أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكوابيس تأتي في حزيران 15 / 16















المزيد.....



الكوابيس تأتي في حزيران 15 / 16


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 08:53
المحور: الادب والفن
    


رواية

ـ 15 ـ
عملية بناء التنظيم تجري على قدم وساق ، شراء الأسلحة وتخزينها يتم في سرية تامة وكذلك عمليات التدريب ، استطاع أحمد الفايز أن يفرز عناصر نشطة للعمل في الذراع العسكري بعيداً عن الجهاز السياسي ، ضم إلى التنظيم بعض الجنود السابقين في سلاح الهندسة والجنود الذين لم يقعوا في الأسر وكانوا تواقين إلى ما يرتق كرامتهم التي مزقتها الهزيمة ، قام بتقسيمهم إلى مجموعات لا تزيد عن خمسة أفراد ولا تقل عن ثلاثة ، وحرص على أن تتم التدريبات في سرية تامة ، استبدلت الأسماء الحقيقة بأسماء حركية ، اختار كل عنصر من العناصر اسمه الحركي لكي ينادى به ، كان لكل مجموعة حكمداراً خاصاً يرتبط بأحمد الفايز مباشرة وبصورة فردية ، كانا يناقشان الخطط المقترحة ليعرضها أحمد الفايز على باقي آمري المجموعات للتمحيص والتدقيق حتى يستقر الرأي على ما هو مناسب منها ، اختار أحمد الفايز اسما حركيا خاصا وقام بإعداد بطاقات هوية لكافة العناصر بالأسماء الحركية الجديدة لتبدو لمن تقع في يده وكأنها أسماء حقيقية.
قام أحمد الفايز بتدريب العناصر في سرية تامة ، اختار أحد المنازل البعيدة عن الأعين والذي يقع في الطرف الشمالي من بلوك جي(g) ، تدرب أفراد المجموعات على زرع الألغام وتشريكها ، كان لا بد من استخدام الشراك الخداعية لإيقاع الخسائر في من يحاول إزالة اللغم ، كان الحرص مطلوبا أثناء التدريب، لذلك قرر نزع المفجر من القنابل اليدوية أثناء التدريب حتى لا تنفجر وتفجر اللغم الذي تزرع تحته ، وبعد انتهاء فترة التدريب تقرر الإعداد للقيام بعدة عمليات تربك قوات الاحتلال ، عرض آمرو المجموعات مقترحاتهم ، فكر أن تكون الضربة الأولى في المنطقة الحدودية الواقعة إلى شمال شرق للمدينة بعيداً عن المناطق السكنية حتى لا يصب جنود الاحتلال غضبهم على السكان الآمنين ، وفي إحدى ليالي شهر كانون الأول من سنة 1967م تحركت المجموعة المختصة بتنفيذ أول عمليات الحركة إلى منطقة الشيخ حمودة ، وضعوا الألغام والقنابل اليدوية في مكان آمن وكمنوا في أحد الأخصاص انتظاراً لحلول الظلام ، تظاهر أفراد المجموعة أنهم من المزارعين ، كان البرد شديداً على الرغم من عدم حلول أربعينية الشتاء ، ارتعشت أشعة الشمس وهي تميل نحو الغرب ، انتقلت الرعشة إلى الأجساد التي طال انتظارها ، أرعشها القلق والترقب ، كانت الثواني تمر ثقيلة كأنها الجبال أو أثقل، نسيج الظلام يمد خيوطه نحو الأرض في بطء عجيب ، كانوا قد حددوا المنطقة التي سيزرعون الألغام فيها ، اتفقوا أن يستخدموا خطة رجل الغراب حتى لا تفلت الآلية التي ستمر من المنطقة مهما كانت الظروف ، لابد أن يصيبوا الهدف وأن يوجهوا ضربة موجعة لقوات الاحتلال تزيل من أفواههم حلاوة النصر الذي تمادوا في استحلاب طعمه ، يا إلهي ما أمر طعم الهزيمة ، لقد تذوق طعم الحنظل حين كان طفلاً ، ظنه بطيخاً صغيراً ، كسر واحدة وهو يسير خلف والده في أحد الحقول ، تذوقها خلسة حتى لا يراه والده ، بصق بسرعة ، كادت أمعاؤه تخرج من فمه ، قذف بالكرة الصغيرة بعيدا ، حركته كانت غاضبة ، ود لو أنها تملك إحساساً مثل البشر حتى يوقع بها العقاب المناسب ، التفت والده نحوه فوجد سيل البصاق يتدفق من فمه ، ابتسم الوالد وسأله :
ـ ما لك بتفتف ، كنك أكلت من الحنظل يا لعين الوالدين ، ظنيته بطيخ ، خلي طعم المرار بتمك يمكن تتعلم درس كويس .
تمتم بكلمات غير مفهومة ونظر إلى الأفق البعيد ، حياتنا لا تقل مراراً عن طعم ذاك الحنظل ، الخروج مع أذان الفجر والحمل الثقيل على الكتف ، المسارب الضيقة بين الحقول، أشجار الصبار تضيق مجال الرؤيا وتسد طرق الهرب ، والكلاب التي تعترض طريقه أثناء سيره بين أرصفة الصبار، كان لابد له من حمل ما يدافع به عن نفسه ، ساطور أو موس كباس ، ما أصعب أن يعيش الإنسان حالة من الخوف الدائم، لاحقنا الخوف صغاراً وهو يلاحقنا بعد أن كبرنا ، لكننا سنقتل الخوف الساكن في أعماقنا، سنقتله في هذه الليلة الشتوية من بداية الثلث الثاني من شهر ديسمبر بعد أكثر من نصف عام من عمر الاحتلال ، انطلقوا إلى داخل خط الهدنة متلفعين بعباءة الظلام الدامس ، حفروا الأماكن المحددة بسرعة فائقة ، وضعوا الشراك الخداعية بحذر شديد وركزوا فوق القنابل اليدوية الألغام المضادة للدروع ، غطى ثلاثتهم الألغام بالتراب ورشموا الطريق كما كانت قبل الزرع ، كان الأخوان الآخران يراقبان الطريق من اتجاهين مختلفين حتى لا يفاجئوا بقدوم إحدى الدوريات ، أنهوا المهمة بنجاح وانسحبوا إلى مكان بعيد يشرف على المنطقة وأخذوا ينتظرون قدوم الدورية ، وفي الموعد المحدد أطلت الأضواء من بعيد ، كانت تتهادى ببطء وثقة ، ارتفعت نبضات القلوب كانوا يستمعون إلى ضربات قلوبهم تشق صمت المكان ، التصقوا بالأرض حين اتجه ضوء الكشاف فجأة نحوهم ليستدير في نزق وكأنه يتفحص المنطقة ، يجري مسحا للأشياء عله يلمس حركة أو يلتقط ما يدل على ما يلفت النظر، حبسوا أنفاسهم ، حقدوا على قلوبهم التي تدق بصوت مرتفع ، كانوا يخشون أن تفضحهم هذه القلوب المرهفة والتواقة إلى الحياة، ما زالت السيارات تقترب ببطء شديد، تسمروا في أماكنهم ، اقتربت الأضواء أكثر فأكثر ، انخفض صوت ضربات القلوب فجأة وكأنها أدركت ما يدور بخلد أصحابها أو أنها تترقب الحدث في مهابة ، صمت رهيب يلف المكان ، اقتراب الأضواء مستمر، المسافة تقصر بين الزرع والهدف ، ضاقت المسافة أكثر، وفجأة امتد لسان من الضوء إلى السماء تحيط به هالة من الغبار ، وعلى قمة اللسان المتراقص أجزاء آلية تتناثر في فوضى ، تذكر ألسنة النار التي كان يشعلها والده ، كانت ألسنة النار تزغرد فيتشاءم والده ويؤكد أن شراً ما سيقع ، تتمتم أمه محوقلة ومستعيذة بالله من الشيطان الرجيم داعية الله أن يحفظ أبناءها وزوجها من كل شر، صوت انفجار عاتٍ يهز المكان ، دارت عيون الكشافات مذهولة حائرة ، شقت أضواء الكشافات صمت المكان، طائرات مروحية تحلق من بعيد متجهة نحو المكان ، غادروا المنطقة بسرعة .
امتلأت المنطقة بالقوات ، ضجيج الآليات يملأ المكان ، الطائرات العمودية تحلق على ارتفاع منخفض ، هبطت إحدى الطائرات قريباً من مكان الانفجار ، اتجهت أضواء الكشافات إلى الأرض تبحث عن شيء ما، صوت ميكرفون يعوي بعربية ركيكة ، إلى سكان الشيخ حمودة .. ممنوء تجول .. يمنع الخروج من البيوت وكل من يخالف يقتل.. ممنوع التجول ، نام أحمد الفايز ليلته كما ينام الذئب، ما كاد نور الصباح يطل من الشرق حتى هب واقفاً ، غسل وجهه بالماء البارد وتناول طعامه على عجل ، أدار مفتاح الراديو ، استقر مؤشر المذياع عند إذاعة إسرائيل، أعلنت ساعة ضبط الوقت السابعة والنصف ، هنا صوت إسرائيل من أورشليم ورام الله، أقدم لحضراتكم نشرة الأخبار أبدأها بالموجز .... وإليكم الآن الأخبار بالتفصيل .. قامت مجموعة من المخربين بزرع عدة ألغام داخل الخط الأخضر ، وقد انفجر أحد هذه الألغام ولم يصب أحد بأذى ، أدار مفتاح الراديو بحثا عن محطة أخرى ولكنه أغلق المذياع بعصبية وخرج إلى الشارع ، قرر الذهاب إلى غزة أملا في أن يعرف شيئاً عن ردة الفعل الإسرائيلية ، وقبل مفترق القرارة رأى أحد الأخوة ، طلب من السائق أن يتوقف ليأخذه معه ، صعد الرجل إلى السيارة ، كان بادي الاضطراب ، تساءل أحمد الفايز باندهاش ، أراك وقد خرجت مبكراً على غير العادة، تنهد الرجل بغم ، لقد تسللت من المنطقة خفية ، فرضوا علينا حظر التجول ، لقد هدموا ستة منازل على ما فيها من عفش وأثاث بعد أن أخلوا سكانها منها ، تساءل أحمد الفايز في تغابٍ ، ترى ماذا حدث ؟! أجاب الرجل : سمعنا صوت انفجار ضخم وبعد أقل من نصف ساعة كانت المنطقة محاصرة بالآليات من كل الأشكال والألوان ، عربات نصف مجنزرة ، ناقلات جنود ، بورات ، دبابات، والطائرات تحلق على ارتفاع منخفض، يقال أنهم جمعوا لحم الجنود الممزق في أكياس من النايلون ، أخرجوا الرجال من البيوت، جمعوهم في العراء تحت السماء والطارق ، خرجت من البيت قبل أن يكملوا محاصرة المنطقة ، اختبأت في مكان آمن حتى لا أصطدم بإحدى دورياتهم الراجلة ، كنت أسمع صراخ الرجال وأصوات النساء تختلط بأصوات الانفجارات التي دمرت المنازل الستة الموجودة في المنطقة ، طفت موجة من الكآبة فوق سطح مخيلته ، لم يكن يتوقع أن رد فعلهم سيوجه إلى السكان الآمنين ، رنا ببصره نحو الأفق البعيد ، لن يتوقف العمل ولو هدموا بيوتنا كلها ، ثم متوجها إلى صديقه :
ـ وما رأيك أنت ؟
ـ سلمت أيدي من فعلوها ، والله لو كنت أعرفهم لقبلتهم بين العيون .
وفي المساء أعلن تنظيم جديد مسئوليته عن العملية .. جن جنون أحمد الفايز .. إذا كنا نحن الذين قمنا بهذه العملية ، فكيف يتبناها تنظيم آخر؟ وكانت المفاجأة .. لقد غير التنظيم اسمه .. استبدله باسم جديد .. لن يظهر اسم الحركة بعد ذلك ، ولن يظهر اسم الجهاز العسكري السابق ، طلائع المقاومة الشعبية .
***
كانت صدمة هدم المنازل الستة قوية جداً، لم يكن تشريد العائلات الستة أمراً تتقبله النفس ببساطة ، تأججت نار الغضب في النفوس .. لابد من الانتقام .. لابد من توجيه ضربة رادعة تعيد لهم صوابهم وتجعلهم يفكرون ألف مرة قبل المس بالمدنيين العزل ، المجموعة التي قامت بالعملية لا بد أن تكمن لفترة قصيرة ، ولتتحرك مجموعة ثانية لا تعرف شيئاً عن المجموعة الأولى ، ولتكن الضربة في منطقة لا يتوقعونها ، هكذا فكر أحمد الفايز ، عقد اجتماعاً للمجموعة الثانية وتدارس معهم الأمر ، وبعد أخذ ورد ، استقر الرأي على أن تكون الضربة القادمة في منطقة الشوكة، ولكن الحذر الشديد مطلوب .. لابد من زراعة الألغام بعد غروب الشمس بقليل وقبل سريان مفعول نظام منع التجول، جهز حكمدار المجموعة نفسه ومجموعته .. حدد لهم ساعة الصفر ومكان اللقاء ، قام أحد أفراد المجموعة بتأمين نقل الألغام على ظهر حمار يحمل الخضار وحفظها في مكان قريب متفق عليه مع حكمدار المجموعة .. وبعد أسبوع من الضربة الأولى وقع الانفجار الثاني ، تناثرت أشلاء نصف آلية في الهواء وعلى ارتفاع عدة أمتار .. كانت المنطقة شبه خالية من السكان .. لم تكن فيها بيوت مبنية .. مجرد أخصاص لبعض المزارعين يرتاحون فيها في وقت القيلولة .. ملأت الأصوات المسعورة أجواء المكان .. حامت دورياتهم بنزق أهوج .. طائراتهم تقوم بتمشيط المكان ، ولكن المجموعة كانت قد غادرت المكان .. كان أفرادها ينامون في منازلهم باطمئنان .. لم يحاولوا التأكد من وقوع الانفجار فقد كانوا على ثقة من مرور الدورية في هذه المرة ، فقد رصدوها جيداً وتركوا امرأة عجوز لمراقبة المكان .. تحدثت المرأة عما شاهدته قالت : غالبني النعاس وغالبته .. كاد النوم يغلبني ، ولكني قاومته ، وبعد فترة ظنيتها دهراً هلهلوا الزغابة من بعيد ، نور سياراتهم مرعوب ، ما أدري ليش ؟ وبعدين عينك ما تشوف إلا النور .. حال عدوينك .. عساكر طايرين في السما .. وصراخ بيزعزع البدن . . وتلونت السما برصاص أحمر زي الدم وفتاشات خلت الليل نهار .. وبعدين صارت المنطقة تنغل نغل بالجيش .. حرثوا المنطقة .. أطلقوا كلاب الأثر .. صارت الكلاب تشمشم الأرض وتجري زي المسعورة .. وزاد الرطن وارتفع صوتهم .. تريد الصدق يا خوي .. ندمت بعد ما فنيت الزغرودة ساعة ما زغرد اللغم في السما .. بالك ممكن يكونوا سمعوني ؟ أي ما يسمعوا .. أكثر من هالقرد ما سخط الله .. البلاد وأخدوها .. إيش بدهم ياخدوا كمان ؟ العمر ؟ مش باقي من هالعمر شيء .. الله ياخدهم بعيد عنكم ، أجا واحد منهم .. يظهر أنه كبيرهم .. رطن كلام ما فهمته .. قلت يا مرة اعملي حالك طرشة .. حطيت ايدي على داني وقلت علِّ حسك مش سامعاك .. سمعي ثقيل يا بنيِّ .. قال ابني قال .. تنبني عليه حيطة قول إن شالله .. أي هو أنا بقبل يكون لي ابن مثل هالشكل .. وبعدين طول الليل ما ناموا، عربيات الإسعاف بتنقل وهم بيدوروا على قلة فايدة .. ربك عمى عينيهم وعينين كلابهم وسكّر مناخيرهم .. وطول ما هم موجودين في المنطقة وأنا بحوط وبأقرا من كلام الله.. الله يعمي قلوبهم عنكم وعن كل الشباب ويحميكم لشبابكم آمين يا رب العالمين.
***
رفح .. جاء دور رفح .. لابد أن تكون العملية الثالثة في رفح ، ولا بد أن تكون موجعة هذه المرة .. سيكون الهدف أحد الباصات التي تنقل الجنود إلى سيناء .. عند المنعطف الحاد على الطريق الشرقية وبين الأشجار تكمن المجموعة الثالثة مسلحة بالرشاشات على أهبة الاستعداد ، بينما يقف أحد عناصر المجموع مزوداً براجمة صواريخ من طراز( آر. بي. جيه.) في مواجهة الحافلة ليقذفها بصاروخ قبل أن ينحرف بها السائق عند رأس المنحنى، وقبل أن تترنح الحافلة تطلق المجموعة من بين الأشجار الرصاص بغزارة وتنسحب بسرعة .. تؤمن الأسلحة ويتفرق أفرادها مبتعدين عن المنطقة ما أمكنهم الابتعاد .
وقبل الموعد المحدد لتنفيذ العملية قال له ابن عمه : سألني ضابط المخابرات عن أقاربي ، وتوقف عند اسمك بعد أن ذكرته ضمن أفراد العائلة وركز عليك .. نطق الاسم ببطء .. أحمد الفايز .. ماذا يعمل ؟ من هم أصدقاؤه ؟ وماذا يفعل بعد عودته من العمل ؟ أخبرته أننا نلعب الشدة معاً.. سألني إن كنت قد لاحظت شيئاً غير عادي بالنسبة لك .. أجبته بالنفي .. أخبرته أنك من البيت للمدرسة ومن المدرسة للبيت .. ابتسم ابتسامة صفراء : بكرة بنشوف يا خبيبي .. بكرة بنشوف .
ـ أحمد . قال ابن عمه.. اوعى تكون بتعمل إشي بالسر من ورانا .. بلاش تبلينا يا ابن عمي .. مش ربنا نجانا من الموت في الحرب وأنت تجرجرنا .. إحنا ورانا عيال بدنا نربيهم.
كان ذلك في الأسبوع الثالث من يناير الأول بعد الاحتلال.. وقد بدأت الأنباء تتسرب عن اعتقال شرطي من شرطة النظام ينتمي إلى قوات التحرير الشعبية ، برودة يناير تخترق اللحم والعظم ، والأمطار تتساقط بشكل شبه متواصل .. هذا فأل خير إن شاء الله لابد أن تغسل هذه الأمطار دنس الاحتلال، قرر أحمد الفايز أن يتوجه إلى جباليا للتعرف على المستجدات على الساحة النضالية، وعندما وصل ساحة الشجاعية وجد الجنود يغلقون المكان ويمنعون الناس من التوجه إلى جباليا أو الخروج منها ، فكر في التسلل إلى جباليا ، لابد أن يرى المسئول العسكري ، وفجأة وجده أمامه بشحمه ولحمه ، صافحه على عجل ، ودون مقدمات :
ـ أخبرني ماذا جرى ؟ ولماذا يمنعون الدخول إلى جباليا ؟
دون اكتراث : لم يحدث أي شيء، فرضوا منع التجول على جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون .
ـ هل اعتقلوا أحداً؟
ـ لا تقلق . كل شيء على ما يرام .
ـ هل أعلن حالة الطوارئ وأطلب من الأعضاء عدم المبيت في مساكنهم .
ـ قلت لك لا تقلق . الأمر أبسط مما تتخيل.
لم يرتح أحمد الفايز إلى تطمينات المسئول ، قلبه لا يكاد يستقر بين ضلوعه ، كانت الكوابيس والأحلام والرؤى تلاحقه كل ليلة .. رأى ذات ليلة شيخاً مهيباً ذا لحية بيضاء ، هزه الشيخ من كتفيه ، فتح عينيه ونظر إلى الشيخ بدهشة ولكنه لم يتكلم ، قال له الشيخ :
ـ لن ترى ابنك الذي في بطن أمه .
ـ لماذا ؟
ـ لا تسأل ، لن أسمح لك برؤية ابنك .
ـ هل سأموت ؟
ـ قلت لك لا تسأل ، المهم أنك لن ترى ابنك .
ـ هذا أمر مطمئن ، ما دمت سأرزق بولد ، فإن من خلّف ما مات .
اختفى الشيخ ، استيقظ أحمد الفايز من نومه ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم .. كلا لم يكن شيطاناً .. كان شيخا مهيباً سمحاً وجهه يشع نوراً ، اللهم امسح المقدر باللطف الخفيف ، اللهم لا راد لقضائك فالطف بنا يا الله .

الفصل السادس عشر
ـ 16 ـ

الجنود يحاصرون البيت من جميع الجهات ، يركلون الباب بعنف فيتهاوى تحت وطأة الركلات، يدخلون الغرفة، يقتادونه معهم بهدوء ، يستيقظ من نومه .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، جمع أفراد العائلة ، حدثهم بما يرى أثناء نومه ، قال له عمه :
ـ أضغاث أحلام ، توكل على الله ، هل تفعل شيئاً يقودك إلى السجن ؟
ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، لم أفعل ما يغضب الله ، ماشي الحيط الحيط وبقول يا رب الستر.
ـ لماذا القلق إذن ؟
ـ أخشى من المشاكل بينكم إن اعتقلت.
ـ لا تقلق ، حتى لو اعتقلت فلن تطول مدة اعتقالك ، تذكر ما حدث معي ، مكثت شهراً واحداً فقط وخرجت.
ـ بعد أن سلم ابن أخيك الفالح بندقية لليهود اشتراها بعشرين جنيها من أحد السماسرة الذين يتعاملون مع اليهود.
ـ يا شيخ خلي اتكالك على الله ، من توكل على الله ما خاب.
ـ والنعم بالله ، لكن أقسم بالله إن صارت بينكم مشاكل إلا أطلق النار عليكم كلكم بعد ما أخرج من السجن.
***
فكرة مغادرة القطاع إلى مصر تلح عليه حتى قبل لقائه مع المسئول الخارج من الطوق المفروض على مخيم جباليا ، لابد أن الأمر قد انكشف ، وهو الذي كان يخطط للعمل سنوات طويلة دون أن ينكشف أمره ، لماذا يسألون عن أفراد العائلة ولماذا توقفوا عند اسمه ؟ ولماذا ركزوا أسئلتهم حوله ، سأغادر المنطقة إلى مصر عبر سيناء . قال أحمد الفايز بصوت مسموع ، وأردف : البقاء هنا أصبح خطراً.
رد عليه أحد الأخوة : إن كنت تريد المغادرة حقاً فلا بد أن تتخفى في زي أعرابي من بدو سيناء ، وأن تركب الجمل حتى تصل إلى قناة السويس ، وهناك يقوم بعض المهربين بمساعدتك على عبور قناة السويس ، لكن .. ألا ترى أن من الضروري أن نستطلع الطريق قبل أن تغامر بالخروج .
ـ ومن الذي سيستطلع الطريق ؟
قال الأخ : أنا بنفسي .
ـ وإن اشتبهوا بك ؟
ـ انظر إلي ، هل أختلف كثيراً عن بدو سيناء وأنا ألبس الجلابية وألف الكوفية على رأسي على طريقتهم ؟
ـ على كل حال انتبه ، فالحذر مطلوب .
ـ لابد من توفير جلابية مناسبة وكوفية ولا بأس إن أهملت حلاقة ذقنك عدة أيام حتى أعود.
ـ صحبتك السلامة.
وعاد الأخ بعد يومين ، كان مرهقا يبدو عليه التعب ، لم ينجح في عبور قناة السويس ، فقد فاجأته معركة الطيران التي قادها اللواء طيار مدكور أبو العز ، اقتربت من القناة قال أبو رائف ، وأردف اعتقدت أنني أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الهدف، وفجأة ملأ الضجيج السماء ، طائرات تحلق على ارتفاع منخفض وترش مسحوقاً أبيض فوق المواقع العسكرية الإسرائيلية، ضحكت في سري وظننت الأمر مجرد مزحة أو نوعا من الاستعراض ، جاءت بعد ذلك مجموعة أخرى من الطائرات على ارتفاع أعلى وقامت بحركات مشابهة ، تحولت الابتسامة إلى ضحكة ، وفي النهاية جاء فوج ثالث من الطائرات أطلق شيئاً ما فتلفعت المنطقة بعباءة من اللهب ، شاهدت الجنود الإسرائيليين يدفنون أنفسهم في الرمال اتقاء للنيران المشتعلة بجنون ، أخذت في الجري دون وعي مني رغم إدراكي أنني كنت بعيدا عن مجال النيران ، لكن الروح غالية يا خوي ، ووينك يا العريش ، ظليت ألتفت وراي والنار بتزغرد وكأنها في عرس حقيقي ، وما صدقت ألاقي سيارة توديني على خان يونس ، ملعون أبو سينا على أبو اللي فيها ، يا ريت النار تاكلهم كلهم وتخلصنا من شرهم .
ـ طيب وبعدين ؟ المهم وقتيش ممكن أغادر المنطقة ؟
ـ اصبر لك أكم يوم لغاية ربنا ما يفرجها .
أدار أحمد الفايز مؤشر المذياع نحو إذاعة لندن ، هنا لندن .. الساعة الآن الواحدة ظهراً حسب توقيت جرينتش، إليكم الآن نشرة الأخبار أبدأها بالموجز .... وإليكم الأخبار بالتفصيل .. قام الطيران المصري بعدة غارات فوق المواقع العسكرية الإسرائيلية في سيناء ، وقد تكبد الإسرائيليون خسائر فادحة في الأرواح ، ويقدر الخبراء العسكريون أعداد القتلى بعدة آلاف ... جاءنا في نبأ لم يؤكد بعد أن القيادة العسكرية المصرية قررت إقصاء القائد المسئول عن توجيه الضربة الجوية عن منصبه ، وقد تم تعيينه مسئولاً عن الثروة السمكية في مصر .
ضرب أبو رائف كفا بكف وقال بصوت يشعله الغضب : لماذا .. لماذا يفعلون ذلك ؟ ألا يريدون تحرير سيناء ؟ علق أحمد الفايز :
ـ ربما كان معهم الكثير من الحق .. أن تبدأ معركة غير محسوبة العواقب يعني أن تنجر إلى خسارة شديدة ، صحيح أن الجندي المصري والجندي العربي تواق إلى خوض معركة حقيقية تعيد له كرامته التي تمرغت في وحل الهزيمة ، فهل من المعقول أن ضابطاً أي ضابط المعركة على مسئوليته ودون أوامر صريحة من قيادته، ومن يدريك أن الاستعدادات للمعركة قد اكتملت.
بعد عودته من مخيم جباليا ومقابلته للمسئول لم يطمئن قلبه ، حاول اللجوء إلى الله عله يجد ما يطمئن قلبه ويبعد عنه شر الكوابيس المزعجة التي تلاحقه ، تناول كتاباً من كتب الأحاديث النبوية وظل يقرأ حتى غلبه النوم ، ظل مصباح الكيروسين مضاءً بجانبه والكتاب ملقى على السرير ، وقبل أذان الفجر أيقظه كابوس مزعج .. إلى أهالي مدينة خان يونس .. إلى أهالي معسكر خان يونس .. ممنوع التجول من الآن وحتى إشعارٍ آخر ، وكل من يخالف يعرض نفسه للخطر .. ممنوع التجول ول ول ول .. من الآن وحتى إشعار آخر..خر خر خر، ممنوع التجول .. ممنوع التجول .. ممنوع التجول .. أصوات مسعورة تملأ المنطقة .. فكر في الهرب .. خرج من البيت ، كان ابن عمه متيفظاً.. نصحه بالعودة إلى البيت ، قال له إن المنطقة محاصرة ، وإن خرجت فستعرض نفسك للخطر ، حاول الخروج أكثر من مرة ، ولكن ابن عمه كان له بالمرصاد ، يعيده إلى البيت كل مرة ، بدأ خيط الفجر يشق ثوب الليل، تنفس الصبح عن نهارٍ كان من الممكن أن يكون جميلاً لولا هذا الحظر على التجول ، أصوات لغط تأتي من بعيد ، ربما جاءوا الآن وربما يأتون بعد قليل ، هل أظهر لهم بطاقتي الحقيقية أم أظهر لهم إحدى البطاقات المزورة ؟ أيهما أفضل ؟ ترى هل يعرفون عني شيئاً أم أنها مجرد هواجس وأوهام ؟ ومن أين لهم أن يعرفوا عني شيئاً وجيراني لا يعرفون عني أي شيء ، يعتقدون أنني شاب أنيق لا يمكنه أن يكون عنيفاً أو أن يفكر مجرد تفكيرٍ بالعنف ، قال أحمد الفايز لأمه:
ـ افتحي الباب ودعيه مردوداً حتى لا يكسروه عليكم ، لأنكم لن تجدوا من يصلحه لكم إذا انكسر.
ـ الله معك عليهم إن شاء الله. الله يبعد شرهم عنك وعن كل الشباب .
ـ حضري لى لقمة آكلها قبل ما يصلوا.
توجهت أمه إلى غرفتها ، أشعلت موقد الكيروسين فأصدر صوتاً يثير الرغبة في النوم ، تذكر أيام طفولته حين كان ينام على دوي موقد الكيروسين أو على صوت المطر المتساقط على سطح الخيمة ، وضعت أمه الفول فوق النار ، كان يتأمل أن يتناول طعام إفطاره قبل قدومهم ، اللغط يقترب ، الضجيج يزداد ، بات صوت خطواتهم مسموعاً ، صوت رطن آمر ، فكر في القفز عن الجدار ، خشي أن يحدث ما يعيقه فيظل معلقاً بعد أن يتصفى دمه ، لا بد من التصرف بهدوء ، إن أي تصرف غير محسوب ستكون له عواقب وخيمة ، لا بد من التسلح بالصبر وهدوء الأعصاب .. الأصوات تقترب .. ركلة قوية توجه للباب .. انفتح الباب بسهولة وانقذف جسد ملفع بملابس كاكية بحيث كاد وجهه يلامس الأرض ، كان يحمل بندقية آلية من طراز إم 16، تماسك الجسد قبل أن يرتطم بالأرض ، كانت ركلته للباب قوية ، لم يتوقع أن يكون الباب مفتوحاً فألقت ضربته بجسده نحو الأرض ، ابتسم أحمد الفايز بلا مبالاة، نظر إليه الضابط بحقد ، فقد تناوشته الأفكار ، لابد أنه يسخر مني أو أن به مساً من الجنون ، وربما لم يكن هو هدفنا، قد نكون أخطأنا تحديد المكان ، ربما ضل مرشدنا الطريق ، ولكنه أكد لنا أن هذا هو البيت قبل أن نبعده عن المكان حتى لا يراه أو يتعرف عليه أحد ، توجه إلى أحمد الفايز سائلاً: ما اسمك ؟
ـ أحمد الفايز.
نظر إليه الضابط باستغراب : معاك هوية ؟
ـ بالتأكيد ، ومد يده ببطاقة الموظفين البيضاء والمكتوبة بالعبرية .
أعادها الضابط إليه بعد أن ألقى نظرة سريعة عليها، قال : بلها واشرب ميتها .
أصدر الضابط أوامره بتفتيش البيت ، كان أول شيء فعلوه هو دلق وعاء الفول عن النار، انطفأ موقد الكيروسين وذاب صوته الرتيب الذي يثير النعاس ، تنبهت حواس أحمد الفايز، تحول إلى آذان وعيون ترصد كل حركة من حركاتهم ، فالبيت مملوء بكل ما يدين .
ركز الجنود جل اهتمامهم على غرفة نومه وعلى كتبه مكتبته المكدسة في نفس الغرفة ، جاء أحد الجنود إلى الضابط وقدم إليه كتاب غسان كنفاني " أدب المقاومة في الأرض المحتلة " نظر إليه الضابط بامتعاض وألقى الكتاب بعيداً فوق الكتب التي كانوا يبعثرونها بعد تقليب أوراقها ، كان أحمد الفايز يستعين بآيات من القرآن الكريم ، أكثر من قراءة آية الكرسي ، بسم الله الرحمن الرحيم .. الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم....... وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم".
قدم جندي آخر إلى الضابط كتاب " الجذور التاريخية لحزب حيروت الإرهابي" قذفه الضابط غاضباً وصاح : سفروت لو .. تين لي كل هكتوفت. "لا أريد كتباً أريد كل ما هو مكتوب .
في نفس الوقت كان جندي يسأل أحمد الفايز إن كان يقرأ أرسين لوبين أو جيمس بوند ، اندهش أحمد الفايز من السؤال واحتار في تفسير الغرض منه ، وعندما سمع كلام الضابط بالعبرية فهم ما يقصده فابتسم بارتياح .. لن تجدوا شيئاً مكتوباً بخط يدي .. لا أعرف المذكرات أو التسجيل ، كل ما أريده أحتفظ به داخل هذه الجمجمة ، ولن تستطيعوا قراءة ما هو محفوظ بداخلها ، التفت إليه الضابط محنقاً وقال بلهجة جليلية:
ـ إستاذ إنت بتعرف عبراني ؟
بسرعة : للأسف لا .. يا ريتني كنت بعرف .
بغيظ : إذن لماذا ابتسمت ؟
ـ ابتسمت لأن هذا الجندي يعتقد أنني طفل صغير أقرأ كتب مغامرات أرسين لوبين وكتب جيمس بوند .
ـ وماذا تقرأ إذن ؟
ـ أقرأ كتب الأدب والاقتصاد وعلم النفس والعلوم .
ـ ألم تقرأ شيئاً عن حرب العصابات ؟
تماسك وحاول أن يبدو عادياً جداً ، بدأ يربط الأمور ، هم يعتقدون أنني أقرأ كتب أرسين لوبين لأطبق ما فيها، تذكر كتاب حرب العصابات الذي أصدره أرنستو تشي جيفارا وترجمه ناهض الريس ودعا الله أن يعمي قلوبهم عنه حتى لا يتخذونه أساساً يبنون عليه استنتاجاتهم، قال للضابط:
ـ لم أفكر في ذلك .
بلهجة جليلية : هسا بنشوف .
جاءته زوجته والسعادة تكاد تقفز من عينيها ، همست : كل شي تمام .
وخشية أن تستمر في الكلام فيظن الضابط الظنون نهرها بحدة :
ـ اذهبي إلى الغرفة وأغلقي فمك .. لا مكان لك هنا.
قال الضابط : إستاذ في ديمقراطية في إسرائيل .
ـ إحنا هون مش في إسرائيل ، وديننا بيقول الرجال قوامون على النساء ، الرجل هو الذي يقابل الرجال ، والمرأة عورة يجب ألا تظهر أمام أي رجل أجنبي.
ارتياح تام يسيطر عليه ، لم ينالوا مأربهم إذن ، ود لو قبل زوجته بين عينيها حين طمأنته، ود لو ضمها إلى صدره واعتصرها بكل قوته ليعبر لها عن عظيم امتنانه لها ، لكنه لا يملك أمام هؤلاء الأوغاد إلا أن ينهرها حتى لا ينتبهوا إلى أي شيء .. أحمد الله أنهم لم يضبطوا شيئا ، كان قد خبأ تحت أحد أدراج خزانة أمه قطعة كارل جوستاف مع عدة خزنات وحوالي عشر قنابل يدوية ، فتحت زوجته الدرج ، نظر الجندي بغباء إلى محتويات الدرج ، لم يجد شيئا ذا بال ، كانت الأشياء الموجودة في الدرج تافهة ، لم يخطر ببال الجندي أنه لو أخرج الدرج من مكانه وبحث تحته لوجد بغيته ، وفي الحمام قام الجنود بالبحث الدقيق ولكنهم لم يجدوا شيئاً، ولما خرجوا من الحمام وأيديهم خالية اكتمل شعوره بالراحة .. إن هي إلا بضعة أشهر ويخرج من السجن.. المهم ألا يخرجوا من البيت بأي دليل ضده، كان المطر يتساقط بهدوء ، قال أحمد الفايز للضابط بلهجة فيها الكثير من اللا مبالاة والسخرية : دع الجنود يدخلون الغرفة حتى لا يبللهم المطر.
ـ رد الضابط بغيظ : نحن أبناء الجليل معتادون على المطر .
علقت غصة في حلق أحمد الفايز .. أبناء الجليل يا ابن ال.... ترى في أي بلد ولد هذا الأجدر ؟ لماذا لم يمت من الجدري الذي ترك آثاراً واضحة على وجهه ؟ وهل هو سفارادي أو شكنازي ؟
جاءت أمه يحدوها قلب الأم : ابني عيان يا خواجة.
لم يستطع أن ينهر أمه.. " ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما ، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.. " ليتك تسكتين يا أمي حتى لا يعرفوا نقاط ضعفي .. أنا إنسان مثل كل البشر .. ضعيف ضعف الإنسان وقوي كأقوى ما يكون الإنسان ، تعتقدين يا أمي أن قلبه سيلين ، وهل يملك أمثال هؤلاء قلوباً ، ابتسم الضابط وسأله مم يعاني :
ـ أعاني من البرد في الشتاء.
قال الضابط موجهاً الكلام إلى أمه : لا تقلقي .. سنعيده إليك بعد خمس دقائق .
اقتاده الجنود إلى الشارع ، كان المطر ما يزال يتساقط ، دفعه الجنود إلى البوَر (نوع من السيارات العسكرية ) وسط ثلة من الجنود يحيط به أفرادها من جميع الجهات ، كان يرى الشارع بوضوح ، قطعت السيارة الطريق الفاصل بين المعسكر والمدينة متجهة إلى الشرق ، ثم مالت باتجاه ساحة الجندي المجهول واتجهت شرقاً مرةً أخرى ، عمارة أبو دقة إلى اليمين ومسجد أهل السنة يطل من اليسار ، الدوران فسينما الحرية.. خط السكة الحديد ، دخلت السيارة مبنى مدرسة حيفا الثانوية للبنات حيث مقر الحكم العسكري، وجد مجموعات من الأشخاص معصوبي العيون وقد قيدت أيديهم وراء ظهورهم ، أدخلوه إلى مكتب الحاكم العسكري مباشرة ، طلب منه الحاكم الجلوس ،اصطنع ابتسامة وقال: أخمد .. كل شي انكشف يا خبيبي .. احكي لنا الطابق كله.
ـ أي طابق .. أنا رجال في حالي ما بعرف أي طوابق.
ـ عامل حالك غشيم.. احكي أحسن لك.
ـ ما عندي شيء أحكيه.. وإذا كنت مش مصدقني اسألني أي سؤال وأنا بجاوبك عليه بصراحة.
أشار الحاكم العسكري للجنود أن يأخذوه ، اقتاده جندي بعد أن عصب عينيه بقطعة قماش خاكية ربما كانت من الملابس التي تركها الجنود بعد الهزيمة ، طلب أن يتبول ، مشى به الجندي إلى حيث لا يدري ، فتح أزرار بنطاله وتبول فشعر بالارتياح ، وضع الجندي يديه خلف ظهره وقيده ثم أجلسه القرفصاء إلى جانب بقية المعتقلين ، خطر بباله أنهم سيعتقلون كل البلد ، وبعد فترة اقتاده الضابط الأجدر إلى مكان ما، وفي إحدى الغرف وجد أمامه حكمدار المجموعة الثانية، كان يجلس القرفصاء ويداه مقيدتان خلف ظهره، سأله الضابط :
ـ هل تعرف أحمد الفايز ؟
هز رأسه يميناً ويساراً علامة النفي ، لوح الضابط بخيزرانة كانت في يده وهوى بها بقوة على صدر أبي العز : ألا تعرف أحمد الفايز ؟
ـ لا أعرفه .. لا أعرفه
استمر الضابط في الضرب حتى كلت يداه دون أن يحصل على أكثر من كلمة لا أعرفه.
***
تحركت شاحنة عسكرية كبيرة تقل المعتقلين وقد أحاط بهم الجنود من جميع الجهات ، كان كل منهم يحمل قطعة كبيرة من الخشب يهوي بها على رأس من يشاء من المعتقلين، بينما كانت الشتائم تنهال من أفواههم .. وفي أثناء ذلك يرددون : شقيري .. حمودة .. قنابل .. مخبليم " مخربين " يا من ... ممزيريم.
بدت الطريق طويلة جداً ولا أحد من المعتقلين يعرف إلى أين تتجه الشاحنة ، وأخيراً توقفت الشاحنة ، وطلب الجنود من المعتقلين أن يقفزوا من الشاحنة وهم معصوبي الأعين، قفز أحمد الفايز بعد أن قدر المسافة على أنها لا تقل عن مترٍ واحد ولا تزيد عن مترين ، ارتطمت قدماه بالأرض، سمع صوت ارتطام آخر تبعته ارتطامات متتالية ، اقتادهم الجنود إلى مكان ما ، رصوهم على جدار بعد أن أجلسوهم القرفصاء ووجوههم تتجه نحو الجدار ، وفجأة انهالت البساطير على ظهورهم ، كانت ضربة البسطار يتبعها صوت أنين مكتوم ناتج عن الهواء الخارج من صدور المعتقلين ، وبعد سيل من الشتائم لا ينقطع بدأ الجنود في اقتيادهم واحداً واحداً ولا أحد يدري إلى أين ، اقتادوا أحمد الفايز إلى أحد الممرات.. طلبوا منه أن يخلع ملابسه كلها ، كانت الريح شديدة البرودة تندفع تياراً يخترق اللحم والعظم أثناء مروره ، اعترض أحمد الفايز فركله أحد الجنود ركلة قوية وطلب منه أن يخلع ملابسه ، بدأ في خلع ملابسه وعلى الرغم برودة الجو ، أخذ جسده يتصبب عرقاً وأعضاؤه تزداد انكماشاً .. منذ أن بدأ يعي الفرق بين الذكر والأنثى ، لم يخلع ملابسه أمام أمه ولم يسمح لها بمساعدته أثناء وجوده في الحمام ، فعل ذلك بعد أن بدأ يقترب من العاشرة من عمره ، حتى زوجته لا يذكر أنه خلع جميع ملابسه أمامها في الحمام ، وهاهو الآن يخلع ملابسه لأول مرة في حياته أمام أناس لم يرهم من قبل ، وقف عارياً كما ولدته أمه ، اقترب منه أحد الجنود ، نظر إلى أعضائه ، أطال النظر كأن المشهد أعجبه ، قذف إليه ملابس داخلية توحي للرائي أنها متسخة ، وبعد أن ارتداها ألقى إليه قميصاً خاكياً ثم ألقى إليه بنطالاً كاكياً أيضاً ، وبعد ذلك ناوله معطفاً كاكياً قطعت منه تلك القطعة التي تثبت فوقها الرتبة العسكرية ، لم يتركوا معه من أغراضه سوى حذائه ، طلب منه الجندي أن يلبس حذاءه واقتاده إلى زنزانة أمام الممر الذي يتدفق من الهواء ، أدخله إلى الزنزانة وأغلق الباب من الخارج .. نظر أحمد الفايز إلى الزنزانة .. طولها حوالي ستة أمتار وعرضها أكثر من مترين وفي أعلى الجدار المقابل لبابها كوة صغيرة تسلحت بقضبان حديدية سميكة ، بقي وحيدا في الزنزانة، تيار الهواء البارد يمر من تحت الباب ، جلس في زاوية الزنزانة ، انطلقت أفكاره خارج الزنزانة .. ترى .. من مِن الأخوة اعتقل ومن منهم تمكن من الفرار ؟ وهل تمكن بعض الأخوة من الفرار ؟ إن تمكن أحدهم أو عدد منهم من الفرار فإن الحلقة لن تكتمل، انتفض قلبه بين ضلوعه ، هل لديهم معلومات أكيدة عنا ؟ وإن كانت لديهم مثل هذه المعلومات فكيف حصلوا عليها ؟ ولماذا اعتقلونا نحن بالذات ؟ ولماذا قال له الحاكم أن اسمه موجود في أعلى القائمة ؟ أية قائمة يعني ؟ وما الذي يعرفونه بالضبط وما الذي لا يعرفونه ؟ تناهبته الأفكار فقام من مكانه ودار دورة حول الزنزانة يتفقدها ، أرضيتها مبلطة ببلاط مخطط بخطوط محفورة يشبه البلاط المستخدم في تبليط أرصفة الشوارع ، جدرانها مطلية بطلاء أسود متسخ، ربما كان هذا المكان مطبخاً يحتوي على عدة مواقد غطى سناجها جدرانه بطبقة سميكة من القذارة، تحسس الجدران بقرف شديد وتساءل : ترى كم من الوقت سأمكث في هذا المكان ؟
***
جاءه السجان وألقى إليه بطانيتين من بطانيات الجيش المصري ، قال الجندي :
ـ خد دول علشان تنام على واحدة وتتغطى بالتانية.
تساءل أحمد الفايز : والمخدة ؟
بابتسامة ساخرة : أنت فاكر نفسك في فندق ؟ أنت في سجن يا حبيبي .
وألقى له بصحنين صغيرين وناوله جردلين بعد أن دلق أحدهما فوق بلاط الغرفة فانساب الماء بين فروز البلاط ، علق السجان : علشان تنام كويس يا حبيبي .
وفي المساء نادى الشاويش : قروان ع الباب .
لم يخرج الصحون فصاح الشاويش : طلع صخون بسرعة أنت وإياه .
أدخلوا له وجبة العشاء من تحت الباب وسكبوا بعض الشاي الساخن في كأس من البلاستك كانوا قد سلموها له مع الصحون ، كان العشاء يتكون من بيضة وأربع حبات من الزيتون الذي يحمل رائحة الثوم وربع رغيف من الفينو وحوالي ملعقة لبنة ، ابتسم أحمد الفايز.. وأخيراً تذكروا أننا لم نفطر فجاءوا بالإفطار بعد أذان المغرب ، جاء السجان فوجده يتمشى في الغرفة ، صاح به : تعال هون فجاء ، فتح الباب ورفع جلدة العصا التي يحملها إلى أعلى وأدخل رأس أحمد الفايز فيها وجذبه بشدة ، كادت رأسه تصطدم بالباب ، ثم أخذ يلوي العصا فأخذت الجلدة تضيق وتضيق حتى كاد يختنق ، أدرك السجان ذلك فتركه وانصرف ، لكن صورته ارتسمت في ذاكرة أحمد الفايز الذي قرر الانتقام منه حين تؤاتيه الفرصة.
***
أمضى يومي الجمعة والسبت ذاهباً آيباً يضرب أخماساً في أسداس .. ما الذي يعرفونه وما الذي لا يعرفونه ، وما الذي يمكن أن يعترف عليه بعض الأخوة إذا لم يحتملوا الضرب الذي سيتعرضون له ، وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر الممكنة ، وبعد وجبة إفطار يوم الأحد نادى أحد السجانين على اسمه : أحمد الفايز ، وفتح باب زنزانته ، أمسك بيده وأدار وجهه إلى الجدار، وبعد فترة جاء بمعتقلين آخرين وأدار وجوههم إلى الجدار ، ناداه جندي آخر : أحمد الفايز، واقتاده إحدى الغرف ، فتح بابها فانفرج عن وجه أبيض يندلق بطنه أمامه فيحشره بين الكرسي الذي يجلس عليه والطاولة التي أمامه ، كانت على كتفيه قطعة نحاسية تشبه في شكلها ورقة الدوالي ، ابتسم الضابط وحاول أن يكون بشوشاً : تفضل بالجلوس .
جلس أحمد الفايز على كرسي أمام الطاولة من الناحية اليمنى ، قال له الضابط :
ـ أخمد .. أنا بعرف أنك راجل طيب وأنك معلم مدرسة وما بتحب المشاكل .
ـ شكراً.
أردف الضابط : لكن يا حبيبي زي ما أنا عارف أنك راجل طيب ، أنت كمان لازم تعرف أنه كمان أمن إسرائيل كتير مهم بالنسبة إلنا ، وأي واحد بحاول يمس أمن إسرائيل راح بنعاقبه عقاب شديد.
ـ وما علاقتي أنا بأمن إسرائيل ؟
ـ هون مربط الخصان ياخبيبي ، أنت واخد كتير مهم ، أنت اسمك في راس القايمة ، كل المطلوب منك ياخبيبي إنك تقول إلنا وين مخزن السلاح المسجل عليه اسمك ، وحياة شرف إسرائيل أنك إن خبرتنا بتروخ البيت على طول الخط.
هبط قلب أحمد الفايز حتى كاد يسقط بين قدميه .. هكذا إذن .. في البداية مخزن الأسلحة وبعد ذلك العمليات التي قمتم بها ، وبعدين هات يا محاكم ويا أحكام ، واصل الضابط كلامه :
ـ أحمد .. أنا بعرف أنكم ما عملتوا أية عملية تخريبية حتى الآن ، وعلشان هيك أنا بدي أمنع وقوع أعمال يروح فيها ناس أبرياء من عرب ومن يهود وأنت موش تقبل بهيك .
ـ بالأكيد أنا ما بقبل بهيك وأؤكد لك إني ما إلي علاقة بهيك مواضيع.
وفي هذه الأثناء دخل ضابط أبيض طويل بائن الطول ، شعره ناعم يميل إلى الشقرة ، وقف إلى يسار الضابط ذو الكرش المندلقة أمامه ولم يتدخل في الحوار، قال الضابط :
ـ شوف ياخبيبي .. أ . الفايز .. الحرف الأول من اسمك واسم عيلتك ، يعني أنت بتعرف البير وغطاه .. إيش رأيك ؟ سلمنا المخزن وأنت تروح البيت فوراً.
ـ كتير ناس من عائلة الفايز يبدأ اسمهم بحرف الألف ، وبعدين يمكن يكون اسم مستعار أو واحد يقصد الإساءة لعائلتي.
تدخل الضابط الواقف إلى اليسار: أنا بضمن كلامه وبوعدك وعد شرف أنك تروح البيت بعد ما تسلمنا المخزن ويا دار ما دخلك شامت ، أنا بعرف أنك عريس جديد ولازم تكون عند زوجتك مش في السجن .
ابتسم أحمد الفايز ، مر بخاطره طيف زوجته : ولكني أؤكد لك أنني لا أعرف شيئاً عن هذه الورقة ، الله يسامح اللي بيحاول يسئ إلى بهذه الطريقة .
وفي هذه الأثناء دخل ضابط طويل يحمل نفس رتبة زميليه ، بدا عليه أنه فوجئ بوجود أحمد الفايز فتساءل بالعبرية : مي زه ؟( من هذا)
رد عليه الضابط الجالس : زه أحمد الفايز . (هذا أحمد الفايز ؟!)
تراجع الضابط إلى الوراء كمن لدغته أفعى وتساءل : زه أحمد الفايز ؟ .. بحسب الباشا باشا وأتاري الباشا زلمة ، ثم مد يده نحو أحمد الفايز محاولاً مصافحته ، قال : إحنا عسكريين لازم نسلم على بعض.
قال أحمد الفايز دون تردد : أنا لست عسكرياً ، أنا معلم مدرسة لا أكثر ، ولا أحب أن أكون عسكرياً .
قال الضابط الجالس : ما اسمك ؟
ـ أحمد الفايز .
ـ بعرف ياخبيبي .. أنا بدي اسمك رباعي .
ـ أحمد محمد يوسف الفايز .
ـ ها ..ها .. وهدا اسم مين ياحبيي .
وأبرز له كشفا مكتوباً بالقلم الرصاص كان أحمد الفايز قد رآه من قبل مع مسئوله العسكري ، جاءه المسئول وطلب منه أسماء الجهاز العسكري في الجنوب بحجة أن المنظمة طلبت كشوفاً بجميع أسماء الجهاز العسكري في الحركة لصرف رواتب لهم ، وهاهو يجد الكشف أمامه ، كل عضو باسمه الحقيقي .. الاسم الرباعي والتسليح الشخصي والرتبة العسكرية ، وجد اسمه في رأس القائمة وأمامه رتبته وتسليحه الشخصي ، كما عرف الورقة المسجل عليها محتويات مخزن الأسلحة .. كان تركيز الضابط على الألغام المائة المثبتة في الكشف وعلى القنابل اليدوية ذات العدد المشابه ، ولم يتطرق الضابط إلى الذخيرة والأسلحة الرشاشة ، يبدو أنه كان يحاول الوصول إلى علاقة ما بين عمليات التفجير ومخزن الأسلحة ، أنكر أحمد الفايز وجود أية علاقة له بموضوع الورقة ، قال: لا تحاولوا أن تلبسوني ثوب أبي .. أنا لست مسئولا عسكرياً ولا علاقة لي بالعمل العسكري.
قال الضابط ذو الشعر الناعم : يبدو أنك عنيد .. تعال معي لترى بعينيك وبعد ذلك تقرر ما تفعله .
أمسك به من يده بعد أن طلب منه أن ينظر بعينيه ولا يتكلم ، فتح كوة صغيرة نظر منها ثم أشار إلى أحمد الفايز أن ينظر ، وجد المسئول العسكري منكباً على مجموعة من الأوراق وهو يكتب دون أن يرفع رأسه ، وإلى جانبه ضابط أشقر كالوحش الذي يحاول تمزيق فريسة أنهكها التعب ، سحبه الضابط بهدوء وأغلق الكوة ، وانتقل به إلى غرفة أخرى ، فتح الكوة ونظر منها ثم قرب أحمد الفايز من الكوة ، نظر أحمد الفايز فوجد المسئول السياسي وهو يكتب أيضاً، أعاده الضابط إلى غرفة التحقيق وبعد أن طلب من الجلوس قال له : المسئول السياسي والمسئول العسكري يكتبان اعترافاتهما ، بالتأكيد هما أعقل منك ، لقد أراحا نفسيهما ووفرا الكثير من البهدلة والتعذيب.. كن عاقلاً يا أحمد ولا تورط نفسك ، فالإنكار لن يفيدك ، وفر على نفسك وعلينا الوقت والجهد وخلينا أصحاب.
صمت أحمد الفايز ولم يتكلم ، الشكوك تمزقه ، والمخاوف تحاصره ، هل اعترفوا بما قمنا به من عمليات، نادى الضابط على أحد الجنود وطلب منه أن يعيده إلى زنزانته : تكاخ أوتو لحيدر . (خذه إلى الزنزانة )



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوابيس تأتي في حزيران 13 / 14
- الكوابيس تأتي في حزيران 11 / 12
- التلفزيون الفلسطيني والمصداقية العالية
- حول الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي
- الكوابيس تاتي في حزيران الفصل التاسع والعاشر
- ظاهرة التسول في المجتمع الفلسطيني
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الثامن
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل السابع
- من المسئول عن إطلاق الرصاص على العمال في محافظة خان يونس
- حين يعطش البحر ويظمأ الغيم
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل السادس
- العريس
- أشتاق إليك - خاطرة ،
- 5-الكوابيس تاتي في حزيران
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الرابع
- الكوابيس تأتي في حزيران - الفصل الثالث
- الانسحاب والمستوطنات بين الواقع والطموح
- الكوابيس تأتي في حزيران
- الكوابيس تاتي في حزيران
- صور وحكايات


المزيد.....




- -أرسيف- تعلن ترتيب الجامعات العربية حسب معامل التأثير والاست ...
- “قناة ATV والفجر“ مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس الحلقة 168 ...
- مستوطنة إسرائيلية: قصف غزة موسيقى تطرب أذني
- “وأخير بعد غياب أسبوعين” عودة عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- من هو الفنان المصري الراحل حسن يوسف؟
- الليلادي .. المؤسس عثمان ح168 الموسم 3 على قناة atv وعلى الم ...
- أوليفيا رودريغو تستعيد اللحظة -المرعبة- عندما سقطت في حفرة ع ...
- الأديب الإيطالي باولو فاليزيو.. عن رواية -مملكة الألم- وأشعا ...
- سوريا.. من الأحياء القديمة إلى فنون الطب الصيني
- وفاة الفنان المصري حسن يوسف


المزيد.....

- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكوابيس تأتي في حزيران 15 / 16