أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمنية طلعت - الهجوم على فيلم دنيا وعودة موسم تشويه سمعة مصر















المزيد.....

الهجوم على فيلم دنيا وعودة موسم تشويه سمعة مصر


أمنية طلعت

الحوار المتمدن-العدد: 1406 - 2005 / 12 / 21 - 10:48
المحور: الادب والفن
    


لا أدري لماذا تذكرت فيلم ناجي العلي عندما تابعت الهجوم العنيف على فيلم (دنيا) للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب وبطولة حنان ترك ومحمد منير، حيث أن الهجوم على هذا الفيلم لعب على نفس الوتر الحساس جدا، الذي يهيج الناس في الشوارع ويجعلك واقفا بلا حيلة ولا تستطيع استخدام أي منطق في النقاش...الوتر الحساس الذي يسمى (سمعة مصر) وكل من نخالفه في الرأي لا نجد وسيلة للقضاء عليه سوى باستخدام الجملة الشهيرة لكبار الصحفيين والنقاد الفطاحلة ألا وهي (تشويه سمعة مصر) هكذا قالوا عن فيلم ناجي العلي منذ أكثر من عشرة سنوات والآن نشاهد الفيلم على كل القنوات الفضائية ونستمتع به بل ونلتهب حماسا معه رافعين قبعاتنا لكل من ساهم في هذا الفيلم حتى ولو بمشهد واحد مثل الفنان محمود الجندي.
أعتقد تماما أن فيلم دنيا يتعرض لنفس الحملة الشعواء التي لا هدف لها سوى الإبقاء على الظلامية وحالة التقدم للخلف التي تعيشها مصر منذ أكثر من عقدين وفي الحقيقة لا أدري لمصلحة من يحدث كل هذا؟ فالفيلم حتى ولو احتوى على بعض الهنات في السيناريو والإخراج فهو على الأقل فيلما محترما يظهر وسط سيل هادر من الأفلام السطحية والمشوهة التي تمعن في سفك دماء عقول شبابنا وتحويلهم لمجرد هوام لا نفع منها ولا رجاء.
إننا مع هذا الفيلم نواجه قضية هامة جدا ألا وهي عمليات الختم على العقول التي تمارسها بعض التيارات في مصر والمنطقة العربية منذ أكثر من عقدين حتى استطاع أو قاب قوسين أو أدنى من القضاء على الدولة المدنية بكل مميزاتها التقدمية في الفكر والعلم والفن والأدب بل وفي حالة الوعي الجمعي للبسطاء من الناس في الشوارع، لنتحول تدريجيا إلى آلات ميكانيكية تسير وفقا لمعايير أخلاقية لا أول لها ولا آخر ولا علاقة للخالق بها من الأساس، فيكون علينا ذبح المتنبي وشهرزاد وابن الرومي وابن رشد وابن عربي في سبيل إحياء ثقافة الثعبان الأقرع التي لا نمر بدونها نحو الجنة.
كنت أتمنى بالفعل أن أكتب مقالا نقديا عن فيلم يعد بحق إضافة للسينما المصرية والعربية بشكل عام ولكني وجدت أنني مضطرة لكتابة عريضة دفاع عن فيلم حق أرادوا به ومن خلاله كل باطل، فلقد تم اختزال الفيلم بواسطة عباقرة الوطنيين والمخلصين والمتشنجين من أجل الوطن إلى فيلم يعالج قضية الختان للإناث في مصر وأننا نشوه بذلك سمعة مصر..السؤال هنا وهل تشويه سمعة مصر يأتي بوضع عللها ومشاكلها على الطاولة لمناقشتها والبحث عن حلول لها؟ أم أن سمعة مصر( لمن يتباكى عليها) لم تتشوه إلا على أيدي جوسلين صعب من خلال فيلمها الجميل (دنيا) ؟ ألم تشاهدوا الفضائيات العربية والعالمية يا سادة وهي تغطي أحداث الإنتخابات البرلمانية مؤخرا؟ أكان مشهد الانتخابات في مصر إعلاء لسمعتها؟ ...هنا أسأل كبار الوطنيين الذين جعلوا من فيلم دنيا فيلما غير لائقا باسم مصر العظيم ...من يا سادة الذي شوه سمعة مصر.. فيلم دنيا أم المشهد الإعلامي العظيم الذي دار في كل أنحاء العالم للإنتخابات المصرية البرلمانية ؟...قد يقول قائل أنني أخلط الأوراق فهذا فيلم والآخر أحداث تغطى خبريا، لكني أؤكد له أنني واعية تماما لما أقول فلقد كانت الانتخابات أكبر فيلم خيالي صعب تصديقه عن مصر أم الدنيا وشعبها الذي يمتد تاريخه للآلاف السنين السابقة.
لقد شاهدت هذا الفيلم مرتين وظللت طوال الفيلم أحاول العثور على ولو كلمة واحدة تسئ لمصر لكنني لم أجد، كل ما وجدته عدسة كاميرا مبهجة لمخرجة ماهرة تعي ما تفعله تماما، فلقد قدمت لنا جوسلين صعب زاوية بصرية جديدة لشوارع القاهرة التي نسير فيها منذ وعينا، قدمت جمالا لا يراه أيا منا في المناطق الشعبية والأزقة والبنايات العتيقة المتهالكة، حتى أنها عندما اختارت حجرة صغيرة لتكون سكن بطلة الفيلم اختارت حجرة لا أدري من أين عثرت عليها فلقد تمنيت طوال المشاهد التي تم تصويرها في تلك الحجرة أن تكون هي مسكني لأطل على عالم السينما المبهج من شباكها وأقفز عبر الإفريز لأصل إلى الباب لأخرج، وأن أدور راقصة مع تلك الأنغام الرومانسية التي تحيي الروح بين جدرانها، لقد شاهدت جوسلين القاهرة التي تئن ومع ذلك قدمتها تئن بعظمة وجلال.
لم أدر كيف لم يفهم البعض قصة الفيلم وقال أنها مهلهلة غير مترابطة حتى أن بعضهم قال (كيف يمكن لفتاة صعيدية من الصعيد أن تحلم بأن تكون راقصة؟) وكأنه لم يدر أن تلك الفتاة الصعيدية ابنة لراقصة شهيرة وأن أبوها هو الصعيدي الذي أخذهاا من أمها بعد ما لاحقه أهله بعار الزواج من راقصة وعاد بها إلى بلدته لتربيها عمتها....كأنه لم يشاهد الفيلم ولم يسمع الحوار الذي دار بين دنيا وعمتها عندما ذهبت إلى الأقصر بعد استدعائها لعرضها على أحد العرسان هناك....فوجئت أيضا بأحد الكتاب المبجلين يقول أن رقصات حنان ترك كانت كثيرة وأنها أخذت تدور حول نفسها طوال الفيلم حتى شعر بالدوار، في الحقيقة لم أستطع منع ضحكي وشفقتي على هذا الكاتب الذي وصلت درجة انغلاق عقله أنه ما عاد يستطيع تذوق الموسيقى وانسجام الجسد معها، بالطبع الحق معه فهو ابن لثقافة تحريم الرقص وتجريم الراقصات وفضحهن على صفحات الجرائد والتعامل معهن على أنهن ساقطات، هو نتاج للقضايا التي يتم مناقشتها تحت قبة البرلمان المبجل الذي يترك أعضاؤه قضايا الفقر والبطالة وفساد الذمم وتهريب أموال مصر للخارج ...إلخ ليناقشوا منع ظهور الرقص الشرقي على شاشة التليفزيون ومنع عرض كليبات روبي ونانسي عجرم هيفاء وهبي وإليسا ....للأسف هذه هي الثقافة المسيطرة الآن وهي نفسها التي تقف عائقا أمام أي إبداع حقيقي يحاول أن يرقى بالعقول وينبهها إلى مشاكلها وحاجاتها المسلوبة وقيمها الضائعة.
فوجئت أيضا بمن يترك الفيلم كله ويركز على الإحصائية التي قدمتها المخرجة في آخر الفيلم والتي تقول فيها أن نسبة الختان في مصر هي 97% وبرغم أن المخرجة أكدت أن هذه النسبة حصلت عليها من المجلس القومي للمرأة إلا أنهم يصرون على أنها نسبة خاطئة حتى أن إحدى المذيعات المصريات في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض الفيلم في مهرجان دبي السينمائي الثاني، تقول أن النسبة الحقيقية هي 48% وأن لديها أوراقا رسمية بذلك ولكنها لم تقدم لنا هذه الأوراق واكتفت بالهجوم على المخرجة التي لم تجد وسيلة للرد على هذه المذيعة سوى أن تنظر لها بحزن شديد، لأنها وكما قالت لي بعد ذلك كانت تتخيل أن المرأة نصيرة لنفسها لكنها فوجئت بالعكس، فلكم أن تتخيلوا يا سادة أن مذيعة مصرية أخرى هاجمت الفيلم لأن الترجمة تبدأ في النصف الأول من الفيلم بالإنجليزية لتتحول بعد ذلك إلى الفرنسية، وأخذت تتحدث عن اكتشافها العظيم وكأنه أكبر سقوط للفيلم.
لم يكن الهجوم على فيلم دنيا محبطا للمخرجة والأبطال فقط بل كان محبطا لي أيضا لأنني لم أر سوى طريق صحراوي طويل بيننا وبين التقدم والتطور، لم أر سوى طريق ممتلئ بالأشواك أمام انتفاضنا على القهر والجهل والتخلف...كان الهجوم على الفيلم _وأنا هنا لا أقول أنه أعظم الأفلام على الإطلاق – دليل قوي على أننا لن ننهض من كبوتنا هذه في القريب المرئي وربما لن يشهد تلك النهضة حتى أبناءنا فأبسط قوانين التحضر ألا وهي النقاش العقلاني والمنطقى لكل أمور حياتنا، غير متوفرة على الإطلاق فنحن لا نسمع بعضنا البعض ولا ننظر لمن يختلف معنا في الرأي سوى على أنه خائن ومتآمر وعدو .
قال البعض أيضا أن الفيلم يحتوي على مشاهد جنسية مخلة، وفي الحقيقة لا أجد سوى أن أقول لهم فوقوا من كبتكم الجنسي وابحثوا عن حل له، فأين هذه المشاهد الجنسية المخلة؟ لقد قدمت جوسلين صعب رؤية إخراجية ذات رومانسية وجلال في المشاهد العاطفية التي يحتوي عليها الفيلم، لدرجة أنني وجدتها تضع حلا للنزاع بين مؤيدي السينما التي يسمونها (نظيفة!!!) وتلك السينما الأخرى الطبيعية التي نعرفها منذ النصف الأول من القرن العشرين، فجوسلين قدمت حلا وسطا حيث تقدم لنا مشاهدا عاطفية وفي نفس الوقت بلا تلامس حقيقي يثير أعصاب المتشددين وبالتالي لا تخل بالمعنى الدرامي للفيلم كما يحدث في الأفلام الحديثة التي تعلن من خلالها النجمات (لا للقبلات ولا للمشاهد العاطفية) لتخرج لنا الأفلام برقابة ذاتية تبتر الخط الدرامي لأي مشهد .
إن فيلم دنيا ما هو إلا صرخة جرئية من مخرجة وأبطال طليعيين في وقت صعب يلاحق فيه المبدع ويتهم بالإباحية وتصادر الكتب وترفض الأفلام وكل أشكال الفنون بدعاوي أخلاقية لا تريد في أصلها سوى إفساد العقول والتهميش والتعمية عن واقع مهين يعيشه المصري كل يوم في منزله وفي شارعه وحتى في وسائل المواصلات التي يستخدمها، لقد كان صرخة ضد ختان العقول الذي يمارسه الأخلاقيون الجدد الذين طردوا المفكرين بدعاوي الحسبة وهاجموا المبدعين بدعوى الإباحية وحولوا الشباب لمجرد ماكينات شعائر لا ترى سوى البعد المادي للحياة ولا تحمل في جوانبها أي خيال يحملها نحو آفاق المستقبل ...إن قضية دنيا ليست قضية نسبة خاطئة للختان في مصر وليست قضية مشاهد إباحية وليست قضية سيناريو مهلهل وليست قضية تشويه لسمعة مصر وإنما هي قضية الإصرار على الثبات في البقعة المظلمة ورفض أي شعاع نور يضئ ولو خيط رفيع يأخذنا للأمام.



#أمنية_طلعت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر ليست خريطة في الجغرافيا
- انتبهوا جيدا وأنتم تفتحون الصنبور
- سياسة تكسير العظم وحرق الدم
- ابتسم فأنت تتبع السفارة المصرية!
- عيد ميلاد أبو الفصاد
- لهذا السبب أقول لا وألف لا لمبارك
- الإعلام المصري بدأ بث رسائله المسمومة
- عالم الانترنت وحرية الرأي المفقودة
- مجرد كلام لإخراج شحنة غيظ
- في بلدي أصبح الناس يموتون جوعا


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمنية طلعت - الهجوم على فيلم دنيا وعودة موسم تشويه سمعة مصر