بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5248 - 2016 / 8 / 8 - 20:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال الكاتب سامي لبيب: (... سأعتبر أى إسلامى يمر على بحثى هذا ولا يدلو بدلوه أنه متهرب من تحريف القرآن. أأمل ان يتم تناول كل جزئية من مقالى بلا قفز أو إهمال فسأعتبر الإسلامى الذى لا يتناولها أنه يقر بصحتها...), وقد قبلنا ذلك, وسندلوا بدلونا, ولن نقبل تعليقاً بدون تفصيل ولا إدعاء بدون برهان.
مدخل:
أود هنا فقط أن أشير إلى الإيجابيات الكثيرة التي رصدناها عن موضوعنا السابق أن الذي كتبناه قد آتى أكله فوضع النقاط على الحروف, فظهر ذلك في التوتر والتخبط والحيرة التي بدت على الذين كانوا يطبلون لسامي لبيب في إستفذاذاته وتجنيه على غيره من المؤمنين بما لا يعتقد هو فيه,, وقد بلغ به الحال أن ظن أنه على حق, وأنه أصبح مالك لناصية الحقيقة وإزداد تطبيل الجهلاء والمغبونين لأنه لمس منطقة حساسة في وجدانهم التائه, وجهلهم وتجاهلهم لمصائرهم التي يقتربون منها كأنما عقارب الثواني تجرهم إلى آخر المطاف المبهم المعلوم المحتوم.
فلنعط مثالاً واحداً فقط, هو ما جاءنا به أحدهم بتعليق له أسماه (ملاحظة), قال لنا فيها ما يلي:
(... السيد بشاراه احمد,:
1. هذه اول مره اعلق على مقالك وان كنت فى السابق القى نظره عابره على مقالاتك واحس بالشفقه عليك, سوف اكون صريح معك لاننى لااحب المداهنه والنفاق.
2. مقالك هذا عن الكاتب والمفكر سامى لبيب اصابنى فعلا بصدمه كبيره.
3. انت بالفعل عندك موهبه « النصب والاحتيال والتدليس ». و « الباس القرأن حله جديده » لكى يصبح مقدس ومتألق,
4. القرأن واضح تماما « ولايحتاج الى افاق مثلك للقيام بهذا العمل والتزييف », يجب ان تخجل من نفسك.
على أية حال,,, من وجهة نظره هو: انه قد أفتى حتى إن قال ما قاله "تعويماً وترميزاً" لن يخرج هذا من الكلام المرسل كمقدمة لغايته الأساسية وهي "تفريغ شحنة من الإحباط والمفاجأة والحسرة التي أسماها "صدمة" وهو صادق في هذه الجزئية, فليس أمامه سوى ما قاله, ولن يجرؤ على التعليق على الموضوع, فأسهل شيء هو تناول شخص الكاتب المهم يشفي غليله بشيء ما. فرددنا عليه رداً موجزاً ومناسباً يجده القاري الكريم في تعليقاتنا بموضوعنا السابق, ولن نكرره هنا, فمن اراده فليتحراه هناك.
الجزء الخامس:
سنقوم هنا بتفنيد إدعاء صوب نحو آية كريمة هي:
قوله تعالى في سورة الأعراف: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ «« لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا »» وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَذَانٌ لاَ يَسْمَعُون بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 179).
أولاً,,, عرض سامي لبيب هذه الآية فقال: (... فى آية سورة الاعراف 179 (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَذَانٌ لاَ يَسْمَعُون بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ). ظناً منه بأن القلوب لا تفقه لأنها عبارة عن مضخة تضخ الدم في جميع أجزاء الجسم وليس لها أي دور آخر.
بل يظن أنْ لَّيس لها علاقة بالمشاعر والتفكير وإتخاذ القرار, ونسب كل ذلك "للدماغ" حصرياً, معتمداً على ما بلغه العلماء والمختصون من ملاحظات وترجيحات للظواهر التي بلغت مداركهم التي تُبْعِدُ إحتمال ذلك عن القلب وتقربه أكثر "للدماغ", علماً بأن الأبحاث العلمية حتى الآن لم تجزم قطعياً بهذا الترجيح, ولا تزال الأبحاث جارية في هذا الصدد, خاصة لوجود علامات إستفهام كبيرة وكثيرة محيرة يستحيل معها البت في الأمر بصورة قاطعة بصدق هذه الظنية.
ثانياً, جاء بنص ذكر فيه القلب قال مستشهداً: (... وفى إنجيل متى 13:15 (لأن قلب هذا الشعب قد غلظ واذانهم قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم و يسمعوا باذانهم و يفهموا بقلوبهم و يرجعوا فاشفيهم ...). طبعاً جاء بهذا النص لغاية في نفس يعقوب قضاها,, إذ لا يوجد أي داعٍ لذكره, ولكن إن أذا نظرنا إليه من باب الجهل نجد أنه لم يستطع التفريق ما بين عبارة (... لاَ يَفْقَهُونَ ...), التي جاءت بالآية الكريمة, وبين عبارة (... يفهموا ...), التي وردت في النص الذي ورد في متي 15 الذي جاء به.
ولا يغيب عن أحد البون الشاسع الواسع ما بين "الفقه" و "الفهم", وهذه هي إشكالية لبيب والذين معه في تعاملهم مع فقه اللغة ومقاصد المفردات ومعانيها وجوها.
ثالثاً,, ثم قال, على إثر هذا المفهوم المخلوط: (... نسأل هنا هل القلب يفقه ويفكر فلا تقل أن هذا مجاز كما كنت أتصور فهناك كثير من الآيات فى القرآن والكتاب المقدس تشير أن القلب عضو التفكير وسأعتنى بهذا فى بحث قادم ولكن تبقى هاتان الآيتان أوضحهما, فالإله فصل وأوضح أن العين عضو الإبصار والأذن عضو السمع وهذا لا مجاز فيه وعليه فالقلب عضو التفكير! ...),
وأيضاً لا يغيب عن أحد البون الشاسع الواسع ما بين "الفقه" و "والتفكير", وهذه نفس إشكاليته هو والذين معه في تعاملهم مع لغة الضاد.
نقول له في ذلك وبالله التوفيق وعليه السداد,,, ما يلي:
أولاً: سوالك واضح ومحدد ووارد فلا غبار عليك في ذلك,, ولكن المفهوم هو الذي يعج بالمفاهيم الخاطئة والمغالطات النكرة المنكرة,, وذلك بسبب تجاهل كثير من الناس ما ورد بالقرآن الكريم من تفاصيل غاية في الدقة والبرهان,, ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون, ولا يتجرأ على الخوض فيه إلَّا الذين لا يرجون لقاء ربهم, والذين لا يخشون عاقبة ولا مؤاخذة. أو لإعتمادهم فقط على ما جاد الله تعالى به على البشر من كشف لأسرار خلقه فظنوا أن ما لم يكشف لهم بَعْدُ – في حساباتهم - بأنه غير موجود في الأصل,,, وهذا حقيقةً ما يناقضونه وينفونه بسلوكهم وسعيهم الدئوب وراء الأبحاث والإستكشافات التي تظهر لهم حقائق تؤكد لهم أن ما كان لديهم من إكتشافات سابقة معلوماتهم عنها لم تكن دقيقة أو خاطئة, وهذا نتاج "علم البيان".
ثانياً: لاحظ أن الحديث هنا فقط عن القرآن الكريم "تحديداً", فلسنا في حاجة إلى إنجيل متي,, لأنه شخص غير معصوم وما عنده فيه شيء من الحقيقة وأغلبه ليس كذلك, فما صح فيه وإتفق مع القرآن نقره, وما إختلف معه فهو ردٌّ ولا نخوض فيه. إما إذا أشرت إلى "التوراة الأصل" و "الإنجيل الأصل" فلن تجد في الأحكام العقدية أي إختلاف, وإن إختلفت الشرائع والمناهج لمقتضيات نوع الحياة ومقتضياتها في كل جيل,, كما بين ذلك القرآن الكريم. فعبارة: (... لأن قلب هذا الشعب قد غلظ واذانهم قد ثقل سماعها وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم و يسمعوا باذانهم و يفهموا بقلوبهم و يرجعوا فاشفيهم ...), في مفهومها العام مقبولة إلى حد ما مع التحفظ في جوانب عدة, ورغم ما لدينا عليها من ملاحظات من حيث الصياغة الركيكة والمخالفة تماماً لقواعد اللغة العربية السليمة وقواعد النحو.
ثالثاً: سنتناول أسئلتك بالتفصيل "لأهميتها القصوى" والتي قلت فيها: ... نسأل هنا:
1. فنراك قد تساءلت فقلت: (... هل القلب يفقه ويفكر - فلا تقل أن هذا مجاز كما كنت أتصور - فهناك كثير من الآيات فى القرآن والكتاب المقدس تشير أن القلب عضو التفكير ...),
2. وقلت: (... وسأعتنى بهذا فى بحث قادم ولكن تبقى هاتان الآيتان أوضحهما ...),
3. ثم قلت: (... فالإله فصل وأوضح أن العين عضو الإبصار والأذن عضو السمع وهذا لا مجاز فيه وعليه فالقلب عضو التفكير! ...).
واضح – كما قلت سابقاً – إن هناك كثير من المغالطات والمفاهيم الخاطئة التي يتداولها الناس والعامة توهماً والتي تنسب إلى القرآن إدعاءاً مجحفاً,,, لذا سنبين ذلك فيما يلي:
أولاً: واضح أن الناس يتحدثون عن "السمع", و "البصر", و "القلب",,, فهم شبه متفقين على ذلك, ولكن إختلافاتهم في هذه الأدوات الثلاثة,, بعضهم ينسب إليها المشاعر والتفكير والفقه وإتخاذ القرار, والبعض الآخر ينسب كل ذلك إلى العقل بمفهوم أن "العقل" هو "الدماغ". ولكن,, هل القرآن الكريم يتفق معهم في ذلك أم له طرح آخر مختلف قلباً وقالباً؟؟؟
ثانياً: هناك سؤال هام للغاية,,, هل العلماء والأطباء والباحثون ... إستطاعوا (حتى الآن) معرفة كل شيء عن القلب والعقل والمشاعر والتفكير, بحيث تكون الأبحاث قد توقفت تماماً لعدم وجود جديد يمكن البحث عنه أم لا تزال الأبحاث جارية وتظهر من وقت لآخر نتائج جديدة إما داعمة أو ناسخة أو مغيرة لما قبلها من حقائق كقوانين نيوتن مثلا أمام النظرية النسبية, وغير ذلك؟؟؟
فإن كانت الأبحاث لا تزال جارية ومكثفة في هذا المجال,,, (وهذه حقيقة لن يستطيع أحد نفيها أو التماري فيها),, إذاً ما هو المنطق والموضوعية وراء (رَفْضِ عِلْمٍ رَآسِخٍ يَقُوْلُ بغير ما توصل له المختصون) – ولا يتناقض معه في الثوابت - وهم لا يزالون يبحثون - لعلمهم اليقين أنَّ ما لديهم حتى الآن غير كافٍ وهناك علامات إستفهام كثيرة لا تزال في علم الغيب رغم أنها مطلوبة وجاري البحث عنها؟؟؟ علماً بأن رفضهم ذلك العلم الراسخ هو عقدي عنصري مريض يضحِّي أصحابه بالموضوعية العلمية والمنطق في سبيل ذلك السلوك المتخلف وغير الحضاري, والذي لن يقف طويلاً أمام سطوع نور الحق والحقيقة إن عاجلاً أم آجلاً.
ثالثاً,, فلنبدأ بسؤالك عن القلب "في القرآن الكريم" إن كان يفقه ويفكر, وسنأخذ في الإعتبار قولك بأن هناك كثير من الآيات في القرآن تشير إلى أن القلب عضو التفكير, لنرى إن كان ذلك صحيحاً أم فبركة منك وجهل أو إرتجال؟؟؟.
القرآن الكريم يتحدث عن السمع والبصر, ويربطهما بالآتي:
1. يربطهما بالعقل, فيؤكد صلتهما الوثيقة له, هكذا: (سمع, وبصر, وعقل),
2. ويربطهما بالقلب, فيؤكد صلتهما الوثيقة به, هكذا: (سمع, وبصر, وقلب),
3. ويربطهما بالفؤاد, فيؤكد صلتهما الوثيقة به, هكذا: (سمع, وبصر, وفؤاد),
وتفصيل ذلك يكون من القرآن الكريم مباشرة, حتى لا ندخل الهوى في الحقيقة, ولن يكون هناك مجال لمجاز أبداً – كن مطمئناً, فالحقيقة حقيقة والمجاز مجاز, فإلى هناك, فلنبدأ بالعقل أولاً فيما يلي:
قال تعالى في سورة البقرة:
1. (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ «« أَفَلَا تَعْقِلُونَ »» 44)؟؟؟ ... فلا يمكن لشخص أن يأمر بشيء قبل أن يصل ذلك الأمر إلى دماغه أولاً, وإلَّا فما تبرير الأمر "نطقاً" بالشفاه أو إيحاءاً بالجوارح, أو إيماءاً بالرأس, وكل هذه الأعضاء لا يمكن أن تتحرك إلَّا بتوجيه من الدماغ المتحكم في الجهاز العصبي؟؟؟
إذاً وصول المعلومة للدماغ ليس دليلاً على العقل. فإن لم يكن ذلك كذلك, لما أمروا الناس بالبر ونسوا أنفسهم مع أنهم يتلون الكتاب, فكان أمرهم خارج دائرة عقلهم.
علماً بأن هذا الأمر قد أصدره "الدماغ" فتحركت الشفاه نطقاً بالأمر. أرجوا أن لا يظن السذج أن هذا "فلسفة", بل هو "تحليل علمي" في إطار تدبر نص آيات القرآن الكريم.
2. ثم أنظر إلى قوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ «« لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ »» 73). فمعلوم أن الرؤية بالعين, تدرك بجهاز الإبصار الرابط له بفص الدماغ المعني, وحيث أنهم رأوا الميت أمامهم قد أحياه الله ببعض لحم البقرة الميتة, فهذا يعني أن الإدراك قد تم والدماغ بلغته المعلومة كاملة, ولكن قوله (... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ...), دليل على أن العقل مرحلة بعد إدراك الدماغ, فأين تكون هذه المرحلة التي سيوصل الدماغ لها هذه المعلومة لترى رأيها فيها؟؟؟
3. ثم أنظر إلى قوله تعالى للمؤمنين عن أهل الكتاب: (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ « يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ » « ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ » « وَهُمْ يَعْلَمُونَ » 75). فماذا فعل أهل الكتاب؟؟؟
- الخطوة الأولى (... كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ...), وهذا يعني أنه بلغ مداركهم بمنطقة السمع في "الدماغ" المربوطة بأداة السمع, ولكنهم لم يعقلوه بعد,
- الخطو الثانية: أنهم عقلوه ولكنهم لم يؤمنوا به أو يكفروه, قال: (... مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ...), وهذا يعني أنه تحرك من مرحلة الإدراك بمنطقة الدماغ إلى المرحلة التالية وهي منطقة العقل, وهناك وصلت المعلومة من الدماغ لها, وتمت لهم عملية "عقله", ولكن لم يتم إتخاذ قرار بالإيمان به أو "بتحريفه" لأن هذا ليس شأن ودور العقل, وإنما له منطقة أخرى هي التي يتم فيها إتخاذ القرار, وحفظ المعلومة, فما هي هذه المنطقة التي ستصلها المعلومة من منطقة الفهم؟؟؟
- الخطوة الثالثة: كان ما وقر في الفؤاد الكفر بدلاً عن الإيمان, فجاء الجنوح بإصدار الأمر منه للدماغ "بالتحريف" ليس جهلاً منهم ولكنهم عقلوه وعلموا بحقيقته, وتمت المعالجة في منطقة الوجدان, لذا قال: (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
واضح من هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب, سمعوا كلام الله بآذانهم حتى بلغ مداركهم "بالدماغ", لم يكن سمعاً إدراكيا فقط, بل تحركت المعلومة المدركة إلى مرحلة العقل, فصدر من هناك قرار بتحويل المعلومة إلى مرحلة الفؤاد حيث المعلومات الأساسية من إيمان وكفر وحب وكره وخوف وتوجس... الخ وحيث إصدار القرار إلى الدماغ للتنفيذ بتحريك الجوارح, وما دام أنهم عقلوه كان المفترض منهم أن يؤمنوا به ولكن الكفر الراسخ في الفؤاد إختار غير ذلك فصدر أمرها "للدماغ" بتنفيذ القرار وهو تحريفه بدلاً من الإيمان به,,, فتحركت الجوارح للتنفيذ فكان التحريف له من بعد ما عقلوه.
4. ثم أنظر إلى هذه الصورة التي تحكي النفاق بكل المراحل: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 76),
- الخطوة الأولى لقاء المنافقين بالمؤمنين وقولهم لهم بأنهم مؤمنين مثلهم: (... قَالُوا آمَنَّا ...), فهذا القول صادر عن قرار سابق محفوظ بالفؤاد الذي أمر الدماغ "بالقول نفاقاً", فيحرك الدماغ الشفاه لتنطق بهذا القرار (الكاذب), ثم تلوين تعابير الوجه وغيرها لإظهار صورة تعكس إيحاءاً زائفاً بالصدق والجدية المكذوبة (تمثيل)... الخ,
- الخطوة الثانية: عند لقاء المنافقين أقرانهم في النفاق, قال: (... وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ...), فالوضع يختلف تماماً لأنهم سيكونون صرحاء معهم, لذا: (... قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ...)؟, فهذا القول تفعيل ليقين سابق محفوظ في الفؤاد الذي عقد فيه النفاق, يقصد المنافقون به مخاطبة أدمغة أقرانهم بأن يصدروا تعليماتهم لأدمغتهم بأن لا تحرك الشفاه, بل تظل صامتة حتى لا يكشفوا أوراقهم, ثم التشديد عليهم بقولهم لهم "زجراً" (... أَفَلَا تَعْقِلُونَ ...)؟؟
5. ثم أنظر هنا إلى خطاب الله تعالى للقلوب والأفئدة مباشرة بعرض آياته عليها حتى يحولها أصحابها إلى ثمرات إيمانية تنفعهم في دنياهم وأخراهم, قال:
- الخطوة الأولى للعرض, قال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ «« لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »» 164). فهذه الآيات إما أن تُبَلِّغَ المعنيين عن طريق النظر "بقراءتها" أو السمح "بتلاوتها عليهم" فتصل المعلومة للدماغ, "إدراكاً" لا عقل فيه,
- المرحلة الثانية: ينقل الدماغ الفكرة إلى المرحلة التالية ليعقلها السامع أو الناظر, والذي بدوره ينقلها إلى الفؤاد ليقارنها مع الرواسخ لديه إن كان إيماناً أم كفراً أم نفاقاً,, ليصدر قراره للدماغ للتصرف فيها, وحيث أن المعني بهذه الآيات هو "لقوم يعقلون" وهم المؤمنون لقوله (... لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ...), فإن الفؤاد سيصدر أوامره للدماغ ليحرك الجوارح بداءاً من البصر ليتحرى هذه الآيات في الكون ثم تصل المعلومة في النهاية إلى الفؤاد عائدة من الدماغ لتزيد الإيمان إيماناً.
وإليكم فيما يلي نماذج عديدة من القرآن الكريم تؤكد هذه الحقائق:
أولاً: المتعلقة بالعقل (الدماغ), ليس القصد منها التطويل, وإنما رأينا أن نحسم هذا الموضوع الذي كثر فيه اللغط, والذي يمكن لكل قاريء أن يكتفي بالقليل – إن بلغ الغاية وفهم المراد - ثم يترك الباقي لغيره لأن الغاية وصول الفكرة لا أكثر:
(أ): في سورة البقرة
1. وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ « لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا » وَلَا يَهْتَدُونَ 170),
2. وقال: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ « فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ » 171),
3. ثم قال: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ « لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » 242), واضح هنا أن التبيين يبلغ الدماغ إدراكاً, ثم ينتقل إلى منطقة العقل وهو القلب, ولم يذكر منطقة الفؤاد لأن هذه المنطقة محكومة "بالإختيار", والإختيار مفتاحه "العقل" وهو القلب الذي يعقل ما يبلغه من معلومات صادرة من الدماغ إدراكاً سواءاً أكانت عبر السمح أو البصر أو الحواس الأخرى.
(ب): وفي سورة آل عمران:
1. قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ «« أَفَلَا تَعْقِلُونَ »» 65),
2. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ « إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ » 118). إذاً فالصدور لا تحتوي فقط على القلب حيث العقل والفقه,, كما يظن الظانون,,, وإنما هناك عنصر آخر هو "الفؤاد", المسئول عن حفظ أسرار ومعتقدات وقيم الإنسان,,, ولأن كل هذه المعلومات خاصة للغاية ولا تتغير سوى "بالإختيار المطلق" الذي منحه الله تعالى للإنسان فبوابة هذا الفؤاد هي العقل الذي هو القلب, وبوابة العقل هي الدماغ وبوابة الدماغ هي الحواس كلها التي أهمها السمح والبصر.
(ج): وفي سورة المائدة:
1. وقال تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ « لَّا يَعْقِلُونَ » 58),
2. وقال: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ « لَا يَعْقِلُونَ » 103),
(د): وفي سورة الأنعام:
1. قال: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ « أَفَلَا تَعْقِلُونَ » 32)؟؟؟,
2. وقال: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ « لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » 151),
(ه): وفي سورة الأعراف, قال: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ « أَفَلَا تَعْقِلُونَ » 169)؟؟؟,
(و): وفي سورة الأنفال, قال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ « الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ » 22),
(ز): وفي سورة يونس:
1. قال: (قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ « أَفَلَا تَعْقِلُونَ » 16)؟؟؟,
2. وقال: (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ 42). أنظر إلى هذه الآية الكريمة جيداً,,, فهي تؤكد أن السمع ليس العقل, لقول الله تعالى لنبيه الكريم عاتباً: أتحاول أن تسمع هؤلاء الصم؟؟؟ وهل تعلم أنك لو أسمعتهم فبلغوا مرحلة الإدراك فإن هذا لن يجعلهم "يعقلون" ما أسمعتهم, لأن الخلل لديهم في مرحلة العقل لأن لهم قلوب تضخ الدماء في شرايينهم ولكنها غير مؤهلة للعقل, وبالتالي سينتهي بك الأمر إلى مرحلة الإدراك عند الدماغ فقط هذا إن إستطاعوا السمح إبتداءاً, أما القلب فالطريق بينه وبين الفؤاد مغلق, ولعل الفؤاد هو البصيرة التي هي شيء آخر غير البصر.
(ح): وفي سورة يوسف:
1. قال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 2). فلو كان القرآن أعجمياً وقرأه النبي على عرب لا يعرفون العجمة, فإن القرآن سيبلغ أدمغتهم عبر أذانهم, فيدركون أن هناك قول يقال, ولكنه لن يبلغ منطقة العقل ليفقهوه, لأنهم يجهلون اللغة التي سمعوه بها.
2. وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ 109),
كما أن هناك عشرات الآيات في عدد من السور بها مزيد من التفاصيل,, منها مثلاً هذه السور: (الرعد, والنحل, والأنبياء, والحج, والمؤمنون, و النور, و الفرقان, و الشعراء, و القصص, والعنكبوت, و الروم, و يس, و الصافات, والزمر, و غافر, و الزخرف , و الجاثية, و الحجرات, و الحديد, و الحشر, و الملك).
ثانياً: وبعد أن عرفنا العقل في القرآن الكريم,,, آن لنا أن نعرف "القلب" وعلاقته بالسمح والبصر فيما يلي:
1. قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ « فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ » لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159). فما وقر في "فؤادك" إيمان راسخ, وحلم, ورأفة, ورحمة, وخلق عظيم, فقلبك (بوابة فؤادك), بالطبع لن يكون فظاً غليظاً, لذا من المستحيل أن ينفضوا من حولك, فكيف ستكون "فظاً غليظ القلب" ومخزون فوادك رقة ولين ورحمة؟؟؟
2. وفي سورة ق, قال: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ 36), (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ « لَهُ قَلْبٌ » « أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » 37). فالله يقول لرسوله الكريم إنه قد أهلك أمماً قبلهم كانوا أشد منهم قوة وبطشاً,
فإن لم يصدقوا ذلك إما أن ينقبوا في البلاد بحثاً عن آثارهم ليروا إن كان يوجد لأحد من هؤلاء الهالكين مخرجاً من عذاب ربهم؟؟؟
ففي ذلك ذكرى لهم جميعاً لمن كان له قلب منهم "يعقل به" مباشرة, أو لمن ألقى السمع لما تقوله له وكان شهيداً على ذلك وهذا قد تخطى مرحلة العقل إلى مرحلة القؤاد.
3. وقال: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ 35) والطبع على القلب إما بإغلاقه كلياً أو جزئياً بنكت نكتة فيه.
4. (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ 97),
5. وقال: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ 204),
6. وقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 260). فإيمان إبراهيم الخليل راسخ في منطقة "الفؤاد", ولكنه يريد أن يطمئن قلبه للكيفية التي يحي الله بها الموتى وذلك في منطقة "العقل" وهو القلب.
7. وقال: (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 283). فالإثم في مرحلة العقل لا يلغي وينسخ الإيمان بالكامل من منطقة "القؤاد". وعليه بالتوبة والإياب.
8. وقال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159),
9. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ 24),
10. مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 106). شرح الصدر هنا يعني (الفؤاد, وبوابته القلب "العقل"),
11. وقال: )وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا 28),
12. وقال: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ 37),
13. وفي سورة الشورى, قال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 24),
14. وفي سورة الجاثية, قال: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ 23),
15. وفي سورة ق, قال: (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ 33),
ثالثاً: وبعد أن عرفنا "العقل" و "القلب" في القرآن الكريم,,, آن لنا أن نعرف "الفؤاد" وعلاقته بالسمح والبصر لتكتمل الصورة فيما يلي:
1. قال تعالى في سورة الأنعام: (وَنُقَلِّبُ « أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ » كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ 110),
2. وفي سورة القصص, قال تعالى: (وَأَصْبَحَ « فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى » فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن « رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا » لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 10). هنا واضح التفرقة ما بين الفؤاد و القلب, فما دام أن القلب هو بوابة "الفؤاد", وأن فؤادها قد أصبح فارغاً من القيم التي تجعلها صابرة,,, فكان لا بد من الربط على البوابة حفاظاً للفؤاد من التدهور فتفقد الإيمان, ثم تبدي بسر وليدها الذي تخاف عليه من بطش فرعون وتربصه دون أن تشعر أو تعي لما تفعل فربط الله على منطقة "العقل" وهو القلب.
3. وفي سورة النجم, قال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى 11),
4. وفي سورة هود, قال: (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ « فُؤَادَكَ » وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ 120),
5. وفي سورة الإسراء, قال: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ « السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ » كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا 36). فلأن الحديث عن حصيلة الأفئدة, وهي: الإيمان والنفاق والكفر ذكر "الفؤاد" ومداخله الأساسية وهما السمع والبصر, لذا لم يتطرق إلى مرحلتي الإدراك "الدماغ" و العقل "القلب", لأنه قصد الحصيلة ومدخلاتها الأساسية.
6. وقال في سورة الفرقان,: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا 32). إذا الفؤاد هو الذي فيه شخصية الإنسان بكل تفاصيلها ومعلوماتها الأساسية وهي تشارك القلب في الصدر.
7. وفي سورة المؤمنون, قال: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ 78). إذاً السمع والأبصار والأفئدة أنشأها الله إنشاءاً؟
8. وقال في سورة الملك,: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ 32),
9. وفي سورة السجدة, قال: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ 9),
10. وفي سورة النحل, قال: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ 78).
إذاً الفؤاد هو معجزة من معجزات هذا القرآن الذي تفرد في ذكره, ولو كان أهل الكتاب يعرفون عنه شيئاً لسألوا عنه النبي الكريم كما سألوه عن الروح, فقال لهم الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً. فإذا قال العلماء بما شاهدوه عن ظاهر القلب وتعاملوا معه كأداة لضخ الدم, وقاموا بإستبداله بقلب آخر بشري أو حيواني أو غير ذلك, فهم لا يعرفون شيئاً عن "الفؤاد" ولكن أعلمهم بأنه موجود في الصدور, كما أعلمهم بأن الروح من أمره وهي موجودة في الجسد دون أن يحدد منطقة فيه بعينها.
فكما عجزوا عن ملاحقة الروح ومعرفة شيء عنها, فإنهم بلا شك سيلاحقون "الفؤاد" ولن يبلغوا من علمها شيئاً إلَّا إذا توصل الناس إلى شيء من ذلك عبر تدبر القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه. وهذه الأفئدة من أعجب عجائبه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون.
قال تعالى في سورة الهمزة: (كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ 4), (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ 5), (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ 6), (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى «« الْأَفْئِدَةِ »» 7), (إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ 8), (فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ 9)
لا يزال للموضوع بقية باقية
تحية طيبة للقراء الكرام
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟