|
التحولات العالمية و الواقع اليمني
رياض طه شمسان
حقوقي و أكاديمي
(Reyad Taha Shamsan)
الحوار المتمدن-العدد: 5229 - 2016 / 7 / 20 - 16:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التحولات العالمية و الواقع اليمني
الدكتور| رياض طه شمسان
مع بداية ثمانينيات القرن الماضي شهد العالم تغييرات ديمقراطية أدت إلى القضاء على العديد من الأنظمة العسكرية و الدكتاتورية في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية وبعض أجزاء آسيا. و في بداية التسعينيات من نفس القرن جرت موجة واسعة جديدة للعملية الديمقراطية العالمية اجتاحت أوربا و آسيا و أفريقيا، و ظهرت دول جديدة مستقلة و ديمقراطية على خارطة العالم السياسية و تقلصت مساحة الأنظمة الاستبدادية إلى حد كبير على الساحة الدولية و توحدت الألمانيتين الشرقية و الغربية و توحد شمال اليمن و جنوبه تحت تأثير أنهيار الاتحاد السوفياتي و المنظومة الدولية الاشتراكية و أنتهاء الحرب الباردة.
المحرك الأساسي في إجراء هذه التغيرات الديمقراطية على المستوى الوطني في عدد من القارات و العامل الرئيسي للتحولات الاقتصادية و السياسية و الجيو سياسية و الأمنية على مستوى النظام الدولي يتمثل بدرجة أساسية بالتطور العلمي التكنولوجي الهائل الذي لم يؤدي فقط إلى التعجيل في انتهاء الحرب الباردة و إنما أيضاً أدى إلى سرعة نمو و تطور عالمية الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والثقافية و غيرها. هذا التطور رافقه نمو سرعة وتيرة عملية الارتباط و الشراكة العالمية والاعتماد المتبادل بين جميع الدول. و هذا الأخير أصبح واقعاً يفرض نفسه على جميع الدول دون استثناء و في مختلف المجالات و الاتجاهات وخاصة الاقتصادية والقانونية و السياسية، و بالمقابل ظهرت عدد من المشكلات و التحديات العالمية التي يصعب معالجتها و تسويتها بدون التعاون الدولي بين جميع الدول، تغيرت العلاقة بين المصالح القومية و مصالح المجتمع الدولي، و أصبح ضمان المصالح القومية متعلق إلى حد كبير بضمان مصالح المجتمع الدولي و خاصة في مجال السلام و الأمن الدوليين. و أصبح أيضاً الدخول في الشراكة العالمية لكل دولة ضرورة تفرضها المصالح الوطنية، لأنه لا يمكن لأي دولة أن تتمكن من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي و تحقيق تنمية شاملة بدون نمو شراكتها في الاقتصاد العالمي، و أصبح في الوقت ذاته الالتزام بالمعايير المعترف بها عموماً خاصة في مجال حقوق الإنسان ضرورة تقتضيها هذه الشراكة.
و بناءً على هذه المعطيات يمكن التأكيد أن قضايا حقوق الإنسان و الديمقراطية و سيادة القانون على الصعيدين الوطني و الدولي أصبحت تمثل اتجاه عام و ضرورة يفرضها طبيعة التطور العالمي، وأن انظمه الفساد و التسلط و الاستبداد و الإدارة السيئة هي حالة شاذة و مؤقته و هي ما تشكل مصدر دائم لعدم الاستقرار و مجال محتمل للحروب الداخلية طالما و ظلت باقية على حالها دون أصلاحات أو أعادة بناء على أسس ديمقراطية. .
مع انتهاء الحرب الباردة البلدان ضعيفة التطور التي كانت تقع تحت سيطرة أو تأثير الكتلة الغربية فقدت كثير من الامتيازات و المساعدات الاقتصادية و السياسية التي كانت تتلقاها من حلفائها أثناء فترة المواجهة في الحرب الباردة، و الدول التي كانت ضمن إطار الكتلة الشرقية أو تحديداً ما كانت تعرف بدول" التوجه الاشتراكي" فقدت الدعم و المساندة بشكل نهائي بزوال الكتلة الشرقية من النظام العالمي، و أصبحت تواجه أيضاً مشكلات العودة إلى ما قبل التجربة الاشتراكية - العودة إلى التاريخ والجغرافيا و أيدلوجية الهويات و الأديان . و إذا كانت المجموعة الأولى من الدول أصبحت تحتاج إلى أصلاحات ديمقراطية شاملة تتجاوب مع الاتجاه الديمقراطي العالمي تمكنها من تحقيق متطلبات التنمية و الشراكة العالمية بما يضمن لها الاستقرار و السلامة الإقليمية "خاصة في الدول المتعددة الأقليات"، فالدولة في المجموعة الثانية في ظل المعطيات العالمية و المحلية كانت بحاجة إلى إعادة بناء النظام السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي على أسس اقتصادية و ثقافية و سياسية جديدة و إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية.
مع انتهاء الحرب الباردة أيضاً انبعثت النزاعات القديمة التي تم تجميدها سابقاً بوجود أنظمة دكتاتورية و أستبدادية كانت مدعومة من الخارج أثناء نظام القطبين في العلاقات الدولية، و عدم وجود أنظمة ديمقراطية ساعد في تفاقمها و حدتها.
تغيرت أسباب و مصادر النزاعات الداخلية التي تتعدى تأثيراتها الحدود الإقليمية للدول، كثير من النزاعات الحديثة أصبحت مرتبطة بانخفاض و ضعف سلطة الدول المركزية و عدم الاستقرار و ضعف التنمية و انتشار الفقر و الأمية و الفساد و غياب العدالة الاجتماعية و المواطنة المتساوية. و هذا ما يفسر سبب النزاعات الداخلية التي تحصل في عدد من البلدان بما في ذلك اليمن.
عالمية الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية والثقافية والاعتماد المتبادل بين جميع الدول و لدت أيضاً مفهوم الدول عديمة الفاعلية أو الآهلية .
اليمن كان منقسماً بين الكتلتين الغربية و الشرقية و إقامة وحدته السياسية في بداية التسعينيات في الظروف الدولية و العالمية الجديدة كان يتطلب بناء دولة ديمقراطية تتجاوب مع متطلبات التطور الداخلي والخارجي- العالمي، مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص كل شطر على حدة و السمات المشتركة بينهما و طبيعة الشراكة العالمية، و لكن هذا ما لم يحصل لأن النخب الحاكمة في النظامين الاستبداديين كان كلما يهمها بدرجة أساسية هو الوصول إلى مخرج آمن و لو مؤقتاً من الاستحقاقات الوطنية و التاريخية، و وجدت هذا المخرج الآمن في الوحدة الفورية ولكن على حساب الاستحقاقات الديمقراطية. فقد لعبت الوحدة اليمنية الفورية دوراً مهماً في عدم دخول جنوب اليمن في حالة مأساوية مماثلة شهدتها عدد من البلدان ضعيفة التطور التي فشلت في التجربة الاشتراكية و حافظت على بقاء واستمرارية الحزب الاشتراكي في الحياة السياسية كشريك أساسي في الوحدة السياسية، و أجلت قضية الإصلاحات الديمقراطية الذي كان يقتضيها واقع التطور الداخلي في الشمال في ظل المتغيرات العالمية، و أدت في هذه الظروف إلى بناء نظام تسلطي يقوم على التعددية الحزبية المحدودة، والتنافس المحدود على السلطة، وانغلاق ساحة المشاركة السياسية، وشخصنة السلطة واحتكارها لمصالح فردية ونخبوية مركزية و مناطقية على مستوى الساحة اليمنية. فلم يكن جنوب اليمن ألمانيا الديمقراطية و لا شماله ألمانيا الاتحادية.
في النتيجة و صلت اليمن إلى هذا المرحلة الخطيرة للغاية و قلت الاختيارات المتاحة. و اصبح اليمن يقف اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما - بناء دولة ديمقراطية أو الصراع و الحروب المستمرة و عدم الاستقرار الذي تخرج مؤثراته عن المحيط اليمني، و ما يشهده اليمن اليوم ليست سوى البداية أن لم يصل أطراف الحرب و الصراع على السلطة إلى توافق سياسي و تخلوا عن المصالح الشخصية و احترموا الإرادة الشعبية.
لقد عبر الشعب اليمني من خلال ثورة التغيير 2011 م عن إرادته في رفض نظام الفساد و المحسوبيات والاستبداد و الإدارة السيئة الذي تشكل أثناء قيام الوحدة و أكتمل بناءه بعد حرب 1994م، لكن كما هو ملاحظ نظام الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة لم يتغير حتى بعد هذه الثورة، و ما تغير فقط هو البنية الداخلية لمراكز النفوذ و العلاقة الوظائفية بين مركبات هذا النظام، فأطراف الحرب "التي انقسمت على بعضها بعد فشل نظام المحاصصة" هي نفسها المكونات الأساسية لهذا النظام فجميعها شاركت في السلطة سواءً قبل أو بعد ثورة 2011م، باستثناء لاعبين جدد هما الحراك في الجنوب الذي له مظالم في الجنوب و أنصار الله (الحوثيين) في الشمال الذين لهم مظالم في شمال الشمال، وهذا الثاني أصبح طرفاً أساسياً في الصراع بعد دخولهم صنعاء و أنتزاعهم السلطة بالقوة في يناير 2015، و الحراك الجنوبي أصبح يشارك في إدارة شؤون بعض مناطق الجنوب بعد دخول قوات التحالف عسكرياً إلى عدن أثناء عاصفة الحزم. ضمن جميع هذه المكونات لا يوجد من يمتلك رؤية استراتيجية وطنية. صحيح توجد قوة جديدة ديمقراطية تمتلك آراء حول مستقبل اليمن و تمتد إلى داخل جميع هذه المكونات و لكنها ليست موحدة و لا مؤطرة تنظيمياً على الرغم من أنها هي كانت القوة الرئيسية المحركة لثورة التغيير الديمقراطي و الحراك الحقوقي في الجنوب، و مع تطور الأزمة حول الصراع على السلطة و وصول هذا الصراع إلى حالة الحرب بدأت تتبلور و تتشكل كحركة رأي مشترك أو عام يتضمن رؤية موحدة للمشروع الوطني، و لكن هذه الرؤية لم تصل بعد إلى مرحلة البرنامج السياسي، لأن هذا القطاع الديمقراطي لم يصبح بعد حركة سياسية منظمة. و إذا كان حزب المؤتمر هو من وضع أسس نظام الفساد و المحسوبيات الإدارة السيئة، فأحزاب المعارضة حينها "اللقاء المشترك" شاركت في هذا النظام و ما زالت و أن اختلفت مع حزب المؤتمر و حلفاءه، فالخلاف حول طبيعة و نسب المحاصصة في السلطة و الثروة، فجميعها أحزاب فقدت قدرتها على مواكبة التطور و هذا ما يفسر إعاقتها لأي حلول بناءة للأزمة اليمنية.
بدايات ثورة فبراير 2011م ترجع إلى المنتصف الأول من التسعينيات عندما فشل نظام الوحدة في تلبية متطلبات التنمية و كانت حرب 1994م إشارة واضحة لهذا الفشل و دعوة مباشرة إلى ضرورة القيام بإصلاحات سياسية و اقتصادية عاجلة، إلا أن النخب الحاكمة بعد ما تمكنت من إزاحة الشريك الرئيسي في الوحدة لم تعير هذه المسألة أي أهمية و تفرغت لمواصلة بناء نظام الفساد والمحسوبيات و الإدارة السيئة، الذي أدى إلى تدهور الوضع العام و في مختلف مناحي الحياة و تفاقمت جميع المشاكل العالقة خاصة في جنوب اليمن. و هذا ما ولد الرغبة لدى الشعب اليمني في تغيير النظام و كانت أول بوادر هذه الرغبة هي الاحتجاجات العفوية في 1995م و 1998م "ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة الجرعات الاقتصادية" و تشكل الحراك الجنوبي في 2007 م، و كان للثورة التونسية السلمية و العفوية عام 2011م التي تمكنت بنجاح خلال أيام من إسقاط رأس النظام التونسي دوراً مهماً و أن كان معنوياً للثورة اليمنية بما قدمته من نموذج في إمكانية تغيير أنظمة الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة بدون أحزاب منظمة. و أعلن الشعب اليمني عن ثورته التي كان عنوانها أسقاط النظام"و ضمنياً كان يعني أيضاً بهذا الشعار بناء الدولة الديمقراطية التي كان يتطلع الشعب لتحقيقها منذ ما قبل الوحدة اليمنية السياسية". أحزاب المعارضة في البداية مارست موقف مترقب و حذر و حاولت استغلال الاحتجاجات للحصول على مكاسب سياسية كما حصل في الاحتجاجات السابقة، و لكن عندما رأت أن الاحتجاجات مستمرة و أصبحت ظاهرة عامة و في عدد من البلدان انضمت إلى الثورة و أعلنت تأييدها لأسقاط النظام. و عندما تمكنت من المشاركة في السلطة تخلت عن مبادئ الثورة، و هذا القول لا يلغي دور أحزاب المعارضة في ثورة التغيير، إلا أن هذا لا يعطيها الحق في الترويج بأنها هي من قامة بالثورة و لا مصادرة دور و أرادة الشعب اليمني كما فعلت في ما سمي بمؤتمر الحوار الوطني أو مفاوضات جنيف و الكويت .
في نفس الوقت لا توجد شرعية وطنية لطرفي الحرب و في مفاوضات الكويت لا لجماعة أنصار الله و حلفائهم و لا لخصومهم السياسيين. فالطرف الأول أنتزع السلطة بالقوة و الطرف الثاني كان مؤقت لسنتين حسب المبادرة الخليجية، و أختيار رئيس الدولة تم توافقياً و ليس من خلال تنافس ديمقراطي، و أنما عن طريق الاستفتاء وكان المرشح الوحيد، و الحكومة كانت توافقية هي أيضاً و مجلس النواب تم له التمديد بعد أن كانت صلاحياته قد انتهت منذ ما قبل المبادرة الخليجية.
أما الاعتراف السياسي بسلطة الحكومة التوافقية من قبل المجتمع الدولي هو إجراء اضطراري بأعتبارها السلطة الرسمية و التزاماً بمبدأ عدم القبول بانتزاع سلطة الدولة بالقوة، ومن أجل عدم حدوث فراغ سياسي و من أجل تحقيق الانتقال السياسي إلى الديمقراطية و الحكم الرشيد. و لكن كما يبدو الفراغ السياسي الذي يرافقه فراغ أمني اصبح واقعاً بسبب عجز الحكومة المعترف بها في إدارة شؤون البلاد حتى في المناطق التي تم السيطرة عليها من قبل قوات التحالف.
الشعب ليس قابل بسلطة ما تسمى بالحكومة الشرعية (المعترف بها سياسياً) و هذا ما أكدته الاحتجاجات الشعبية التي ساعد ت حينها الحوثيين في اجتياح صنعاء في سبتمبر 2015 بسبب فسادها و فشلها سياسياً و أقتصادياً و لا يؤيد سلطة الأمر الواقع بعد ما تخلى أنصار الله عن مطالب الشعب التي أعلنوا عن تبنيها أثناء تلك الاحتجاجات أو في مفاوضات الكويت، هذه الحقيقة يجب أن يعرفها الجميع، و هذا ما يؤكده حياد الغالبية المطلقة من الشعب اليمني من صراع طرفي الحرب.
أن المشكة الرئيسية في التطور السياسي لليمن في ظل الظروف الرهنة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و غيرها الداخلية و الخارجية لا تكمن في شكل الإدارة الإقليمية للدولة، وإنما في بناء الدولة اليمنية ذاتها. ناهيك على أن بعض الخبراء الأجانب الذين شاركوا في صياغة مشروع مخرجات الحوار الوطني ليس فقط تجاوزوا جانباً جوهر المشكلة، و إنما أيضاً تناولوا مشكلة البناء الإداري لإقليم الدولة في اليمن من الزاوية الخارجية و ليس من الزاويتين الداخلية و الخارجية و من واقع بلدانهم المتقدمة و هذا سبب رئيسي في عدم تقديم و جهة نظر موضوعية بهذا الخصوص. بالطبع الفدرالية نظام متطور للديمقراطية، لكن بدون و جود مؤسسات الدولة الديمقراطية يجانب الصواب. و إذا كان يوجد اعتقاد بأن الفدرلة ستساعد في بناء مؤسسات الدولة الحديثة على مستوى الأقاليم فهذا أعتقاد خاطئ فيما يتعلق بالدول ذات البنية الاجتماعية التقليدية و المناطقية و خاصة باليمن الذي لا يوجد فيه أقليات عرقية أو دينية أو لغوية، و يشهد حالة تآكل النسيج الاجتماعي بسبب الصراعات المزمنة بين القوى السياسية العقيمة، و هذا من شأنه لا يعمل فقط على تطويل فترة الانتقال إلى بناء الدولة الديمقراطية بل سيفتح مجال جديد للصراعات المناطقية و الحروب الأهلية، خاصة و أن مشروع التقسيم الإداري لا يعتمد على دراسات علمية أقتصادية و سياسية و ثقافية و أنما على أسس مناطقية مما يعني أنه سيكونى فدرلة للفساد. و في هذا السياق يمكن الإشارة أيضاً إلى مستوى تدني الاحترافية لدى بعض الخبراء الأمميين الذين شاركوا في صياغة مخرجات الحوار. فليس سراً بأن الأمم المتحدة تعاني من تدني كفاءة كثير من موظفيها بسبب أن التوظيف في الأمم المتحدة عادة ما يتوزع بشكل عادل على المناطق الدولية الجغرافية و غالبية هذه المناطق تعود للدول الضعيفة التطور التي تعاني من الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة (اليمن نموذجاً) و هذا ما يؤثر بشكل مباشر على نوعية و كفاءة تقديم المرشحين من قبل تلك الدول لشغل الوظائف في الأمم المتحدة، كما أن الإدارة المختصة في الأمم المتحدة تولي أهتمام أكبر بمسائل إجادة اللغة الانجليزية و الفرنسية للمتقدمين على حساب التخصص و المهنية و هذا ما ينعكس سلباً أثناء قبول المرشحين للعمل في الأمم المتحدة، إضافة إلى المحابات و العلاقات الشخصية. و هذا ما يفسر سبب أخفاقات الأمم المتحدة بإدارة الأزمات و احتوائها معالجتها البناءة في عدد من مناطق بؤر النزاعات المسلحة. ما يطلق عليه اليمن الاتحادي هو هروب من بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي أصبحت ضرورة يفرضها الواقع اليمني و الدولي، و هذا ما يجعل القوى السياسية المنتفعة أو المستفيدة من الوضع الحالي سواءً كانوا أفراد أو جماعات أو أحزاب تسعى إلى إطالة أمد الحرب إلى أقصى حد ممكن و هذا ما يظهر واضحاً في مفاوضات الكويت الذي ظل عليها أكثر من ثلاثة أشهر دون تقدم ملموس. و خيب المتفاوضون أمال الشعب اليمني في وضع حداً لمعاناتهم بسبب الحرب و طول مدته. و ما ساعد الطرفين على القيام بالمناورات في التفاوض في جنيف و الكويت و اختلاق الحجج من أجل إبقاء الأمور على حالها هو عدم وجود تناسق أوعدم الانسجام بين مضامين قرار 2216 و قرارات دولية سابقة و المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية و عدم تجاوبها مع المستجدات. فقرار 2216 يستند إلى جميع القرارات ذات الصلة و من بين هذه القرارات يوجد قرار يتضمن الاعتراف باتفاق السلم و الشراكة. و المبادرة الخليجية نصت على تشكيل حكومة توافقية و رئيس توافقي للفترة الانتقالية و حددتها بسنتان، و الحكومة الحالية المعترف بها دولياً شكلت من طرف واحد بعد دخول اليمن الحرب وهذا ما لا ينسجم مع الدستور اليمني و الشرعية التوافقية، و العديد من بنود مخرجات الحوار الوطني لا تتضمن رؤية موضوعية و البعض منها يتناقض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان و مبادئ الديمقراطية المعترف بها عموماً. و لن ندخل بالتفاصيل لأن هذا موضع مستقل بحد ذاته و يحتاج إلى قراءة قانونية خاصة. و يكفي فقط الإشارة إلى أن كل هذا أعطى كل طرف الذرائع للمناورات السياسية في المفاوضات و صعب على مندوب الأمم المتحدة مهمته في اليمن . اليمن و كما هو معروف أنتقل حديثاً من العلاقات الإقطاعية أو شبه الإقطاعية إلى علاقات السوق الرأسمالية و هذا ما يفسر عدم و جود دولة يمنية مركزية تمتد سيادتها على كامل الإقليم اليمني في التاريخ القديم و الحديث و يوضح سبب بقاء البناء الاجتماعي التقليدي و المناطقي حتى الآن. و هذه ظاهرة تاريخية لجميع بلدان العالم في فترات ما قبل المجتمعات الرأسمالية و ليست حالة نادرة. و منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م تحديداً بدأ الانفتاح نحو علاقات السوق الرأسمالية في الشمال الذي أقتصر على التجارة و التصدير و التوريد دون الصناعة . و في الجنوب بالذات "باستثناء مدينة عدن التي عرفت المدنية و الأحزاب السياسية مبكراً بأعتبارها ميناء عالمي و المقر السياسي للاستعمار البريطاني " بدأ الانفتاح في هذا الاتجاه تقريباً منذ ثورة 14 1963م أو على الأرجح منذ 30 نوفمبر 1967م. و لكن في جنوب اليمن سرعان ما تحول توجهه السياسي العام نحو النظام الاشتراكي الذي اعتمد نظامه الاقتصادي على الملكية العامة و التخطيط الاقتصادي المركزي في بلد غير صناعي. و لاحقاً ظل اليمن في تاريخه المعاصر بلد زراعي يعتمد على المساعدات الخارجية و تصدير المواد الخام بما فيها النفط و الغاز بإستثاء الصناعات الخفيفة.
اليمن يقف اليوم أمام استحقاقات تاريخية و يجب على جميع القوى السياسية حتى تكون جزء من المستقبل السياسي لليمن استيعاب الواقع بكل أبعاده الوطنية و الدولية و في مختلف المجالات.
مفاوضات أطراف الحرب في الكويت يجب أن تقوم على هذا الأساس: - اعتراف أطراف الحرب بضرورة بناء الدولة الديمقراطية. - الالتزام بعدم إعاقة بناء الدولة الديمقراطية. - الالتزام بالمشاركة أو عدم الإعاقة لتنفيذ المستحقات التاريخية الشعبية و الوطنية ابتداءً من صياغة الدستور الديمقراطي الذي يجسد الإرادة الشعب و صياغة القوانين الخاصة بإيجاد الضمانات من خطر إعادة إنتاج نظام الفساد و المحسوبيات و الحكم العائلي و الإدارة السيئة و انتهاءً بالانتخابات الديمقراطية الشفافة و النزيهة البرلمانية و الرئاسية.
و لا شك أن وقف الحرب من كافة الأطراف سيكون أول خطوة تؤكد حسن النية و القناعة بالحل السياسي.
الاستمرار في الحرب فقد كل المبررات ليس فقط لأن الحرب ليست وسيلة ناجحة لحل الأزمات السياسية و لكن أيضاً للاعتبارات التالية :
- مرور فترة طويلة على بدايته و ما رافقه من سقوط لكثير من الضحايا المدنين و تدمير البنى التحتية شبه الكامل و بلوغ الأزمة الإنسانية حدها الأقصى. و عدم التوصل إلى حل سياسي فوري سيعمل على خلق مأساة إنسانية حقيقية. و هذا ما تؤكده تقارير الأمم المتحدة الأخيرة من خلال الأرقام التي تشخص الحالة الإنسانية، حيث تشير إلى أن ثلاثة ملايين مواطن نزحوا عن مناطقهم، وأن 82 ٪--- من اليمنيين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وإن ما يقارب 8 ملايين شخص لا يجدون ما يسد رمقهم، وإن اليمن بأكمله على حافة المجاعة. - التدخل العسكري عادةً ما يتم بطريقة سريعة و لفترة قصيرة و ليس كما هو حاصل في اليمن، و يجب أن لا تكون آثاره عكسية كما هو حاصل في ليبيا. و لا ينبغي المقارنة في تدخل المجتمع الدولي في أفغانستان أو العراق بتدخل دول مجلس التعاون و حلفاءه في اليمن لأنه في الحالة الأولى كان التدخل بقرار من مجلس الأمن و متعلق بالحرب العالمية على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة العضو الدائم في مجلس الأمن ، أما في الحالة الثانية فكان من أجل العودة للشرعية. - قرار مجلس الأمن الدولي 2216 لم يعطي الموافقة للتدخل العسكري في اليمن، و التدخل كما هو معروف حصل بطلب من رئيس الدولة اليمنية الانتقالي و ليس بقرار من مجلس الأمن الدولي. المجتمع الدولي أكد ويؤكد على أن حل الأزمة اليمنية لن يكون إلا سياسياً و دعا الأطراف إلى وقف الحرب و الجلوس على طاولة المفاوضات منذ البداية. - الاعتراف من قبل المجتمع الدولي بالسلطة الرسمية اليمنية كان بهدف عدم إيجاد فراغ سياسي و من أجل استكمال ناجح لعملية الانتقال السياسي في اليمن و لا يعني مطلقاً إلغاء الاستحقاق الوطني في انتخاب رئاسية و برلمانية ديمقراطية و شفافة. -الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة لحكومة ما يسمى بالشرعية يشكل إحراجاً كبيراً للأمم المتحدة أمام الرأي العام المحلي و العالمي، و الاستمرار في مواصلة الاعتراف السياسي بسلطة غير منتخبة شعبياً حسب المعايير الديمقراطية المعترف بها عموماً يزيد الأمور تعقيداً. المناطق الواقعة تحت أشراف سلطة الأمر الواقع التي لا تشهد مواجهات عسكرية أكثر أمناً و استقراراً مقارنة مع المناطق المحررة التي دخلت تحت لواء السلطة الرسمية و التي تتواجد فيها قوى التحالف. و عدم عودة الحكومة بشكل كامل إلى المناطق المحررة يؤكد ذلك. و هذا ما يشكك بأهمية و فائدة استمرار الاعتراف الدولي بشرعية السلطة الرسمية. بالمقابل لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن تكون سلطة الأمر الواقع هي البديلة.
- هدف التدخل كما أعلن عنه رسمياً كان إعادة الاستقرار لليمن، و لكن كما يبدو وسيؤدي إلى الانهيار الكامل لما تبقى من مقومات الدولة اليمني التي هي أصلاً شبه دولة و هذا يبدو واضحاً في المناطق المحررة التي تنعدم فيها أهم مقومات الحياة.
- مثلما أن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن دول مجلس التعاون، فاستفزاز المملكة العربية السعودية هو استقرار لليمن. المملكة السعودية بحاجة إلى تغيير اقتصادها الذي يعتمد على النفط، و أستمرار الحرب يشكل عائق أساسي أمام هذا التوجه. ناهيك على أن هذه الحرب تستنزف المملكة العربية السعودية حسب التقارير الدولية 200 مليون دولار يومياً. و بسبب الحرب السعودية تنفق شهريا في العراق واليمن حوالي 30 مليار دولار من الاحتياطي المالي للدولة ( 750 مليار دولار كانت مخصصة لضمان مستقبل الدولة بعد انتهاء عهد النفط). وتدل دراسات صندوق النقد الدولي أن المملكة ستفقد كل الاحتياطي المالي خلال 5 سنوات إذا استمرت بالإنفاق وفق هذه الوتيرة. و نتيجة لاستمرار حرب اليمن تأثرت إلى حد ما الهيبة الدولية للمملكة العربية السعودية، ففي 25 فبراير الماضي صوت البرلمان الأوروبي على فرض حظر تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وبعدها بثلاثة أشهر أدرج تقرير صادر عن الأمم المتحدة السعودية ضمن القائمة السوداء لانتهاك حقوق الأطفال في اليمن. صحيح تم تعليق اسم المملكة من القائمة مما أدى إلى إزالة أي تبعات سياسية أو قانونية محتملة، لكن هذا التعليق بحد ذاته سيكون له مؤثراته على الرأي العام العالمي خاصة بعد ما آشار الأمين العام للأمم المتحدة بأن الأمم المتحدة تعرضت لضغوط من السعودية بتوقيف الدعم المالي لعدد من برامج الأمم المتحدة رداً على الانتقادات التي تلقاها بسبب ما قيل بأنه تراجع. بالإضافة إلى ذلك منظمات دولية حقوقية تطالب بأقصاء السعودية من مجلس حقوق الإنسان و تتهمها بارتكاب جرائم حرب. وفي 18 مايو من العام الحالي صوت الكونجرس الأمريكي بالإجماع على مشروع "11 سبتمبر" لإدانة السعودية في تلك الهجمات ومقاضاتها في المحاكم الدولية، و أن كان هذا ليس له علاقة مباشرة في حرب اليمن و لا بعلاقة السعودية بإحداث 11 سبتمبر، و لكنه سيعمل في نفس الاتجاه في التأثير على السمعة الدولية للملكة. و لهذا ليس من مصلحة السعودية الاستمرار في حرب نهايتها غير معروفة و مجهولة النتائج، خاصة و أنها تعتمد على حكومة ليس لها قاعدة شعبية بل تتعرض للانتقادات من قبل مؤيديها بسبب الفساد و المحسوبيات و عدم الكفاءة. باختصار من مصلحة المملكة العربية السعودية الدخول مع اليمن في أتحاد فدرالي من الاستمرار في الحرب.
- القضاء على الإرهاب في اليمن ليس ممكناً من خلال الإجراءات الأمنية. و الأسلوب الأمني هو معالجة مؤقته أو إجراء وقائي. نظام الفساد و المحسوبيات و الإدارة السيئة و غياب العدالة الاجتماعية و انتهاكات حقوق الإنسان يشكل بيئة مناسبة للإرهاب و التطرف. - كثير من قرارات مجلس الأمن لا يتم تطبيقها أما لعدم موضوعيتها أو لتغليب السياسة على القانون الدولي مما يجعل تنفيذها متعلق بالمتغيرات على الواقع. قرارات مجلس الأمن أو بعض من بنودها بشأن اليمن ليست استثناء.
حزب الإصلاح قوة مؤثرة في اليمن و الأمارات لها موقف واضح تجاه هذا الحزب و السعودية لها موقف حذر و تخشى من تسلح اليمن. و الحل لا يأتي بالتخلص من حزب الإصلاح و لا بمنع اليمن من اقتناء أسلحة متطورة بما يكفل ضمان حماية أمنه و استقراره، فلكل دولة الحق أن تمتلك السلاح اللازم لتعزيز قدرتها الدفاعية طالما و ذلك لا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. و لإزالة جميع هذه المخاوف من الضروري و جود دولة ديمقراطية. و القضاء على مخاوف التأثيرات الإيرانية في اليمن سيفقد مبرراته في ظل وجود دولة ديمقراطية، حتى و أن لم يكن اليمن بعد عضو كامل في مجلس التعاون. و انضمام اليمن لمجلس التعاون بدون دولة ديمقراطية أمر غير ممكن لأنه بدون هذه الدولة سيكون بلد غير مستقر. - ثقافة الكراهية و التطرف لا تبني دول، وإنما تدمر الأوطان. و التطرف أي كان نوعه دائماً ما يشكل مقدمة موضوعية في استخدام أساليب إرهاببية لتحقيق الأهداف السياسية.
الطريق الوحيد لخروج اليمن من ازمته وبقاء اليمن مستقراً هو بناء الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة، التي ستضمن للشعب اليمني المواطنة المتساوية و الاستفادة العادلة من الثروة و المشاركة العادلة في السلطة، وليس ما يطلق عليه اليمن الاتحادي الذي سيمزق اليمن، و أن كان سيضمن لقوى الفساد نظام المحاصصة في الثروة والسلطة.
التدخل السعودي اثر إلى حد كبير في تطور الأوضاع السياسية في اليمن و تتحمل المملكة السعودية مسؤولية قانونية و أخلاقيه تجاه اليمن و يجب أن يكون تأثير هذا التدخل بما يخدم الشعب اليمني و تطلعاته المشروعة في بناء دولة مدنية حديثة ديمقراطية و حقوقية.
#رياض_طه_شمسان (هاشتاغ)
Reyad_Taha_Shamsan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التشكيلة السياسية للمشهد اليمني و آفاق المستقبل
-
تفاصيل الأزمة اليمنية و مساراتها
-
اليمن وقضية بناء الدولة و مسألة الانضمام لمجلس التعاون
-
اخطاء المرحلة الأنتقالية في اليمن و آفاق الحل السياسي
-
الدوافع الرئيسية لعاصفة الحزم و الصفة القانونية
-
دستور الدولة المدنية الحقوقية و كيفية الوصول إلى حل الأزمة ا
...
-
الأسباب الحقيقية لأجتياح صنعاء و المخارج العملية لمنع الأنهي
...
-
التبعات القانونية و السياسية لعدم انتهاء مؤتمر حواراليمن الو
...
-
مفهوم شكل البناء الأداري لأقليم الدولة والأشكالية في بناء ال
...
-
نهاية الشرعية الوطنية والصلاحيات الدولية للسلطة السياسية في
...
-
الواقع السياسي في مصر وغيرها من بلدان النظام الأنتقالي والمع
...
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|