حققت المرأة البحرينية كثيرا من المكاسب مع عصر الانفتاح. حيث اتيح لها ان تجرب كثيرا من الممارسات السياسية. فعلى مستوى الترشيحات البلدية والنيابية خاضت تجربة مرة وناجحة على المستوى الفني والاخلاقي والاعلاني وان لم تحصل على ما تريد ولكن المجتمع بدأ يتفهم ويتحسس قضيتها ومعاناتها وهذا اهم شيء. بقي الان علىها مهمة اساسية وهي النزول الي الشارع والمشاركة الدؤوبة في الاعمال الخيرية والاجتماعية والسياسية خاصة فيما يخص تفعيل الميثاق والدستور والبرلمان. وهذا ما سيعزز مواقفها في المستقبل ويدفع بها الي الفوز ويساهم في دفع حريتها ومساواتها بالرجل. لقد تلكأت حرية المرأة في العالم كله قرونا طويلة. فمثلما طالت حريات الناس بشكل عام كثير من المظالم طالت حرية المرأة مضاعفات من المظالم والعنف ايضا وذلك لتعقد الوضع الانتاجي وتداخل مسائل الحل ببعضها البعض. أول هزيمة لحقت بحرية المرأة هي القدرة على تفسير معناها. فالبعض اخطأ تفسيرها. فدخلت في سراديب الظلام. فتعريف الحرية بشكل عام ليس سهلا لانه يشمل عالم الانتاج المغيب كليا عن المرأة. فالحرية التي هي "السيطرة المتعاظمة على العلاقات الاجتماعية والطبيعة" اصبحت في نظر ما يسمون انفسهم بقادة ومصلحي المجتمع تعني الفساد والتفسخ. يخلطون بذلك تملك الانسان لعالم الانتاج وتفسخ الاخلاق. في الوقت الذي ليست هناك اية علاقة بينهما. ان حرية المرأة كحرية الرجل تتمثل في مفهوم فلسفي تتدخل فيها مجموعة من العمليات الذهنية تبدأ بالهلامية فالتصادم فالنقد فالصراع الذي يتمثل في اسبقية المادة "الممارسة البشرية" على الوعي "الفكر" دخل تطور الانتاج في مرحلة جديدة من المشاعي القروي الي الرق والعبودية. لكن العبودية ضد غرائز الانسان مما اثار حفيظة العبد "الرجل والمرأة". حاول ملاك الاراضي والارستقراطيون حل مسألة العبودية دون انتصار ساحق للعبد. ودارت المساومات في دهاليز مظلمة وهذه المساومة تمثلت في تحالف الفلاحين مع "عبيدهم" بحيث يعطي العبد الحرية "حرية شكلية وهي نزع الاغلال من حول رقبة العبد" ولكنه في واقع الحال يبقي عبدا بسبب تملك العمليات الانتاجية كاملة. وتكون المرأة في هذه الحالة عبدة لعبد. فالضمانات لم تحسب بحرية العبد. فبقت الحرية اسيرة للمفهوم. تطور مفهوم الحرية وتبلور داخل جحيم العنف والاستغلال فحيثما وجد الألم والمعاناة وجدت ساحات الاحتجاجات ومن هذه وتلك تتضح رؤية الحرية كبلورة مضيئة تفرض نفسها وتتفاعل مع المعطيات "الموضوعيات" لكي تنتج في النهاية طريقا سالكا للمبادئ الانسانية. وكلما التف الناس حول هذه المبادئ كلما صار مطلب الحرية شرعياً وله جماهيرية واسعة. وهذا هو لغز انتصار الضعفاء. تلك هي قصة الحرية التي دخلت في دهاليز لم تخرج منها بالصدفة وانما خرجت بفضل الضرورة التي فرضها الشجعان من خلال عملية تاريخية طويلة يصعب سردها. ولكن لا يمكن ان تغيب عن البال فضل الاسطورة العربية القديمة التي فرضت نفسها من خلال قصصها ورواياتها التي تشبه الاوبرا لحد كبير والقصص تمثلت كلها حول تجسيد الاحلام الانسانية التي انفقدت عندما غابت حياة المشاعية القديمة والحرية الشخصية مع انتقال المجتمع الي الطور الاقطاعي فالاسطورة هي نمط من انماط التحرير والتحريض والتربية للشباب لتعويدهم على الجسارة وخوض المعارك في ساحات السلم أو الحرب بقصد التمسك باهداف الحرية النبيلة واسترجاع ما فقده الانسان ايام المشاعية. ان الفكر العربي هو فكر اسطوري جملة وتفصيلا. مثال على الأسطورة: قصة سمارتكوس في العهد العبودي: عندما فقد ذراعه الأيمن اخذ يقاتل بذراعه الايسر. وعندما فقد الاثنين حمل السيف باسنانه واخذ يقاتل ثم اعطي لقاتله السيف لكي يقطع رأسه ويذهب به الي الحاكم وبالتالي يستطيع القاتل ان يحصل على عتق رقبته. هذه ربما تكون قصة مبالغاً فيها ولكنها قصة قريبة الي الحقيقة. المراد منها هو تحفيز الشباب على الدفاع عن حرياتهم في ذلك الوقت الذي تختفي فيه وسائل الاعلام "الصوت والصورة". وفي الوقت نفسه تتهدد فيه الحريات، وهذه القصة مكررة عندنا نحن العرب وكذلك نحن البحرينيون. حيث مصرع ابي الفضل العباس اخ الحسين بن على علىه السلام، قصة شهد علىه الكثيرون. وهناك اناس يدعون بانه مبالغ فيها. لكن ليكن ذلك. الامر هو في الهدف الاساسي في ان المأتم يربي اجيالا تسمع كيفية الدفاع عن الحرية. الاسطورة هنا لا تعني الاكاذيب ولكن تعني المبالغة في القصة. وربما تعني حقائق تاريخية لكنها نادرة هذه القصص حركت الذهنية العربية في ايقاظ الفلسفة فنشأت فلسفات متناقضة حول المرأة. فالفلسفة التي تقول ان الرجل يحب المرأة ويخشاها في الوقت نفسه وكذلك قولهم في ان الرجل يخاف من المرأة ولا يخاف علىها. اي يحد من تحركها خوفا منها لا خوفا علىها.. هذه ايضا اساطير نشأت حول المرأة والخطيئة والذنب والخديعة نسبت الي المرأة ظلما. بمعني ان المفاهيم الفلسفية الرجعية وبسبب عقلية الاقطاع التي رزح الوطن العربي تحت سلطته اخذت تتحكم. والفلسفة التقدمية الثورية اخذت تتواري. من هنا بقت المفاهيم التقدمية في حرب شعواء مع الخط الرجعي ذلك لانه مع انتصار هذه المفاهيم يفقد الاقطاعي زبائنه الذين افقدهم مفهوم التحرر وزرع في نفسيتهم الكسل والخمول وحب المظاهر وتقليد اصحاب الجاه حتي يضمن استغلالهم. لكن عامة الناس لا تفهم مكائد اصحاب الجاه فهي ترسم لهم مصائد للنكاية بهم واستغلالهم لا حبا في رفاهيتهم. ان انتصار الحرية - للمرأة والرجل - لا تعني التواطؤ في الاخلاق أو المساومة على الاخلاق النبيلة ولا تعني تراجع الواعز الديني وانما هو انتصار للالهام العقلي والفكري. فعندما نري رجل دين بصورته المهيبة يبرز تصريحات تشيد بعمل المرأة وحريتها وتشيد كذلك بالحريات الاخرى نتبين من ان انتصارا جديدا اضيف لهذه الحقبة التاريخية البحرينية، لانه لم يسبق وان سمعنا تصريحات منذ مائة عام - زمن عبده والطهطاوي - حول حرية المرأة. فرجل الدين ايضا يبني لنفسه صرحا اجتماعيا من خلال مناصرته لحقوق المرأة وقضاياها. ويعترف بان هذه هي مسيرة العصر ومطاليبه. وهي حقا مسيرة سلمية لها انعكاسات على المجتمع ككل. والانسان الذي يعادي قضية المرأة يكون خارج الزمان والمكان.. ايضا تبلورت معاني حرية المرأة في ساحات الاحتجاج اثناء المطالبة بتخفيف ساعات العمل ونوعيته والسهر الليلي والاعمال الخشنة والخطرة والمطالبة بزيادة الراتب، واكبر دليل على ذلك هو اضراب نساء النسيج في فرنسا في 8 مارس. حيث اضرم صاحب المصنع النار في المصنع فماتت 73 امرأة ضحية لهذا العنف. ومنذ ذلك اليوم أخذ العالم يحتفل بيوم 8 مارس كعيد للمرأة العاملة. وكيوم مضيئ محفز لقضايا التحرر الاجتماعي. ان ترابط العالم كله يجعله قرية صغيرة ووسائل الاتصال الحديثة ساعدت في نشر افكار الحرية. انتقلت افكار الغرب الينا ولكن لان الارض العربية تحمل في ذاتها مكونات طبيعية لتقبل الحرية. وكما ذكرت اعلاه بان الادب العربي متمثلا في الاسطورة وكذلك الشعر وعلوم الانسانية - اجتماع، اقتصاد، فلسفة - قد كوّن ارضية واسعة لتقبل هذه المفاهيم. لكن بعض كتاب الغرب تغيب عن حواسهم هذه التراكمات ويتعجبون لوجود فلاسفة امثال ابن سينا في بلاد الاندلس في القرن السادس الهجري ولماذا لم يكن في بلاد الغرب. فقد مسك احد الكتاب المجتهدين بالتاريخ مسك د. هادي العلوي من ثيابه وهو يصرخ: من اين لكم ابن سينا؟ انه ولد في بلادكم بالخطأ!!. اريد ان تشرح لي لانني محتار في ربط التراث والتاريخ العربي بهذا الفيلسوف. وافتش على الظروف الذاتية والموضوعية التي انجبته فلم ارها فقال له د. هادي: ان هناك نظرة خاطئة وشائعة عن تاريخ الاسلام يصورونه وحدة مطلقة مع عدم وضوح التصورات المتعلقة بسقوط الحضارة الاسلامية وبالتالي عدم طرح مسألة تزمين تلك العصور كموضوع من موضوعات تاريخ الاسلام.