|
لغز الكون
مهدي جعفر
الحوار المتمدن-العدد: 5234 - 2016 / 7 / 25 - 09:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" إن أكثر الأشياء الغير قابلة للفهم هي أن الإنسان يستطيع فهم الكون " // ألبرت آينشتاين //
الكون ... ، كلمة بحد ذاتها تعني الغموض ، و بمجرد أن يلقيها أحدهم في روعك حتى تدخل في متاهة مظلمة يتعذر الخروج منها بسهولة ، كلمة تشعر الإنسان بالدونية و الصغر ، و بقزمية عالمه بالمقارنة مع باقي العوالم ، لذلك غالبا ما تستثار ثلة أسئلة من تلقاء ذاتها على غرار ، كيف نشأ الكون و من أنشأءه ؟ و ماذا كان في الوجود قبل أن يخلق ؟ و هل فعلا هناك أكوان متعددة غير هذا الكون ؟ . نستهل الحديث بملاحظة هامة تتجسد في أننا غالبا ما نتداول مع أصدقائنا و زملائنا كلمة كون دون ما فهم لائق بدلالة المصطلح ، و ذلك لأن معرفتنا بكياننا الوجودي يقف على ما يقدمه لنا الدين في غنى عن العلم ، رغم أن كليهما يشتركان في مهمة عظيمة هي تقديم جواب منطقي عن نشأت الكون و الحياة ، غير أن جواب الدين مشهور ، لكن طرح العلم مبهم و ضائع بين ثنايا و غياهب الدين ، لذلك نسلط الضوء على المنظور العلمي في هذه النزيلة ، الذي يقول أن الكون حسب عالم الفلك الأمريكي الأنيق " كارل ساگن" هو ` كل ما وجد و ما هو موجود و ما سيوجد في المستقبل ، فما وجد و موجود هو أن الكون يتألف من 100 مليار مجرة ، وفي كل منها مليار نجم في المعدل ، و هكذا يوجد في كل المجرات عدد من النجوم يبلغ تقريبا 10 مليار تريليون نجم 😮 ، أما ما سيوجد فهو منوط بجريان الزمن ، فيعتبر سطح الأرض شاطىء المحيط الكوني حيث نزلنا مؤخرا لمحيط الوجود بما يكفي لتبليل رؤوس الأصابع فقط ، و لكن الماء يبدو خلابا ساحرا يدعونا إليه و ثمة جزء من كياننا الداخلي يخبرننا باستمرار أننا جئنا من هذا المكان الحالك و نحن نشتاق للعودة . أبعاد الكون هي من التمدد و الإتساع ، لذلك نقيس المسافة بسرعة الضوء ، حيث يقطع شعاعه 300 ألف كيلومتر في ثانية واحدة ، يأتي من الشمس الى الأرض في 8 دقائق و يدور حول كوكبنا سبع دورات و نصف في ثانية فقط ، و في سنة يقطع ما يصل إلى 10 تريليونات كيلومتر ، و هكذا فإن وحدة الطول التي يقطعها الضوء في سنة واحدة ، تدعى " سنة ضوئية " ، و هي لا تقس الزمن كما يعتقد العوام ، و إنما المسافات الفلكية الكبيرة . كل هذه الأرقام لا تجيب عن سؤال كيف نشأ الكون ؟ ، لذلك أشهر جواب قدم في هذا الصدد هو المتعلق بما اقترحه القسيس البلجيكي ﺟﻮﺭﺝ ﻟﻮﻣﺘﺮ كفرﺿﻴﺔ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻻﺣﻘًﺎ في سنة 1927 ﻧﻈﺮﻳﺔ تسمى "ﺍﻻﻧﻔﺠﺎﺭ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ" ، حيث طور خطوطها العريضة ألبرت آينشتاين مع ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ، المهم أن الكل سمع بهذه العبارة لكن القليل من يفهم مدلول الإنفجار في الفلك الذي يعني التمدد لا الفرقعة ، حيث تقول هذه النظرية أن شيءا ما فائق الحرارة كان متكدسا ثم انحل قبل 13 مليار و 800 مليون سنة فبدأ يتمدد بسرعة الضوء ، فلتبسيط بما أن أي انفجار يؤدي الى تناثر محتوياته بسرعة و يرمي بها إلى ابعد مكان ممكن حسب شحنة الإنفجار فإن هذه المماثلة تدخل للدلالة عن ما حدث قبل 13,8 مليار سنة ، لكي نتصور المشهد و نوضع في سياق مقاربة الفهم بشكل بسيط ، و عليه الإنفجار في big bang يعني التمدد و ليس الفرقعة ، هذا التمدد يحمل في ذاته معدلا للدقة يفوق التصور البشري ، بحسب روجر بنروز لو كان أسرع أو أبطىء من معدل 1/10 اوس 243 لما وجد الكون أصلا ، فظلا عن هذا استغرق هذا التمدد زمنا طويلا لتطور كائنات حية كالتي على كوكبنا ، غير أنه تكون أولا جيلا مبكرا من النجوم التي عملت على تحويل بعض الهيدروجين و الهليوم في غبار الفضاء إلى الكربون و الأكسيجين ، حيث افجرت مرة أخرى وفق ما يسمى ب Super Nuva , حيث مضت بقاياها لتصنع نجوما و كواكب من بينها تلك التي توجد في مجموعتنا الشمسية ، التي يبلغ عمرها ما يقارب 5 آلاف مليون سنة ، و أول ألف أو ألفي مليون سنة من وجود كوكبنا كان أكثر من حار على أن يسمح بنشأة أي نوع للحياة فوقه ، و قد استغرق ما بقي من 3 آلاف مليون سنة في عملية التطور البيولوجي Evolution التي بدأت بأبسط الكائنات لتتطور إلى كائنات لها القدرة على قياس زمان ما وراء الإنفجار العظيم ( الإنسان ) ، المهم إذا كان الأمر كذلك ما الذي كان موجودا قبل هذا الإنفجار ؟ الجواب عن هذا السؤال هو أكبر لغز يعيق نسقية النظرية ، لذلك توزعت العلماء افتراضات من وحي الخيال لزمن ما قبل الإنفجار الذي لا تحسبه معدلات الرياضيات و لا قوانين الفيزياء المعروفة لدينا ، أمام هذه المحنة العلمية كتب البروفيسور " ريتشارد دوكنز " على موقع الرسمي : هناك احتمالين إما أن هناك قوة عظيمة خلقة الكون نسميها "الله" ، و إما أن هناك أكوان كثيرة لا نهائية ، وفق نظرية غريبة تسمى ""بالأكوان المتعددة"" ، قال بها سكير خمرجي أمريكي لكن لم يلتفت إليها إلا مع هذا اللغز ، و فحواها أن هناك أكوان متعددة لا نهائية من ضمنها كوننا الذي انتخب لكي يسمح بوجود حياة على كواكبه ، هذه الأكوان لا نهائية لكن حددها المشاكس " ستيفن هوكنغ " في 10 اوس 500 كون في كتابه الأخير "التصميم الذكي" ، يعني ما كوكبنا و ما مجرتنا و ما كوننا إلى واحد ضمن تشكيلة لا نهائية من الأكوان ، غير أن هذه النظرية تلقت و ما تزال تتلقى انتقادات لادعة من طرف المؤمنين ، قالك لأنها غير علمية هههه و هل يا ترى نظرية الإله و الخلق العظيم نظرية علمية ؟ لنكن واضحين ، أصلا لا يهمنا لا علمية و لا أدبية بقدر ما يهمنا الوصول للحقيقة و صبر غور روح الكون ، لا قالوا غير علمية لأنها حسب أفق الجسيم Particle Horizon و هو قاعدة علمية تقول لو أمكن إرسال شيء لنتحقق من وجود أكوان أخرى فعلا ، فعند عودته سيكون كوننا هذا قد ركب سفينة العودة باتجاه العدم ، و بالتالي حصول التحقق غير ممكن ، ناهيك عن (نصل أوكام) الذي يقول لو أمكن تفسير أي فكرة أو نظرية بخطوة واحدة فلا يصح أن تفسر بخطوتين ، يعني التفسير بإله واحد أقرب للصحة علميا من التفسير الجائر بأكوان متعددة ، الحقيقة أنه يبدو لي من حجج المؤمنين أن النظرية تسقط ليس لأنها ليست صحيحة ، بل لأن العلم لا يستطيع أن يقاربها فهما و تبريرا ، لأنه لا يملك آليات التعاطي مع ما وراء الكون ، بل لأن حياة كوننا باتت قصيرة أكثر من أي وقت مضى فقريبا سيحدث الإنكماش العظيم بدل التمدد حيث سيعود الكون من حيث انطلق قبل 13,8 مليار سنة في ، لذلك كرأي توفيقي و حسب تقديري نترك الأمر في هذه المسألة للمتخصصين ، فلم يتبث بعد لا إله و لا أكوان متعددة . الآن و أخيرا نعود إلى نظرية الإله الخارق ، لو سلمنا افتراضا أن الأكوان المتعددة كلام سفسطي فارغ ، و فعلا هناك قوة عظيمة بالغة العلم و دائمة الحضور تدعى "الله" خلقت الكون و نظمته لدرجة غير قابلة لا للصدفة و لا لاختلال التوازن ، فهذا الخالق لو أسقطناه على أديان البشر في كوكبنا حيث تتعدد الآلهة بتعدد البشر ، لا نعلم أي مدلول مقدس ننسبه له ، فالمسلم مثلا يدعى أن من خلق الكون هو ربه العظيم و قناعته بمعتقده تبلغ آفاق اليقين ، و قس على ذلك النصراني و اليهودي و الهندوسي و البوذي ... فمن بعد هذه الدوامة المظلمة ، المأرقة للبال و المرهقة للضمير ، نتساءل ما هو الإله الذي على حق من بين آلهة الأرض الذي فعلا انبثق هذا الوجود البديع تحت أمره ؟ "" لا ندري "" كل يدعي الحب لليلى ، و ليلى لا تقره لأحد .
#مهدي_جعفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموسيقى حديث الملائكة
-
صناعة التطرف
-
حول الكون نظريات علمية أم تخاريف بشرية
-
قصة و عبرة !!
-
علمانية علمانية ... حديث شريف !!
-
الإنقلاب أولى النتائج العكسية للسياسة الطائشة لأردغان
-
-تهافت -فكرة الإله- بين سداجة المؤمنين و جموح الفلاسفة و الع
...
-
الربيع العربي ( مخلفات ، أرقام و إحصاءات صادمة )
-
عبقرية ألبرت أينشتاين قياسا بعبقرية العلماء و الفلاسفة اليون
...
-
- ما لم نفهمه من شعار داعش باقية و تتمدد -
-
- المرأة العربية عقلية دون الظرفية المعاشة .-
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|