|
بغداد اغنية تتقطر بها كل انغام البلاد
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 08:54
المحور:
الادب والفن
في البدء كنت اتصفح كتاب " ناظم الغزالي سفير الاغنية العراقية " لمعده كمال لطيف سالم ، وقد لفت انتباهي ان ناظم الغزالي كان كاتبا وموثقا وناقدا فنيا اضافة الى كونه مطربا اصيلا ومجددا رائدا في الغناء العراقي فقد كان بحق ابن بار للمدرسة البغدادية التي تكثف وتختصر تجليات النغم والايقاع العراقي اينما وجد ، ولم يكن هذا الامر ما حفزني لكتابة هذه المقالة وانما الاشارة العرضية التي احتواها الكتاب في فصل ناظم الغزالي الكاتب وهي تشير الى عناوين مخطوطات هامة تؤرخ لطبقات المغنين والعازفين وقراء المقام منذ 1870 حتى 1940 ثم الاشارة الى كونها محفوظة في قسم المخطوطات في المتحف العراقي . وهناك اشارة الى وجودها في قسم مخطوطات المكتبة الوطنية ، فأخذني هاجس الاحتراق لانها جميعا قد احترقت واحسست بان الذاكرة لا يجب ان تحترق مهما كان اللهيب عاليا ، خاصة في مجال يثبت لحمة هذه البلاد وانها كانت قد تجاوزت مراحل التفاعلات الكيميائية بين عناصرها والتي جعلت من العراق وحدة حضارية واقتصادية وانثوغرافية وادارية واحدة قبل قيام دولة العراق الحديث بزمن طويل ، وعليه فان العراق ليس اختراع سايكس بيكو ، وليس العراق تكوين مصطنع كما يدعي عراقيو التجزئة اصحاب المشاريع الفدرالية المسمومة . لقد تعلمنا من التاريخ ان كلكامش هو الذي قد رأي البلاد من سومر وبابل واشور وقد عزفت له جميعها لحنا على قيثارة اور رددتها البصرة وبغداد والموصل كل الموصل ، فصارت اغاني بغداد العريقة والجديدة هي الوجدان الروحي المتألق الذي يوحد سماء العراق قبل ارضه . في المعاني معاني :
عرف عن معنى اسم بابل باللغة الاكدية بانه اسم مركب ومعناه باب أل أي باب الاله ، وعرفت بغداد منذ ذلك الزمان بأنها بستان الاله الجميل ، وهي كانت وما زالت كذلك ، واذا كانت بابل هي بوابة الله على الفرات فان بغداد جنته على دجلة ، فدجلة والفرات هما شهود كل الالهة الراوية للبذرة الاولى والشجرة الاولى والانسان الاول والمدنية الاولى والكلمة الاولى والاغنية الاولى .
* " مقاطع من نشيد مغنيات أوروك في ملحمة كلكامش " هو الذي رأى فغني باسمه يابلادي هو اجمل العراقيين فغني بذكره يابلادي هو زهرتنا النائمة هو روحنا الساهرة الدائمة انه روح البلاد اجمل العراقيين طرا هو زهرة الموت والحياة هو الزائل وهوالابد لكنه الازهى بين الفتيان انه روح البلاد هو العراق فغني باسمه يا بلادي .
* بغداد كل الاغاني انتهت الا "اغانيك" اغاني الناس والصوت لو يشترى ماتشتريه الناس . موال لسعدي يوسف بتصرف مع الاعتذار للشاعر * بغداد قطر الندى في قيض الزمان رمان الجنة انت وضمير انسان . بغداد مركز الثقلين واغنية الشرق للعالمين . * اذا كانت بابل موطن عجاج الحياة كما قيل في المثل الشعبي ( ماهبت عجاجة الا من ارض بابل ) فأن بغداد موطن الاغاني ، تقلبها ، تتصفحها ، تقرءها ، تتنفسها، تجيدها ، تطرب بها وتجمع الانغام من كل البلاد لتعتقها وتخمرها وتعصرها وتقطرها اكسير حياة من الاغاني التي ادمن عليها عشاق الارض والسماء ، واجادوا في مقاماتها متشابكين متنافرين ، رابعة العدوية وابونؤاس ، وعلى تقاسيم زرياب والحان عثمان الموصلي صدحت بلابل واهتزت عروش ومالت عمائم لتقبل اذيال الفاتنات الساحرات المتبغددات بالغنج والترف ، سلامة ودنانير وهزار الشرق الذي ما انفك يغني حتى سكر العالم فجاء ليستزيد وفاق من ثمالته فغار واستعار وبعثر الاوتار .
بغداد لم تسعها قلوب ولا عقول ولا كتب الطبقات ، ولا الاغاني لابي فرج الاصفهاني لم تسعها اليالي كل اليالي حتى ليالي شهرزاد فهي الف ليلة وليلة من ليالي بغداد التي لا تنتهي . مقام ومقامات : اشتهرت في بغداد الحديثة ومنذ القرن التاسع عشر بعد تبلورها المستند للتراث الموسيقي والغنائي القديم وعلى التفاعل مع الانغام الواردة تسمية المقام على الاسلوب البغدادي لغناء ذات المقامات الشرقية المعروفة لعموم بلدان الشرق وظل هذا الاسلوب الغنائي يغتني باستمراربالجمل والايقاعات والانغام والاصوات الواردة اليه من كل انحاء البلاد من الموصل والبصرة ومن الجبل والهور ومن البادية ومن الطرق الدينية الصوفية ومن طقوس عاشوراء وما تتطلبه من نظم بكائية ووجدانية غاية في اللوعة لدرجة جلد الذات وكانت تتطلب انغام تنسجم والحالة هذه تختلف عن التجويد القرأني فهي اكثر تشعبا وتفرعا واحتكاكا وتغيرا حتى انه اتخذ تسمية خاصة به "الطور الحسيني" . لقد ثبت بالبحث الموثق ان اخبار الجالغي البغدادي كان قد ذاع صيتها منذ 1870 وهي المنجم الحقيقي لمعظم اغاني التراث الشعبي الغنائي المعروفة حتى وقتنا الحاضر( اغاني صديقة الملاية ، احمد زيدان ، حسن خيوكة ، رشيد القندرجي ، محمد القبانجي ، منيرة الهوزوز، زكية جورج ، سليمة مراد، زهور حسين، وغيرهم من قراء الرعيل الاول ) ، اضافة لازدهار فن المربع والملمع نظما وتلحينا ، وكانت المقاهي وحفلات الاعراس والمسارح الاهلية ثم ظهور تسجيلات الاسطوانة ودخولها العراق هي المجالات الاساسية لتقديم الاغاني للجمهور وكلما تنوعت وتنظمت كلما انعكس ذلك على تطوير وتنقية الغناء شكلا ومضمونا . وبعد قيام الدولة العراقية الحديثة 1921 ثم حصولها على الاستقلال 1932 تم تأسيس محطة الاذاعة العراقية وبعدها في بداية الاربعينات تم تأسيس معهد الفنون الجميلة الذي اشرف على تأسيسه الموسيقارالمعلم محي الدين حيدر، وقد لعب هذان الحدثان دورا مفصليا في تطوير العمل الفني والثقافي عموما والغنائي والموسيقي خصوصا على صعيد العراق كله انطلاقا من قلبه المشع بغداد ، فتزايد الاقبال والتحديث بالفرق والتخوت والالات الموسيقية ( فرقة الموشحات ، والجالغي البغدادي الجديد ) ، لقدازداد تدفق المواهب والكفاءات لتبغدد ابداعها مع البغداديين الملهمين لينطلق صداحا من سماءالخلود الى كل سماوات الارض فهذا البصري وهذا الموصلي وهذا العمارتلي والكركوكلي وهذا الدليمي ابو العتابة وهذا المسيحي وهذا النجفي والكردي والتركماني والارمني والصابئي وو ، كلا منهم تبغدد على طريقته ، وليس حصرا في كتاب الكلمة المموسقة او الموسيقيين او المغنين من ملا عبود الكرخي وعبدالامير الطويرجاوي وجبوري النجار وسيف الدين ولائي وزاهد محمد الى زامل سعيد فتاح ومظفر النواب وكاظم الساعدي وكريم العراقي ومن جميل بشير ومنير بشير ووديع خوندة واحمد الخليل وناظم نعيم وخضر الياس وعباس جميل وحسين عبدلله وحضيري ابوعزيز وداخل حسن و وحيدة خليل ورضا علي وناظم الغزالي وفاضل رشيد وعزيزعلي وعفيفة اسكندر ولميعة توفيق وحمدية صالح ومائدة نزهت وعباس البصري وجاسم الخياط ومحمد الراوي وفاروق هلال وحسين الساعدي الى سعدي الحلي وعبدالجبارالدراجي وطالب القرغولي ومحمد جواد اموري وكمال السيد وجعفر الخفاف وحميد البصري وطالب غالي وياس خضر وامل خضير وحسين نعمة وسعدون جابر وفاضل عواد وسيتا وفؤاد سالم وانوار عبد الوهاب وصلاح عبد الغفور ورياض احمد الى كاظم الساهر ونصير شمة ووو كلها امثلة ليست حصرية ، كلها من مشارب عراقية مختلفة ، كلها تبغددت، فصارت بغداد قوس قزح تتراقص فيه كل الالوان ، مع الاعتذار لعدم ذكر الكثير من الاسماء الاخرى ولكن المقالة تشملهم جميعا . انتم روح من الذاكرة وان ذهبتم فالسماء ذاكرة والارض ذاكرة والنخيل ذاكرة وابداعكم ذاكرة واغانيكم ذاكرة ، وان احترقت او سرقت كل متاحفنا ومكتباتنا واراشيفنا فان في مياه ارضنا الجوفية كل الاضابير التي تعاد انتاجا في نسغ الجذور وتختزنها البذور . " منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " للخلود المتألق ايها الذاهبون العائدون ايها المبدعون ادبا وفنا وثقافة والى من غادرنا عاجلا الى الاديب الكبير يوسف الصائغ سيد التفاحات الاربع رحمة الله واجران اجر الاجتهاد واجر الصواب في اجتهاده لينظم ضميرا حيا لا يموت للمنظومة الخالدة لهذا الشعب الخلاق .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعور
-
الانتخابات العامة في العراق مذبحة سياسية بأمتياز
-
سورية والعشاء الامريكي الاخير
-
حركة التحرر الوطني العربية بين النهوض والسبات
-
سمات العصر الراهن والاهداف الجديدة لقوى التغيير العالمي
-
هل العراق بحاجة الى مواكب عزاء ام اعادة بناء
-
ثنائية الاعصار
-
هوامش في فنون الجدل والدجل
-
الانظمة العربية بين التطبيع مع شعوبها واسرائيل
-
ثلاثية -للمنتظر-
-
كاترينا وين طمبورة وين ؟
-
على الذهب الاسود تدور الدوائر
-
يسار ولكن
-
الحماسة في الاهزوجة
-
مثقفون وسياسيون للبيع
-
من يغذي الارهاب في العالم
المزيد.....
-
-أرسيف- تعلن ترتيب الجامعات العربية حسب معامل التأثير والاست
...
-
“قناة ATV والفجر“ مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس الحلقة 168
...
-
مستوطنة إسرائيلية: قصف غزة موسيقى تطرب أذني
-
“وأخير بعد غياب أسبوعين” عودة عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
من هو الفنان المصري الراحل حسن يوسف؟
-
الليلادي .. المؤسس عثمان ح168 الموسم 3 على قناة atv وعلى الم
...
-
أوليفيا رودريغو تستعيد اللحظة -المرعبة- عندما سقطت في حفرة ع
...
-
الأديب الإيطالي باولو فاليزيو.. عن رواية -مملكة الألم- وأشعا
...
-
سوريا.. من الأحياء القديمة إلى فنون الطب الصيني
-
وفاة الفنان المصري حسن يوسف
المزيد.....
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|