أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نزار صباغ - عدوانية الغرب بين الخيال والواقع















المزيد.....



عدوانية الغرب بين الخيال والواقع


نزار صباغ

الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 09:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أطنان من الورق طبعت ، وآلاف من ساعات البث التلفازية بنوعيها نفذت ، حملت كماً كبيراً من التحليلات والمقالات والآراء المتعلقة بموضوع ما يسمى حاليا ً : الحرب ضد الإرهاب وأسباب عدوانية الغرب . هذا الكم ، يدخل بشكل أو بآخر ، ضمن دائرة الخطر ، التي لا تقل خطورتها عن خطورة الأحداث التي سبقت، ثم رافقت ، ثم حصلت كنتيجة لا تزال مستمرة - وقد تكون موجهة كفعل لا رد فعل – لاعتداءات الحادي عشر من أيلول 2001 .
لنعتمد بداية ثلاث نقاط أساس ضمن موضوعنا :
أولا ً: إن كل ما هو تدمير أو اعتداء ، على أي مجموع إنساني غير عسكري سلاحا ً وتنظيما ً، يدخل ضمن مفهوم الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية ، ذلك ما ينطبق واقعيا ً على ضحايا برجي التجارة في نيويورك ، كضحايا بشرية فقط لا بما يحمله البرجان من رمز، وعلى اعتداء القوات الأمريكية على الشعب الأفغاني ، واعتداء قوات الغزو على شعبنا وأهلنا في العراق ، وينطبق كذلك على الاعتداءات المستمرة والمتلاحقة منذ عقود على أهلنا في الجولان وفلسطين ، مرورا ً بما حصل سابقا ً في فيتنام وكمبوديا، هيروشيما ، ناكازاكي ، السلفادور والتشيلي ، مجازر الأرمن ، يوغوسلافيا سابقا ً،وما حصل ويحصل في السودان ، وأفريقيا والفيليبين وماليزيا ...... وغيرها .
ثانيا ً: إن أية دراسة تاريخية عليها أن تكون مستندة إلى رؤية شمولية حقيقية للتاريخ ، مأخوذة من جميع المصادر واتجاهات الرأي ، وأن تكون بعيدة عن العاطفة والأهواء الشخصية والمذهبية والعقائدية . ذلك للوصول إلى الحقائق تمهيدا ً لاستخلاص النتائج ، بما تحويه من أخطاء وعبر .
ثالثا ً: إن أية دراسة تحليلية عليها أن تكون موضوعية ، غير متأثرة بما تبثه وسائل الإعلام ، سواء المنظورة أو المسموعة أو المقروءة . ذلك لأن العديد منها قد يكون مرتبطا ً بشكل أو بآخر، مع جهات معينة ، تبث الخبر أو تجري المقابلات بشكل إيحائي غير مباشر، وتدخل فيها بعض الأفكار التي قد لا تحمل دلالة تأكيدية معينة، لكن مجموع ذلك ، وبالتكرار، يؤثر نفسيا ً بطريقة تجعل العدد الأكبر من المتلقين مهيأة للاقتناع والموافقة بما سيتلقاه مجددا ً من أفكار.
فصناعة الخبر أو الحدث علم وفن ، يستند إلى أساليب علمية تشتمل على دراسات متعددة ، منها النفسية والإحصائية والاجتماعية البيئية والاقتصادية ، والاستراتيجيات المستقبلية وغيرها .... وقد تكون صناعة وتهيئة الحدث بشكل أفلام أو مسلسلات درامية أو تاريخية ، تبث وتؤكد على أفكار معينة بشكل شبه متكرر وخلال أساليب منوعة ، ضمن سياق ما يسمى التأليف والسيناريو والإخراج ، مزيفة للتاريخ والوقائع بشكل يجعل النسبة الغالبة من المتلقين، تقتنع بصحة ما تتلقاه من معلومات وأفكار. والأمثلة كثيرة عن ذلك عربية منها أم أجنبية .
هذه النقاط المحددة تم اتخاذها إطارا ً ثابتا ً لهذه الدراسة .
صدرت العديد من المقالات والآراء والمحاضرات عن العديد من الباحثين العرب ، والتي تدور عن موضوع الأحداث الأخيرة ، تحوي في سياقها تأثرا ً وتأثيرا ً عاطفيا ً بشكل واضح . ركز بعضها على محاولة إثبات أن كل ما جرى وما قد سيحصل إنما عبارة عن حرب عالمية جديدة على أسـس طائفية دينية مذهبية ، أو بين الحضارتين الشرقية والغربية . مدفوعين في ذلك بمقدار تأثرهم وانسجامهم مع ما تبثه العديد من وسائل الإعلام والتأثير ، بما في ذلك مستجدات الأحداث الأخيرة والديموقراطية على الطريقة الأمريكية ، والكتب والدراسات حول صراع الحضارات .
استند البعض في دراساته على كتابات بعض المستشرقين ، الذين ركزوا على إظهار الجوانب السلبية للممارسات الدينية الخاطئة والمفهوم الديني المتوافق مع الاستبداد بالحكم والتحكم في مصائر الناس ، وأمور التعامل الاجتماعي غير السليمة ، هذا إضافة إلى استنادهم واستشهادهم بمحاكم التفتيش وحملات الفرنجة و- الاندحار من الأندلس المحررة ؟!– ، وكأن ما يجري حاليا ً ذو صلة بأفعال وأحداث تاريخية موغلة في القدم ..... الأمر الذي يوحي بأن المطلوب هو الوصول إلى حالة من التهيئة النفسية لدى الكم الأكبر من المتلقين للقبول بوجهات النظر التي قسمت العالم إلى معسكرين دينيين متنافرين ، توطئة لما يستتبعه ذلك من أمور .

ما يلفت الاهتمام فعلا ً ، أن الأفكار التي ربطت الأسباب بجذور صراع قديم متأصل تلاقي رواجا ً ملموسا ً ، لا سيما أنها تمس وتتلاقى بشكل تام مع الشعور العاطفي المسيطر غالبا ً في مجتمعنا ، الأمر الذي يؤدي إلى تغليب المفاهيم وردد الأفعال العاطفية على المحاكمة العقلية السليمة، مهملة العديد من الأفكار والدراسات الموضوعية التي حللت الأحداث وأسبابها ، ومن وجهات نظر مختلفة . مخرجة بذلك باقي العقائد الدينية ( كالبوذية مثلا ً) ، ومخرجة في الوقت نفسه الشرق عامة من الموضوع باعتبار أن ما يحصل يتعلق بقومية واحدة ، أو يستهدف عقيدة دينية واحدة ، أو باعتبار أن الموضوع لا يتعلق بالقوميات التي تتبع مناهج فلسفية حياتية مختلفة .

من خلال دراسة العديد من الأفكار المطروحة ، يتبين أن أغلبها قد نجم عن خلفية مستندة إلى وجهة نظر أحادية الجانب ، متجاوزة الكثير من المعطيات التاريخية الواضحة ، مركزة على بعض القراءات التي تؤيد ما تدعو له من أفكار. وهذا باعتقادي خطأ جسيم ، لأن جميع ما حصل ليس له أية جذور تاريخية دينية إطلاقا ً، وأن الأمر عبارة عن إثبات هيمنة وسيطرة قوة معينة ، وما يرتبط ذلك من توزيع جديد لثروات منتشرة في جميع أنحاء العالم لا في منطقة واحدة فقط ، وما كان قد حصل في منطقة أمريكا الجنوبية مثلا ً دليل على ذلك وإن كان الأمر بأسلوب مختلف .

يقول الإمام الغزالي : الشك هو الموصل للحق ، من لم يشك لم ينظر ، ومن لم ينظر لم يبصر ، ومن لم يبصر وقع في العمى والضلالة .
للوصول إلى الأسباب الواقعية وجذورها ، إن كان لها جذور، فلا بد من العودة إلى البدايات لنتأكد ، هل أن الموضوع عبارة عن صراع ما بين الشرق والغرب أم أنه صراع عقائدي ديني ، أم أنه صراع مصالح اقتصادية أساسا ً، وسياسية ؟ ( والسياسة لا تنفصم عن المجتمع وعن الاقتصاد ).
إن المشكلة التي تواجه أية دراسة تحليلية ، أنه لا يمكن الفصل ما بين الترابط في المفاهيم السائدة ، بجوانبها كافة ، فقد تشعبت الأمور والمعطيات وارتبطت مع بعضها إلى حد لا يمكن له الفصل ، لذلك فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى أربعة مفاصل رئيسية ، وهي حسب التسلسل : الدين ، تاريخية الصراع ، النتيجة ، الواقع الراهن ومصلحتنا .
الدين :
الزمن متبدل ومتغير باستمرار ، وبحركته هذه تتغير وتتبدل الكثير من المفاهيم والمعتقدات بحسب الظروف والأسباب الاجتماعية / الإنسانية التي أوجدتها ، وتتغير بذلك النتائج التي تمخضت عنها بشكل تتطور وترتقي فيه الصالحة والممتازة منها فقط ، وتصبح بمثابة أساسيات ثابتة راسخة لا يمكن لها على الإطلاق أن تتبدل أو تتغير مهما كانت الظروف ، وأهم هذه الأساسيات المترابطة مع بعضها البعض والتي تشكل القاعدة الأساس في بلادنا : الوطن / المجتمع / الأسرة / الأخلاق/ الدين.
الوطن / المجتمع / الأسرة أساس مترابط مع بعض لا يمكن له الانفصام ، سلسلة واحدة ، وهمّ متواصل حملته أجيال عديدة في بلادنا السورية منذ القدم ، ونحمله جميعا ً لأجل سمو أمتنا ووطننا وارتقائهما في الظروف كافة ، ما ظهر منها وما هو آت . وهذا لا يمكن تحقيقه بمعزل عن الأخلاق ، التي تشكل المثل الحضارية الرفيعة والتي تحكم مسيرة الإنسان في بلادنا السورية منذ القدم ، بدءا ً من ظهور الشرائع المجتمعية / الإنسانية الأولى في التاريخ إلى التطبيق العملي لجوهر الدين الإلهي الواحد في الإيمان بالله الخالق الأزلي الواحد الأحد ، وتعاليمه الروحية الأخلاقية الثابتة ، التي تشدد على التعامل الإنساني الأخلاقي بين عموم البشرية ، إضافة إلى مفهوم الثواب والعقاب في الآخرة تبعا ً لأعمال الإنسان خلال حياته ، واعتبار العقل القوة المميزة المدركة المعطاة من الله تعالى إلى الإنسان .
فالدين والاخلاق صنوان لا يمكن لهما التناحر، سواء أكانت الأخلاق نابعة عن مجتمع ديني أو ملحد أو علماني ، والدين صدق ومحبة وإنسانية كما هي الأخلاق التي ينجم عنها تعاملا ً صادقا ً محبا ً إنسانيا ً ، والدين هو المضمون كما هي الأخلاق ، لا تتم معرفة الأخلاقي من خلال شارات أو ألبسة أو مظهر ما ، بل يتم ذلك من خلال ممارسته الأخلاقية وتعامله مع الغير ، لصدقه مع نفسه أولا ً قبل عمله مع الغير، لاعتماده الحرية المطلقة لنفسه وللغير بالتفكير والعمل والتطور والإبداع واللباس ، وللحياة ، وفقا ً للمبادئ الأخلاقية والتي لا يمكن لها أن تسمح إلا بالتعامل الإنساني ، كما هو الدين جوهرا ً ومضمونا ً.
ومن غير الممكن عمليا ً إطلاق صفة الحضارة على أي تجمع إنساني أو إمبراطورية مترامية أو دولة عادية ، من خلال إنجازاتها المادية فقط ، بل يكون ذلك من خلال طابعها الجوهري وقدرتها على التفاعل والتواصل والعطاء ، واحتفاظ أفراد مجتمعاتها بالمثل الإنسانية العليا ، وهي في جوهرها الأخلاق والتعامل الأخلاقي ، كما قدرتهم على العطاء والإبداع والتطور....
فالحضارة ، وكما هي البناء الايجابي لعموم البشرية ، فإنها نتاج عمل تفاعلي إنساني مع البيئة ، ناجم عن حرية العقل وقدرته على التحرك والإبداع والاستفادة من تجارب ونتائج إبداعات الغير كائناً من كان عرقه أو دينه أو مذهبه أو موطنه أو فلسفته في الحياة ، أي أنها عمل إنساني أساساً ، كما هي التنمية وكما هو التطور ، عمل إنساني عقلي لا علاقة له بالدين أو برجال الدين أو بالقائمين عليه بأي شكل من الأشكال ..... وواقعياً فإن الحضارة تشمل الحرية بشكل قد يكون أساسياً كما تشمل احترام حق الإنسان واحترام القانون الوضعي الذي يحكم الدول المتحضرة وفقاً لمصلحة مواطنيها جميعاً ، ذلك بعد أن خلعت عنها ثوب الجهل والتخلف والغيب والشعوذة والهذيان والهيجان ....وهي بذلك فقط استطاعت أن تقدم للبشرية أعظم الاختراعات الإنسانية كالكهرباء والبنسلين والسيارات والطائرات وحتى الدراجات العادية والموبايلات والكومبيوتر والتلفاز( وجميع الوسائل التي يستخدمها رجال الدين في وقتنا هذا ) ، وبذلك لا يصح أبداً أن يتم ربط الحضارة بالدين أو أية فكرة روحية أخرى ، فالحضارة الأوروبية مثلاً ليست ابنة المسيحية ، وليست ابنة للعلمانية فقط بل كانت ابنة لهزيمة الكنيسة أمام العقل، هذا دون أن ننسى ما ذكرناه سابقاً عن صناعة الإعلام وتزييف الخبر فليس كل الغرب منحط أخلاقياً وليست كل سافرة دون أخلاق .
والأخلاق ، كما هو الدين ، من الذات أولا ً ، من النفس البشرية ، من الضمير.لا يمكن فرضها تلقينا ً وحفظا ً بل يتم اكتسابها وراثة وممارسة ومتابعة تعليمية ، وتطبيقاً للقانون واحتراماً له .... والممارسة هي الأساس ، إما أن تجذب أو أن تنفر، فلأخلاق جوهر وممارسة كما هو الدين جوهر وممارسة ، والممارسة لا تأتي من الفراغ بل من العقل ، من التفكير ، وهي شكل من أشكال الإبداع والعطاء الحضاري الإنساني .
يذكر التاريخ أن بلادنا كانت هي الأساس في نشوء الحضارات القديمة فمنها استفادت وازدهرت الحضارة المصرية وكان البدء بالحضارة اليونانية ، ومنها أيضا ً كان اختراع العجلة والنوتة الموسيقية الأولى ، والأبجدية الأولى ، ولغة التجارة العالمية في حينه ( الآرامية ) ، وفيها تم جمع ووضع أول قانون في تاريخ الإنسانية ، ومنها بدأت الدعوة المسيحية بالانتشار إلى أنحاء العالم ، ومنها تثبتت الأسس التنظيمية الإدارية للدولة الأموية ومنها انتشرت وانطلقت الإبداعات الحضارية في القرن الثالث للهجرة تحديدا ً، حيث توقفت بعد سيطرة المفاهيم الدينية المغلوطة على المجتمع والإنسان رغم حصول بعضاً مما يمكن وصفه بال"طفرات" كما سبق وأن أوضحت خلال كتابتي "فكرة حول العلمانية" .
بذلك يتأكد بأن الدين بما هو جوهرا ً وتعاليما ً أخلاقية رفيعة ، ــ لا مفهوما ً سائدا ً نابعا ً من اجتهادات بشرية متوافقة مع ثقافة ومعرفة معينة وخلال مرحلة زمنية معينة وصولاً لأهداف محددة ــ ، لم يكن أبدا ً سببا ً للاقتتال وإهراق الدماء ، وهو أسمى بكثير من تلطيخه بأوحال السياسة والحكم والطائفية ، والمصلحة الفردية والطقوس الشكلية ، وأنزه تماما ً من استغلال اسمه لتحجيم العقل وإيقافه عن التعامل والعطاء والإبداع وتقييده بحدود وهمية. إضافة إلى أن الدين لم يكن أبدا ً غاية للحياة بل إنه وسيلة من وسائل السمو والتشريف والارتقاء بالحياة ، أما العقيدة الدينية فإنها عملية ارتباط روحية بالقدرة الإلهية الكلية التي لا يمكن إدراكها إلا بالعقل .
تاريخية الصراع :
تقول إحدى التعاريف بأن التاريخ عبارة عن سجل لإرادة بقاء مجموع إنساني ، وتسلسل لأحداث متلاحقة ومتطورة باستمرار ، إضافة إلى أنه علم استشراف المستقبل عندما يتعامل مع الحقائق والواقع لا الميول والرغبات .
يبدأ التاريخ علميا ً بظهور نظام صالح للكتابة ، إن أقدم نقوش كتابية وجدت هي النقوش السومرية التي يعود تاريخها إلى الألف الرابع قبل الميلاد ، وتبعتها الهيروغليفية ، كلا النظامين الكتابيين المختلفين في حروفهما ونطقهما ظهرا كنظامين تامين ، ــ تبقى الميزة الأهم للنظام السومري الذي لم يكن يعتمد التصوير كما هي الهيروغليفية ــ ، مما يدل على أن وراءهما تاريخا ً طويلا ً من التطور المستمر الذي تتابع مع ظهور الشرائع الوضعية الإنسانية الأولى في التاريخ ، والتي ساهمت في تثبيت الاستقرار وازدياد في القوة والثراء والتوسع ، بموجب المصلحة الخاصة لكل مملكة ، مما أدى إلى زيادة الشعور بالحماية الذاتية وفقا ً للاكتفاء الذي كانت به كل مملكة في حينه ، وضمن المحيط الجغرافي الخاص بكل منها ، ويبقى ذلك حتى اندحارها أمام مملكة أخرى .
يستمر الأمر على هذا المنوال بما يتضمنه من تمازج للشعوب السابقة واللاحقة ضمن المحيط الجغرافي البيئي الثابت ، على مر العصور التاريخية ، ونشوء الأمم مع اختلاف في المسميات والمواقع ، وصراع الممالك المتجاورة على السيطرة على الأرض الواحدة ، إن كان ذلك في بلادنا أو اليمن أو مصر أو الصين وصولا ً إلى أمريكا الجنوبية . مع الأخذ بعين الاعتبار أن لكل أمة خصائصها النفسية تبعا ً للمفاهيم الثقافية والنفسية وللتمازج ، والواقع البيئي .
استمر التاريخ في سيرورته ، نشأت أمم وممالك وتلاشت ، تبعا ً للمفاهيم الاجتماعية والتنظيمية والثروات الموجودة، والموقع الجغرافي ، واستخدام القدرات وتطويرها . والأهم ، إرادة التفوق ، وتملك أسباب القوة والبقاء وتطويرها باستمرار، وكمثال نذكر : السومريين ،الآشوريين ، الأكاديين، الفراعنة ،إسبرطة ، هانيبعل / قرطاجة ، الرومان ، زنوبيا / تدمر ، الفرس .
تملكت الدولة العربية أسباب القوة والتوسع المعروفة في حينه ، لا سيما عندما كان العرب الحكام الفعليين لها ، وذلك في عهد الخلفاء الراشدين والأسرة الأموية . فقد توسعت الفتوحات العسكرية حينها لتشمل شمال أفريقيا وشبه جزيرة ايبريا غربا ً، إلى الهند وشمالها شرقا ً، وحتى أسوار القسطنطينية شمالا ً.
كما كان للتوافق التام في جوهر التعاليم الدينية الواحدة برسالتيها ، وتلاقيها مع المبادىء الحضارية الأخلاقية في بلادنا ، الدافع الأساس للنهوض في المستوى الحضاري والفكري ، خلال عهود الانفتاح الثقافي والحرية التامة للعقل الإنساني .
يلاحظ عموما ً أن الدولة العربية قد اتخذت طابعا ً دينيا ً اسميا ً فيما بعد ، أما تسميتها العملية فقد كانت وفقا ً للأسر الحاكمة بدءا ً من الأمويين ثم العباسين ، كما لم يعد للعرب تأثير أساسي وواضح على مجريات الحكم والسياسة وإدارة الدولة منذ القرن الثالث للهجرة ، وهذا ثابت من خلال الوقائع التاريخية دون الدخول في تفاصيلها ..... وهكذا حتى انهيار دولة الخلافة العثمانية .
خلال المراحل المختلفة سيطرت مفاهيم متنوعة تسترت بقناع ديني ، كانت تهدف في الحقيقة للوصول إلى تحقيق الطموح الفردي ، أو القبلي/ العشائري ، أو العرقي ، وبمعنى أوضح : وصولاً إلى الحكم بأسلوب فردي ديكتاتوري مطلق تحت راية الدين ( كما كان الأمر في عموم العالم من شرقه إلى غربه مع اختلاف المسميات للألوهة ) مما أدى إلى التراجع في المستوى الحضاري والفكري ، وعوامل القوة ، وأوصل لاحقا ً إلى الضعف والانحلال ونشوء الإمارات والإقطاعيات ، التي تعود بمرجعيتها الاسمية والشكلية فقط إلى مركز الحكم أو الخلافة .
انتشرت اللغة العربية لدى الشعوب التي اجتمعت تحت القيادة المركزية القوية الواحدة وذلك من خلال ضرورة التعامل والدين وصولا ً إلى انتقال بعض القبائل العربية إلى أرجاء الدولة ــ خلال المراحل الأولى من التوسع والامتداد الجغرافي ــ ، لكن هذا الانتشار ضعف وتلاشى تقريبا ً لدى الشعوب الآسيوية والأوروبية البعيدة عن المركز والتي تغلبت فيها قوميتها وخصوصيتها على الانتشار الثقافي واللغوي ، إضافة إلى امتزاج الكثير من العرب ضمن القوميات الموجودة خلال مرور الزمن ــ رغم بقاء تلك الشعوب خاضعة للحكم المركزي الديني شكلاــ ، أما عن الشعوب والقوميات القريبة نسبيا ً من المركز فقد امتزجت بشكل أقوى مع العرب رغم ممارستها وفيما بعد شكلا ً من أشكال الحكم الذاتي والذي يعود بمرجعيته الشكلية والدينية إلى مركز الحكم . أما الشعوب التي كانت على تماس مباشر مع مركز الحكم فقد امتزج العرب معها تماما ً تأثرا ً وتأثيرا ً .
ترافق مرور الزمن مع التراجع الكبير في السيطرة المركزية ومع تنامي الشعور القومي في أوروبا ، مما سبب تقلص مساحات السيطرة والنفوذ الفعلية ومن ثم الانسحاب والتخلي عن شبه الجزيرة الإيبرية – اسبانيا / الأندلس -وعن أجزاء كبيرة من مساحة الانتشار والسيطرة لصالح ممالك شبه مستقلة عنها .
تبع ذلك العديد من التغيرات في أوروبا كان لها التأثير على المجريات والمفاهيم التاريخية في بلادنا ، يمكن الإشارة إلى ثلاثة محطات بارزة منها باختصار ، وضمن وقائعها المجردة :
المحطة الأول : غزو الفرنجة .
نشأ تحالف المصالح القوي في أوروبا ما بين أمراء الكنيسة وأمراء الإقطاع ، وبدأ التفكير بزيادة الثروة ، توجهت الأنظار نحو منطقتنا التي كانت ترد العديد من الأخبار عن الثروات الموجودة بها وفي كنائسها وقصورها ...... فبدأت حملات الفرنجة ضمن التحالف المذكور متسترة بغطاء ديني لإثارة الشعور العاطفي لدى القوة البشرية الأوروبية في حينه ، وكانت تهدف في ذلك أيضا ً إلى تحقيق مصلحة دينية مذهبية وهي استقطاب الاورتوذوكسية البيزنطية المشرقية والتي كان مركزها في بلادنا ، ولا داعي هنا للإشارة إلى ما نفذته هذه الحملات بحق مسيحيي البلاد من مذابح وتدمير ........ بدأت حملات الفرنجة واستولت على أجزاء كبيرة من بلادنا ، وفقا ً للتشرذم والضعف الذي كانت عليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية .
يلاحظ أن الحملات الأولى قد حققت تمازجا ً نسبيا ً وفقا ً للمدة الزمنية الطويلة ، إضافة إلى نشوء تحالفات عسكرية ومصلحية وسياسية متنوعة ما بين العديد من الأمراء المحليين مع الفرنجة . ورغم المحاولات المتعددة لاستقطاب مسيحيي البلاد فقد باءت محاولاتهم بالفشل ولم يتجاوب معهم سوى فئة قليلة العدد لأسباب يمكن اعتبارها من جراء التوافق في مصلحة المتنفذين الكبار منهم - كما كان الأمر مع الأمراء المحليين المسلمين - تم مقاطعتها من قبل باقي المسيحيين أبناء البلاد .
فيما بعد قدمت دفعات جديدة من الغزاة وتحطمت حالة الاستقرار النسبي التي كانت ، وذلك تزامنا ً مع الازدياد في النقمة وفي الوعي الوطني ، ثم كان ظهور نور الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي ، وحصلت المذبحة بحق حجاج بيت الله الحرام .
اعتمد صلاح الدين على أبناء البلاد السورية أساسا ً وبكل انتماءاته الطائفية والمذهبية ، وتشكلت حينها أول نواة لوحدة قومية حقيقية في التاريخ المتوسط لبلادنا ، ولم يكن هدف الحرب تحقيق مطالب دينية فقط .
تم الانتصار الجزئي ، ثم تلى صلاح الدين بعض التشرذم مجددا ً كان يقوى أو يضمحل تبعا ً للمصالح والقوة والأهواء الشخصية ، حتى تم تحرير البلاد.
المحطة الثانية : محاكم التفتيش.
بعد الانسحاب من اسبانيا ( الأندلس ) ــ وللمفارقة مع ما يحدث حاليا ً فقط ، فإن أدبيات العديد من "المؤرخين والباحثين" العرب تؤكد بل وتجزم بأن فتح الأندلس ما هو إلا " تحرير؟؟؟" لأهلها من الظلام ، وأن معركة بلاط الشهداء كانت المانع من "تحرير؟؟؟؟" أوروبا بكاملها ، وكأنهم يتعاملون بذات النهج وذات الأسلوب الذي تتعامل به السياسة الأميركية تجاه منطقتنا مع الاختلاف في التعابير المستخدمة فقط ــ ، ظهر في أوروبا نواة لنهضة فكرية ثقافية علمية ، تم تحجيمها بمحاكم التفتيش التي أوجدت كوسيلة دفاع أساسية لتثبيت سيطرة المفاهيم الدينية والتحكم باسم الدين ، وتؤكد معطيات التاريخ أنها لم تكن موجهة أساسا ً لإنهاء العنصر العربي والديني ، بل كانت وفي الدرجة الأولى لقمع الأفكار التنويرية والإصلاحية ، والعلمية والثقافية ، ومحاولات تحديد الهوية القومية التي بدأت بالظهور في فرنسا واسبانيا وايطاليا ، وتم استغلالها لطرد اليهود الذين كانوا متحكمين بأسباب الثراء والاستغلال ، الأمر الذي أدى بهم إلى الهجرة الكثيفة إلى تركيا والمغرب ــ في حينه ــ .
استمرت محاكم التفتيش طويلا ً من الزمن وسببت بالكثير من المشاكل وإهراق للدماء وإيقاف للعقل والتحكم بالإنسان باسم الدين ، حتى تم تثبيت فصل الدين عن الدولة .
المحطة الثالثة : الاستشراق .
بدأت القوى الأوروبية العظمى بالظهور مثل اسبانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا والنمسا ، وكذلك روسيا بطرس الأكبر، ثم بدأ التوسع وإرسال حملات الاستكشاف إلى شتى أنحاء العالم حتى وصلت إلى الصين والأمريكيتين. (بمعنى آخر أنها لم تكن موجهة فقط إلى المنطقة العربية والإسلامية) وبظهور نابليون بونابرت اعتبرت فرنسا قومية عظمى في أوروبا ، وتوسعت مملكته فيها توافقا ً مع طموحه بالوصول إلى أماكن الثروة وحكم العالم ، فبدأت حملاته العسكرية إلى مصر وفلسطين والتي نجم عنها بعض الأمور الإيجابية من حيث العلم والثقافة كاكتشاف حجر رشيد – يمكن التنويه هنا إلى أن كافة البحوث الأثرية الأولى كانت تهدف إلى إثبات الحقوق الإلهية المزعومة لليهود في أرض الميعاد – والتي اضطر إلى التراجع والانسحاب منها ، حتى تم تحطيمه بعد تضافر القوى الأوروبية العسكرية ، تزامنا ً مع البدء بإرسال مستكشفين للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية في منطقتنا ، أطلق على هؤلاء اسم المستشرقين .
منهم من قدم لأهداف علمية ثقافية بحتة توافقا ً مع عصر النهضة في أوروبا ومنهم من قدم لأهداف سياسية . ومن الطبيعي أن أي مكتشف كان محكوما ً أساسا ً بالثقافة التي ينتمي إليها كما تتغير وتختلف أساليبه (عسكرية مباشرة ، مدنية ....) وفقا ً لتغير الزمن وأساليب الإدارة ، والتكنولوجيا ..... ومن الطبيعي ألا ينحصر ذلك في المستشرقين الأوروبيين فقط .
أدى ما ندعوه بالإستشراق ولا سيما منه كتابات الذين اهتموا بالدراسات السياسية وإبراز الجوانب والعلاقات الاجتماعية الخاطئة ، والممارسات الدينية التي كانت منتشرة بغالبيتها بعيدا ً عن جوهر وحقيقة الدين ، أدى إلى حدوث نوع من الصدمة العاطفية تجاه كل ما هو غربي لدى العديد من الدارسين والباحثين العرب ، الذين طغى عليهم الشعور العاطفي ، مهملين بذلك الكثير من الدراسات والكتابات التي أبرزت الجوانب الحضارية الروحية الدينية والنفسية الاجتماعية ، الإيجابية .
أما عن الاستشراق الحديث فيمكن القول بأنه يبحث عن الحقيقة المجردة دون أي تحيز ، ونذكر في هذا الخصوص : غوستاف لوبون ، زغريد هونكة ، صموئيل كرومر وكيت وايتلام ، وغيرهم .
نستطيع القول بأن الاستشراق حمل وجهين متناقضين ، الأول منهما علمي اجتماعي ثقافي أثر نسبيا ً في تطوير وتغيير بعض المفاهيم من خلال الاحتكاك المستمر الطويل ، والثاني سياسي بحت استهدافا ً لتحقيق مصالح الدول وتمهيدا ً للسيطرة واستغلال مناطق ثروات جديدة ،ــ دون أن ننسى أن هذه المصالح تنوعت وتوزعت في أنحاء العالم كافة لا في منطقتنا العربية فقط ــ ، وتبعا ً لعناصر القوة التي كانت تمتلكها الدول.
وقد وافقت المصالح أحيانا ً ما بين الخصوم ، كما هو الأمر في تجربة محمد علي باشا في مصر ، حين أرسل بعثات دراسية إلى أوروبا للاستفادة من النهضة الأوروبية ، وبدأ بعدها بتطوير وتنظيم قدراته الذاتية نسبيا ً مركزا ً على النواحي العسكرية ، وحاول توسيع منطقة نفوذه وسيطرته بالتوسع شمالا ً مما شكل تهديدا ً مباشرا ً للعثمانيين ، ( يمكن هنا ملاحظة أنه ورغم كونه تابعا ً لمركز الحكم – الخلافة – فقد حاول الحصول على مكتسبات خاصة تزيد من نفوذه ومن ثروته ، ويجزم العديد أن غرضه لم يكن تحقيق وحدة ما.....) ، توافقت مصالح العثمانيين مع مصالح الأوروبيين في حينه ، فتم دحره وتحجيم طموحاته ثم إرضاؤه نسبيا ً، بتركه مع ذريته حكاما ً لمصر... !
من المهم هنا الإشارة إلى واقعة كان لها التأثير الكبير على منطقتنا فيما بعد ، حينما انعقد المؤتمر اليهودي العالمي في بازل – سويسرا وخرج بخطة عمل ، يمكن تطبيقها على مراحل تكتيكية تبعا ً للسيطرة المالية على رأس المال العالمي ، وما يتبعه من سيطرة سياسية . ونذكر في هذا السياق ما قاله " بنيامين فرانكلين " في أميركا، وأعمال بالمرستون ودزرائيللي في بريطانيا ، وبدأ منذ وقتها التنفيذ العملي للصهيونية العالمية .
...............................................
...............................................
من خلال جميع ما تم ذكره نستطيع التأكيد بأن المصالح المتوافقة مع القوة اللازمة لتحقيقها ، كانت هي السبب الأساس في نشوء الدول والممالك والإمبراطوريات في كل مكان في العالم ، لا نستطيع أن نذكر كامل وقائع الطموح الفردي أو الجماعي وصولا ً إلى مصلحة ما ، والذي سبب العديد من المتغيرات والانقسامات على مستوى الدول أو الممالك والإمبراطوريات(- وحتى على مستوى الدين - )، سواء أكان هذا في نشوئها أو اضمحلالها ، لكن نستطيع التأكيد أن الواقع الحقيقي لتاريخ كل الممالك والدول ، ومنها العربية ، لم يكن سوى مجموعة من التواريخ التي تروي تجارب متعددة متنوعة ومختلفة مع بعضها ، امتدادا ً وزمانا ً ومكانا ً ، وتدخل ضمن إطار عام هو تاريخ مصالح أسرية عشائرية مهما كان تسمياتها أو جنسياتها خلال العديد من الحقب الزمنية .
فيما بعد ، حمل القرنان التاسع عشر والعشرين تلاحقا ً في الأحداث وتغيرا ً في المعطيات والمفاهيم الفكرية والثقافية . ونظرا ً لتوافق الاستمرارية التاريخية مع العديد من المفاهيم التي لا تزال منتشرة في منطقتنا لغاية الآن ، فلا بد من النظر إلى مجريات الفترة باختصار ، رغم شموليتها ، ولا سيما ما يتعلق منها ببلادنا ، ويمكن تقسيم ذلك إلى المحطات الست التالية :
المحطة الأولى : العاطفة والتنوير .
خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، بدأت الأفكار والطروحات القومية بالظهور في منطقتنا من خلال المتنورين من أبناء سورية . حمل جميعهم لواء الدفاع وتعميق ونشر الثقافة واللغة العربية ، وكانت أفكار وطروحات أغلبهم متوافقة تماما ً مع الجوهر الديني الواحد وتؤكد أن أقوى وأمتن أنواع الوحدة إنما هي وحدة الذين ينتمون إلى الأرض الواحدة والنفسية الواحدة ، وبدأت محاولات نشر فكرة ضرورة تحقيق المصالح القومية والاجتماعية في النهوض الفكري والثقافي والعلمي والاقتصادي والوطني ، ضمن بيئة طبيعية متجانسة .... لم تحقق هذه الأفكار قبولا ً واسعا ً بسبب سيطرة المفاهيم المتوارثة منذ أجيال تحت حكم إفرادي بمسمى الخلافة الدينية من جانب ، وهيمنة القوة العثمانية من جانب آخر، إضافة لوجود بسيط لطبقة يمكن تسميتها مثقفة حسب المفهوم الثقافي السائد خلال تلك المرحلة الزمنية ، والتي انقسمت فيما بين مؤيد ومعارض للأفكار المذكورة وفقا ً لتأثير المفهوم الديني ....... فلاقت الأفكار التي كانت تدعو للقومية العربية الشمولية التي تضع الدين عنصراً أساس في الانتماء ، قبولا ً واسعا ً لدى طبقات عديد ة من المواطنين تحت صدى الشعور العاطفي بضرورة إعادة مركز الخلافة إلى مكانه الأساسي ...... وتحت السيطرة العربية ، - دون الخوض في التفاصيل التي كتب عنها الكثير- .
المحطة الثانية : الوصاية والسلخ والتفتيت .
نشبت الحرب العالمية الأولى لتحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية ، وانقسم العالم فيها إلى قسمين ، حينها طرحت القومية العربية الدينية نفسها كمشروع تحرري من السيطرة العثمانية .
يمكن القول بأن الأمور السياسية والمصلحية التي كانت في حينه ، لم تكن في متناول أو ضمن معرفة الشعوب العربية والجنود العرب المشاركين ، الذين تم التغرير بهم تماما ً في هذه الحرب التي كانت ، تطبيقا ً للمصالح الاقتصادية لرأس المال ، وتمهيدا ً للتقسيم .
انتهت الحرب ونشبت "الثورة" الروسية وتم انعقاد مؤتمر جنيف وتوزيع تركة "الرجل المريض" لمصلحة الدول المنتصرة في الحرب ، وتم كذلك إرضاء الشريف حسين وذريته . ثم كان الإعلان رسميا عن وعد بلفور وتم توقيع اتفاقية سايكس/ بيكو ــ بعد أن تم ترتيبها قبل الوعد المذكورــ . وظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كعنصر حاسم في مجريات الأمور السياسية والاقتصادية ، والصراع العالمي .
تكونت عصبة الأمم من الدول المنتصرة في الحرب تحت غطاء إنساني شكلا ً ، يعلن أنه من الواجبات الإنسانية قيادة الدول المتحضرة للدول غير القادرة على قيادة نفسها ، ومساعدتها للنمو في الإطار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .0 ويهدف عمليا ً إلى تقاسم ثروات العالم ذاك الوقت تحت عنوان "الوصاية والانتداب" ....... ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن نص الوصاية المعتمد من قبل "حكومة صاحبة الجلالة " ، ــ وثيقة الانتداب البريطاني على أرضنا في فلسطين وبموجب مقررات الشرعية الدولية ــ يتضمن ما سيرد لاحقا ً في وعد بلفور وبخاصة المواد 2 و 4 و 6 من نص الوصاية . ومن الملاحظ أن تأثير رأس المال العالمي كان قد بدأ عمليا ً بالظهور على الساحة الدولية ، وتبين نسبيا ً مدى تأثيره السياسي وفقا ً لسيطرته المالية .
حصل المؤتمر السوري الأول الذي كان نتيجة لتنامي وتطور الفكر السياسي مرحليا ً من خلال بعض الجمعيات الوطنية ، انعقد عام 1920 من قبل ممثلين عن البلاد السورية ، وكان عبارة عن إثبات وجود وطني حمل دلالات واضحة ومباشرة في تحديد وتثبيت معنى الهوية القومية ، الأمر الذي أثار الانتباه من الغير إلى المد القومي اللاهب الذي حدد أن سوريا الكاملة الواحدة هي المركز والأساس للوحدة العربية . فتم نتيجة لذلك تثبيت حدود الكيانات السورية ضمن سوريا الطبيعية ، وسلخ لواء اسكندرون بعدها .
المحطة الثالثة : الأمم المتحدة والتوطين .
تم تكوين منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وتثبيت هيمنة "القطبين" على العالم ، وذلك مع البدء بتزايد الهجرة اليهودية إلى أرضنا في فلسطين ضمن هجرات محمية لتطبيق وتوسيع الاستيطان وتشكيل المستعمرات . توافقا ً مع مصلحة رأس المال العالمي وتوافقا ً مع الوعد المزعوم . وبالتزامن كذلك مع إخراج إعلامي سياسي لما يسمى " مأساة اليهود مع النازية " .
ترافق ذلك مع توزيع العديد من الأقطار في أفريقيا والعالم كمناطق نفوذ بسيطرة غير مباشرة ، عن طريق الحكام أو الأحلاف والتحكم بالشؤون الاقتصادية والمالية وما يتبعه ذلك وتشكل عمليا ً حلفا " وارسو" و" الأطلسي ".
ما يهم أن اتخاذ القرارات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ، وتطبيقهما ، لم يكن إلا لمصلحة الدول القوية المسيطِرة ، وتحت غطاء ما يسمى بال "الشرعية الدولية" ( كان ، ولا يزال ) . اضطر الأمر أحيانا ً إلى التدخل العسكري المباشر أو بالوكالة وفي أنحاء مختلفة من العالم لفرض مصلحة معينة .
فيما يتعلق بالدول العربية ، فقد تحررت تباعا ً بعد الحرب العالمية الثانية وعلى فترات ، وبموجب قرارات دولية مختلفة ، منها ما كان علنيا ومنها السري ، وتكونت أقطار عربية جديدة تزامنا ً مع توقيع اتفاقيات التنقيب عن النفط في أماكن وجوده المعلنة ، أو غير المعلنة .
المحطة الرابعة : النكبة والتقسيم .
كانت الأفكار والقرارات المتعلقة بتقسيم فلسطين سببا ً مباشرا ً لإذكاء الشعور العاطفي لدى أبناء المنطقة وبخاصة سوريا ومصر، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرارات سريعة ومباشرة بدخول الحرب ، تم تشكيل ما سمي بالجيش العربي تحت قيادة الأمير عبدالله ، دون وجود تنسيق عسكري وأية خطط واستراتيجيات عسكرية سياسية ، ودون الانتباه أو الأخذ بعين الاعتبار ، واقع الارتباطات السياسية والمصلحية لدى بعض القادة في حينه ، ومن هم .......
رغم المكاسب والتضحيات والاندفاع والبطولات فقد صدرت أوامر الانسحاب والخيانات ، والهزيمة ، وما سمي ب " نكبة" /1948/ . وصدر عن الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين وتثبيت وجود وحدود لكيان دخيل على تراب بلادنا . وكان للنتائج المترتبة من جراء تقسيم سوريا الطبيعية بكيانات سياسية مصطنعة وكيان عنصري دخيل ، سببا ً رئيسا ً في الشحن العاطفي الجماهيري في حينه .
المحطة الخامسة : التدويل والشرعية الدولية .
يلاحظ أن الفكر السياسي في بلادنا خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، كان عاطفيا ً ومتعصبا ً ومتطرفا ً بغالبيته وإلغائياً للآخر في كثير من الأحيان ، ويمكن توصيفه بالفكر غير المتقدم أو غير المتطور على المستوى الشعبي العام . الأمر الذي كان يتسبب بالاستجابة المباشرة لأي توجه فكري يستطيع التحكم – عاطفياً - بتوجهات المجموع على المستوى السياسي والشعبي ، ومجابهات سياسية لا عقلانية تطورت في بعض الأحيان إلى صدامات دموية ، وتم اتخاذ مواقف متطرفة شعبيا ً ومدفوعة عاطفيا ً ، تجاه بعض التنظيمات أو الأحزاب ، دون إجراء دراسات لواقع ومبادىء وحقيقة الأفكار العقائدية والوطنية المتعلقة بها .
لا يمكن الخوض بشكل عميق في أحداث المنطقة عامة ، من الممكن الإشارة إلى حدوث العديد من التفاعلات السياسية والوطنية على الساحتين السورية عامة والمصرية ، وما سببته نتائج هزيمة /1948/ من تغيير في الخارطة السياسية .
نشبت حرب السويس التي كان التفاعل العاطفي معها حادا ً وقويا ً من جميع التيارات السياسية والشعبية ، تبع ذلك الشحن العاطفي قيام الوحدة الاندماجية الفورية ما بين سوريا ومصر دون وجود العديد من المقومات الداعمة لها ، وما تبعها من البدء بتطبيق سياسات المراقبة الأمنية ومنع الأحزاب والتجمعات والتنظيمات الأهلية ، والبدء بالعمل بأسلوب رأسمالية الدولة ، والحاكمية الدائمة المطلقة في الدول العربية .
فشلت الوحدة واستمرت محاولات تحقيقها وتحقيق وجود القوة – لغايات مختلفة منها ما كان معلن ومنها العكس-، وفي اتجاهات مختلفة وبأساليب منوعة وضمن العديد من الدول العربية ، إضافة إلى الضغط على العديد من الأحزاب العقائدية ، الأمر الذي تسبب في حدوث الكثير من الشروخ السياسية والشعبية والعاطفية ، وإلى الوصول بالنتيجة إلى مفهوم المجتمع الواحد لا الموحـَّد، والدولة الأبوية لا المؤسساتية .
خلال عام /1964/ تم اتخاذ القرار المشترك من جميع القوى السياسية القيادية في العالم العربي ، بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا ً ، باعتبار القوة العربية المشتركة التي يمكن تحقيقها بالوحدة العربية ، الأمر الذي أدى واقعيا ً إلى شمولية في الرأي والتوجهات والأحلاف ، والارتباطات والأهداف ، والسياسات . والنتيجة المنطقية كانت القبول حتما ً بتدويل المسألة الفلسطينية ، أي إخراجها مجددا ً من نطاق مركزيتها وتسليمها للغير ، تحت اسم الشرعية الدولية .
المحطة السادسة : حرب1973 .
حصلت " نكسة"1967 ، وتم احتلال أراض سورية ومصرية جديدة ، بدأ الكفاح الفلسطيني المسلح ، وكانت لاءات الخرطوم الشهيرة ، ثم المطالبة العربية الجماعية إلى الشرعية الدولية باستعادة الأراضي التي فقدت عام 1967 ...... فقط .
خلال فترة بسيطة من الزمن ، تشكلت القناعة التامة بضرورة الابتعاد عن النهج العاطفي في التعامل ، وكان التخطيط الاستراتيجي والتكتيكي السليم الذي ترافق مع وجوب تحقيق نقلة نوعية توافقا ً مع الوضع الطبيعي في إيجاد جبهة فاعلة من الدول العربية وفقا ً للمصلحة الاستراتيجية المشتركة ، فكانت حرب 1973 ، وتم إثبات المقدرة على إمكانية الخروج من الضجيج الإعلامي الفارغ إلى هدوء التخطيط الاستراتيجي وهدير الفعل التأكيدي ، ــ دون الخوض في تفاصيل الحرب ومجرياتها ــ .
بدل هذا التفاعل السليم والجديد من نوعه في موازين القوى ، مما أدى إلى تغيير في التكتيكات والخطط وأساليب تنفيذها ، وانتهى بالنتيجة إلى التغيير في نهج بعض الأنظمة العربية وإلى التوقيع على معاهدة كامب ديفيد ، وإخراج مصر من الصراع .
.......................................
.......................................
من خلال مجريات الأحداث المذكورة كافة ، وبخاصة في الفترات الأخيرة منها ، كان قد تعمق ووضح دور وعمل الشركات متعددة الجنسية ، وقوي دور البنك الدولي ، وتم تأكيد سيطرة رأس المال العالمي على الإعلام وعلى مراكز اتخاذ القرار العالمي ، ووضح دور المخابرات المركزية الأمريكية في التأثير المباشر وغير المباشر على العديد من الأحداث العالمية ــ واغتيال الرئيس الأمريكي كيندي ــ ، وأثبتت الولايات المتحدة الأمريكية قدرتها على استقطاب واحتكار أغلب العقول العلمية وحققت إنجازات علمية كبيرة .
إضافة إلى ما تقدم ، فقد أصبحت تتردد بازدياد الاتهامات المتعلقة بمعاداة السامية ، وبدأت كذلك تتوالى وتتسارع الأحداث والتغيرات على الساحة الدولية . ويمكن القول بأن العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي شهدت تغييرات لعدة أيديولوجيات وأنظمة ، وتغيرا ً في العديد من التحالفات والمواقع ، وتطبيقا ً للكثير من المخططات العالمية ، وشهدت كذلك ظهور محدود لقوى إقليمية بدأت بمحاولة فرض وجودها على الساحة العالمية كالصين( التي عملت على تطبيق خططها الاستراتيجية المتعلقة بمصالحها معتمدة على ثرواتها وقدراتها وخصائصها النفسية ، وتزيد من قوتها ، دون ضجيج ) ، ودول جنوب شرق آسيا ( التي تمت السيطرة عليها من جراء التضييق والحروب الاقتصادية ، وإثارة النعرات الإثنية والمذهبية الطائفية ) ، واليابان ( التي حافظت على خصوصيتها وارتضت لنفسها بعد الضغط نهجا ً معينا ً) مرورا ً بالهند ( دولة نووية ومتقدمة تكنولوجيا ًوذات ارتباط وثيق مع العديد من الشركات العالمية ) وباكستان ( استطاعت تصنيع القنبلة الذرية وذات ارتباطات مصلحية متعددة ) وإيران وغيرها. دون نسيان التكتلات العالمية مثل منظمة آسيان ، والإتحاد الأوروبي ، والدول الغنية ، إضافة إلى حدث مهم جداً وهو انضمام جزر القمر إلى العالم العربي ......

يهم التنويه إلى أن الاستراتيجيات العالمية المتعلقة بأسلوب وكيفية التعامل مع الدول والأنظمة والقوميات المختلفة ، ترتبط مع بعضها بشكل أو بآخر، فكل تطور أو تغيير اقتصادي أو تكنولوجي ، وكل حدث أو تغيير غير متوقع سياسي أكان أم اجتماعي أم عسكري وفي أية منطقة من العالم ، يؤثر بطريقة ما على مجريات الأحداث والاستراتيجيات . ومن هنا كان تشكيل ما يسمى مكاتب الأمن القومي ، وإعطاءها الأهمية الكبرى في الحصول على المعلومات وتقديم النصائح والإرشادات والتوجيه ، إضافة إلى مراكز الدراسات الاستراتيجية العامة . ووضع خطط مختلفة لكل منطقة من العالم تطبيقا ً لجميع الاحتمالات الممكنة .
ويمكن القول عمليا ً، بأن الفعل الذي حققته الإرادة السورية قبل وخلال وبعد حرب 1973 ، قد سبب تغيرا ً في الاستراتيجيات السياسية والتطبيقية المرتبطة عموما ً بالمصالح المالية ، والمتعلقة بمنطقتنا . وبدأت تتحول باتجاه إعادة تحطيم القدرات ، وتفتيت البلاد مجددا ً. إضافة ، فقد كانت تهدف إلى السيطرة التامة ، والمباشرة ، على أماكن وجود الثروة في البلاد العربية، هذا جميعه تزامنا ً مع الخطط المتعلقة بالعالم ومنها تحجيم ما يطلق عليه اسم " الدب الروسي " . وكان السبيل الأنجح لذلك هو الضغط الاقتصادي والعسكري والاجتماعي والنفسي، والتحكم بردود الأفعال العاطفية تحت شتى المسميات والذرائع ، مثل حقوق الأقليات واستغلال المشاعر العاطفية الطائفية والمذهبية، والعرقية ........ مع ملاحظة أن نظريتي فوكوياما وهينتنغتون قد ظهرت إعلانيا ً وإعلاميا ً ومناقشة ً ، في حينه .

تتابعت الأحداث متلاحقة ، نشبت الحرب الأهلية في لبنان وانغمس الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ، ونشبت الأحداث الطائفية المدفوعة في سوريا ومصر، اشتعلت الثورة في إيران وطرد الشاه ، تم اجتياح لبنان ، حرب الخليج الأولى ، خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وما تبعه من اقتتال بين أمراء الحرب ، ظهر مشروع حرب النجوم ، انهار الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو ، وصولا ً إلى حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد ، ثم حرب البلقان والنظام العالمي الجديد وإنشاء قوات التدخل السريع ......... وحصل كذلك ، وبالتزامن ــ صدفة ً فقط ؟ ــ ، ازدياد في الحركات الانفصالية ، والتوترات ، والمذابح الدموية القائمة على أساس عرقي أو طائفي أو مذهبي وفي أنحاء مختلفة من العالم ، وتم التحكم المباشر في أماكن وجود النفط العالمية . ثم محاولات التهجير المنظم للمسيحيين من البلاد ، مع مشروع الشرق أوسطية الذي طرحه حمامة السلام بيريز، ترافقا ً مع العولمة ........... ثم تصنيع وَهمْْْ بن لادن ومطاردته باسم العدالة ، وصولا ً إلى برجي التجارة واحتلال أفغانستان ، إلى العولمة والنظام التجاري العالمي ، وثم .....الديموقراطية الأمريكية والزرقاوي والقوميات الثانية في الوطن الواحد والشيعة والسنة والأزيدية و اغتيال الحريري ، ثم وصولاً إلى ما يتم التوجيه لحدوثه في المستقبل القريب والبعيد ....................

جميع هذه الأحداث وغيرها ، كان المستفيد الوحيد منها رأس المال العالمي ومن يدور في فلكه ، بازدياد في هيمنته وتحكمه بمقاليد السيطرة المباشرة على الثروات الطبيعية والاقتصادية في العالم ، وإثباته إمكانية استخدام القوة في أي زمان ومكان ، ولمصلحته .

نلاحظ إضافة ، أن ما حصل من حروب أهلية خلال العقود الأخيرة من القرن المنصرم ، كانت بأغلبها حروبا ً بالوكالة من قبل آخرين ، يمولونها ويغذونها لتحقيق مصالحهم . وكان يتم التركيز على أغلبها إعلاميا ً باعتبارها حروبا ً طائفية ، مثل الحرب الأهلية في لبنان ، حرب البلقان ، ماليزيا ، الفيليبين ...... وما كان يحصل في أيرلندا الشمالية ، الهند وباكستان ...... ونذكـّر بأن خروج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان كان بواسطة استغلال العصبيات الطائفية المذهبية وبدعم كبير ومباشر من الولايات المتحدة الأمريكية ....... تبع ذلك لاحقا ً أحداث طائفية عنصرية غير مسبوقة في مصر، إن كان ذلك من خلال قتل السياح أم حوادث في قرى بأكملها ، مع ازدياد في بربرية وهمجية المذابح التي حصلت وتحصل في الجزائر .

جميع الأحداث المذكورة ، وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره ، كان يتم التركيز عليها إعلاميا ً ــ كما أوضحت سابقا ــ وبشكل مركز ، وكأنه يستهدف الوصول إلى حالة من التعبئة والتهيئة العاطفية النفسية تمهيدا ً لما سيحصل ؟ وبالمقابل ، كان التركيز الإعلامي على التفجيرات المختلفة التي استهدفت رموزا ً أمريكية معينة ــ التفجيرات السابقة لاستهداف برجي التجارة ــ ، ومع إظهار الولايات المتحدة الأمريكية المدافع القوى عن الإنسان وحقوقه من جراء تدخلها وفرض تدخل الغير، في الصومال والبلقان ، ودعوتها لحماية حقوق الأقليات ........... هذا من جانب ، ومن الجانب الآخر، كان قد جمد عمل وأداء غالبية الأحزاب العقائدية لقومية أو الوطنية العربية وتراجع انتشارها وتأثيرها ، بسبب أنظمة الحكم إضافة إلى عوامل أخرى ، تزامنا ً مع الازدياد في التركيز على اعتماد رابطة العقيدة الدينية باعتبارها وسيلة الإنقاذ وتغيير الواقع ، باعتبار أن لا وجود للبديل ......... توافقا ً مع التكاثر غير المنطقي في نسب التكاثر السكاني ضمن منطقتنا ومع تراجع معدلات النمو وازدياد نسب البطالة ، وانهيارات اقتصادية غير معلنة .
وما يفترض التنبه له ، هو التناغم التام في المصالح العالمية ، سواء أكان ذلك في العالم كاملا ً، أو إفراديا ً، أو التكتلات الاقتصادية .... وكذلك في أنظمة الحكم في العالم العربي والدول المحيطة ، وصولا ً حتى إلى قطر وموريتانيا ، - وجزر القمر كذلك - ....... مع الأخذ بعين الاعتبار أن لكل تجمع ، أو نظام حاكم ، أو دولة ، أوضاعها وشؤونها ، ولا يمكن أن تعامل مع الغير إلا وفقا ً لمصالحها ، واستراتيجيتها .................
نتيجة :
من خلال ما تقدم جميعه ، يتأكد أن :
أولا ً : لا صراع ما بين الشرق والغرب فقط ، فالموضوع بأسره يتعلق بتحقيق مصالح اقتصادية سياسية ، لأمم وشعوب مختلفة ، إن كان بالتحكم المباشر أو غير المباشر، وعلى مدى العصور التاريخية كافة . تطور فيما بعد ليصبح صراعا ً يهدف إلى تحقيق مصلحة رأس المال العالمي ومن يسيطر عليه ( وما كان قد حدث ، ويحدث ، من استنزاف للثروات في المكسيك أو الأرجنتين أو البرازيل ، خير مثال) . ومن يدري كيف سيكون الصراع مستقبلا ً بعد الإعلان عن اكتشاف وجود المياه والجليد على كوكب المريخ .... والنزول واستثمار الثروات على الكواكب الأخرى .... ؟؟ .
ثانيا ً : لا يمكن للعاطفة بمفردها أن تحقق شيئا ً، أن نكون عاطفيين فذلك بمقدار التعامل الأخلاقي الإنساني الحضاري النابع من بيئتنا ونفسيتنا الحضارية الأخلاقية أساسا ً، لا بمقدار الاندفاع وتجاوز المحاكمة العقلية السليمة وتشتيت الجهود ، جميل أن نحلم بالقوة والنصر، لكن الأجمل أن نخطط سليما ً وبنهج حضاري استراتيجي لتحقيق ما نهدف إليه وما نحلم به ، وأن نتطلع إلى المستقبل بدلا ً من التشبث بالماضي وأحلام اليقظة والصراع مع الهواء، وأن نكون واقعيين لأننا " إن لم نكن أقوياء بأنفسنا فلن نكون أقوياء بغيرنا".
ثالثا ً : إن ما جرى ويجري ليس بحرب دينية بأي شكل من الأشكال ، وإن كان الغير يهدف إلى استغلال اسم الدين وإثارة العصبيات الطائفية والمذهبية فمن المتوجب علينا جميعا ً ، باعتبارنا من بلاد مهد الحضارات الإنسانية وانطلاق التعاليم الإلهية الواحدة ، أن نوضح للعالم أجمع الجوهر الحقيقي للدين الإلهي الواحد وأنه براء مما يدعيه الكثيرون ، إضافة إلى أنه أسمى من تلطيخه بأوحال السياسة والطائفية والمصالح المادية ، وأنه ليس شكلا ً بل إنه أخلاقا ً وممارسة ً إنسانية ً رفيعة ــ لم أقل بشرية ً لأن مفهوم الإنسانية يحمل في طياته معنى حضاريا ًفاعلا ً-ــ ، وأنه ليس رفع الصوت من أجل حق ارتداء الحجاب أو الشادور في المجتمع الأوروبي الذي هاجر إليه من هاجر مع علمه يقينا ً أنه مجتمع غير مألوف أو متوافق معه وعاداته وتقاليده .
أما العقيدة الدينية فإنها ( وكما ذكرت سابقاً ) عملية ارتباط روحية بالقدرة الإلهية الكلية والتي لا يمكن إدراكها إلا بالعقل ، وهي تبتعد عن رابطة الانتماء أو الارتباط بالأرض ، وإلا لكان من حق كل مسيحي في العالم الحصول على جزء من موطن السيد المسيح عليه السلام ، ومن حق كل مسلم في العالم للحصول على جزء من موطن الرسول محمد ......... لا من أي رابط أرضي يجمعنا مع الفرنسيين أو الإيرانيين ، الشيشان أو الفيتناميين ، الأفغان أم الأمريكيين ، الهنود أم الباكستانيين .. يجمعنا معهم جميعا ً بأننا وهم سنحاسب على إيماننا ، وأعمالنا الأرضية ، وعلى التزامنا بتطبيق تعاليم الله الخيرة لعوم الإنسانية، وعلى التزامنا بتطبيق تعاليم الجوهر الديني الواحد .
لكننا نجتمع معا ً وبشكل تام ، في انتمائنا لأرضنا وثقافتنا النابعة من عهود التاريخ لغاية الآن ، نجتمع مع أهلنا في العراق كاملا ً والأردن وفلسطين ولبنان وبشكل أكثر تمييزا ً، ونجتمع كذلك مع العرب بشكل أقوى وأعمق من اجتماعنا مع الغير ، ونجتمع أيضاً مع كل من يحترمنا ويحترم إنسانيتنا ورأينا ووجودنا وحريتنا ....... والعكس صحيح تماما ً، وبالمطلق .
لنتذكر بأن التراب لم يفرق بين دماء المنتمين للوطن ، إن كان ذلك بالشهداء في المعارك العسكرية والحروب المختلفة على امتداد التاريخ ، أو من خلال أحبائنا وأهلنا المتوفين . ولم تفرق سجون الاحتلال وقنابله ورصاصه بين طوائف ، أو مذاهب ، أبناء الأرض الواحدة والوطن الواحد . وما حدث في لبنان وما يحدث اليوم في فلسطين والعراق خير دليل على ذلك .
ليس في بلادنا السورية ما يسمى عيشا ً مشتركاً أو تعايشا ً مشتركا ً . إننا نعيش عيشا ً تاما ً على أرض واحدة وضمن مفهوم قومي مواطني واحد .فلم يكن المسيحيون وافدين إلى بلادنا ، بل كانوا جميعا ً منذ القدم ولا يزالون مع غيرهم من عموم المواطنين - بغض النظرعن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية - ، شعبا ً واحدا ً يحيا في وطن واحد وعلى أرض واحدة ، بإيمان بإله واحد ، بفلسفة حياتية مادية نفسية واحدة ، بمصلحة وطنية قومية واحدة .
إن مفهوم التعايش يعني بصراحة أنه لا يمكن للطوائف والمذاهب العيش معا ً على أرض واحدة إلا لسبب معين ، وتنتفي الحاجة لهذا العيش لانتهاء السبب . وبمعنى آخر لنفترض وجود طرفان ما ، متخاصمان متقاتلان لا يمكنهما الاتفاق ، اضطرا لسبب ما ولظرف قاهر ما ، أن يتواجدا ضمن مكان واحد يجمعهما معا ً ولمدة غير محددة . إنهما بذلك يضطران للتعايش ، أي للتظاهر، بالتوافق والتلاؤم والوفاق ، مع أخذ حذرهما وكل بطريقته ، من بعضهما بعضا ً، وكل منهما ينتظر الفرصة لظهور أية بادرة ضعف أو إهمال من قبل الطرف الآخر....... فتعبير التعايش تعبير خاطىء ، وإن كان قد تم استعماله وتداوله لغرض معين كرد فعل – قد يمكن اعتباره طبيعيا ً في حينه – ضمن مكان محدد ولظرف زماني محدد ، فقد انتفت الحاجة إلى استخدامه وبخاصة انه من غير الممكن طلاقا ً أن يتحول رد الفعل كما كان عليه ، إلى فعل ثابت دائم . كي لا يستمر العمل بردود أفعال فقط . وأكرر هنا ما سبق وأن ذكرته سابقاً في مقالي " فكرة حول العلمانية" حول ضرورة تصحيح العديد من المفاهيم والأساليب المتداولة والتي تتسبب بالتفرقة بين أبناء الوطن الواحد .
يمكن ذكر العديد من الأمثلة المتعلقة بالعيش التام والانتماء الواحد لكنني سأقتصر هنا على أربع منها فقط :
الأول : يوم صمود هانىء بن مسعود الشيباني وحنظلة بن ثعلبة المسيحيان، وجمعهما لقبائل بكر وشيبان ووائل وعجم وتميم ويشكر وتيم ، القبائل المسيحية ، ضد الفرس في معركة ذي قار .......
الثاني : في كانون الثاني عام /1937/ حين قـَـدَمَ أعضاء لجنة المراقبة الدولية إلى إنطاكية ليحققوا في دعوى الأتراك المتعلقة بسلخ لواء اسكندرون عن سورية وضمه إلى تركيا ، كانت الدعوة مستترة حينها لدى السوريين أبناء اللواء للتظاهر بعد صلاة الجمعة ، فأغلق الأتراك أبواب المساجد أمام المصلين ليمنعوا قيام المظاهرات فما كان من السوريين المسيحيين في إنطاكية إلا أن فتحوا ، وخلال ساعة واحدة من المنع التركي ، كنائسهم ، وأحالوها دور عبادة مشتركة ليؤدي فيها أهلهم صلاة الجمعة ، في أعظم مهرجان قومي وطني .. حصلت صلاة الجمعة لأول مرة في الكنائس ، وقف الأئمة فيها للتلاوة وصعد المؤذنون إلى أبراج النواقيس ليرفعوا الآذان ، ثم خرج عموم الأهالي وراء القساوسة والمشايخ في التظاهرة ، كان الموقف المسيحي سببا ً في أروع حادثة وطنية قومية في تاريخ سورية الحديث ، من أجل سورية وعروبة اللواء ، وكانت أروع تظاهرة سياسية قومية أمام لجنة دولية ، جاءت لتشهد أبلغ دفاع عن سورية وعروبة اللواء واتحاد سكانه...
الثالث : أعمال المطران كبوجي في فلسطين والقدس ، والأرشمندريت عطالله حنا ......
الرابع : الشهيد جول جمــــّـال .
الواقع الراهن ، ومصلحتنا
إن ما حصل في 11 أيلول وما تبعه من تحالفات وتوازع مصالح ، أو إبعاد الغير وتثبيت مصالح جديدة ، في منطقة بحر قزوين وما يجاورها ، وفي منطقتنا ... يهدف إلى الوصول للسيطرة وتطبيق عملي لسيطرة وهيمنة طرف واحد بغض النظر عن تسميتنا له أو ارتباطه الكامل بمصلحة رأس المال العالمي أو من يسيطر عليه ومن يرتبط معه. ويهدف أيضا ً إلى محاولة تفتيت قدراتنا مجددا ً وبأساليب منوعة ، منها المباشر ومنها غير المباشر ، كالضغط الاقتصادي ، أو محاولات تفتيت الوحدة الوطنية بالتركيز على إثارة العصبيات العرقية والإثنية والمذهبية والطائفية ............
أما عن الواقع العربي ، فهو مشرف جدا ً، فالعديد من الأنظمة الحاكمة ترتهن تماما ً لقرارات الإدارة الأمريكية ، وسبع دول منها تعلن صراحة وجود اتفاقيات لها مع اسرائيل ، ويحمل البعض منه صفة التمثيل الدبلوماسي الكامل ــ وما خفي كان أعظم ــ ، ترافقا ً مع محاولات التطبيق الفعلي لمشروع الشرق أوسطية ، والتنازل عن حق العودة...... لنتساءل هنا ، لم كان الأوبريت الغنائي "الحلم العربي" ؟ ؟ ألم يكن يضم ممثلين عن جميع الدول العربية ؟ ألم يكن حلمهم واحدا ً ؟ ........ ولنتساءل أيضا ً : من هو الصدر الحنون الذي كانوا يطلبوه ؟؟ ( لا أعني هنا الذكر أم الأنثى ) ، أهو الصدر الذي يضمهم ويهدهدهم كي يستغرقوا في حلم السلام المفروض ، والاستسلام ، والاعتماد على الغير أكثر من الاعتماد على أنفسهم ، والذي يعرف مصلحتهم أكثر منهم أنفسهم ، ويحقق لهم الديموقراطية التي كانوا بها يحلمون ، ومن هو ؟ أيكون الولايات المتحدة الأميركية أم أنظمة الحكم الشمولية ؟ ــ حلم ، حلم .. واتكالية دائمة على الغير، وعلى الله تعالى ، ودعاء وابتهال دون عمل ......ــ .
ولنتساءل كذلك : ألم يكن هذا العمل بتمويل عربي ، وبدعم منه ؟؟ و أيضا ً: كم محطة فضائية عربية جادة أمام غيرها من المحطات الدينية وال " شبابية " ؟؟ والغنائية ؟؟؟
كمّ كبير من التساؤلات ضمن هذا الواقع العربي ....... و قمم عربية متواصلة متتابعة ، وبيانات شجب واستنكار ، وقرارات غير ملزمة لأعضائها كما هي مقررات وقرارات منظمة الجامعة العربية ....
........................................
........................................
كثيرا ً ما تتوضح الحقائق في وقت الأزمات الكبرى والهزات العنيفة التي تقلب الأوضاع – المستقرة – السائدة ، وتزلزل كيان الأنظمة القائمة وتهز القيم والعادات المسيطرة ، فيشعر الذين يمرون بالتجربة بأن كيانهم واستقرارهم ونمط وجودهم المألوف لديهم ، قد تزعزع ووضع موضع التساؤل أمام أنفسهم ، وأن العالم الذي صنعوه ــ وهما ًــ وأحاطوا أنفسهم به على وشك الانهيار........ إن من أكبر المشاكل التي تواجه هي حالة الركود التي واجهها مجتمعنا منذ عقود والتي أوقفت إنساننا – نسبيا ً – عن الحركة وأوجدت فيه تقاليد وعادات وأفكار غريبة أقعدته ووضعته في حالة توازن وهمي ، توازن خامل خامد ، في ذات الوقت الذي خطت به الحضارة خطوات عملاقة ..........

إنها مشكلتنا في الغالبية الكبرى من مواطنينا الذي تغلغلت في نفوسهم دواعي الانحطاط وعادات وتقاليد روح الهزيمة والاتكالية والطاعة الدائمة التي أصبحوا لا يرغبون بالفكاك منها ، توافقا ً مع طاعة أولي الأمر.... إضافة إلى تدني مستوى الحياة المعيشية اليومية واللهاث الدائم باتجاه لقمة العيش والحصول على تكاليف الحياة .
تراكمات وتراكمات سببت جميعها حالة انهزامية عند الغالبية من موطنينا تجعلهم يجبنون من تحمل المسؤولية ، وحتى في حياتهم العائلية ، كما تجعلهم يرمون بأعبائهم جميعها على الله حتى سببوا لله تعالى الملل من هذا الشرق المؤمن فتركه يواجه مصيره بنفسه باعتماده على نفسه ، بدلا ً من الدعاء .... والمشكلة الكبرى لا تزال في العيش بوهم الماضي وخير الأمم ( ألا يعتبر اليهود أنفسهم خير الأمم وشعب الله المختار؟ لكنهم يفعلون ..... أكثر بكثير مما يتكلمون........) .

ليس من الصحيح معالجة أعراض ونتائج المرض بل إن المطلوب هو معالجة المرض وأسبابه ، ومن هنا لا يمكن لأحد ، وبمفرده ، أن يضع الحلول والمناهج وفقا ً لرؤيته الخاصة ، مغفلا ً مكان أمته ومركزها وتاريخها الصحيح ومنطلقا ً من منطلقات عاطفية بعيدة عن الواقع ........... أن نكون حضاريين فهذا يتطلب الصدق مع الذات ، والمعرفة الصادقة لوجود الأمة ومستقبلها ورسم وتطبيق خطط الوصول إليه انطلاقا ً من بناء النفس والذات أولا ً على أسس حضارية ثابتة وقوية ، لأن مفتاح النصر يكمن فينا ، في ذواتنا لا في مكان آخر..
إما أن يكون مستقبلنا وأبناءنا نوما ً مستكينا ً متلقياً وإما أن ننهض ونعمل جميعا ً لتحقيق وجودنا ومستقبلنا الوطني /القومي /الاجتماعي .......... يجب على جميع القوى الفاعلة الخروج من حالة الانتظار والترقب ، ويجب عليها جميعاً العمل لتحقيق فكرة النهوض وتطبيقها واقعيا ً ........ لم يعد للبطولة الآن أن تكون بطولة رجل فالبطولة بطولة مشتركة ، بطولة مجتمع بكامله ، والإيمان بالفكرة والعمل على تحقيقها يجعلان من كل الوطن بطلا ً، لأن الوطن لعموم المواطنين ، وإلا التغى ، بعكس ذلك ، مفهوم المواطنة............... لا تتغير المجتمعات بالخطب المؤثرة والنصائح المقدمة والحكم البليغة والنوايا الحسنة ، إنما تتغير بالعمل الجاد الدؤوب المستمر من قبل الجميع ..... ومن هنا أقول أن أي تعطيل لدور الأحزاب العقائدية القومية والوطنية سواء من قبل الأنظمة الحاكمة أو من التراكمات لدى العديد من المواطنين ، أو حتى من قبل بعض المنتمين إلى هذه الأحزاب ، ما هو إلا تعطيل لفاعلية وديناميكية المجتمع / الوطن وتقدمه وتطوره ، وتأخير متعمد للحركة. عدا عن ضرورة تفعيل الجمعيات الأهلية العاملة ضمن المجتمع ( لا الخيرية منها فقط ) ومؤسسات المجتمع المدني ( لا المنظمات الشعبية فقط ) .

نعود إلى السؤال عن مصلحتنا ، الجواب واضح وصريح ، فمصلحتنا من مصلحة أمتنا ومصلحة أمتنا فوق كل مصلحة . أكبر حقيقة صدمت الكثير هي حقيقة انتماءنا وارتباطنا بأرضنا وجودنا جميعا ً، وصمود أهلنا في الجولان وفلسطين والعراق ، واللحمة القومية لأهلنا في الأردن واسكندرون .
تعرّف السياسة بأنها فن تحقيق المصلحة القومية ، الموضوع الحالي هو موضوع بقاء ووجود وفرض مصلحتنا في معترك الأمم ، رهاننا على أنفسنا وعلى أبناء أمتنا ، وقدرة مواطنينا في معرفة الذات وحقيقة الانتماء ... في المقدرة على الصمود والمقاومة ورفض الخنوع والذل والاستسلام . إضافة إلى البناء الداخلي السليم والعمل جدياً وباستمرار في تحسين الواقع والظروف المعاشة والأحوال الحياتية ، وتحقيق النظام المؤسساتي الصحيح الفاعل وما ينجم عنه من عدالة اجتماعية...........
هذه الأهداف التي لا يمكن لها أن تصبح واقعا ً إلا بالعمل الإيجابي البناء من الجميع لا بالمناداة بها فقط ،لأن الحقوق ما هي إلا نتيجة حتمية للقيام بالواجب المتلازم من قبل المواطنين والحكومة ، ولأنها ( الحكومة ) ومهما كانت ، ما هي إلا آلية اجتماعية تخطيطية إدارية تتغير تبعا ً للوسط التي تعيش فيه ، وتنبثق منه ، وصلتها بالوسط الاجتماعي صلة مؤثرة متأثرة لا واحدة منهما فقط ......... فهي إذن ذات وظيفة اجتماعية من غير الممكن التخلي عنها وهي مطالبة بتلبية وتنفيذ مصالح المجتمع / الوطن كواجب متلازم من الحكومة والمجتمع ، والنابع من درجة الوعي التي وصلها المجتمع الذي انبثقت منه حكومته .........

من الأجدى أن نكون أقوياء بأنفسنا وقوميتنا المنبعثة من تاريخنا الثقافي البيئي الحضاري ، لنعمل جميعا ً ضمن إطار حريتنا المسؤولة وواجبنا في البناء والعمل السليم بجوانبه كافة لتحقيق المنعة والقوة القومية الاقتصادية ضمن نظام حقوقي عادل متكامل ، لدعم القوة اللازمة للبقاء وتحقيق مصلحتنا ...............
أن نكون أو لا نكون ، أن نحقق وجودنا أو نبقى خاملين مسيرين ويلقي علينا التاريخ دثاره من جديد ....... مع الأخذ بعين الاعتبار بأن " التاريخ لا يسجل الأماني أو النيات بل الأعمال والوقائع " ............. وإننا ، إن لم نحقق وجودنا كوطن وأمة ، فلا سبيل لنا في تحقيق ما نصبو إليه في مستقبلنا .......


* بتصرف من الكاتب ( نشرت في عام 2002 – جريدة تشرين - ثم ضمن شبكة الويب 2003- all4syria+ssnp.info / 2004 مرآة سوريا )

المراجع : - أيام العرب في الجاهلية
- تاريخ العرب قبل الإسلام
- العرب النصارى
- ارثوذكسية القومية العربية ( بتصرف ) : رياض نجيب الريس 1984



#نزار_صباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح عرائس
- من الضحية ؟
- ثلاثة خربوا سوريا...؟
- فكرة حول العلمانية
- دراسة عن واقع المرأة في مجتمعنا


المزيد.....




- الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس ...
- وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
- كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا ...
- شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
- -حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
- بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم ...
- وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ ...
- وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
- إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط ...
- ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط ...


المزيد.....

- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نزار صباغ - عدوانية الغرب بين الخيال والواقع