بعد الإنقلاب الفاشل في تركيا ما هو مآل السياسات في المنطقة ؟

عبدالجبار عيسى السعيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5232 - 2016 / 7 / 23 - 12:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بصرف النظر عما قيل ويقال عن محاولة الإنقلاب الفاشلة التي جرت قبل ستة أيام ( وأنا عايشت أحداثها في تركيا ) ، الإ أن المراقب للإحداث يستطيع أن يرى أن المنطقة مقبلة على إنعطافات كبيرة في السياسات الخارجية كانت محاولة الإنقلاب تلك تمثل فيها نقطة البداية . لا أشك أبدا ان الامريكان كانوا يعرفون كل شيء قبل الإنقلاب على عكس ما صرح به كيري في اليوم التالي ، فإذا كان فتح الله غولن وتنظيمه الموازي في داخل تركيا وراء الإنقلاب ، فالأولى أن الامريكان يعرفون بذلك قبل الاتراك لأنه لاجيء لديهم ويعرفون كل حركاته وسكناته ، وإن كان الإنقلاب تدبير عسكري محض ولا تعلم به امريكا فذلك طامة كبرى عليها لان المؤسسة العسكرية التركية مؤسسة أطلسية على الاقل ولها وشائج وثيقة معها فضلا عن رجالها القدماء في هذه المؤسسة ، وبالمناسبة هنالك رأي يقول أن السيد أردوغان وحزبه هم من قاموا بهذه العملية ليتخلص من معارضيه وهو رأي ساذج كونه يستطيع وبدون كل هذا العناء والمخاطر أن يتخلص منهم حتى بصورة سرية ، وكذلك لا أشك بالمقابل بأن الاتراك قد توصلوا إلى حقيقة أن الامريكان كان لهم يد فيما حصل وقد نوهوا لذلك مرارا . الغرب ، وهكذا فجأة شن هجمة غير مسبوقة على تركيا منذ مدة وكأنه تمهيد لما سيحصل ، كانت هنالك مقالات في مجلات معروفة عن إمكانية حصول إنقلاب عسكري ، ويبدو أن الاتراك أدركوا مغزى هذه المواقف فتوجهوا نحو روسيا التي كانت بالامس في الصف المعادي ، ولا أشك هنا أيضا إن الروس كانوا على علم بما في رأس الامريكان فتحركوا بمرونة نحو تركيا وقبلوا بإعتذار السيد اردوغان ، وكذلك الامر بالنسبة لإيران منذ مكالمة السيد روحاني مع اردوغان في عيد الفطر . إن من تابع وكالات الانباء والقنوات الفضائية ليلة الإنقلاب يستنتج إن الامريكان ومن يدور في فلكهم كانوا متحمسين للإنقلاب العسكري ، وهذا ما بدى واضحا على تغطية محطة CNN وكذلك وكالة Fox News التي ظهر لها عنوان كبير في اليوم التالي يقول : Turkey s last hope dies أي آخر أمل في تركيا يموت ، هذا فضلا عن إعلان الرئاسة الامريكية إن اوباما يتابع الاحداث ، وهو موقف غريب ومبهم ، وكذلك فعلت بعض الرئاسات الاوروبية التي وكما هي العادة تندد بأي محاولة لإنقلاب عسكري في أي مكان من العالم . الأمر الغريب الآخر ( وليس المستغرب ) أن السعودية فعلت الشيء ذاته الذي فعله الامريكان ليلة الإنقلاب بل وان الادلة واضحة على ذلك التعاطي السعودي مع الحدث ، فقناة العربية الحدث لا تنطق عن الهوى كانت منحازة في تغطيتها لصالح الإنقلابيين مما تسبب لها بحرج شديد بعد فشل الإنقلاب وموجة غضب على تويتر ( حملة البصق على العربية ) و ( إغلقها يا ملك سلمان ) ، كذلك الأمر بالنسبة لمحطة سكاي نيوز عربية الإماراتية بطعم امريكي ، كل ذلك يدلل على إستدارة غربية شبه كاملة عن تركيا بدعم سعودي إماراتي ( معروف إن الإمارات تشكل رأس حربة في معاداة الإخوان المسلمين ) . لماذا هذه الإستدارة من الغرب والتي لا تزال تداعياتها حتى الساعة من قبيل الهجوم الذي شنته فرنسا على تركيا في اليوم التالي للإنقلاب ؟ الجواب فيه تفاصيل كبيرة ولكن نستطيع ان نجمله بأن امريكا ماضية في مشروعها التقسيمي والذي لا يستثني احدا ومن جانب آخر ليس مقبولا ان تكون دولة موحدة فيها ما يقرب من 78 مليون مسلم أن تكون بوابة أوروبا الجنوبية ، ولسائل أن يسأل كيف يمكن أن تتخلى أمريكا عن حليف مهم لها مثل تركيا ؟ هذا السؤال أجاب عنه وزير الدفاع الامريكي كارتر ليلة البارحة بصورة غير مباشرة عندما قال ( ليس لنا حاجة بقاعدة أنجرليك التركية ) !! وعلى ما يبدو ان هنالك إستدارة مقابلة من جانب تركيا داخليا وخارجيا ، داخليا لا زالت عمليات تطهير المؤسسة العسكرية قائمة على قدم وساق والهدف الرسمي هو تطهيرها مما يسمى بالتنظيم الموازي التابع للداعية فتح الله غولن ، ولكن برأيي إنه أيضا تطهير للمؤسسة من ( أولادها ) الامريكان ، فكما هو معروف إن معظم ضباطها تلقوا تدريبهم إما في امريكا او في المانيا ضمن حلف الناتو ، وللمعلومة النادرة ربما ، إن إحدى الصحف الإسرائيلية أفادت بأن المتهم الرئيس في المحاولة الإنقلابية ، عضو المجلس العسكري وقائد القوة الجوية التركية السابق ( آكان أوز تورك ) كان ملحقا عسكريا في تل أبيب قبل سنوات !! إذن العودة التركية السريعة لروسيا والتفاعل الروسي المرن معها فضلا عن الموقف الإيراني الرافض بشدة للإنقلاب ( هناك ثلاث مكالمات قام بها محمد جواد ظريف مع مولود جاويش أوغلو أثناء العملية الإنقلابية ) كل ذلك يشي بتبدل كبير سوف يطرأ على سياسة التحالفات القادمة في المنطقة خصوصا ما يتعلق بالأزمة السورية والتي كان السيد بن علي يلدريم قد أشار إليها أصلا حتى قبل الإنقلاب في عودة واضحة الى سياسة ( صفر مشاكل ) مع دول الجوار . هنالك عبارة أخيرة قالها السيد أردوغان في نهاية مكالمة الرئيس الإيراني الذي هنأه بفشل الإنقلاب وهي موجودة على صفحة رئاسة الجمهورية في إيران ، عبارة تحمل أهمية كبيرة وكان نصها " مصممون على التضامن مع إيران و روسيا وبذل الجهود من أجل إعادة الأمن والإستقرار إلى المنطقة " . أخيرا نقول إن القادم من الأيام ربما سيكون حافلا بالمفاجآت .

#عبدالجبار_عيسى_السعيدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات