|
الذئاب المنفردة والإرهاب المتحول
إدريس نعسان
الحوار المتمدن-العدد: 5249 - 2016 / 8 / 9 - 20:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرة أخرى يباغت الإرهاب المجتمع الدولي ويثير دهشته وذهوله في قدرته على اتباع أساليب ووسائل ليست في باله أو يمكن التكهن بها مهما احتاط وتحضر لمواجهتها وإفشالها. إن الإرهاب المتمرس والمتدرب في العديد من الدول المشرقية المبتلية بأزماتها المتعمقة والغير متوجهة إلى الحل قريباً، بات أكثر شراسة وفتكاً ويتلون بألوان وأشكال فوق تصورية أو معرفية لدى الأجهزة الأمنية رغم تحضيراتها وتأهبها بأقصى الدرجات تصدياً له. فالذئاب المنفردة بما تمثله من مرحلة جديدة للإرهاب غير التقليدي، ظاهرة خطيرة جداً وربما عصية على الاحتواء لما تتطلبه من مجهودات بشرية وتقنية كبيرة جداً عدداً وعتاداً أكثر بكثير من تلك المطلوبة لمواجهة الجماعات والمجموعات. إذ إن وجود عشرة ملايين مواطن أو مقيم من أصول إسلامية على شكل جاليات في الدول الأوروبية، تجعلهم في عين الاتهام رغم براءتهم واقتصار العناصر الإرهابية فيهم على بضعة عشرات لا غير، وهذا يصعب المهمة الأمنية أكثر ويتطلب إمكانيات بشرية هائلة لتتبع ومراقبة جميع الأجانب ذوي الأصول الإسلامية أفراداً وجماعات هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الثقافة الإرهابية المبينة على الصدمة والرعب التي تتبعها داعش وكل الجماعات المترابطة والمتواطئة معها، لإثارة أكبر قدر ممكن من الرعب في المجتمعات المستهدفة والهادفة بالتأكيد لإلحاق أكبر خسارة ممكنة بهم، لا تتردد في استخدام ما تيسر لها من الوسائل والأساليب طالما أن الغاية تمكن في أكبر قدر ممكن من القتل والضحايا، وهذا يجعل مهمة التصدي لهم أكثر صعوبة ويجعل من الموجودات حولنا أهدافاً ووسائل لهؤلاء الإرهابيين في الوقت نفسه. ولهذا فإن الخوف بات يسري في كل مكان وفي كل التفاصيل والحيثيات اليومية إلى درجة أصبح الهاجس الأمني يرافق الإنسان مع كل خطوة يخطوها، بحيث لم تعد الناس تعلم أنها ستعود من أعمالها أو بالأحرى ستصل إلى مقر عملها دون إصابة أو فقدان حياة، بعد أن أصبح الإرهاب ساكناً حيثما لم يخطر للآدمي أن يتحول إلى مقبرة أو مشوه له. إن الإرهاب العالمي العابر للقارات والبحار تهديد لا يمكن معالجته بعمليات القصف والقتال في الدول المبتلية به شرقاً، خاصة وأنه أصبح يقود حرب وجود بعد حصاره وتضييق الخناق عليه في سوريا والعراق، الأمر الذي يتطلب معالجة حقيقية وجدية لأسبابه ودواعيه وليس فقط التصدي لنتائجه ومفرزاته. ويجب بادئ ذي بدء أن تتوقف الدول العالمية السيادية والإقليمية المتورطة في هذه الأزمات عن الدفع بالمصالح والأجندات الخاصة فوق المصلحة الإنسانية الجمعية المتمثلة بالأمن والطمأنينة أساساً، وذلك عبر الكف عن الاستثمار في هذه الأزمات المفتعلة والمتعمقة في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان والمتحولة إلى ساحات لاختبار الأسلحة الحديثة أو التخلص من المخزون المتكدس وكأن هذه الدول حقول تجارب وشعوبها فئران مختبرات على أكثر تقدير. يقول المثل الكردي الشعبي "المياه الراكدة في الأحواض تُفسد" وعليه فإن الأزمات المفتوحة على كل الاحتمالات والتي طال أمدها قياساً بالتصورات المرافقة لبدايتها، دون أن تلوح في الأفق حلول أو نهايات ممكنة لها، هي التي تُفسد وتفسد الإنسانية وتبتليها بآفة الآفات العصية هذه. رغم ذلك لم تتحول المجتمعات المعايشة للحروب والاقتتال في سوريا والعراق على وجه الخصوص إلى بيئات مناسبة بالمطلق لنمو إرهاب محلي- ماخلا القليل منها- وإنما تحولت إلى قطع جبن جاذبة لكل متمرد فاسد ومجرم قاتل باحث عن هوية ضائعة في المجتمعية المدنية ليثبت ذاته فيها. ولهذا تحولت البقع المتأزمة لمصايد ومحارق للإرهابيين وخطوط متقدمة لتصفية الحسابات الدولية وتحقيق مصالحهم وحصصهم السياسية والاقتصادية على حساب شعوب تلك الدول المتأزمة ودمار بلدانهم، وبالتأكيد وكما يقال "صانع السم ذائقه" فإن الجميع سيتذوق من هذا الإرهاب ما لم يستفيقوا قبل فوات الآون. إن المسؤولية جمعية كما النتائج وتتطلب تضافراً جدياً للجهود والإمكانيات وتسخيرها للتصدي للإرهاب الفاتك بالإنسانية وحضارته حيثما يكون، وهذا يفرض بلا شك مراجعة السياسات والمقاربات الدولية للأزمات المتعمقة في الشرق والسعي بجدية لإيجاد حلول لها. فالاكتفاء بمواجهة ارتدادات الإرهاب أو التباحث حول تغطية جذور المشكلة ومثيرات الأزمات بتكحيل العيون ودثرها ببعض الحلول السطحية والظالمة بحق البعض، ربما يخمدها لبعض الوقت, لكنها بالتأكيد ستعيد انفجارها مجدداً وبصورة أكثر خطورة وتعمقاً لا يمكن التكهن بنتائجها ومفرزاتها إلا عبر الكوارث التي تشهدها بعض المدن العالمية الآن. وهنا وليس كأول هجوم إرهابي وربما لن يكون الأخير، فإن هجوم مدينة نيس الذي وقع في احتفالات اليوم الوطني في فرنسا، بذكرى اقتحام سجن الباستيل في عام 1880 وأفول عهد السلطة الملكية الطويلة الأمد، قد يثير التساؤلات حول إمكانية ردع الإرهاب ويضع سياسات هذه الدولة على المحك، بعد أن فشلت كل محاولاتها وتدابيرها دون سخونة الصيف وسقوط مالا يقل عن 84 قتيلاً وعشرات الجرحى في كارثة لم تكن لا في حسبان المحتفلين ولا في توقعات الأجهزة الأمنية المتأهبة بأقصى صورها، سيما وأن الرئيس الفرنسي امتدح قدرة بلده على تهدئة حرارة الصيف الإرهابي وتلطيف أجواءه طيلة بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم. الفشل الفرنسي لم يتوقع أن تكون وصية أبو محمد العدناني أو كما يتعارف عليه في الغرب بوزير حرب داعش، التي تحث اعضاء وأنصار التنظيم في كل مكان على استخدام ما تيسر لهم من الأدوات والمعدات كالطعن بسكين أو الضرب بالحجر أو الدهس بالسيارة، قابلة للتحقيق بهذه السرعة والسهولة والتفاصيل. ولكن الحكومة والقيادة الفرنسية ومن خلفها القيادات العالمية المعنية بالأجمع باتت اليوم أمام تحدٍ كبير ومسؤوليات لن تتكفل بها استراتجياتهم الحالية لمحاربة الإرهاب، وإن قرر الفرنسيون إعادة إرسال شارل ديغول إلى المتوسط أو عاهدوا بتكثيف الضربات الجوية على داعش والنصرة، ما لم يعيدوا حساباتهم المتبعة ويتنصلوا قليلاً من التخندق خلف مصالحهم وصراعاتهم لأجل ذلك فحسب، بل بالتكاتف معاً للقضاء الإرهاب أولاً وذلك عبر نزع فتيل الاقتتال والقتل في الدول المتأزمة وتوفير أجواء المشاركة العادلة أمام المكونات المجتمعية في صناعة القرار السياسي ولعب أدوارها اللائقة في إدارة بلدانها لتنتفي للإرهاب اسباب الانتشار وتجف البيئات الحاضنة لها، تمهيداً لإعادة تلميع صور الغرب التي باتت مشوهة كثيراً في أذهان النسبة الكبرى من الشعوب الشرقية والإسلامية.
#إدريس_نعسان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تركيا وملف الكرد في سوريا
-
رقصة المصالح في برك الدم السوري!
-
كيف تحول الربيع خريفاً في سوريا؟
-
ماذا يحدث في سوريا؟
-
دوامة الصراع لن تنتهي إلا بإرادة السوريين أنفسهم!
-
المجتمع المدني بين الولادة و التشوهات
-
إغلاق المعاهد الخاصة في كوباني: بدوافع سياسية أم لضرورات ترب
...
-
في سوريا إعادة لترميم النظام في غفلة من الموت السريري للمعار
...
-
الهلال الأحمر في كوباني مهدد بفقدان مقره و ممارسة عمله في خي
...
-
الوفد الكوردي المستقل بضمانة كيري و لافروف
-
الإعلام الكوردي السوري تطور كمي و ضعف مهني
-
المتعارضون يُمزقون المعارضة و ينهكون الثورة!
-
على اعتاب الحل نحوج رؤية ثورية واضحة
-
اللقاء الأخير
-
هل يأتلف جميع الكورد في الائتلاف السوري؟
-
هل تصدق الضربة الأمريكية بعد الغوطتين؟
-
أطفال الغوطة يسقطون الأقنعة المزيفة!
-
الكورد بين استحقاقات القضية و اللعبة الدولية
-
أزمة المياه و الحرب الخفية في الشرق الأوسط
-
المعضلة السورية و أفق الحل
المزيد.....
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|