|
الإعلام الساقط
مهدي جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 5235 - 2016 / 7 / 26 - 19:25
المحور:
المجتمع المدني
أصبح دور وسائل الإعلام في المجتمع بالغ الأهمية ناجع الفاعلية مستسبب للتنمية ، إلى درجة خصصت جميع الحكومات وزارات إعلام تتولى تحقيق أهداف "داخلية وخارجية" عن طريق تلكم الوسائل ، ومن تلك الأهداف الداخلية رفع مستوى الجماهير ثقافياً و معرفيا و فكريا ، وتطوير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية بإرشادات عملية لاستسباب شروط التفتح و التطور ، أما خارجياً فيتجسد دور الإعلام في تعريف المشاهد بحضارة الشعوب ووجهات نظر الحكومات في المسائل السياسية الدولية ، و من جانب آخر بإشهار أحدث الأفكار العلمية و التقنية ، كل ذلك لتمليك المشاهد * كفاءة * بمعناها الواسع ، لكن هل هذه هي وظيفة إعلامنا العربي ؟
حري بالإشارة إلى أن الفضائيات الإعلامية طول السنة لا تقدم جديدا من حيث البرامج بل تجترر و تعيد ما بث في الماضي ، سوى بعض البرامج الصباحية و سهرات المجون ، لكن متى نشاهد الجديد ؟ في رمضان ، شهر الفضيلة كما هو معروف في الثقافة الإسلامية ، فهل هذا الجديد الرمضاني فاضل صالح أم طالح بديء ؟
من ساعات الصباح الأولى و نحن نشاهد القرف و التفاهة بكل ما تحمل الكلمة من مدلولات و معاني عجيب ، تبدأ اليوم ببرامج تشمل نوعا من الفكاهة الهابط يفتقر إلى أدنى شروط الإبداع الحقيقي ، من بعد تبث مسلسلات الغرام التي تعمر في التلفاز كما يعمر النسر في الأرض ، البطل فيها يشيب و يشيخ و يذهب عمره جفاءا هو و من يشاهده ، حيث تجد لهذا البطل الواهن عشيقات و خليلات و زوجات و في المسلسلات الإسلامية يضاف إلى هؤلاء الجواري و السريرات ، عندما ينتهي المسلسل يأتي أحد المتملقين و يسأل " فلان ( البطل ) عرض على خليلته للعشاء اليوم ، ما اسم المطعم : أ) ... - ب )... ، إذا أجبت صح ستربح فيلة و طائرة إرباس 366 و عطلة صيفية إلى ميامي ، أوليس حق لهؤلاء أن يخجلوا من كرامة المشاهدين ، و ما يزيد الطينة بلة هو " إشهارات البذخ " لأكبر الشركات الرأسمالية للإتصالات أو البنكية و العقارية التي حولت المواطن إلى بقرة عندما يجف حليبها تذبح ، و يوزع لحمها كغنيمة .
أستغرب بمرارة تقرح الأكباد ألا يستحيون هؤلاء ، هل يظنون أنهم يخاطبون الحمقى و المجانين بأسئلتهم الفارغة ؟ ألم يكتفوا بإشهارات كانت سببا و لا تزال في عدت مشاكل تعمل على هشاشة المجتمع مدنيا و فكريا و سياسيا ؟ من له مصلحة في الترويج لكل هذه الأعمال الحقيرة التافهة والممولة من ضرائب المواطنين ؟ واضح أن كل هذا يهدم أكثر مما يبني ، يغبش الرئية على الإنسان أكثر مما يوضحها ، يزرع بذور الشر و الإنحلال و التفكك لا رسالة حقيقية نافعة له ولا مضمونا يمكن الحوار معه أو حوله ، كله تسطيح و تتفيه و مضيعة للوقت ، هل أنا موجود فوق الأرض لأشاهد مسلسل عدد حلقاته يقدر بألف ؟
المفروض أن تحمل الإنتاجات الإعلامية حس القيم الفنية المتطورة و أن تربي على النقد و المساؤلة من أجل تحفيز العقول على التفكير و التفلسف بغية توليد فكر و عقلية و أسلوب حياة جديد متقدم يساير روح العصر ، للأسف العكس هو الحاصل الإعلام يسوق الجهل و الرجعية يضر و لا ينفع ، ينفث باستمرار معاقل التخلف في محاولة لاستدامته و استمراره ، هذا ما أفهمه من هذه الحملة الإعلامية الرمضانية المنحطة ، و كتجسيد لهدف نشر التخلف هو انعدام أي برنامج تثيقفي يستضيف أحد المفكرين أو العلماء الذي يمكنهم أن يغطوا بحديثهم كل ساعات الضحالة الثقافية التي بتث من قبل ، كل هذا غير موجود ليس هناك إلا سهرات الرقص البغية و مسلسلات الإستقذار و أسئلة الإستحمار ، فإن ذل هذا على شيء فإنما يذل على أن الإعلام أذاة بل ماكينة لزرع التخلف و لعرقلة و تأخير أقصى ما يمكن نهضة و صحوة فكرية ثقافية إجتماعية ، تقطع مع كل ما هو ضد التنمية و تقف أمام كل مصلحجي مرتشي يعيق الإلتحاق بالركب الحضاري .
من ناحية أخرى ارتفعت في ايام رمضان الفائت حناجر تدعوا إلى توقيف برنامج تنويري اسمه * صحوة * يستضاف فيه ، أفضل مفكر إسلامي في الفترة الراهنة في نظري ، و هو د.عدنان ابراهيم ، حيث دعى عبر منبر البرنامج إلى تحرير المرأة و توفير الضروف الملائمة للشباب من أجل الإنتاج الفكري و الحضاري ، فظلا عن نبذه للطائفية و الإرهاب و القتل باسم الدين ، كما أقر بأن الموسيقى و المزح حلال شرعا لأنهما محرمين عند الأعم الأغلب من فقهاء الإسلام في الماضي و الحاضر ، كما اقترح مجموعة من الحلول في مجموعة من القضايا الإجتماعية و هو ما نحن بحاجة ماسة إليه في واقعنا المتهور على جميع الأصعدة ، لكن الغريب و العجيب هو خروج هيئة كبار العلماء السعوديين ببيان يحذر من " ضلالات عدنان ابراهيم " حسب تعبيرهم ، أتسائل إذا كانت مثل هذه الأفكار التنويرية ضلالات ، ماذا يمكن أن نقول عن برامجكم التافهة ؟ " مخذرات مغيبات عن الواقع و الحقيقة " .
أخيرا أحب أن أقول وسط كل هذه المهزلة و النصب و الإحتيال على عقول و عواطف الناس ، إن هذه البرامج باتت تستلزم من نقاد التلفزيون ومن نجوم النقد الفني عموما أن ينهضوا بواجبهم في نقد وإدانة كل المسلسلات والبرامج التخريية هذه ، ويكشفوا حقيقة من يقف وراء دعمها و ما هي الجهات التي تسترزق جراء انتشارها ، إن وجدنا طبعا نقادا مستقلين بضمائر حرة و لياقات معرفية ترقى إلى قيمة النقد الذي يغني و لا يلغي حسب هواه ، إن لم ينوجدوا و الحال هذا إلى متى سنبقى مصطفون وراء هؤلاء المجرمين الأذكياء ، متى نحيد عن موقع التبعية وراء المتنفذين و أصحاب القصور ؟
#مهدي_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة الإلحاد في العالم العربي وفق منظور الباحث السوسيولوجي
...
-
* الإيمان * , المفهوم المخادع
-
التيار الإسلامي و حقوق المرأة في العالم العربي
-
فتوحات إسلامية أم جرائم إرهابية
-
فكر و مدارس الفلسفة الإسلامية
-
لغز الكون
-
الموسيقى حديث الملائكة
-
صناعة التطرف
-
حول الكون نظريات علمية أم تخاريف بشرية
-
قصة و عبرة !!
-
علمانية علمانية ... حديث شريف !!
-
الإنقلاب أولى النتائج العكسية للسياسة الطائشة لأردغان
-
-تهافت -فكرة الإله- بين سداجة المؤمنين و جموح الفلاسفة و الع
...
-
الربيع العربي ( مخلفات ، أرقام و إحصاءات صادمة )
-
عبقرية ألبرت أينشتاين قياسا بعبقرية العلماء و الفلاسفة اليون
...
-
- ما لم نفهمه من شعار داعش باقية و تتمدد -
-
- المرأة العربية عقلية دون الظرفية المعاشة .-
المزيد.....
-
رغم محاولة طمس الحقائق... محققو الأمم المتحدة يؤكدون وجود -أ
...
-
قلق أممي من تدهور الوضع الإنساني في جنين نتيجة العدوان الإسر
...
-
مكتب إعلام الأسرى: الاحتلال يفرج غدا في إطار الدفعة الرابعة
...
-
الأمن السوري: اعتقال رئيس فرع الأمن السياسي السابق في درعا ع
...
-
نائب أوكراني سابق يتهم جهاز الأمن الأوكراني بإنشاء معسكر اعت
...
-
-بينهم محكومون بالمؤبد-..مكتب إعلام الأسرى يكشف أسماء الفلسط
...
-
بولندا.. اعتقال مواطنين أوكرانيين لمحاولتهما السطو على مكتب
...
-
قلق أممي من تدهور الوضع الإنساني في جنين نتيجة العدوان الإسر
...
-
الأمم المتحدة ترد بقوة على تصريحات ترامب بشأن غوانتانامو
-
كيف ينظر الداخل الإسرائيلي لعملية تبادل الأسرى مع المقاومة ا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|