|
حسين عبد ربه
حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5263 - 2016 / 8 / 23 - 23:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا الرجل كان أحد أستاذتي العظام إنه الرفيق سليمان أو الأستاذ حسين عبدربه المحامي السكندري والمناضل اليساري وأحد القيادات التي شاركت في تأسيس حزب التجمع وأحد المساهمين الحقيقيين في بنائه وتطوره في السبعينيات والثمانينيات
كان رجلاً هادئ الأعصاب ذو عينين غاطستين في مياه ابتسامة ما رقراقة خلدت علي وجهه قلما تفارقه لكنه في نفس الوقت كان صاحب وجه حديدي الملامح يعرف كيف يكونه في لحظات الحسم بالضبط كما كان يعرف كيف يبدأ الحديث في أصعب الظروف وأحلكها بقدر يقدره هو ببراعة فائقة من الضحك يوزعه علي بدايات حروف الكلمات ثم يوقفه ليتصاعد بها إلي ذروة في الجد تنضبط معه إيقاعات اللغة والكلمات وكذا مرجحات الكف والذراع اليمني بالتبادل والتوازي مع الكف والذراع اليسري التي كانت تتطوح نظارة القراءة كعصا المايسترو الذي ينظم أداء أصعب الأوركسترات
هو كان يملك فكراً تنظيمياً هائلاً في مجال بناء الحزب وتوظيف وتنشيط العضويات ودعم عمليات الإتصال بين المستويات العضوية من جهة وبين العضوية والجماهير العادية في الحي والمصنع والجامعة والقرية والتجمعات البشرية المختلفة
وكانت لديه القدرة دائماً علي ربط تلك الأفكار التنظيمية وجوهرها البنائي - الإتصالي بالواقع وتحولاته وتبدلاته بجدلية رشيقة وببساطة وبمنهجية تعطي انطباعاً بأن هذا الرجل دائماً لديه القدرة علي امتلاك مفاتيح حل الإشكاليات والتحديات التي تواجه أوجه النشاط النضالي من أدني مستويات النضال إلي أعلاها ويقدم أفكاره وخبراته حول هذه الحلول بتجرد ذاتي وسهولة ويسر ورغبة في العطاء وبترفع شديد عن الشكر والمديح
كان الكثيرون لايعرفون أن هذا الرجل كان بداخله فناناً حساساً فقد كان بجانب أنه كان واسع الإطلاع علي فنون المسرح ملماً بأدواته وجمالياته المختلفة وكان أيضاً متابعاً جيداً للدراما والسينما وعاشقاً لفن كتابة السيناريو
عرفت ذلك عندما كنا في لقاء في بيت عمنا ثروت سرور مع الصديق مجدى شرابيه وكنا في انتظار باقي الرفاق وإذا بالأستاذ حسين عبد ربه أو الرفيق سليمان ينظر في ساعته ويطلب من عم ثروت أن يفتح التليفزيون حيث كانت تذاع حلقات مسلسل عصفور النار بطولة الفنان العبقري محمود مرسي والفنانة فردوس عبد الحميد
فوجئت باستغراق غير عادي من الأستاذ في مشاهد المسلسل كما لو كان قد تحول فجأة من حسين عبد ربه القيادة المهابة لنا إلي ناسك متعبد في محراب رب مهيب اسمه الفن
رأيته تختلج عضلات وجهه وتتواتر حركات قدميه مع إيقاعات كادرات الصور الدرامية ويشتعل زفيره وشهيقه مع اشتعال الأداء الدرامي للممثلين
انتهزت فرصة أن صادفته ذات يوم خارجاً من سينما أمير في الأسكندرية وكانت تعرض فيلم يوم حلو ويوم مر للمخرج خيري بشارة وبطولة فاتن حمامه ومحمد منير فتحدثت معه فسألته عن رؤيته للفيلم وكان أن اصطحبني إلي مقهي السلطان حسين وبدأً معي حديثاً عن الفيلم انسحب إلي حديث عن الفن ومعشوقه الأول المسرح وعرفت منه أنه في قريته ميت سلسيل بالدقهلية عندما كان طالباً وفي سعيه هو ورفاقه الشباب المثقف في القرية للعب دور في توعية الناس أنشأ هو ورفيقه وابن بلدته الشاعر سمير عبد الباقي فرقة مسرحية تقدم عروضها مجانا لأهل القرية باستخدام أدوات من واقع البيئة كاستخدام الجرن وأحياناً دوار العمدة في تقديم العروض المسرحية التي كان يقوم هو بإخراجها ويقوم سمير عبدالباقي بإعدادها
يومها غير نظرتي التقليدية تماماً عن فكرة القائد التنظيمي الصارم العاكف علي التنظيم كونه فقط عملاً سرياً حزبياً يتم فقط داخل جدران الحزب لخلق حالة من الانضباط الحديدي بمعزل عن الروح الإنسانية ولذلك كان حسين عبدربه أحد نقاد الستالينية الكبار بل أنني سمعته بأذني مرة يشيد بالمحدث الصيني دينج هيساو بينج زعيم الحزب الشيوعي الصيني الذي كان زعيماً سئ السمعة في كل أوساط اليسار في الحقبة السوفيتية وكانت إشادة كتلك وقتها تكفي كعريضة اتهام لصاحبها بالإرتداد والمراجعة واليمينية والإنتهازية اليسارية وما إلي آخره من تلك الإتهامات التي كانت تتبادلها بعض الفصائل الماركسية ضد البعض الآخر من الماركسيين كان يشيد بكفاحه وأبنه الذي لقي حتفه أمام عينيه في صراعه مع أرملة ماو وأنصارها من رجال الحرس القديم وإرادته الصلبة وعزيمته الإصلاحية وراهن بأن التاريخ قد سيعيد الإعتبار لهذا الرجل عندما يقف التنين الصيني علي قدميه ليحرم الولايات المتحدة الأمريكية من انفرادها بالسيادة علي العالم ويصحح الأخطاء التي ارتكبها السوفييت وكان جورباتشوف قد اعتلي منصة الحزب الشيوعي ااسوفيتي ونشر كتابه البيروستوريكا التي كانت مادتنا للنقاش وقتها وبدا هو متفائلاً بجورباتشوف في حين كنا نحن الكوادر الوسيطة في الحزب الشيوعي المصري في حالة من الإندهاش لكوننا لم نكن نصدق أن مايقوله جورباتشوف من انتقادات للقيادة السوفيتية قد حدث فعلاً وأنه يمكن تصديقه كان بيننا البعض ممن لم يصدق جورباتشوف والبعض المنبهر به ولكننا لم نصل إلي يقين مريح حول مستقبل الإتحاد السوفيتي وهذا ماجعل بعضنا يشعر فيما بعد انهيار الإتحاد السوفيتي بأن زلزالاً مدمراً قد انقض علي عالمنا كنت أنا علي الأقل أشعر أن مطرقة حديدية ثقيلة قد وقعت علي أم رأسي فابتعدت عن جميع الرفاق لمدة سبع سنوات عجاف عدت بعدها إلي العمل السياسي منتظراً ماقد يأت علي اعتبار أنني لست في انتظار ما لايأت أبداً حتي بعد انقضاء حيواتنا الفردية
آخر مرة رأيته فيها كانت في أواسط التسعينيات حيث كانا هو وصديق العمر سيد عبد العال الذي أصبح فيمابعد رئيساً لحزب التجمع يحضرون لمدينة دمنهور لمتابعة حزب التجمع في البحيرة وطلبا رؤيتي فذهبت إليهم وحضرت اجتماع أمانة الحزب في المحافظة إلا أكمل العودة وقتها ولم أنتظم في النشاط الحزبي وابتعدت أكثر عن الحياة الحزبية مماجعل ذلك الإجتماع هو لقاء الوداع الأخير بالأستاذ
وعندما عدت في 2007 سألت عنه وكان الرد المباغت من المجيب يااااه تعيش انت
اختلفت حول مايطرحه أحياناً من أفكار سياسية واتفقت مع ما طرحه في أحيان أخر لكنني لا انكر أنني كنت أحد تلاميذه المنتشرين في مصر والذين تعلموا منه الكثير
وأشهد أنه كان أستاذاً ومعلماً عظيماً وإنساناً عفيف اللسان جميلاً
حمدي عبد العزيز 31 يوليو 2016
#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خميس والبقرى 2016
-
الإصلاح الإقتصادي.. كلاكيت 3
-
جديد الشرق الأوسط
-
ذاكرة الضعف .. أم ضعف الذاكرة ؟
-
إذا أردت أن تتاجر بقضية ... إعطها بعداً دينياً
-
ندبة في يدي
-
طائفية تحت ذقن الدولة
-
محاولة فاشلة وخطأ في القراءة
-
وماذا بعد تشيلكوت ؟
-
دماء علي أعتاب عيد الفطر
-
محاولة لقراءة الموقف التركي
-
حديث المراجعات مرة أخري
-
ياله من عالم ثري
-
فهل أنا مخطئ ؟
-
ياسيد نيوتن.. كان غيرك أشطر
-
حديث السلام الدافئ
-
مبادرة تأسيس فاشية جديدة
-
في المشمش
-
خطوات عاجلة لمعالجة مشكلات الإنتاج الزراعى
-
في ذكرى ضحايا الفاشية التركية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|