1
- سِخابٌ بجِيْد الزَّمان
- ذكرى جدال
- في الطريق إلى فلاديفوستك. المشهد الأول
- ما بين نظرية الوجود لأفلوطين ونظرية الانفجار العظيم
- شرح مختصر على مبدأ الهوية
- استحالة لاودي عن سنخه إلى إنسان
- العازفة على الحروف
- محاورة الربيعي
- حدث في عرس رنيم. الحلقة السادسة
- حدث في عرس رنيم. الحلقة الخامسة
- حدث في عرس رنيم. الحلقة الرابعة


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نعيم إيليا - ديالكتيك الدين والدَّيِّن