حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 5258 - 2016 / 8 / 18 - 10:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل يمكن تصنيف الأشياء والأمور في الحياة إلى صنفين: مهم وآخر غير مهم، أو حتى تافه؟
سيجاب عن هذا السؤال بالإيجاب من قبل الغالبية منا، إذا لم يكن منا جميعًا، فما أكثر ما نزدري الاهتمام بأمور تافهة والانصراف عن الأمور المهمة.
مع ذلك، فالأمر قابل للنقاش: مَن الذي يملك الحق في تحديد ما هو المهم وما هو ليس كذلك، وقد يغدو ما ينظر إليه باستخفاف، أكان ظاهرة أو فردًا، مقررًا وفاصلًا في لحظة من اللحظات؟
غاية القول إن التقسيم بين المهم وغير المهم ينطوي على درجة من النسبية، لا لأنه لا توجد قضايا مهمة بالفعل وأخرى غير مهمة بالفعل، وإنما لأن ما يحسبه فرد من الأفراد أو جماعة من الجماعات مهمًا ومصيريًا لا يبدو كذلك عند أفراد آخرين أو جماعات أخرى.
الشمولية السياسية والفكرية، ماضيًا وحاضرًا، تظهر خطورة نفي النسبية في التقسيم بين المهم وغير المهم، حين توظف هذه الشمولية ما لها من نفوذ في فرض "مُهم" واحد على المجتمع كله، حين تقرر أن ما تراه هي مهمًا يجب أن يكون مهمًا عند الجميع، وهي في ذلك لا تقف عند حدود تجاهل القضايا والاهتمامات والأفكار التي يراها الآخرون مهمة، وإنما لا تتورع عن محاصرتها، وحتى سحقها.
الإقرار بنسبية المهم وغير المهم هو من سمات قبول التعددية الفكرية والمجتمعية، ما يتيح لكافة الرؤى والأفكار أن تتعايش على الأرض نفسها، ولا بأس لو خاضت مباراة المفاضلة فيما بينها، عملًا بالقاعدة القائلة: البقاء للأفضل، حتى ولو احتاج الأمر إلى زمن طويل وخبرات متراكمة حتى يقتنع الناس، وعبر تجربتهم المباشرة، بما هو الأفضل حقيقة، شرط منح الأفكار والرؤى المتضادة درجة متكافئة من حرية الإفصاح عن نفسها، وتحريرها من سيف شيء ما اسمه "المهم" يُملى عليها من أعلى.
إن أردنا أن نكون جدليين، فإن للأمر وجهًا آخر لا يصح تجاهله، فأنت تصادف صنفًا من البشر ينفقون أعمارهم في قضايا لا يمكن إلا أن توضع في خانة القضايا الإنسانية الكبرى، كالسعي للحرية والعدالة مثلًا، لكنك تسمع من يقول عنهم ساخرًا: غريب أمر هؤلاء، يضيعون أعمارهم في "كلامٍ فارغ"، والقصد هنا: ماذا عساهم قادرون على فعل ما عجز عنه سواهم قبلهم؟
يمكن أن ينم هذا الكلام عن نظرة "واقعية" للأمور، ترى أن سطوة الواقع ستسحق أحلامهم، لكن يمكن له أن يضمر ازدراء يفضح عجز قائليه عن مجاراة هؤلاء فيما يفعلون، وسيؤدي الأخذ به بنا إلى العبثية وتجاهل الحدود الفاصلة بين القيم.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟