|
-إفرايم هالفي- رجل في الضلال.. قراءة في كتاب..
محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 5239 - 2016 / 7 / 30 - 21:10
المحور:
الادب والفن
خيرا فعلت الدار العربية للعلوم ومكتبة مدبولي بتبنيهم لنشر مذكرات رجل الموساد "إفرايم هالفي" الصادرة عام 2006م تحت عنوان "رجل في الظلال" التي يسرد فيها سيرته الوظيفية في هذا الجهاز القذر والقدير في نفس الوقت لجهة إخلاصه في خدمة المشروع الصهيوني، وذلك منذ انتسابه له في بواكير حياته وحتى وصوله الى رئاسته ، سيرة تضمنت مواقف ومغامرات وصراعات خاضها هذا الرجل من أجل حماية دولته السرطان المزروع في قلب هذا الوطن تحت اسم "اسرائيل" والذي كان لخيانات عديد القيادات العربية دور محوري في حمايته وتوسعه على حساب الفلسطينيين وبقائه حتى اليوم. مذكرات هالفي بقدر ما تضمنت من روايات واستعراض لقوة هذا الجهاز وقدرات كوادره على اختراق مؤسسات قيادية عربية وتوظيفها لخدمة مشروع دولة "إسرائيل" ، وهي روايات لا تخلو من حقائق وإن كانت تنضح بالمبالغة، فقد وقع كاتبها الموتور بقوة دولته ونجاحه في اختراق مؤسسات قيادية عربية عليا تعلن عداءها للمشروع الصهيوني فيما تقدم له في الخفاء خدمات لا يجرؤ حتى قادة الصهاينة على طلبها منهم، وقع في لغة الإسفاف في سرده لمشاهد ارتماء ضحاياه من ملوك دول عربية عديدة أمامه، وإقبالهم على خدمة مشروعه بكل إخلاص وتفاني، وهي لغة في تقديري تدفع القارئ العربي وحتى المحايد للشك في مصداقية ما يقدمه من روايات حتى وإن كانت الأحداث تؤكدها.. ففي روايته حول مدى إخلاص حسين ملك الأردن للمشروع الصهيوني وارتمائه في أحضان الصهاينة ورعاتهم الأمريكيين والانجليز، من أجل المحافظة على عرشه الذي صنعه الانجليز قبل عقود لجده بعد أن أخرجوه من الحجاز لينصبوه أميرا على إمارة معان لتتحول بعد ذلك الى مملكة الأردن الحالية، في واحدة من فصول روايته هذه والمتعلقة بمفاوضاته السرية مع الملك حسين للتوصل لاتفاقية السلام مع "إسرائيل" يذهب الإسفاف بهالفي الى حد تصوير هذه المفوضات وانبطاح حسين أمام مطالب "إسرائيل" بالإبقاء على مزارع أقامها مستوطنون صهاينة على أراضي أردنية احتلوها في حرب 67 تحت سيطرة الدولة العبرية بحجة أنها تحوي مزارع ورود أصبحت تشكل علامة تجارية "اسرائيلية" في السوق العالمية!!، تصويرها كأنها مفاوضات بين تجار مواشي في سوق أسبوعي ، ويقول أنه بعد التوصل الى حل يعطي "إسرائيل" مهلة زمنية للإبقاء على استغلالهم لتلك الأراضي بالنص: "حان وقت التصدي للمشكلة الرئيسة للترتيبات المؤقتة التي أشبعت بحثا، التفت الملك اليّ وسألني إن كنت أرى في مدة خمس سنوات فترة معقولة ، حركت راسي من اليسار الى اليمين، ولذلك عرض عشر سنين، وفي هذه المرة أجبت شفهيا، وقلت إنها ستكون فترة قصيرة جدا للسماح للناس الذين على الأرض بتعويد أنفسهم على حالة تشبه العلاقات بين بلجيكا وهولندا. زاد الملك المدة الى خمس عشرة سنة، فأشرت مرة أخرى براسي ، في هذه الأثناء بدأت ترتسم على وجه عون حسونة (كاتم أسرار الملك) علامات الحنق المتزايد. ثم اقترح عشرين سنة. وعندما أشرت الى أننا لم نصل بعد الى العدد المطلوب، قال جلالته خمس وعشرون سنة، وهنا انفجر غضب حسونة وحث الملك على إنقاص العدد بدلا من زيادته، أدركت على الفور بأننا لن نتمكن من المضي أكثر من ذلك، وفي لحظة معينة قال جلالته إن المدة هي خمس وعشرون سنة لا أكثر...." !!! هذا المشهد من مسلسل طويل من مفاوضات كان يديرها "هالفي" وهو على رأس الموساد ، لا يمكن أن يرقى الى مستوى مفاوضات سياسية حول رهن جزء من وطن بين قيادة سياسية مهما كانت ضعيفة ومرتهنة للأجنبي وبين لصوص يدفعهم الجشع لابتلاع كل ما تصل له أيديهم من أراضي. وأقصى ما يمكن ان يوصف به هذا المشهد في تقديري أنه صورة لمناقصة ومضاربة في سوق مواشي حول بقرة او جمل او قطيع خنازير في دولة من العالم الثالث. هذا المشهد وكثير من المشاهد التي سردها المؤلف في كتابه ، تفتح الباب واسعا أمام القارئ لطرح الشكوك في مصداقية كل ما ورد في هذه السيرة التي من المؤكد أنها تضم الكثير من الأراجيف والمبالغة في تحقير العرب وتلميع صورة الكيان الصهيوني، بقدر ما تضم أيضا الكثير من الحقائق المرة والمخجلة عن سقوط قيادات عربية وضحالة تفكيرها واستعدادها لبيع الوطن مقابل التربع على عروش من الوهم تحميها بنادق عدو أمتهم . بهذا السرد الموظف بذكاء يشوبه خلل الاستهانة بعدوه والإغراق في تحقيره، يبدو هالفي كما غيره من قادة وزعماء المشروع الصهيوني الموتورين بصلف القوة الغاشمة التي تقدمها لهم قوى الشر في أمريكا والغرب، أنهم يصرون على مواصلة الخوض في بحر الأوهام والضلال معتقدين أن القوة يمكن أن تحول الكذب والتضليل الى حق، متجاهلين أن الحق هو الذي يصنع القوة التي لا تزعزعها تقلبات الزمن، ولهم ولنا فيما نقلته لنا ذاكرة التاريخ العديد من مشاريع الظلم والسرقة التي مرت بها الإنسانية عبر التاريخ مماثلة للمشروع الصهيوني، تؤكد أن القوة التي لا يسندها الحق مهما تجبرت وعلا صوتها مآلها الاندثار والتففت، وأن الحق القائم على ثوابت و وقائع على الأرض متواصلة دون انقطاع هو الذي يصنع التاريخ، وأن التلطي بالأساطير والكذب والتضليل كما يقولون حائطه قصير لا يصنع الحق الذي عليه تقوم الأمم..
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي جاري الأوروبي انتبه.. انك تؤذي نفسك.!
-
قرار لندن بغزو العراق.. خطيئة دولة لا فرد
-
الإسلام الأصولي كنموذج في تعامل الغرب مع المسلمين.. عرض كتاب
...
-
الإسلام الأصولي كنموذج في تعامل الغرب مع المسلمين.. قراءة في
...
-
تراجيديا سقوط غرناطة لم تتوقف!!
-
دوستويفسكي في منزل الأموات..
-
وداع يفيض حزنا
-
وليمة ذكورية ..
-
فعل الهوية في عقول همجية
-
الربيع العربي برؤية مثيرة تكشف حقيقته..
-
فاقرة الفياغرا.. (3/3)
-
فاقرة الفياغرا.. (2/3)
-
فاقرة الفياغرا.. (1/3) ( قصة )
-
أمريكا .. سذاجة إدارة التضليل
-
الأقليات ومبدأ التوافق قنابل تفتيت ليبيا
-
اليها في عيدها
-
الاختلاف لوأد الخلاف
-
ساعات بطول الدهر!!
-
قراءة في كتاب -الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ-..
-
ليبيا.. أسباب الفشل ومسار التصحيح..
المزيد.....
-
منظمة -الرواية اليهودية الجديدة- تندد بشكل لا لبس فيه خطة تر
...
-
أفراد يحتجون.. إطلالة على علم النفس الاجتماعي للاحتجاج
-
الشرطة تناشد الشهود لتزويدها بأفلام وصور إطلاق النار في المد
...
-
المشهور الغامض.. وفاة الفنان المصري صالح العويل
-
جسد شخصيته في فيلم -الشبكة الاجتماعية-.. جيسي أيزنبرغ لا يري
...
-
مع ختام معرض الكتاب.. متى يعلن وزير الثقافة واتحاد الناشرين
...
-
لوحات 18 فنانا مصريا تشارك في معرض لوحة في كل بيت بأتيليه جد
...
-
وفاة الفنان المصري الكبير صالح العويل
-
إيرادات فيلم الدشاش في السعودية 2025 في الأسبوع الأول بعد ال
...
-
المنافسة تشتعل.. أوفر 10 أفلام حظا للفوز بجوائز الأوسكار 202
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|