|
اغتيال تويني ...خلط جديد لاوراق قديمة
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 08:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اضاف اغتيال جبران تويني مشهدا جديدا لسيناريو القتل الذي لم يبدا مع اغتيال رفيق الحريري ، ولا يوجد ما يوحي بتوقفه علي المدي المنظور ، او انتقاله الي مربع جديد لياخذ شكلا تصعيديا آخر . فالريح التي اطلقت موجة الاغتيالات لم تغير اتجاه مؤشر البوصلة وان احدثت حالة من خلط الاوراق عند كل محطة من المحطات الدموية التي مرت بها . ومالم يكن واضحا عند محاولة اغتيال مروان حمادة صار اكثر وضوحا بعد سلسة الاغتيالات التي طالت جورج حاوي وسمير قصير وكادت ان تنهي حياة مي شدياق . ولا يقلل الوضوح الملتبس من اغراءات اعادة النظر في الوضع اللبناني المرشح دوما لامتصاص تداعيات الازمات الاقليمية دون ان يفقد القدرة علي التاثير فيها مما حول لبنان الي ساحة دائمة لتصفية الحسابات ومنصة للتغير . ورغم ضعفه الظاهر الي حد استسهال مراكز صنع القرار واجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية الحصول علي موطئ قدم فيه احالت رمال لبنان المتحركة محاولات استخدامه الي ما يشبه مشاريع الانتحار . وتتداخل عناصر معادلته الداخلية مع تفاعلات الاقليم والعالم الي حد استحالة الفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي . فما يحدث في لبنان لا يقرا بعيدا عن تفاعلات الحدث الاقليمي ، وربما الكوني ، ولا تخلو العواصم القادرة علي لعب دور في رسم الخرائط السياسية ، والهيئات الاقليمية ، من انشغال بالبحث في سبل حل العقد اللبنانية التي تعود بعض اطراف خيوطها الي بدايات تاسيس الجمهورية . وفي هذا السياق يمكن قراءة التجاذبات الداخلية اللبنانية التي عادت لتقفز الي الواجهة مع اغتيال جبران تويني الذي يعد واحدا من ابرز الناشطين للخروج من دائرة النفوذ السوري . وسرعان ما بلورت هذه التجاذبات ثلاثة محاور لا تخلو من التباينات والتقاطعات التي تزيد من صعوبات قراءة المشهد المتجه نحو مزيد من التعقيد . ولعل ابرز المحاور اللبنانية المتجاذبة المحور الذي تمثله قوي ما بات يعرف بتجمع 14 اذار التي وجدت في اغتيال ثويني ما يؤكد صواب مطالبتها برحيل الرئيس اميل لحود عن قصر بعبدا باعتباره رمز النظام السياسي ـ الامني السوري في لبنان . ويواجه هذا التيار ما يمكن تسميته بتيار القوي التي تعطي الاولوية لمواجهة الخطر الاسرائيلي وتحرص علي عدم التصعيد ضد سوريا مثل حركة امل ، وحزب الله ، والحزب الشيوعي اللبناني ،والحزب القومي السوري الاجتماعي وغيرها من الاطراف التي ابقت علي شعرة معاوية مع دمشق تحت وطئة القلق مما يمكن ان يحدثه الغياب السوري عن المعادلة اللبنانية . وبين هذين التيارين ظهر تيار ثالث لا يخفي معارضته للدور السوري في لبنان ، ولا يخفي تحفظه علي اساليب عمل قوي 14 اذار ، وابرز اصحاب هذا الطرح العماد ميشيل عون وتياره الوطني الحر الممثل بكتلة نيابية ذات ثقل في مجلس النواب . ويسود العديد من الاطراف اللبنانية اعتقاد بان معركة الرئاسة ـ التي يمكن تلخيصها بالخلاف الذي جري حول التمديد للرئيس لحود ـ تمثل الارضية السياسية التي تجري عليها الاغتيالات. ويستند هذا الاعتقاد الي معارضة ضحايا الاغتيال لتمديد ولاية الرئيس لحود وتعاملهم معه باعتباره واجهة سورية وليس راسا للهرم السياسي اللبناني . فمن اسباب توتر علاقة الحريري مع سوريا قبيل اغتياله الدور الذي لعبته دمشق في التمديد للرئيس لحود ،ويعد سمير قصير وجبران تويني من ابرز منظمي ما بات يعرف في بعض الاوساط اللبنانية بانتفاضة الاستقلال ،ولم يكن جورج حاوي بعيدا عن هذا التوجه . وفي موازاة المطالبة برحيل الرئيس لحود عن قصر بعبدا تتبلور دعوات الى حل البرلمان واجراء انتخابات نيابية مبكرة لتجاوز ما بات يعرف بدكتاتورية الغالبية البرلمانية . وتجد هذه الدعوات بعض القبول في الاوساط السياسية اللبنانية لا سيما وانها تصدر عن شخصيات قانونية ورجالات دولة تحظي باحترام في الشارع السياسي اللبناني مثل رئيس الوزراء الاسبق سليم الحص . كما وفر الخلاف الحكومي الناجم عن دعوة الرئيس فؤاد السنيورة لتوسيع مهام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري وتشكيل محكمة دولية مناخا ملائما للمطالبة بتركيبة برلمانية قادرة علي فرز سلطة تنفيذية مستقرة . ولكن قيام الرئيس لحود بحل البرلمان يبدو مستبعدا في ظل الخلاف علي وجوده في السلطة ، وانتقال المطالبة برحيله عن قصر بعبدا الي الشارع ، الامر الذي يعني استمرار دوران الازمة في حلقة مفرغة . ويكرس قرار مجلس الامن 1644 الذي صدر بعد ايام من اغتيال تويني اعتقاد غياب الملامح السياسية عن الطريق الذي تسلكه القوي السياسية في لبنان . فقد خيب القرار الذي اقتصر علي التمديد للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري ـ و لم يستجب لطلب الحكومة اللبنانية المتعلق بتوسيع مهام لجنة التحقيق لتشمل جميع الاغتيالات التي شهدها لبنان خلال العام الحالي ـ امل خصوم سوريا الذين يمثلون الاغلبية في البرلمان والحكومة . و في المقابل اعطي هامشا اوسع لحركة القوي التي تري ان هناك مبالغة في التصعيد ضد سوريا . والواضح من خلال الحراك الداخلي اللبناني ان القرار الذي صدر بصيغة توفيقية بفعل الموقف الروسي المعارض للتضييق علي دمشق لن يكون سوي محطة يمر بها ماراثون تسجيل النقاط دون توقف . فمن غير المتوقع ان تتخلي قوي 14 اذار عن الشوط الذي قطعته نحو تنفيذ برنامجها . وفي الوقت الذي تحاول هذه القوي الاستفادة من قوة الدفع التي وفرها اغتيال جبران تويني تجد القوي المعارضة لتدويل الازمة اللبنانية في القرار الدولي الاخير هزيمة لخصومها . وبطبيعة الحال لا تعني انتكاسة محاولات التدويل انحسار البعد الدولي في صراع التيارات اللبنانية . فمن ناحيته يستقوي التيار القريب من دمشق بعلاقات سوريا الاقليمية و الدولية ، وفي المقابل ينتظر التيار الاخر اقتراب واشنطن وباريس وقوي اقليمية فاعلة من رؤيته للحد الذي يتيح له تحويلها الي واقع ،ويوفر الظروف الموضوعية لاعادة هيكلة العلاقات اللبنانية ـ السورية . وبناء علي هذه الاصطفافات تختلف القراءات اللبنانية لتطورات الموقف الدولي تجاه لبنان ، والتي تتحكم فيها عوامل اقليمية اخري الي جانب حالة التوتر بين بيروت ودمشق التي وصلت ذروتها باغتيال جبران تويني ، والتصدع المتزايد في المعادلة الداخلية اللبنانية . ففي الوقت الذي تري بعض القراءات بامكانية البناء علي الاوراق التي تحتفظ بها دمشق تستبعد قراءات اخري احتمالات توصل القيادة السورية الي صفقة مع واشنطن تحد من الضغوطات الاميركية . ويتيح التردد الاميركي في التعاطي مع الملف اللبناني ـ السوري ما يبرر تعددية القراءات . فهناك العديد من المؤشرات التي توحي بان التغيير في سوريا من بين الملفات التي تقلبها مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة . الا ان تقليب الملفات ودراسة الخيارات لا يعني الشروع في تنفيذ خطط للتغيير علي المدي المنظور لا سيما وان الادارة الاميركية التي تحاول الخروج من المتاهة العراقية تخشي بدائل النظام السوري . وتعود خشية الادارة الاميركية الي ضعف القوي الليبرالية والديمقراطية السورية وعدم قدرتها علي افراز البديل المقبول . وفي غياب مثل هذا البديل تنفتح الاحتمالات امام تصدر قوي الاسلام السياسي للمشهد . وتترك هذه التعقيدات خيارات محدودة للسياسة الاميركية تجاه سوريا ابرزها اضعاف النظام السوري للحد الذي لا يجعله قادرا علي القيام بدور اقليمي من خلال علاقاته مع حزب الله والمنظمات الفلسطينية وايران . ولا شك في ان ارث السياسة السورية في لبنان والحراك السياسي اللبناني المصاحب لسلسلة الاغتيالات يمثلان مدخلا مناسبا يمنحان واشنطن فرصة اعادة ترتيب السياسة السورية علي اسس تتناسب مع الرؤية الاميركية للمنطقة .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشوهات التحول الديمقراطي
-
شهوة القتل
-
التقرير الذي هز المنطقة
-
الانتحار اللغز
-
حوار الدائرة المغلقة
-
تراكمات العجز
-
قواعد جديدة للعبة قديمة
-
جدران الوهم
-
تفسير احادي....لخطوة احاديه
-
منصة التغيير
-
عمان..مرآة العراقيين ..ونافذتهم علي العالم
-
الانسحاب المصيده
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|