|
تسعة فنانين عراقيين يحتفون بزَها حديد
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5242 - 2016 / 8 / 2 - 11:13
المحور:
الادب والفن
بالتعاون مع ست منظمات ثقافية عراقية في لندن نظّمت جمعية التشكيليين العراقيين في بريطانيا معرضًا جماعيًا لتسعة فنانين عراقيين احتفوا بالمنجزات الكبيرة للمهندسة المعمارية الراحلة زها حديد. وقد ضمّ المعرض الذي أُقيم في صالة South Cloisters hall في قلب لندن سبعة بورتريهات لكل من علاء بشير، هاني مظهر، مخلّد المختار، باسم مهدي، راجحة القدسي، صادق طعمة ورائد هوبي، إضافة إلى عملٍ مجسّم للفنان فيصل لعيبي، وريليف للفنان سهيل الهنداوي. لا تتمحور فكرة المعرض الأساسية على البورتريه الشخصي لزها حديد فقط وإنما تتعداها إلى الطريقة التي يرى بها كل فنان على انفراد شخصية المهندسة الراحلة التي صممت تُحفًا معمارية حالمة غيّرت بها وجه العواصم والمدن الكبيرة في العالم. لابد من الإشارة إلى أن الراحلة نفّذت 950 مشروعًا في 44 دولة معتمدة على تقنيتها التفكيكية المتفردة التي تنتمي إلى المستقبل تمامًا لأنها قطعت صلتها بالماضي مُحطِّمة الخطوط الأفقية والعمودية في البناء التقليدي الذي خلّفته وراء ظهرها لتقدّم لنا أيقونات معمارية منسابة لا تصدم المتلقي حسب وإنما تلقيه في دوائر الدهشة والانبهار والذهول. ربما تكون لوحة الفنان علاء بشير هي الأكثر اختزالا بين البورتريهات السبعة فقد أخذ من زها حديد عينًا واحدة مؤطرة بتكوين معدني يحيل إلى مجمل تكويناتها التي طوّعت فيها الحديد، والإسمنت، والزجاج، والألياف الخرسانية وغيرها من المواد الإنشائية المعروفة. تجمع لوحة بشير بين أساليب فنية متعددة لكنها تخضع في خاتمة المطاف لهيمنة الأسلوب السريالي الذي يتجاوز الواقع بكثير ويتعانق مع البُعد الرمزي الذي يتبناه الفنان في معظم مشاريعه الفنية. لم يبتعد الفنان هاني مظهر عن فكرة البورتريه التي ظل أمينًا لها لكنه انتقى حالة خاصة لزها حديد وهي منغمسة في الاسترخاء الروحي والبدني في آنٍ معا. وقد بدا الانسجام الحلمي بين بورتريه زها حديد والتكوين المحيط بها من جهتي اليمين واليسار كنوع من التوحد بينها وبين منجزها الفني الذي ينأى بنفسه عن الواقع ويعلن ولاءه للخيال المتشظّي. ربما يكون هاني مظهر هو الأكثر ملامسة لشجاعة زها حديد وجرأتها في ترويض التصاميم والمجسّمات المستحيلة التي تشي بها التكوينات الجسورة التي تحيط بالبورتريه من جهتي اليمين واليسار. يبدو الإنشاء الزخرفي مُهيمنًا على البورتريه الذي رسمه التشكيلي مخلّد المختار المسكون بهاجس المضامين التراثية العربية والإسلامية، بل أنه أفقدَ هذا البورتريه جماليته البصرية وحاصرهُ بهذه التكوينات المتشابهة التي أثقلت كاهل العمل المؤثَث بتفاصيل غير ضرورية تُزعج عين المتلقي ولا تمنحها فرصة للتأمل والاسترخاء. بخلاف لوحة مخلّد المختار المكتظة يقدم لنا الفنان باسم مهدي عملاً بصريًا مريحًا انضوى تحت عنوان "فكرة وخلود" وقد ظل أمينًا للبورتريه من جهة وللمنجز المعماري الكبير الذي قدّمته الراحلة من جهة أخرى. فالبورتريه يصوِّر زها حديد في أبهى تجلياتها البدنية، ونظراتها العميقة النافذة التي تبدو وكأنها تستغور المستقبل، وترى فيه ما لا يراه الآخرون. أما الباليتة التي تحمل مجسّمًا منبثقًا منها رحمها فهي توحي بولادة الفكرة التي أخذت طريقها إلى الخلود. تكمن أهمية هذه اللوحة في إشارتها المجازية إلى ذوبان الفنون الثلاثة، الرسم والنحت والعمارة، في عمل واحد وهي تقنية جمالية غالباً ما كانت تستعملها الفنانة المبدعة زها حديد. أما الفنانة الواقعية الرمزية راجحة القدسي التي كانت، ولما تزل، مولعة برسم النساء، وراقصات البالية، والحَمام وما إلى ذلك من ثيمات رئيسة يغيب فيها الرجل عادة فقد رسمت بورتريها جانبيًا لزها حديد في بزّتها الأنيقة ذات الياقة السوداء المنتصبة التي أثارت العديد من الفنانين والنحاتين والمصورين الفوتوغرافيين فجسّدوها في أعمالهم الفنية. ما يلفت النظر في هذه اللوحة هو اللون الترابي المختزل الذي هيمن على فضاء العمل ما عدا الهالة المحيطة بالبورتريه التي بدت مريحة للناظر إلى هذه اللوحة والمتأمل فيها. تبدو الخطوط في هذه اللوحة أكثر عنفًا وأقل رقة ورشاقة من أعمالها السابقة على الرغم من التقشف اللوني المدروس. يلفت الفنان صادق طعمة انتباه المُشاهدين إلى لوحته التي رسم فيها زها حديد من ثلاث جهات وهي اليمين والجهة الأمامية واليسار في محاولة للاشتغال على هذه الأبعاد الثلاثة التي يمكن أن تُقرأ وتُفسَّر بأن شخصية زها حديد ثلاثية الأبعاد وهي قراءة مختلفة عن البورتريهات السبعة التي رأيناها في هذا المعرض تحديدًا. إنها لوحة باطنية تغوص في أعماق هذه الشخصية التي أبهرت العالم وطوّعت ما كان يراه غالبية المهندسين المعماريين عصيًا على البناء أو مستحيلاً. حاول التشكيلي رائد هوبي أن يزاوج بين أعماق صاحبة البورتريه وبين مشاريعها المرهفة وقد لعب على ثنائية الداخل والخارج بوصفهما أحلامًا ضبابية لا تتكشف إلاّ لحظة التنفيذ على أرض الواقع وكأنّ لسان حاله يقول بأن هذه الأحلام العصيّة قد تحولت إلى واقع ملموس. يحيلنا الريليف الذي أنجزه النحّات والرسّام سهيل الهنداوي إلى مشروعه الكبير الذي حاول أن يوثِّق فيه بأعمال نحتية بارزة Reliefs كل المبدعين العراقيين في الأدب والفن منذ عام 1900 وحتى عام 2000، وقد أنجز أعمالاً ريليفية عديدة نذكر منها الجواهري، الرصافي، السياب، علي الوردي، فائق حسن، حافظ الدروبي، محمد غني حكمت، شاكر حسن آل سعيد وغيرهم الكثير. يصوِّر هذا العمل الريليفي زها حديد من جهة اليسار مُعزِّزًا إياه بالهيبة والرصانة والقِدم وكأنه مُستدعى من أعماق التاريخ البعيد لما يوحي به من لمسة أيقونية لا تُخطئها عين الناظر المُدرّبة. ثمة عمل مجسّم للفنان فيصل لعيبي ارتأى أن يشترك به في هذا المعرض التكريمي لزها حديد وهو يرى أنه قريب جدًا من أجوائها وفضاءاتها الفنية. ينطوي هذا المجسّم على علاقة ما بكلكامش ولعل الأقواس والانحناءات في هذا العمل تحيل إلى الأقواس والتموجات التي تهيمن على أعمال زها حديد ومشاريعها الفنية المبثوثة في مختلف أرجاء العالم. لم ينتبه الفنانون العراقيون المشاركون في هذا المعرض إلى المؤثرات الأولى التي تركت بصماتها بقوة على زها حديد كمهندسة معمارية، وفنانة تشكيلية، أو حتى مصممة لبعض الأشياء البسيطة التي نحتاجها في حياتنا اليومية. وقد أشارت الراحلة غير مرة إلى تأثرها الصريح بأعمال الفنان الروسي التجريدي كازيمير ماليفيتش الذي أفادت منه كثيرًا وتعلمت منه كيف تتحدى الجاذبية ونظم البناء التقليدي. يشكِّل هذه المعرض على بساطته بادرة جدية لتحريض الفنانين والنقاد العراقيين على تناول منجزها الفني ودراسته بعين نقدية ثاقبة تبحث في كل شيء ولا تهمل أي شاردة أو وارده. تتأسف الراحلة زها حديد لأنها لم تنجز أي أثر معماري في العراق، باستثناء المبنى الجديد للبنك المركزي العراقي الذي سوف يُباشر بتشييده في مطلع سنة 2017. ورغم أنها أنجزت بعض المشاريع في مصر والمغرب ولبنان وبلدان الخليج العربي إلاّ أنها كانت تتمنى أن تزيّن العواصم العربية بالعديد من مآثرها العمرانية النادرة التي احتضنها الغرب فيما نفر منها العراق وبعض البلدان العربية.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نبوءة السقّا . . . بطولة جماعية في مكانٍ افتراضي
-
سمكة الأمازون الكهربائية. . .صعقتها تشلّ التمساح وتطرح الحصا
...
-
حنوّ الغوريلا وميولها العاطفية تجاه الإنسان
-
مخرج على الطريق: الخشية من تحجيب الأفلام (3-3)
-
مخرج على الطريق: أفلامي واقعية جديدة مُبهجة (2-3)
-
مُخرج على الطريق: الشخصية أهم من الحدّوتة (1-3)
-
الماركسية والشِعر: الوحي المنبثق من لحظة النشوة والغيبوبة
-
التقنية المُراوِغة في -مصائر- ربعي المدهون
-
الفتنة. . نصٌ وثائقي ببناء معماري ركيك
-
الفيلم الوثائقي الاستقصائي (نوري المالكي. . . الصورة الكاملة
...
-
الفن المفهومي في السينما والتصوير الفوتوغرافي
-
أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة
-
مائة سنة على الحملة البريطانية على بلاد ما بين النهرين (2-2)
-
مائة سنة على الحملة البريطانية على بلاد ما بين النهرين (1-2)
-
التشكيلي سعدي داود. . . ثيمات عراقية بتقنيات واقعية تعبيرية
-
هنا يكمن الفراغ. . . ترجمة سلسة لا تخلو من بعض الهَنَوات
-
العثور على أبي في بلاد ما بين النهرين
-
في مرآة الحرف . . . نصوص عضوية في أحسن تقويم
-
كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها لسالمة صالح
-
سبي النساء الإيزيديات بصيغة وثائقية
المزيد.....
-
وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
-
سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون
...
-
العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه
...
-
إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025
...
-
بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
-
ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم
...
-
سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو
...
-
معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
-
الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي
...
-
-نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|