|
الانقلاب التركي بين المؤامرة وبين الصناعة
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 5225 - 2016 / 7 / 16 - 13:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الانقلاب التركي بين المؤامرة وبين الصناعة ************************************** هدأت عجلة دبابات الانقلاب في تركيا ، وبدأت الحياة تعود الى طبعيتها في تركيا . وهي ثاني مرة يفشل فيها الانقلاب في تركيا ، الأولى كانت سنة 1963 ، اما باقي الانقلابات فجميعها نجح ، حتى الانقلاب الأبيض على نجم الدين أربكان سنة 1997 نجح . وهو ما يلقي ظلالا من الشك والارتياب في طبيعة هذا الانقلاب ، خاصة اذا علمنا ان كل الانقلابات التركية الناجحة ، وهي انقلابات 1960 ،1971 ، 1980 ، 1997 ، كانت مدعومة من قيادة الأركان العسكرية وبتنسيق مع جميع فصائل الأجهزة الامنية . لكن الخبراء يلاحظون في الانقلاب الأخير انه تم من قبل مراتب عسكرية أدنى وبطريقة جد محدودة . فهل هو انقلاب مراهقين كما يذهب اليه بعض المحللين ؟ ام هو انقلاب مدبر ومتحكم فيه من قبل أردوغان ؟ . للآن لم تتضح الصورة الكاملة بعد محاولة الانقلاب العسكري الأخير بتركيا . فعدد الموقوفين من المشاركين في الانقلاب يقارب الألف ، اما عدد القتلي فهو قليل . والخسائر المادية تكاد لا تذكر ، الا من قصف خفيف لبنى البرلمان ولبعض المواقع العسكرية والأمنية . وقد دامت مدة الانقلاب ما يقرب من أربع ساعات قبل ان تظهر بوادر فشله الأولى . فحين ظهر الرئيس أردوغان على الهاتف المحمول على غير عادته عبر وسيلة السكايب ، كان يبدو عليه هدوء واتزان لا يتناسب مع الحدث وخطورته ، حيث امر الشعب بالخروج الى الساحات والتصدي للانقلابيين بلغة هادئة ومتوزانة . في هذه الأثناء كان قائد أركان الجيش التركي محتجزا عند الانقلابيين ، بينما كان رئيس المخابرات مختبئا بمكان مجهول يعطي تعليماته وتوجيهاته لعناصره لتطويق الحدث . اما المؤسسة الأمنية فقد ظلت على وفائها للرئيس التركي . في حين دعمت جميع الأحزاب السياسية منطق الحياة الأمنية وتشبث البرلمانيون بالمنهج الديمقراطي . في هذه الأثناء كانت جميع عواصم الغرب ، بما في ذلك موسكو تصدر بيانات عائمة ووسطية ، دون ان تدعو الى احترام السيرورة الديمقراطية أو حث الانقلابيين على اعادة التفكير في صنيعهم . بل أقصى ما طالبت به هو الحفاظ على السلام في الجمهورية وضبط النفس . حتى ان حلف الناتو الذي يعتبر الجيش التركي ثاني أكبر قوة فيه لم يصدر أي بيان شجب للانقلاب . وهو ما حدا ببعض المحللين ساعتها الى افتراض ان الانقلاب تم بتنسيق مع هذه القوة العالمية ، ومع عواصم غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية . لكن ما أن بدأت بوادر الانفراج تظهر وتلوح في الأفق حتى بادر الرئيس أوباما الى الاعلان على ضرورة احترام المؤسسات الديمقراطية المنتخبة . ومع ان هذا الموقف كان يجب أن يكون مبدأ وأساسا في ارساء دعائم السلم والسلام الوطني او الدولي ، وقاعدة تنبني عليها العلاقات الدولية بين الحكومات الشرعية ،فان البيت الأبيض انتظر الى حدود تبين الخيط الأبيض من الأسود ليصدر هذا التصريح ، وهو ما صنعه حلف الأطلسي . مما يدعم وجهات نظر ارتباط البيت الأبيض بمحاولة الانقلاب الفاشلة او على الأقل ضبابية الموقف الأمريكي والانتصار للرابح في مثل هذه العملية ، وهو موقف انتهازي بامتياز . لكن المثير في الأمر ان السلطات التركية سارعت الى ادانة جماعة فتح الله غولان منذ بداية الانقلاب، وهو معارض تركي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية . مما قد نعتبره رسالة مشفرة الى الولايات المتحدة الأمركية . خاصة وأنها ، أي الولايات المتحدة الأمريكية ، كانت قبل يومين فقط قد طلبت من رعاياها بتركيا توخي أقصى درجات الحذر ، وقللت من بعثتها الديبلوماسية بأنقرة ، وكذلك فعلت فرنسا . وهو ما يعزز الشك في علم بعض العواصم الغربية بما سيدور في تركيا . لكن هنا لابد وأن نستحضر دهاء الرئيس التركي ، وبراغماتيته القصوى ، فبعد الاعتذار المكتوب لروسيا وتقربه منها ، وبعد اعادة العلاقة مع دولة الكيان الاسرائيلي ، واشارات قوية لاعادة العلاقة مع مصر وسوريا . هذا ناهيك عن انقلابه على الاكراد ، ومحاولته حل الحزب الشعبي الديمقراطي وتقديم كوادره وبرلمانييه للمحاكمة ، في انقلاب واضح على ديمقراطية صناديق الاقتراع ، وابتزازه لأوروبا عبر ملايين اللاجئين السوريين وغيرهم . فان رجلا بهذه الأساليب التكتيكية الضاغطة يمكن أن يفكر في أي شيء . حتما سيقترن اسم اردوغان باسم كمال اتاتورك ، باعتباره الرجل الذي استطاع ان يهمين على الحياة السياسية بتركيا المعاصرة ويطبعها بطابعه الشخصي . فالرجل يمثل نموذجا للدهاء السياسي المعاصر ، ولا يمكن لأي قوة ان تقف في وجه استعادته اسم السلطان التركي بما لهذه الكلمة من دلالة رمزية قوية . يبقى ان اشير في النهاية ان هذا الانقلاب يمثل درسا قويا في مستويات عديدة ، يجب تفكيكها وبسطها لقراءة الخرائط الجيوسياسية ، فهو انقلاب له مخارج ومداخل متعددة ، يمكن الاتفادة منها يمناهج مختلفة وقراءات متنوعة .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الميتا مواطن
-
رسالة الى الضابط السابق مصطفى أديب
-
المكلية الفرنسية الجديدة
-
هل اقتربت نهاية آل سعود ؟
-
قراءة متأنية لنبرة خطاب الملك القوية في قمة الخليج
-
حان الوقت للافلات من تبعية القادة العظام
-
قمة التفاهة أن يحتفل الشعراء بيوم عالمي للشعر
-
أوباما يعيد كتابة التاريخ بطريقته
-
عرب يوقعون بقلم اسرائيل
-
حب قديم
-
تأجيل والغاء القمة العربية هل هو حكمة مغربية او انقاذ فشل حت
...
-
الشاعر لايموت...الى مصطفى بلوافي
-
متاهات اتحاد كتاب المغرب المغلقة
-
النظام السعودي يزداد اختناقا
-
محاولة منهجية لتأسيس الذات المثقفة
-
ايران نمر الخليج القادم
-
اعدام نمر النمر بين سذاجة آل سعود ولعبة استراتيجية كبرى
-
قصيدة الاعدام
-
رسالة الى صديق غائب
-
حكايات طنجة
المزيد.....
-
أمسكت مضرب بيسبول واندفعت لإنقاذه.. كاميرا ترصد ردة فعل طفلة
...
-
إسرائيل ترسل عسكريين كبار ورؤساء أجهزة الاستخبارات لمحادثات
...
-
الدفاع الروسية تنشر لقطات لعملية أسر عسكريين من -لواء النخبة
...
-
فيروس جدري القرود -الإمبوكس-: حالة طوارئ صحية في أفريقيا ودع
...
-
بشير الحجيمي.. المحلل السياسي العراقي أمام القضاء بسبب كلامه
...
-
عاملُ نظافة جزائري يُشعل المنصات ووسائلَ الإعلام بعد عثوره ع
...
-
رافضة المساس بوضع الأماكن المقدسة.. برلين تدين زيارة بن غفير
...
-
رباعية دفع روسية جديدة تظهر في منتدى -الجيش-2024-
-
بيلاوسوف يبحث مع وزير دفاع بوركينا فاسو آفاق التعاون العسكري
...
-
بالفيديو.. لحظة قصف الجيش الإسرائيلي شبانا في مدينة طوباس
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|